الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بيك دي لا ميراندول2 - Pic de la Mirandole

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2023 / 12 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة المعتمدأكاديميا
"تعلمت من بيكو أن "أصل الحكمة الأفلاطونية بربرية"بالحجة والبرهان




شخصية مركزية في عصر النهضة الإيطالية، ونموذج للمثقف الأوروبي في طليعة عصر التنوير، بيك دي لا ميراندول(بيكو)- Pic de la Mirandol -(1463-1494)، هو أحد هؤلاء المفكرين الذين أثاروا الإعجاب في تاريخ الفلسفة بما يتناسب مع سرهم الإبداعي وعمق جرأتهم الفكرية.
كان بيكو عاشقًا كبيرًا للغات القديمة، وكان يمتلك سعة الاطلاع قليلة المثيل. بالإضافة إلى اليونانية، قرأ أيضًا العهد القديم ومؤلفات اللاهوتيين اليهود منهم موسى بن ميمون ومؤلفات العلماء العرب كابن رشد بلغتهم أي بالعربية. حتى أنه تعلم أيضا اللغة الآرامية. وهو صاحب مقولة "أعرف الكثير من الأشياء التي لا يعرفها الكثير من الناس". كان مشبعًا منطقيًا بالجدلية الأفلاطونية المحدثة في عصره وكذلك بالأفكار المدرسية(1) – -scholastique- للكنيسة المسيحية، وقد تأثر أيضًا بالكابالا(2) وأفكار ابن رشد. فبعد أن ورث ثروة عائلته في سن مبكر كرس نفسه حصريًا للمجال الواسع من تجاربه الفكرية والحسية.
-------
(1)تتعلق بمدارس العصور الوسطى، وبالأساليب التي كانت تمارس هيا. وتتميز بالشكلية والتقليد الأعمى ا واللفظية الجوفاء، وعرفت انحلالا طريقة في نهاية العصور الوسطى. إنها الفلسفة التي تم تطويرها وتدريسها في العصور الوسطى في الجامعات: وتهدف إلى التوفيق بين مساهمة الفلسفة اليونانية (خاصة تعليم أرسطو والمشائين) مع اللاهوت المسيحي
(2)- هي معتقدات وشروحات روحانية فلسفية تفسر الحياة والكون والربانيات. بدأت عند اليهود وبقيت حكراً عليهم لقرون طويلة حتى أتى فلاسفة غربيون وطبقوا مبادئها على الثقافة الغربية في ما يسمى العصر الجديد, إنها بشكل عام، فلسفة تفسر العلاقة بين الله الأبدي والسرمدي، وبين الكون المتهالك والمحدود، (أي كل المخلوقات) ه. لا تعتبر الكبالا كدين إذ أنها فلسفة تفسر الباطنية في الدين كما أن طقوسها لا تنفي القيام بالطقوس الدينية لكن معتنقيها يعتقدون أن الإرشادات والطقوس الواردة فيها تساعد المرء على تطوير نفسه ليفهم بواطن الدين، وبخاصة بواطن التوراة والتقاليد اليهودية. ويعتقد أتباعها أن تعاليم الكبالا أقدم من التاريخ المعروف وهي سابقة لكل الأديان والطرق الروحية التي نعرفها وهي تشكل المخطط الأساسي لكل الإبداعات الإنسانية من الفلسفة والدين والعلوم والفنون والأنظمة السياسية.ومختلف المعارف الأخرى. وانبثقت الكبالا كشكل بدائي للباطنية اليهودية في القرن الثاني عشر في إسبانيا وجنوب فرنسا ثم أعيد تشكيلها بعهد النهضة اليهودية في القرن السادس عشر في فلسطين العثمانية. ثم تطورت في القرن العشرين فيما يسمى بالتجديد اليهودي وانتشرت في أوساط روحانية غير يهودية .
------------------------
نحو "توافق عالمي"
وفي فلورنسا، حيث استقر عام 1483، لم تكن حماسته الفكرية والمعرفية تستبعد بأي حال من الأحوال ملذات الحياة. ولكن ظل ذوقه في سعة الاطلاع مرتبطًا بـمفهوم الفلسفة لاسيما «الدراسة الإنسانية كأداة للفلسفة».. دون إنكار إنجازات الفكر المدرسي، فتح بيكو قبل كل شيء منظورًا إسكاتولوجيا( أخرويًا )كتوافق عالمي يتجاوز الاختلافات الفلسفية (الأفلاطونية والأوسطية) والدينية (المسيحية والفكر اليهودي والإسلامي).
تراث فلسفي إنساني وجب استعادته
إنه نموذج لمثقف عصر النهضة، ويمكن اعتبار بيكو رجل عصرنا من حيث الهم الذي ظل يحمله؟ فإذا كان في بعض الأحيان ضحية لسخرية المفكرين الذين يسخرون من معرفته غير المجدية حسبهم (رابليه- Rabelais -أو – Pascal- أو فولتير- Voltaire)، فقد تم الترحيب به منذ القرن التاسع عشر باعتباره من سلف عصر التنوير (من طرف جول ميشليه - Jules Michelet و إرنست كاسيرير- Ernst Cassirer- وجاك لو جوف - Jacques Le Goff ، ويعود الفضل إلى الإيطالي أوجينيو جارين - Eugenio Garin في خمسينيات القرن الماضي، في إعادة اكتشاف عمل بيك دي لا ميراندول-- Pic de la Mirandole).



وتشير فيرينا فون دير هايدن-رينش- Verena von der Heyden-Rynsch - إلى دعوة بيكو لمواصلة سعيه، الذي من خلاله ستستعيد مفهوم الإنسانية، التي أضرها التاريخ المدموغ بالمركزية الغربية، النزعة التي استعادتها في فلورنسا في نهاية القرن الخامس عشر. هذا هو مرتكز الفكرة الجوهرية لكتاب فيرينا فون دير هايدن رينش "عنقاء قرنه"(3).
--------------------------------------------------------------------------------------------------
(3)- Pico Della Mirandola. Le phénix de son siècle, de Verena von der Heyden-Rinsch aux Éditions Gallimard
-----------------------------------------------
توفى بيكو ديلا ميراندول في 17 نوفمبر 1494، في فلورنسا وهو شاب لا يزال اسمه يذكر مع لمسة من السخرية...لكنه موهوب رغم لفظه من طرف حراس هيكل تاريخ الفلسفة.
كل شيء بدأ في عام 1463! و فرنسا تتعافى من حرب المائة عام، وكانت القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية التركية لمدة عشر سنوات. كانت إيطاليا مقسمة إلى إمارات في حالة حرب دائمة مع بعضها البعض، وانغمست في عصر النهضة واكتشفت الإنسانية.(المقصود المذهب – humanism)
قمة بيكو دي لاميراندول (1463 - 1494) شهاب فجر عصر النهضة
في 17 نوفمبر 1494، توفي بيكو في فلورنسا وهو شاب لكن لا يزال اسمه يستخدم في عصرنا مع لمسة من السخرية...
كانت البداية في 1463 حين كانت تتعافى فرنسا تتعافى من حرب المائة عام، وكانت القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية التركية لمدة عشر سنوات. وكانت إيطاليا مقسمة إلى إمارات في حالة حرب دائمة مع بعضها البعض، وانغمست في عصر النهضة واكتشفت الإنسانية. .(المقصود المذهب – humanism)
في 24 فبراير من ذلك العام، في وسط إيطاليا، ولد جيوفاني بيكو، في شبابه كان موهوبًا، التحق بأكاديمية بولونيا في سن الرابعة عشرة، وبعد ذلك بعامين أصبح متخصصًا في القانون.
كان متحمسًا لاكتشاف نصوص العصور القديمة،التي تركها اليونانيون الذين فروا من الأتراك، وقرر تثقيف نفسه في جميع مجالات المعرفة من خلال الانتقال من جامعة إلى جامعة، من روما إلى باريس.

عاش بيكوأسلوب حياة فخم وكان يمتلك مكتبة غنية. وأكسبته ثقافته وبلاغته وحكمته استقبالًا لدى ملك فرنسا شارل الثامن وكذلك لوران العظيم، سيد فلورنسا. وفي حاشية هذا الأخير، أصبح صديقًا للفيلسوف مارسيليو فيسينو وحاول معه التوفيق بين فلسفة أفلاطون واللاهوت المسيحي. ولم تكن اليونان كافية بالنسبة له، لذا انغمس أيضًا في دراسة النصوص العبرية والعربية والكلدانية.
ففي سن الثالثة والعشرين، نشر 900 رسالة- أطروحة للمناظرة عموميا حولها. لكن هذه المبادرة لقيت استياءً ذوي المناصب العليا، وفي 31 مارس 1487، اضطر بيكو دي لا ميراندول إلى التخلي عن العديد من استنتاجاته، التي اعتبرتها لجنة بابوية بمتابة هرطقة. وفي العام التالي، حاول الفرار من انتقام الكنيسة إلى فرنسا. لكن تم القبض عليه في مدينة ليون وتم احتجازه لفترة وجيزة. وبعد إطلاق سراحه، سارع إلى الاستجابة لدعوة لوران العظيم ، وأنهى أسفاره، واستقر في فلورنسا.
لكنه أصيب في شبابه بحمى خبيثة وتوفي في فلورنسا عن عمر يناهز 31 عامًا. في نفس اليوم، في المدينة الخاضعة لسلطة الراهب سافونارولا- Savonarole ،آنذاك دخل ملك فرنسا شارل الثامن على رأس قواته. و كانت بداية الحروب الإيطالية الطويلة التي كشفت عصر النهضة للفرنسيين...
لقد كان فضول بيكو دي لا ميراندول الأممي ومعرفته الموسوعية يضرب به المثل. ولا يزال يحدثاليوم أن ينعت الشخص المتعلم بنبرة من السخرية بــنعته بـــ : "Pic de la Mirandole"...

في بداية عام 1487، تعرض بيكو دي لا ميراندول لواحدة من أسوأ المعاملات التي يمكن أن يتعرض لها أي مفكر في عصر النهضة في روما. لقد فقد حقه في استخدام وولوج مكتبة الفاتيكان- منعا للمعرفة وللاطلاع.
ولسوء حظه سيواجه بيكو إهانة أسوأ. لقد ذهب إلى روما لدعم مناظرة عامة بشأن الأطروحات التسعمائة التي طبعها يوخاريوس سيلبر. وكان من المقرر أن يبدأ الحفل بعرض تقديمي مثير للجدل للغاية، بعدوان Oratio de hominis dignitate ) خطبة عن كرامة الإنسان أو " في كرامة الإنسان"(4)
----------------------------------------------------
(4) - الخطبة حول كرامة الإنسان (De hominis dignitate باللاتينية) هي خطاب عام ألفه بيكو ديلا ميراندول عام 1486،. وظلت الوثيقة غير منشورة حتى عام 1496.إنه مشروع بيكو بتعاون مع جامعة بولونيا وجامعة براون –أطلق عليه اسم “بيان النهضة”.
-----------------------------------------------
ظهرت هذه الخطبة وعندها قبل بيك تحدي أي خصم في مناظرة عمومية، كان من المفترض أن تهم وتغطي جميع المدارس الفلسفية، وجميع مجالا ت المعرفة. وهذا على الرغم من أن بيكو كان يبلغ من العمر 23 عامًا فقط، إنه كان يهدف إلى إصلاح الفلسفة.
لقد اعتقد بقوة أنه يستطيع إثبات أن جميع الفلاسفة العظماء، في الماضي و في عصره، قد توصلوا إلى إحدى الحقائق الأولية، التي كان يأمل في دمجها في منظومة فلسفية واحدة تقر أن جميع البشر أحرارا وهم في ارتقاء، من خلال الدراسة والتأمل، إلى حد الاتحاد مع خالقهم، وأن شكلاً صحيًا ومبدعًا من التفكير يمكن أن يساعدهم على القيام بذلك. وكان بيكو حريصًا جدًا على مناقشة أطروحاته لدرجة أنه عرض دفع نفقات أي شخص يأتي إلى روما للمشاركة في المناظرة.
واقتبس بيكو مقتطفات كثيرة من النصوص بلغتها الأصلية، والتي لم يتمكن أحد من الجمهور من فهمها. وقد نطق الكلمات العبرية والعربية كما هي في الأصل.
قدم بيكو أجزاء من المعتقدات والطقوس المصرية، التي كانت مدونة بالفعل باللغة اليونانية في القرنين الثاني والثالث الميلادي. واعتبرها وآخرين كثيرين معه، أنها القصة المصرية الأصيلة لخلق العالم والطريق إلى الخلاص، (المعادل الوثني القديم والعميق للكتاب المقدس).
تمت إدانة سبعة من مقترحات بيكو التسعمائة وتم إعلان ستة أخرى منها مشبوهة.
بعد أن استفزه النقاد، ونفي من المكتبات، ، شعر بيك بيأس كبير.
هرب بيكو إلى فرنسا، إلى ضواحي باريس، حيث درس المنطق واللاهوت المدرسي القروسطي عام 1485.لكن تم اعتقاله بالقرب من مدينة ليون الفرنسية، وكان سيُحكم عليه بأسوأ عقوبة لولا تدخل لورينزو دي ميديشي- Laurent de Médicis- الذي أعاده إلى مدينة فلورنسا. وهناك أمضى السنوات الأخيرة من حياته، يعمل بجنون على سلسلة كاملة من الأعمال الفلسفية والعلمية(5).
------------------------------------------------------
(5)- للحصول على لمحة عامة عن حياة بيكو وعمله راجع- P.O. Kristeller, Eight Philosophers of the Italian Renaissance, Stanford, 1964, chap.4 وأيضا، B.P. Copenhaver et Ch.B. Schmitt, Renaissance Philosophy, Oxford/New York, 1992, p. 163-
--------------------------------------------------------------------
لقد واجهت بيكو أنواع من المخاطر الفكرية والشخصية. وهو الذي اختار حياة المثقف، بدلاً من حياة الثري، أو فقيه في القانون الكنسي، وهو الطريق الذي ظلت والدته تأمل أن يسلكه.

إن الأدب الغني والمتميز، بما في ذلك التحليلات الكلاسيكية لـ E. Cassirer، وE. Garin، وP.O. Kristeller، وD.P. Walker، وF.A. Yates بالإضافة إلى عدد كبير من الأعمال التفصيلية لباحثين أقل شهرة، وجملة من الكتابات توفر لنا عدة طرق لاختراق عالم بيكو وزوايا النصوص الفلسفية الرئيسية التي ظلت تسكنه.

لقد تم تحليل منظومته الفكرية وتطوره والتعديلات التي خضع لها وتماسك فكره بأدق التفاصيل في عدد من الدراسات لم يتم ترجمتها إلى العربية
لقد أكد جارين وكريستلر وبيتروشي-Garin, Kristeller et Petrucci -أن مشروع بيكو الفلسفي يحافظ على علاقة وثيقة جدًا بالعلم والفلسفة.

ويؤكد بيكو أن لكل مفكر حدسًا محددًا،قد ينكره الآخرون.

بيك دي لا ميراندول- Pic de la Mirandole
فيلسومن الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة المعتمدأكاديميا
شخصية مركزية في عصر النهضة الإيطالية، ونموذج للمثقف الأوروبي في طليعة عصر التنوير، بيك دي لا ميراندول- Pic de la Mirandol -(1463-1494)، هو أحد هؤلاء المفكرين الذين أثاروا الإعجاب في تاريخ الفلسفة بما يتناسب مع سرهم الإبداعي وعمق جرأتهم الفكرية.
كان بيكو عاشقًا كبيرًا للغات القديمة، وكان يمتلك سعة الاطلاع قليلة المثيل. بالإضافة إلى اليونانية، قرأ أيضًا العهد القديم ومؤلفات اللاهوتيين اليهود منهم موسى بن ميمون ومؤلفات العلماء العرب كابن رشد بلغتهم أي بالعربية. حتى أنه تعلم أيضا اللغة الآرامية. وهو صاحب مقولة "أعرف الكثير من الأشياء التي لا يعرفها الكثير من الناس". كان مشبعًا منطقيًا بالجدلية الأفلاطونية المحدثة في عصره وكذلك بالأفكار المدرسية – -scholastique- للكنيسة المسيحية، وقد تأثر أيضًا بالكابالا وأفكار ابن رشد. فبعد أن ورث ثروة عائلته في سن مبكرةكرس نفسه حصريًا للمجال الواسع من تجاربه الفكرية والحسية.

نحو "توافق عالمي"
وفي فلورنسا، حيث استقر عام 1483، لم تكن حماسته الفكرية والمعرفية تستبعد بأي حال من الأحوال ملذات الحياة. ولكن ظل ذوقه في سعة الاطلاع مرتبطًا بـمفهوم الفلسفة لاسيما «الدراسة الإنسانية كأداة للفلسفة».. دون إنكار إنجازات الفكر المدرسي، فتح بيكو قبل كل شيء منظورًا إسكاتولوجيا( أخرويًا )كتوافق عالمي يتجاوز الاختلافات الفلسفية (الأفلاطونية والأرسطية) والدينية (المسيحية والفكر اليهودي والإسلامي).

تراث فلسفي إنساني وجب استعادته
إنه نموذج لمثقف عصر النهضة، ويمكن اعتبار بيكو رجل عصرنا من حيث الهم الذي ظل يحمله؟ فإذا كان في بعض الأحيان ضحية لسخرية المفكرين الذين يسخرون من معرفته غير المجدية حسبهم (رابليه- Rabelais -أو – Pascal- أو فولتير- Voltaire)، فقد تم الترحيب به منذ القرن التاسع عشر باعتباره من السلف العظيم لعصر التنوير (من طرف جول ميشليه - Jules Michelet و إرنست كاسيرير- Ernst Cassirer- وجاك لو جوف - Jacques Le Goff ، ويعود الفضل إلى الإيطالي أوجينيو جارين - Eugenio Garin في خمسينيات القرن الماضي، في إعادة اكتشاف عمل بيك دي لا ميراندول- Pic de la Mirandole).



تشير فيرينا فون دير هايدن-رينش- Verena von der Heyden-Rynsch - إلى أن انفتاحها على كل المعرفة وسعيها إلى الحقيقة بجميع أشكالها يبدو بمثابة نيران مضادة أساسية للمبادئ التي تطارد عصرنا بشكل سلبي. إذا كانت "المركزية الغربية التي تطبع عصرنا تستمد بالتأكيد بعض مصادرها من هناك"، فليس من العبث توسيع ثقل تراثها إلى أبعد من ذلك:

دعوة لمواصلة سعيه، الذي من خلاله ستستعيد مفهوم الإنسانية، التي أضرها التاريخ المدموغ بالمركزية الغربية، النزعةالتي استعادتها في فلورنسا في نهاية القرن الخامس عشر.هذا هو مرتكز الفكرة الجوهرية لكتاب فيرينا فون دير هايدن رينش "عنقاء قرنه"(6).
--------------------------------------------------------------------------------------------------
(6)- Pico Della Mirandola. Le phénix de son siècle, de Verena von der Heyden-Rinsch aux Éditions Gallimard
---------------------------------------------------------------------------------------------------
-توفى بيكو ديلا ميراندولا في 17 نوفمبر 1494، في فلورنسا وهو شاب لا يزال اسمه يذكر مع لمسة من السخرية...لكنه موهوب رغم لفظه من طرف حراس هيكل تاريخ الفلسفة
كل شيء بدأ في عام 1463! تتعافى فرنسا من حرب المائة عام، وكانت القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية التركية لمدة عشر سنوات. كانت إيطاليا مقسمة إلى إمارات في حالة حرب دائمة مع بعضها البعض، وانغمست في عصر النهضة واكتشفت الإنسانية.(المقصود المذهب – humanism)
قمة بيكو ديميراندول (1463 - 1494)
شهاب فجر عصر النهضة
في 17 نوفمبر 1494، توفي في فلورنسا وهوشاب لكن لا يزال اسمه يستخدم في عصرنا مع لمسة من السخرية...
كانت البداية في 1463 حين كانت تتعافى فرنسا تتعافى من حرب المائة عام، وكانت القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية التركية لمدة عشر سنوات. وكانت إيطاليا مقسمة إلى إمارات في حالة حرب دائمة مع بعضها البعض، وانغمست في عصر النهضة واكتشفت الإنسانية. .(المقصود المذهب – humanism)

في 24 فبراير من ذلك العام، في وسط إيطاليا، ولد جيوفاني بيكو، في شبابه كان موهوبًا، التحق بأكاديمية بولونيا في سن الرابعة عشرة، وبعد ذلك بعامين أصبح متخصصًا في القانون.
كان متحمسًا لاكتشاف نصوص العصور القديمة، نشرها اليونانيون الذين فروا من الأتراك، وقرر تثقيف نفسه في جميع مجالات المعرفة من خلال الانتقال من جامعة إلى جامعة، من روما إلى باريس.

عاش بيكوأسلوب حياة فخم وكان يمتلك مكتبة غنية. وأكسبته ثقافته وبلاغته وحكمته استقبالًا لدى ملك فرنسا شارل الثامن وكذلك لوران العظيم، سيد فلورنسا. وفي حاشية هذاالأخير، أصبح صديقًا للفيلسوف مارسيليو فيسينو وحاول معه التوفيق بين فلسفة أفلاطون واللاهوت المسيحي. ولم تكن اليونان كافية بالنسبة له، لذا انغمس أيضًا في دراسة النصوص العبرية والعربية والكلدانية.
ففي سن الثالثة والعشرين، نشر 900 رسالة- أطروحة.لكن هذه المبادرة لقيت استياءً في المناصب العليا، وفي 31 مارس 1487، اضطر بيكو دي لا ميراندول إلى التخلي عن العديد من استنتاجاته، التي اعتبرتها لجنة بابوية بمتابةهرطقة. وفي العام التالي، حاول الفرار من انتقام الكنيسة إلى فرنسا. لكن تم القبض عليه في مدينة ليون وتم احتجازه لفترة وجيزة. عند إطلاق سراحه، سارع إلى الاستجابة لدعوة لورنزو ، وأنهى أسفاره، واستقر في فلورنسا.
لكنه أصيب في شبابه بحمى خبيثة وتوفي في فلورنسا عن عمر يناهز 31 عامًا. في نفس اليوم، في المدينة الخاضعة لسلطة الراهب سافونارولا- Savonarole ،آنذاك دخل ملك فرنسا شارل الثامن على رأس قواته. و كانت بداية الحروب الإيطالية الطويلة التي كشفت عن عصر النهضة للفرنسيين...
لقد كان فضول بيكو دي لا ميراندول الأممي ومعرفته الموسوعية يضرب به المثل. ولا يزال يحدث أن ينعت الشخص المتعلم بنبرة من السخرية بــ: "Pic de la Mirandole"...

في بداية عام 1487، تعرض بيكو دي لا ميراندول لواحدة من أسوأ المعاملات التي يمكن أن يتعرض لها أي مفكر في عصر النهضة في روما. لقد فقد حقه في استخدام مكتبة الفاتيكان- منعا للمعرفة وللاطلاع.
ولسوء حظه سيواجه بيكو إهانة أسوأ. لقد ذهب إلى روما لدعم مناظرة عامة بشأن الأطروحات التسعمائة التي طبعها يوخاريوس سيلبر. كان من المقرر أن يبدأ الحفل بعرض تقديمي مثير للجدل للغاية، بعدوان Oratio de hominis dignitate ) خطبة عن كرامة الإنسان أو " في كرامة الإنسان"(7)
----------------------------------------------------
(7) الخطبة حول كرامة الإنسان (De hominis dignitate باللاتينية) هي خطاب عام ألفه بيكو ديلا ميراندول عام 1486،. وظلت غير منشورة حتى عام 1496.إنه مشروع بيكو بتعاون مع جامعة بولونيا وجامعة براون –أطلق عليه اسم “بيان النهضة”.
-----------------------------------------------
ظهرت هذه الخطبة وعندها قبل بيك تحدي أي خصم في مناظرة، كان من المفترض أن تهم وتغطي جميع المدارس الفلسفية، وجميع مجالا ت المعرفة. وهذا على الرغم من أن بيكو كان يبلغ من العمر 23 عامًا فقط، إنه كان يهدف إلى إصلاح الفلسفة.
لقد اعتقد بقوة أنه يستطيع إثبات أن جميع الفلاسفة العظماء، في الماضي أو في عصره، قد توصلوا إلى إحدى الحقائق الأولية، التي كان يأمل في دمجها في منظومة فلسفية واحدة تقر أن جميع البشر أحرارا وفي ارتقاء، من خلال الدراسة والتأمل، إلى الاتحاد مع خالقهم، وأن شكلاً صحيًا ومبدعًا من التفكير يمكن أن يساعدهم على القيام بذلك. وكان بيكو حريصًا جدًا على مناقشة أطروحاته لدرجة أنه عرض دفع نفقات أي شخص يأتي إلى روما للمشاركة في المناظرة.
واقتبس بيكو مقتطفات كثيرة من النصوص بلغتها الأصلية، والتي لم يتمكن أحد من الجمهور من فهمها. وقد نطق الكلمات العبرية والعربية كما هي في الأصل".
قدم بيكو أجزاء من المعتقدات والطقوس المصرية، التي كانت مدونة بالفعل باللغة اليونانية في القرنين الثاني والثالث الميلادي. واعتبرها وآخرين كثيرين، هي القصة المصرية الأصيلة لخلق العالم والطريق إلى الخلاص، (المعادل الوثني القديم والعميق للكتاب المقدس).
تمت إدانة سبعة من مقترحاتبيكو التسعمائة وتم إعلان ستة آخرىمنها مشبوهة. وفشل في الدفاع عن نفسه بالشكل الكافي.
بعد أن استفزه النقاد، ونفي من المكتبات، ، شعر بيك بيأس كبير.
هرب بيكو إلى فرنسا، إلى ضواحي باريس، حيث درس المنطق واللاهوت المدرسي القروسطي عام 1485.لكن تم اعتقاله بالقرب من مدينة ليون الفرنسية، وكان سيُحكم عليه بأسوأ عقوبة لولا تدخل لورينزو دي ميديشي- Laurent de Médicis- الذي أعاده إلى مدينة فلورنسا. وهناك أمضى السنوات الأخيرة من حياته، يعمل بجنون على سلسلة كاملة من الأعمال الفلسفية والعلمية(8).
------------------------------------------------------
(8)- للحصول على لمحة عامة عن حياة بيكو وعمله راجع- P.O. Kristeller, Eight Philosophers of the Italian Renaissance, Stanford, 1964, chap.4 وأيضا، B.P. Copenhaver et Ch.B. Schmitt, Renaissance Philosophy, Oxford/New York, 1992, p. 163-
--------------------------------------------------------------------
لقد واجهت بيكو أنواع من المخاطر الفكرية والشخصية. وهو الذي اختار حياة المثقف، بدلاً من حياة الثري، أو فقيه في القانون الكنسي، وهو الطريق الذي ظلت والدته تأمل أن يسلكه.

إن الأدب الغني والمتميز، بما في ذلك التحليلات الكلاسيكية لـ E. Cassirer، وE. Garin، وP.O. Kristeller، وD.P. Walker، وF.A. Yates بالإضافة إلى عدد كبير من الأعمال التفصيلية لباحثين أقل شهرة،جملة من الكتابات توفر لنا عدة طرق لاختراق عالم بيكوة وزوايا النصوص الفلسفية الرئيسية التي سكنه.

لقد تم تحليل منظومته الفكرية وتطوره والتعديلات التي خضع لها وتماسك فكره بأدق التفاصيل في عدد من الدراسات لم يتم ترجمتها إلى العربية
لقد أكد جارين وكريستلر وبيتروشي-Garin, Kristeller et Petrucci -أن مشروع بيكو الفلسفي يحافظ على علاقة وثيقة جدًا بالعلم والفلسفة.

ويؤكد بيكو أن لكل مفكر حدسًا محددًا،قد ينكره الآخرون.
---------------------------------
بيك دي لا ميراندول- Pic de la Mirandole
فيلسومن الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة المعتمدأكاديميا 2
"تعلمت من بيكو أن "أصل الحكمة الأفلاطونية بربريا"بالحجة والبرهان
يستعرض بيكو في أطروحاته جميع أنواع النصوص التي اطلع عليها، بدءًا من أقدم الفلاسفة اليونانيين وما يمكن افتراض أنه متون هرمسية- الهرمتيقا-، إلى أنتجت أعمال الفلسفة المدرسية في عهده.
لا تخبرنا توصيفات بيكو المختصرة الشبيهة بالقصائد القصيرة عن طريقته في قراءة كل كتاب. لكنها توضح بوضوح اقتناعه بأن الفيلسوف الحقيقي يجب أن يكون، بالمعنى الأول للكلمة، قارئًا عالميًا، إلى الحد الذي يكون فيه لكل نص صفاته الخاصة المكملة لجميع النصوص الأخرى.
ومع ذلك، في القرن الخامس عشر، كان بيكو القارئ الأممي أيضًا صيادًا أمميا للكتب - على دراية بخزائن الكتبالغامضة، وحامي الكتبة ، ومترددًا على المكتبات الشهيرة.

وقت وفاته، في نوفمبر 1494، كان في حوزة بيكو أكثر من 1100 كتاب. كانت كتابات الأفلاطونيون والأرسطيون، وكهنة زرادشت ومتون هرمسية - ومفسرو الكتاب المقدس اليهود، والمنجمون العرب تتزاحم على رفوف مكتبته كما في عقله. يُظهر جرد لقوائم كتبه، الذي تم وضعه في 1498، أن الكتب تم ترتيبها بشكل عام حسب الموضوع في صناديق: الأعمال الطبية، والتعليقات على أرسطو، والنصوص الكلاسيكية والإنسانية، والنصوص اليونانية والشرقية، وكان لكل منها مكانه الخاص.

على الصعيد الذاتي تكللت جهود بيكو بالنجاح. لقد تعلم العبرية والعربية وقليلًا من اليونانية. فكان عاملاً لا يكل، وكان عقله يقظًا دائمًا، وأتقن المجموعة القديمة بأكملها، خاصة فيما يتعلق بالفلسفة والعلوم.
في العشرين من عمره تقريبًا، اعتبر، على سبيل المثال، فلسفة أرسطو الطبيعية، التي كانت تدرس في الجامعات، بمثابة المفتاح لفهم العالم المادي.
أٌقر بيكو، أن الفلاسفة الذين جايلوه أخفوا آراءهم عن جمهور أوسع، عن علم وحق فقد قال "لم نكتب لعامة الناس العاديين". وقدمت ندوة أفلاطون نموذج التفسير الذي اقترحه بيكو لمثل هذه النصوص، ولم يتخذ شكل أطروحة بل استعارة:

تبنى بيكو حجة مركزية للأفلاطونيين الجدد المتأخرين الذين سعوا إلى اختراق السطح الغامض لملحمة هوميروس، التي أدانها أفلاطون، على أمل اكتشاف رسالة قوية ومقبولة. لقد فسروا فظاظة وفجور تصرفات آلهة هوميروس على أنها إشارة إلى معنى أسمى.

اعتقد بيكو أنه كلما كان المحتوى الواضح للمقطع عند هوميروس أكثر بشاعة، كلما كان معناه الخفي أكثر سموًا. لقد أيد عن علم وبشكل صريح دفاع بروكلس- Proclus –عن السلوك غير المقبول أخلاقياً عبر دفاعه عن لغة غير مقبولة نحويًا.
وبعد عشرين عامًا، أشار إيراسموس –Erasmeإلى هذا النموذج المنقح، واكتسبت وجهة نظر بيكو جمهورًا واسعًا وأثرت عليه.
لكن ما يهمنا هنا هو التناقض العميق بين مفهوم القراءة هذه - بنبرة متعالية واحتقارية لتفاصيل الكلمات - والمفهوم البلاغي الموجود جملة من رسائل بيكو إللى أصدقائه.
خلال حياته المحمومة القصيرة التي تركها بعد 1487، تصور بيكو عدة تفسيرات جديدة للنصوص القديمة وردت في تعليقاته السبعة على خلق العالم في سفر التكوين(8) - l’Heptaplus وتعليقاته المجزأة المزامير-De Ente et uno، ومحاولته الفاشلة ولكن الرائعة لاختزال بارمينيدس لأفلاطون إلى تمرين في الجدلية.(9)
-----------------------------------------------------------------------
(8)- سباعي الشكلهو عمل أدبي كتبه جيوفاني بيكو ديلا ميراندولا عام 1489
(9)انظر
الدراسة الكلاسيكية لر. كليبانسكي- « Plato’s Parmenides
----------------------------------------------------------------------
إلا أن تفسيراته هذه لم تكن أي منها تنافس في الطموح أو الأصالة العمل العظيم الذي تركه بيكو غير مكتمل: "الهجوم على علم التنجيم الإلهي الذي تم نشره استنادا على مخطوطة غير مقروءة جزئيا، فُقدت الآن. بعد عامين من وفاته .
وقد حظي هذا النص باهتمام أقل من أعمال بيكو الأخرى.إّذ تعاملت المناظرات بخصوص هذا الموضوع المعقد وغير الجذاب باستخدام نهج تقني وصارم باستمرار. إنعلاوة على اتساع نطاق المصادر التي أشارإليها بيكو هنا أمر مخيف بكل بساطة. كما أنه غالبًا ما كان أسلوبه في هذا الموضوع قاسيًا: فالكتاب افتقر إلى اقتباسات. ولم يتضمن أي استنتاجات أو مقاطع مختصرة. وجد إبني أخيه، جيانفرانشيسكو، وكذلك جيوفاني ميناردي، اللذان أنهىا النص للنشر، المهمة شاقة وكان عليهما، في عدة مناسبات، محاولة تخمين أفكاره بدلاً من إعادة بنائها.
في هذا العمل امتزجت تفسيرات مفسري أفلاطون وأرسطو وبطليموس وكذلك نظريات العشرات من المنجمين ونقادهم مع رؤية بيكو الخاصة للعالممما صعب الأمر على القارئ
اعتمدت مقاطع كبيرة من نص بيكوعلى عناصر مستعارة مباشرة من القدماء. مما اعتبره الكثيرون تناقضات وأخطاء في النظرية والممارسة الفلكية.
وقد قدم فلاسفة العصور الوسطى اللاحقون، مثل هنري دي هيس ونيكول أورسم، نقدًا أكثر تطورًا للعمل الأ×ير لبيكوو أكدوا، من بين حجج أخرى، على أن التكوينات البلكية المحددة في هذه الأعمال الأخيرة تظهر فقط كل عدة قرون؛ وبالتالي فإن إنشاء علم حقيقي يعتمد على مثل هذه التكوينات سيستغرق مئات الآلاف من السنين بالإضافة إلى العديد من الاعتراضات الأخرى.
ومن نظريته الخاصة، تؤثر النجوم على الأرض ليس بطريقة محددة ومحدودة، اعتمادًا على اقترانات الكواكب أو تعارضها، ولكن من خلال العمل العام والمفيد للقمر والشمس،التي ربما تمثل محاولة لتصحيح بطليموس. إن ما قدمه بيك لقرائه لم يكن رفضًا شاملًا لعلم التنجيم، بل كان علمًا مجردًا من خرافاته. فن صارم وكلاسيكي ليحل محل الارتباك االسائد وقتئذ في علم التنجيم في العصور الوسطى المتأخرة.
إن الكتابين الأخيرين من "المناظرات" وكذلك الأقسام التي تتعلق بهما بشكل مباشر، هما كتابان مبتكران للغاية. إذ قام بيك بشيء جديد جذريًا - وهو الشيء الذي ظل بلا مقابل في التاريخ الطويل من انتقاد ادعاءات علم التنجيم. لقد كتب تاريخًا نقديًا لهذا الفن، تاريخًا يقوض الافتراضات الراسخة والمنتشرة على نطاق واسع، ليس فقط في علم التنجيم، ولكن أيضًا في تاريخ الثقافة الإنسانية. أثبت تحليل بيكو، وهو أحد التواريخ الأولى لأحد التخصصات المكتوبة خلال عصر النهضة، أنه أكثر أصالة في الشكل وأكثر دقة في التحليل وأكثر صلابة في المضمون من تلك التي كتبها أسلافه الأكثر شهرة، مثل تاريخ الفن الجدلي والهندسة المعمارية.
أفضل ما ظل عالقا بعقلي احتفت به من اطلاعي على بعض ما خلفه بيكو ما يلي
أفضل فلسفة كانت تلك التي أعلنها أفلاطون في العصور القديمة. وهذه الفلسفة مشتقة من زرادشت عن طريق الفيثاغوريين… وحقيقة مشاركة أفلاطون في هذا المذهب تظهر في أقوال زرادشت التي وصلت إلينا والتي تتفق تماماً مع تعاليم أفلاطون.

باختصار، لم يكن التقليد الأفلاطوني من أصل يوناني أو معجزة يونانية كما ظل الغرب يتبجح بذلك، بل من أصل بربري- كما فهم اليونانيون هذا التعببير أي الأغيار غيرهم- وبالتالي فالمعجزية الفلفسية ليست يونانية و إنما بربرية وقد تكون مصرية أو فينيقية أ, قرطاجيةأو بابيلية.......إلخ.

عن فيسينو(10)- Ficin الذي بدأ في وقت مبكر جدًا بالتأمل في أصول الحكمة البربرية، أعجب بكتاب(11) Corpus Hermeticum وعرف من قراءتي لكتابي طيماوس وكريتياس لأفلاطون أن المصريين يعتبرون تعاليمهم قديمة جدًا. لكنه أعجب أيضًا بقدم وعمق تعاليم زرادشت. أخيرًا، وضع زرادشت وهيرميس وأورفيوس(12)- Orphée - في أصل التقاليد الثلاثة لـ "لاهوت prisca gentilium"،(13) كل منها صالح لقارة، آسيا، أفريقيا، أوروبا معا.
--------------------------------------------------------------------
(10)-هو أحد أكثر الفلاسفة الإنسانيين تأثيرًا في عصر النهضة الإيطالية المبكرة. أدار الأكاديمية الأفلاطونية في فلورنسا.
(11 )- هي النصوص المنسوبة في العصور القديمة إلى Hermes Trismegistus الأسطوري. تم تجميع أهمها في Corpus Hermeticum، وهي مجموعة من الأطروحات الفلسفية الصوفية باللغة اليونانية، والتي يرجع تاريخها إلى الفترة الهلنستية.
(12) - أورفيوس (في اليونانية القديمة Ὀρφεύς / أورفيوس) هو بطل الأساطير اليونانية، كان شاعرًا وموسيقيًا (آلته هي القيثارة)، وكان يُعتبر أحيانًا نبيًا وألهم حركة دينية تسمى "الأورفية" ارتبطت بالفيثاغوريين والأسرار الديونيزية. كان أورفيوس جزءًا من المغامرين. نزوله إلى العالم السفلي وفشله في إعادة زوجته يوريديس إلى عالم الأحياء شكل أسطورته.
(13) - هو المذهب الذي يؤكد على وجود لاهوت واحد حقيقي يمر عبر جميع الأديان، والذي أعطاه الله للبشر قديمًا.
----------------------------------------------------------------------
لقد كان واضحا عند بيكو أن اليونانيين قد استعاروا حكمتهم من فلسفة الشرق البربري العميقة. "كل من يعرف نفسه، يعرف كل شيء في نفسه"، كما كان لزرادشت السبق عي إعلان هذا القول ، وتبعه أفلاطون( بلسان سقراط) في حوار السيبياديس"- alcibiade.
ويشير التسلسل الزمني إلى استناد الحكمة اليونانية على بلاد فارس(14). ويقول في مكان آخر: "إن كل الحكمة انتقلت من البرابرة إلى اليونانيين، ثم من اليونانيين إلينا"( يعني الغرب). علاوة على ذلك، يحدد بيكو الحكمة البربرية التي انتقلت في العصور القديمة إلى الغرب من خلال علم التنجيم وكذلك اللاهوت والفلسفة.
--------------------------
Pic, Discorso, éd. G.Tognon, p. 24 : « Qui enim se cognoscit, in se omnia cognoscit, ut Zoroaster (14)
----------------------
وقد أصر بليثون(10)- Pléthon وفيتشينو- Ficin على الأصل الشرقي للحكمة الأفلاطونية إلى حد أنهما كانا يبجلان الشرق الغامض. اعترف بيكو بأن أي شخص يريد فهم علم التنجيم عليه أن يعرف الثقافات الشرقية التي جاء منها. لكن موقفه كان عكس أي شعور بالإعجاب. وأوضح أن المصريين والكلدانيين كانوا جاهلين ويؤمنون بالخرافات. من المؤكد أنهم كانوا أتقياء للغاية، ونحن نفهم أن طقوسهم وعقائدهم كانت قادرة على جذب اهتمام اليونانيين مثل أفلاطون وأكسودوس الذين درسوها. لكنهم لم يفهموا شيئًا من الفلسفة الطبيعية.
--------------------------------------------------------------------
(10)- فيلسوف أفلاطوني محدث، (حوالي 1355/1360 - 1452)، أحد أكثر المفكرين البيزنطيين أصالة في عصره. قام بالتدريس في القسطنطينية، حيث أحدثت دروسه عن أفلاطون فضيحة وكادت أن تتسبب في فضيحة. ليتم القبض عليه بتهمة الهرطقة. لكن الإمبراطور مانويل الثاني باليولوج، الذي كان صديقًا ومعجبًا به، فضل نفيه إلى ميسترا، التي أصبحت مركزًا فكريًا مهمًا. طور بليثون مفهوم العلاقة بين البيزنطيين والإغريق القدماء وكتب بين عامي 1415 و1418، للإمبراطور مانويل وابنه الطاغية ثيودور، خطة واسعة للإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية بناءً على نصوص أفلاطون. .
--------------------------------------------------------------
تقبل بيكو حقيقة أن الشرقيين كانوا خبراء في أحد التخصصات: الرياضيات. لكن إتقانهم لهذه المجموعة المحدودة من الأدوات الفكرية، كان له في الواقع تأثيرات سلبية أكثر من التأثيرات الإيجابية. وقد دفعهم هذا إلى الاعتقاد، خطأً، أنهم والرياضيات يملكون مفتاح أسرار الكون - وهو الخطأ الذي يميل إليه جميع الخبراء في أي مجال إلى ارتكابه.
كل من انغمس في موضوع واحد يسعى إلى شرح كل شيء من خلاله. ما يحدث لهم يشبه ما يحدث لأولئك الذين يسافرون في عاصفة ثلجية. كل شيء يبدو لهم أبيضًا، لدرجة أن عادة البياض، بمجرد أن تمتصها أعينهم، تحول كل شيء آخر. وبنفس الطريقة بالنسبة لأولئك الذين يحبون بشغف، فإن كل ما يواجهونه يذكرهم بشكل الشيء المحبوب أو بعض صفاته. إن القدرة التخيلية لدى العاشق تهيمن عليها بالكامل صورة واحدة. اللاهوتي، وهو لاهوتي فقط، يربط كل شيء بالأسباب الإلهية؛ الطبيب إلى موطن الجسد؛ الفيلسوف الطبيعي للمبادئ الطبيعية للكون؛ عالم الرياضيات، إلى الأرقام والأرقام فقط، على طريقة الفيثاغوريين. بقدر ما سعى الكلدانيون أيضًا بحماس إلى دراسة حركات الأجرام السماوية وملاحظة مسار النجوم، منشغلين بذلك فقط، فقد اعتبروا كل شيء على صورة النجوم؛ وهكذا وجدوا أنه من الطبيعي أن يفسروا كل شيء بالنجوم. الشيء نفسه ينطبق على المصريين.
خلال عصر النهضة، ساهم اكتشاف الكون اللانهائي في التساؤل عن مكانة الإنسان في الكون.
ومن عالم آمن حيث يسود العقل، ينغمس الإنسان في حوار مع القوى غير العقلانية في عالم لا يمكن التنبؤ به. تؤدي الاكتشافات العلمية الكبرى إلى فقدان النقاط المرجعية، مما يخلق مناخًا من أزمة القيم.
ثم تمت محاولة تجميع العالم القديم والجديد والثقافة الوثنية والثقافة المسيحية. إنه تجسد التوازن غير المستقر بين الحرية والتقاليد. إنه استمرار للماضي، مشبع بالأساطير والخرافات والمعتقدات السحرية، في حين أنه مستنير بالاكتشافات العلمية الكبرى.
في هذا العمل، يتعلق الأمر بالتمييز بين البديهيات التي كانت تبوز في هذا الوقت وتحديد المسارات التي سيتخذها فلاسفة المستقبل.

وحدة على خلفية تعدد وجهات النظر
وبينما سعت العصور الوسطى إلى تحديد الأيديولوجية التي تحمل الحقيقة، سعى جان بيك دي لا ميراندول، على العكس من ذلك، إلى احتضانها جميعًا، من حيث الماضي ومن حيث ما هوناشئ، سواء في مجال الفلسفة القديمة أو الكيمياء أو حتى اللاهوت. لقد جعل منهجه تفكيره غزيرًا ومعقدًا، بل وفي بعض الأحيان يبدو متناقضًا في نظر قرائه.
يجب أن يكون مفهوما أن هذه الوفرة في المصادر تهدف إلى إثراء نفسها بشمولية المعرفة. إنه مشروع ميتافيزيقي للتوافق العالمي بين الأفكار المختلفة، وليس لأي منها في نظره احتكار الحقيقة. إنه يرى المذاهب المتعددة ليس كعقائد يجب اتباعها بل كطرق لاستكشافها.

إن تفكير جان بيك دو لا ميراندول لا يمارس في مجال حصري بل في تنوع لأنه يحاول إبراز التراث المشترك الذي تتقاسمه هذه الأفكار المتنوعة.
من خلال محاولته التوفيق بين المواقف المتنوعة، وحتى المتعارضة، هدف جان بيك دو لا ميراندول إلى الوصول إلى مستوى أعلى يشمل العديد من الحقائق ويتجاوزها.

إنه يعارض صرامة المفهوم وجموده مع عدم الاستقرار الناتج عن البحث الحر اللامتناهي عن الشكل الأغنى والأعلى للروح. فهو يرحب بالمعرفة الإنسانية بتعدديتها ويتبنى منظورًا يضع الأفكار على المحك الواحدة بالأخرى. جعله حدسه يعتبر أننا يجب أن نذهب إلى ما هو أبعد من المناقشات التي تحبسنا في أنظمة فكرية لأن الحقيقة يتم العثور عليها من خلال تجاوز التناقضات الظاهرة، من خلال فهم كلي وليس جزئي.

فهو يأخذ في الاعتبار المعارف في علاقتهما، بدلاً من اعتبارها في تعارضها. يتيح له هذا الأسلوب مضاعفة الإضاءة وبالتالي الحصول على مزيد من الضوء للاقتراب من الحقيقة.

ولذلك فإن الروح والطبيعة ليسا متعارضتين، بل تشكلان في الإنسان زوجًا لا ينفصل. من ناحية، تعمل القوة الإبداعية للعقل على المادة، ومن ناحية أخرى، تعتبر المادة بمثابة إمكانية في حالة سلبية ويجب تحقيقها و يشكل العقل الاتحاد بين الواقع والفكر، والرابط بين الروح والجسد. وهذا ما يسمح له بفهم الكون في وحدته وتماسكه.

فالروح والطبيعة ليستا متعارضتين، بل تشكلان في الإنسان زوجًا لا ينفصل. من ناحية، تعمل القوة الإبداعية للعقل على المادة، ومن ناحية أخرى، تعتبر المادة بمثابة إمكانية في حالة سلبية ويجب تحقيقها.
وبالتالي فإن دعوة الإنسان هي السماح للمادة بالانخراط في مملكة الروح. ومن خلال تحقيق اتحاد المحسوس والمعقول فإنه يشارك في الانسجام الكوني. إن الكون تسكنه قوى متنوعة، الإنسان جزء طبيعي منها، ويجب أن تلتقي من أجل نفس الغاية: الاتحاد مع الله.

لكن إذا كان الإنسان هو أكثر الكائنات حرية في الكون، فهو مع ذلك خاضع لنظام، وفق أربع درجات في سلم المعرفة: في الأسفل الإدراك الحسي، ثم المعرفة العقلانية، ثم المعرفة البديهية بالانفصال عن الجسد، ثم المعرفة البديهية بالانفصال عن الجسد، ثم المعرفة الحسية. وأخيرا المعرفة الصوفية (الروحية)
هذه الرغبة في سمو الروح القادرة على إظهار الجمال السماوي هي طريق يبدأ من الطبيعة البشرية، في أسفل السلم، نحو الجوهر الإلهي، في القمة.

ولكن الفكر الإنساني يتجه نحو هذا الهدف دون أن يكون قادراً على إدراك الأشياء على حقيقتها. إن البنى العقلية تكتفي بأن تكون تقريبيات قابلة للتمام، في توتر دائم تجاه نموذجها اللامحدود، الذي لا يمكن للإنسان الوصول إليه من خلال ممارسة عقله المحدود.
فالفهم يميل نحو الحقيقة ، لكنه لا يستطيع الوصول إليها إلا من خلال إدراك عدم إمكانية الوصول إليها.
هذا يعني أن الإنسان يجد نفسه غير قادر بنيويًا على وضع تصور كامل لحقيقة الله، ولا يمكنه الاقتراب منها إلا بطريقة تقربية. ومن ثم فهو محكوم عليه بالميل إلى أجل غير مسمى نحو الأشياء التي سيتجاوز ثراؤها اللامتناهي دائمًا لفهمها. إن متاهة الاحتمالات المتعددة تغرقه في حرية واسعة جدًا لدرجة أنه يخاطر بالضياع.
ولهذا السبب يعتقد جان بيك دو لا ميراندول أنه يجب علينا إظهار القوة الهائلة للتوحيد:

التحول باعتباره إنجازا إنسانيا
في العصور الوسطى، أعطى الله معنى للواقع الإنساني ونظامًا من القيم. بينما في عصر النهضة، كان الواقع التجريبي بمثابة دليل للإنسان ليجد مكانه في العالم.

إذا كان فكر جان بيك دي لا ميراندول يبدو صعب التصنيف، بسبب كثرة مقاربات الحقيقة التي يدعو إليها، فذلك على وجه التحديد لأنه يتطور، كما يجب أن يكون الإنسان أقرب إلى المعرفة دون خوف من التناقض، لأن ما قد يبدو للوهلة الأولى معارضًا يتبين أنه يميل نحو الوحدة عندما نقترب من الله. فالتغيير يكون وفق حركة الحياة وواقع الكائنات الحية.
عندما يتغير الإنسان، وينفتح على الآخر، ويضاعف الخبرات من خلال التحول، فإنه يتفوق على نفسه.

في خطابه، يعبر جان بيك دي لا ميراندول عن ذلك على النحو التالي: لا يمكننا اختيار طريق واحد من بين جميع الطرق، إذا لم نكتسب أولاً معرفة وثيقة بكل منها ليستكشف تنوع الحقيقة. في تذبذب مزعج، يبدو الإنسان ممزقًا باستمرار بين دوافعه البروميثية (11)ونداء الإله. تمنحه التحولات إمكانية مشاركة المعرفة الحساسة مع الحيوانات من ناحية، والمعرفة الفكرية مع الملائكة من ناحية أخرى.
------------------------------------------------
(11)نسبة لبروميثيوس تحكي الأسطورة اليونانية أن الإله بروميثيوس أحب الإنسان كثيرًا وأشفق عليه، لِما قُضي عليه من خوف وذل وأمل عقيم، فسرق النار الإلهية، نار المعرفة، ومنحها لبني الإنسان، فكان عقابه الأبدي أن شدّه كبير الآلهة، بالأغلال الفولاذية التي لا يمكن تحطيمها، إلى صخرة مرتفعة، ذات نتوءات بارزة، تُطل على المحيط، وأطلق عليه النسور تنهش كبده، وكلما طلع الصباح منحه كبددًا جديدًا لتطعم به النسور! عذاب أبدي، شاركت المارد المُعذب فيه كل عناصر الطبيعة! بيد أن كبير الآلهة لم يكفه من بروميثيوس كل هذا العذاب الجسدي، فأرسل إليه وفدًا من ربات الانتقام يعذبنه! فبروميثيوس، ككل الأبطال، له روح قوية لا تكسرها الآلام الجسدية، ولكن يكسرها أن تُفجع في الفكرة التي تمثلها!
----------------------------------------------
تحكي الأسطورة اليونانية أن الإله بروميثيوس أحب الإنسان كثيرًا وأشفق عليه، لِما قُضي عليه من خوف وذل وأمل عقيم، فسرق النار الإلهية، نار المعرفة، ومنحها لبني الإنسان، فكان عقابه الأبدي أن شدّه كبير الآلهة، بالأغلال الفولاذية التي لا يمكن تحطيمها، إلى صخرة مرتفعة، ذات نتوءات بارزة، تُطل على ماء المحيط، وأطلق عليه النسور تنهش جلده، وكلما طلع الصباح كساه جلدًا جديدًا لتطعم به النسور! عذاب أبدي، شاركت المارد المُعذب فيه كل عناصر الطبيعة! بيد أن كبير الآلهة لم يكفه من بروميثيوس كل هذا العذاب الجسدي، فأرسل إليه وفدًا من ربات الانتقام يعذبنه! فبروميثيوس، ككل الأبطال، له روح قوية لا تكسرها الآلام الجسدية، ولكن يكسرها أن تُفجع في الفكرة التي تمثلها!

يكتب جان بيك دي لا ميراندول أيضًا: "ستكون قادرًا على الانحطاط إلى أشكال أدنى، مثل أشكال الوحوش، أو، متجددًا، تصل إلى الأشكال الأعلى الإلهية."
ويقصد بهذا أن الإنسان أصبح الآن حراً في التحرك عمودياً في ميزان الكائنات، من أعماق الطبيعة إلى نور السماء. يمكنه اختيار شكله الخاص بحرية. فهو ينتقل عبر البعد الحساس من جانب إلى آخر، ويتجه نحو الروحانيات. الإنسان، خليقة الله الاستثنائية، يجد نفسه عند مفترق طرق. فريسة للإغراءات الطبيعية للدوافع التي يمليها عليه جسده، وتقع على عاتقه مسؤولية مقاومتها والارتقاء نحو الذكاء، من خلال عمل عقله الذي يرشده. حتى لو كانت المعرفة الكاملة بعيدة عن متناوله إلى الأبد، فإن الإنسان يدرك نفسه من خلال عقله. ومن خلال مقاومة إغراءات رغباته المبتذلة يكتسب كرامته. تسمح هذه العمودية بالتقدم نحو الله.
في السابق، كان ظهور الفضاء اللامتناهي في مركز العالم، يمثل ثورة روحية للإنسان. يجب أن يجد دورًا ومكانًا.
الإنسان الحر مسؤول عن اختياراته، والأخلاق اللانهائية تطلب منه. وبما أنه ليس لديه مكان محدد في العالم، فيمكنه أن يختار المكان الذي يضع فيه نفسه وفقًا لإرادته الحرة. لا يظهر الإنسان كجوهر بدائي منفصل عن العالم، بل على العكس من ذلك، كنتيجة لفعله الذي يذهب إلى حد تحديد وجوده. إن عقله وإرادته وحريته هي التي تسمح للإنسان أن يريد الخير لنفسه. طبيعته ليست في كائن بل في القدرة على الوجود. فالمعرفة تتضمن الفعل، ومن الفعل يأتي الوجود.
"الإنسانية" هي فلسفة المسافر الذي يتابع رحلته أكثر والتحول ليس عدم ثبات، بل هو تعميق للكائن الذي يستكشف تنوعه. في محاولته السفر عبر اللانهاية، يبحث الإنسان عن الشكل الأقرب إلى الكوني.

خاتمة
يمثل عصر النهضة أوجه تشابه مع عصرنا الحالي، الذي يتكون أيضًا من الاضطرابات التي اهتزت فيها اليقينيات.
وماذا عن التنازل عن حريته في التحرر من عبء المسؤولية؟ إن الرغبة في تحرير النفس من مسؤولية الاختيار الثقيلة هي الرغبة في وضع حد للشكوك التي تعذب الإنسان في حالته الإنسانية. بالنسبة لجان بيك دي لا ميراندول، فإن الاستسلام يعني إنزال نفسه إلى مرتبة غير ذات أهمية. حريته، وهي ملكة إلهية مُنحت للإنسان فقط، تسمح له بالمشاركة في الخليقة. إن نبذها يعني نكران إنسانيتنا، وقبل كل شيء، نكراننا لصفتنا كصورة الله.
غاية الإنسان هي الوصول إلى الشكل اللانهائي. الحرية ليس لها معنى إلا في الاختيار المقدم للإنسان بين الالتفاف حول النظام الإلهي أو الابتعاد عنه. وحرمان أنفسنا منها يعني النزول إلى أسفل سلم الكائنات على مستوى الطبيعة، في حين أن الله قد وهبنا بهذه القوة القدرة على الصعود إليه.
"الفكرة هي كلمة نقية. إنكم تستخدمون كلمات جوفاء نجسة، تخبركم بها العقول المملوءة بالفراغ، وتدفعكم إلى التكاثر.
الفكر الحقيقي لا يرتبط إلا بالفكرة النقية. الذي يمكننا أن نبني عليه. المفهوم. وحدة. معظم الكتاب ليس لديهم أفكار ولا أفكار: الأسلوب يفضح ذلك. قرأناها. ربما نفكر بشكل أقل في ذلك."

أوهام.
لاحظ جان بيك دي لا ميراندول، منذ أكثر من ستة قرون، أسلوب مختلف المفكرين. وأشار إلى ذلك، فدل على طريقة الفكر، ونوع من المعرفة الموضحة، وطريقة إيصال الأفكار، وطريقة اختيار الكلمات وترتيبها. وتأكيدًا على الأسلوب، سلط الضوء على أعظم الفلسفات في عصره.
و"تتجلى لنا الحقيقة وهي أنه من المسلم به أن الفيلسوف هو بالضرورة قلم".( 15)
----------------------------------------------------------------------------------------
( (*جيوفاني بيكو دي لا ميراندولا (1463 - 1494) يكتب الجمل الأبدية. تم العثور عليها حول كرامة الإنسان (De hominis dignitate) (ed. de l Eclat, Coll. Philosophie Imaginaire, trans. and pres. Y. Hersant, 1993).
----------------------------------------------------------------------------------------
" أتمنى أن ينقذوا العبيد الفقراء من فراغ اللحظة، من هستيريا الإنتاج أو من شمولية التسلسل الهرمي الذي يرغب في إثراء نفسه." ( (15)
(15) جيوفاني بيكو دي لا ميراندولا (1463 - 1494) يكتب الجمل الأبدية. تم العثور عليها في حول كرامة الإنسان (De hominis dignitate) (ed. de l Eclat, Coll. Philosophie Imaginaire, trans. and pres. Y. Hersant, 1993).



" بين العرب، نجد شيئًا ثابتًا لا يتزعزع عند ابن رشد، شيئًا قويًا ومتأملًا عند الفارابي، شيئًا إلهيًا وأفلاطونيًا عند ابن سينا" (15) (*

"إن اليونانيين إجمالاً لديهم فلسفة مضيئة، وقبل كل شيء نقية: غنية ووفيرة عند سمبليسيوس، أنيقة كثيفة عند ثيمسطيوس، متعلمة منظمة حسنة عند الإسكندر، مفصلة بالجاذبية عند ثيوفراستوس، رشيقة عند أمونيوس".". (15)
هذه "900 من الأطروحات الجدلية الأخلاقية والفيزيائية والرياضية والميتافيزيقية واللاهوتية والسحرية والكابالية"، والاستنتاجات "التي ظلت في الأخبار لمدة خمسة قرون، ولكن لا يستطيع أحد قراءتها"، هنا تم تأسيسها وترجمتها وشرح
------------------------------------------------
(15) جيوفاني بيكو دي لا ميراندولا (1463 - 1494) يكتب الجمل الأبدية. تم العثور عليها في حول كرامة الإنسان (De hominis dignitate) (ed. de l Eclat, Coll. Philosophie Imaginaire, trans. and pres. Y. Hersant, 1993
------------------------------------------------
لاطلاع على الكراس كاملا PDF
https://www.4shared.com/web/preview/pdf/kN-Spt-Pfa?








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العراق: السجن 15 عاما للمثليين والمتحولين جنسيا بموجب قانون


.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. هل تنهي مفاوضات تل أبيب ما عجزت




.. رئيس إقليم كردستان يصل بغداد لبحث ملفات عدة شائكة مع الحكومة


.. ما أبرز المشكلات التي يعاني منها المواطنون في شمال قطاع غزة؟




.. كيف تحولت الضربات في البحر الأحمر لأزمة وضغط على التجارة بال