الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أخلاق القيم

عقيل عيدان

2006 / 11 / 20
المجتمع المدني


من المفردات الشائعة في مجتمعاتنا العربية، مفردتا (الواقعية) و(المثالية). فطالما أطلقت هاتان اللفظتان خلال النظر الأخلاقي للتمييز بين سلوك وسلوك، وبين اتجاه واتجاه، أو بين نظرة ونظرة؛ فهذا رجل واقعي ، وذاك رجل مثالي ، وهذا اتجاهه أو نظرته إلى الحياة والأشياء واقعية ، وذاك اتجاهه أو نظرته إليها مثالية .
بل كثيراً ما مزجت المثالية بمعنى الخيالية ، بما يعني بعدها عن معطيات الواقع . فكأنما يفترض هذا التمييز وجود هوّة سحيقة تفصل بين الواقعية والمثالية ، بل كأنه يبيح اعتبار وجهين مختلفين من وجوه السلوك الخلقي .
في تقديري ، إن الأخلاق لا تعرف ولا يمكن لها أن تعرف غير المثالية ، لأنها في جوهرها تقويمٌ وتكييف للواقع لا تقرير له . ونحن حين نطلب إلى إنسان أن يكون واقعياً وغير مثالي ، إنما نطلب منه التخلي عن السلوك الخلقي للانسياق في تيار الواقع الذي قد يكون فاسداً ، أي ندعوه بصراحة تافهة إلى انتهاج سبيل السوء .
فالواقعية ما هي إلاّ "بدعة" مصدرها الحيلة، وصيغة مزيفة للعمل الخلقي، ابتُكِرت لتبرير كل ما هو غير خلقي، ووأد المثل الإنسانية الخالدة في سبيل إحراز النجاح الرخيص، وهي لا تستطيع أن تجد الحياة في غير ذهن سقيم أو نفس تخلّت عن معناها .
على أم هذه "البدعة" في النظر الخلقي تجد مسوّغاً لها في حياة العرب الاجتماعية . في هذه الحياة الاجتماعية وحدها تستطيع أن تلمس شأناً كبيراً متفاقماً لما يُحتمل وصفه بالواقعية في مجال الأخلاق، بحيث يكون الضدّ التام المقابل لمعنى المثالية ؛ وفيها فقط تنفصل هذه الواقعية عن المثالية، إذ ترى الواقع بعيداً جداً عن المثال .
أما إذا نظرت إلى ما حول نطاق هذه الحياة ، وخرجت إلى المجتمعات الغربية مثلاً ، فإنك تفتقد هذه الواقعية فلا تعثر لها على أثر ، وإنما تجد مثالية فقط بالمعنى الصحيح ، أو بعبارة أخرى، تجد المثالية هي الواقعية، والواقعية هي المثالية، فهما هناك صنوان أو أخوان لا يختلفان ولا يفترقان، بحيث أنه لا يبعد عن الواقع إلاّ النفعيّ الذي جهل القيم الروحية وتنكّر لقيمته كإنسان .
إن هذا الاختلال في النظرة الخلقية في مجتمعاتنا العربية ، تحمل وِزرَه اعتباراتهم الأخلاقية التقليدية ، التي تنكّرت مع الزمن للقيم الروحية وتجاهلتها ، وقصرت العمل الخلقي على التقيّد بالتعاليم والنصوص الزجرية ، وهي في الحقيقة ما لا يقوى على الاستقرار في النفوس .
بل إن هذه الاعتبارات ازدادت تفسّخاً وتصدعاً حيت احتكت بالحضارة الغربية ، فتأثّرت بها تأثراً معكوساً نتج عن فساد تمثّل هذه الحضارة ، وذلك ما ينبغي أن نعتبره مشكلة أساسية في حياة الكيان العربي .
لقد "غزت" الحضارة الغربية أو الحديثة المجتمعات العربية بوسائل عدة، فبهرت أبصارهم بقشورها العائدة إلى بعض العادات والأزياء وأساليب السياسة الماكرة ونحوها، وبقليل من عناصرها كالآلات والحرب والسلاح والمذاهب السياسية ، ولكنها حجبت عن أعينهم تلك العوامل الأقل بروزاً فيها، كالأخلاق، والقيم الإنسانية، وجدارة الفرد، وشأن المرأة، والبحث العلمي ، وحرية الفكر ، وغيرها من المثل التي نهضت عليها ، والتي تشكّل روحَها وعصَب حياتها .
فالحضارة الراهنة تعيش اليوم في المجتمع العربي جسماً بغير روح، وروحها هي الأخلاق المستوحاة من تمثّل القيم الروحية كافة، ودون أي وسيط كالنصوص والقواعد الموضوعة، أي مع الحرية الإنسانية الخالصة .
لا بد للمجتمعات العربية ، لكي يأخذوا بأسباب الحياة الحقة ، من انتهاج "أخلاق القيم" هذه . ولئن تنكرت النفس العربية لهذه الأخلاق أو فاتها الإلمام بها حتى اليوم ، فأمامها الحضارة الحديثة ، فهي في جوهرها خير مثال عينيّ لها، وما عليها إلاّ أن تعيد النظر في هذه الحضارة، لكي تبلوَها وتدرك كوامنها، وتتمثلها تمثلاً سوياً لا يشوبه إبهار أو اعتباط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هيومن رايتس ووتش تدين تصاعد القمع ضد السوريين في لبنان


.. طلاب في جامعة كاليفورنيا يتظاهرون دعمًا للفلسطينيين.. شاهد م




.. بعد تطويق قوات الدعم السريع لها.. الأمم المتحدة تحذر من أي ه


.. شاهد - مئات الإسرائيليين يتظاهرون ضد حكومة نتنياهو




.. بعد أن فاجأ الجميع بعزمه الاستقالة.. أنصار سانشيز يتظاهرون ل