الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العسكر والإرهاب

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2023 / 12 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ينص قانون منع الإرهاب البريطاني لعام 1974 على أنه "لأغراض التشريع"، يجب تعريف الإرهاب على أنه "استخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية بما في ذلك استخدام العنف لغرض تخويف الجمهور أو جزء من الجمهور". التعريف واسع وفضفاض لدرجة أنه يمكن أن يشمل المظاهرات الشعبية المناهضة للسلطة، والعنف في الشوارع، والعقاب المشروع أو الدفاع عن المصالح العامة، وحتى الحملات الرسمية لمكافحة المخدرات وردع التهريب.. إلخ.
وقد تمت الموافقة بالإجماع على الإتفاقية الأوروبية لقمع الإرهاب يوم 10 نوفمبر 1976م وذلك بعد أعمال العنف الخطيرة وحالات القتل والإختطاف التي عرفتها القارة الأوروبية أواخر الستينات وأوائل السبعينات من القرن الماضي والحقيقة أن هذه الإتفاقية تبلورت تحت ضغط الدول الأعضاء في مجلس أوروبا وكذلك بفضل مساعدة اللجنة الأوروبية للقضايا الجنائية، حين أدرك الأوربيون ضرورة وضع أساس قانوني يمكن من خلاله قمع "الإرهاب الدولي" وهذه الإتفاقية لم تعرّف الإرهاب بالمعنى الدقيق رغم انها وُضِعت كإطار قانوني لقمع أعمال الإرهاب الدولي كما أنها نصت في المادة الأولى على بعض الأفعال الإجرامية التي يُمكن أن تدخل ضمن الأعمال الإرهابية. ولم يتوصل الإتحاد الأوروبي إلى تعريف للإرهاب إلا في سنة2001، حيث عرفت الإرهاب  بأنه " العمل الذي يؤدي لترويع المواطنين بشكل خطير أو يسعى لزعزعة استقرار أو تقويض المؤسسات السياسية أو الدستورية أو القضائية أو الاقتصادية أو الاجتماعية لإحدى الدول والمنظمات، مثل الهجمات ضد حياة الأفراد أو الهجمات ضد السلامة الجسدية للأفراد أو اختطاف واحتجاز الرهائن أو إدارة جماعة إرهابية أو المشاركة في أنشطة جماعة إرهابية." ومن الواضح أن هدف هذذا التعريف هو حماية الدولة ومؤسساتها وبالتالي حماية النظام الرأسمالي القائم ضد أية محاولة لـ " زعزعة استقرار أو تقويض المؤسسات السياسية أو الدستورية أو القضائية أو الاقتصادية أو الاجتماعية لإحدى الدول والمنظمات" وبالتالي فإن الإرهاب عموما هو مقولة تستخدمها الأنظمة القائمة كسلاح لمحاربة أعدائها قانونيا وإعطاء الشرعية الدولية لكل الأعمال العنيفة أو الإرهابية التي يمكن أن تقوم بها هذه الدول تجاه الدول أو المجتمعات أو المنظمات السياسية التي تعتبرها منافسة لها وتعمل ضدها سواء سياسيا أو إقتصاديا، تماما مثل مقولة الدكتاتوية التي تًنعت بها الصين وروسيا حاليا، والتي ساهمت في تقويض عدة مجتمعات إقتصاديا وسياسيا وإجتماعيا كما حدث في العراق وسوريا وليبيا بحجة إحلال الديموقراطية محل الأنظمة الدكتاتورية القائمة. ونلاحظ أنه في أغلب هذه الحالات المذكورة أقترنت تهمة السلطات القائمة بكونها أنظمة دكتاتورية بتهمة الإرهاب.
ولكن في نهاية الأمر، حتى لا يتهمنا البعض بمساندة أو تبرير وجود منظمات مثل القاعدة أو داعش أو حماس أو غيرها من المنظمات السياسية الإسلامية، والتي تمارس العمل المسلح ضد من تعتبرهم أعداءها، من الضروري إذا توضيح ماهية الإرهاب وإعطاء تعريف علمي بسيط وواضح للجميع.
من أكثر التعريفات قبولًا هو أن الإرهاب يتمثل في استخدام العنف لخلق أجواء من الخوف والذعر من أجل تحقيق أهداف سياسية أو دينية أو ايدولوجية وهو يختلف عن "الجريمة التقليدية" بحكم اطبيعة الأهداف التي يريد تحقيقها والرغبة الملحة في إحداث تغيير في الواقع السياسي والإجتماعي. والإرهاب موجه في أغلب الأحيان إلى "قوة"ومؤسسات سياسية أكبر منه وهو بذلك يشن حرب غير متكافئة ضد الدولة ومؤسساتها المختلفة. وينتج عدم التكافؤ أيضا من كون العمليات الإرهابية تنطوي على عنف عشوائي لا يمكن التنبؤ به فهو يقع من قبل قوة صغيرة في مواجهة قوة أكبر. ومن عنصري العشوائية والمفاجأة تكتسب المجموعة الإرهابية المبادرة والتفوق وهما أمران لا يتحققان لها أبدًا بإستخدام التكتيكات العادية للحرب النظامية. ومن الواضح بأن تعريف الإرهاب يتغير ويتطور عبر الزمان والمكان، لكن من الثوابت كونه يستهدف أهداف سياسية ودينية أو ايديولوجية. ومن الثابت أيضا نسبية هذه المقولة، أي أن الأمر يتعلق بالزاوية التي ننظر منها للموقف عموما، فالإرهابي في نظر الدولة هو مناضل من أجل الحرية في رأي البعض الآخر. الإرهاب والمقاومة وجهان لعملة واحدة، لأنه في الحالتين هناك لجوء إلى القوة، وبالذات إلى القوة المسلحة، رغم وجود فروق وتراتب أخلاقي بين الموقفين، ولا نستطيع أخلاقيا وسياسيا أن نضع على نفس المستوى منظمة إرهابية مثل حماس ودولة إرهابية مثل إسرائيل. ويمكننا إعتبار أية قوة أو مؤسسة عسكرية أو مدنية تلجأ لإستعمال القوة والسلاح لتحقيق أهدافها مهما كان نوع هذه الأهداف يمكن إعتبارها قوة إرهابية تستعمل قوتها لإرهاب المواطنين وإدخال الرعب والخوف في قلوبهم. ونحن نأكد مرة أخرى أن الهدف الذي نصبوا إليه في معالجة مقولة أو ظاهرة الإرهاب، ليس الدفاع عن الإرهابيين الذين ندينهم بشدة، وإنما توسيع نطاق هذا المفهوم ليشمل هؤلاء الذين يدّعون محاربة الإرهاب، ونعني بذلك كل الدول والحكومات التي تجند القوى العسكرية العملاقة من أجل القضاء على ما يسمونه بالإرهاب الدولي، مثل إسرائيل وأمريكا وفرنسا وغيرها .. وبالتالي فنحن نعتبر جميع الجيوش والقوى العسكرية بكل أشكالها وألوانها وحجمها هي مؤسسات " إرهابية " يمكن تفعيلها لإرهاب المدنيين في أي وقت وفي أي مكان. ولهذا نعاود التأكيد مرة أخرى بأن أول خطوة يجب القيام بها للقضاء على الإرهاب والإرهابيين هي حل الجيوش والتخلص من العسكر ومنع صناعة الأسلحة بكل أنواعها. ذلك أنه من الغباء والبلاهه وسوء النية والخداع أن نطالب بالسلام والأمن والحب بين الناس، بينما هناك ملايين ومليارات الأطنان من الأسلحة النووية المدمرة معلقة فوق رؤوس البشر وقابلة للإنفجار في أي لحظة. فمن هو الإرهابي إذا، هذا الذي يهدد بفناء البشرية بتفجير قنبلة نووية، أم هذا الذي يحمل سكينا أو مطرقة ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة: انتعاش الآمال بالتوصل إلى هدنة في ظل حراك دبلوماسي مكثف


.. كتاب --من إسطنبول إلى حيفا -- : كيف غير خمسة إخوة وجه التاري




.. سوريا: بين صراع الفصائل المسلحة والتجاذبات الإقليمية.. ما مس


.. مراسلنا: قصف مدفعي إسرائيلي على بلدة علما الشعب جنوبي لبنان




.. القيادة الوسطى الأميركية: قواتنا اشتبكت ودمرت مسيرة تابعة لل