الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عَلْمَنَةْ الميتافيزيقيا (1)

خالد فارس
(Khalid Fares)

2023 / 12 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ساد بين أوساط مثقفين ومفكرين أن القضية المركزية للعَلْمِنَة في القرن السابع عشر "علمنة أو دنيوة الوعي" أو أنها "دنيوة المقدس", فلا فرق جوهري بين الأولى والثاني لان كلاهما يقارب الأمر من ناحية المَعرفة-الإبيستيمولوجيا, و بما أن كل شيء ممكن أن يقوم به الإنسان هو عملية تطوير وعي, يفقد هكذا تعريف قدرته على تحديد القضية المركزية في المعرفة أو ما هو أساس المعرفة الجديدة. إضافة كلمة دنيوة أو علمنة للوعي أو المقدس, تبدوا إضافة للدلالة اللفظية-Semantic, أو محمولاً بدلالة اللفظ ليست تمييزاً للتاريخ في تلك المرحلة.

مشروع العلمانية, كونه واقع في التاريخ الحديث في القرن السابع عشر, يُمَثّل الإطار التاريخي إِسْتَنَدَ على العَلْمَنة التي تُمثل ديناميكية الإطار التاريخي, وحركة آلياته. في الإطار التاريخي نجد بزوغ العلوم الحديثة وأفكار المجتمع المدني والصناعة والسياسة والإقتصاد والثقافة, وفي الحركة والديناميكية نجد مفاعيل عَلْمَنَةْ للميتافيزيقيا. لهذا السبب لعبت الفلسفة دوراً كبيراً في مشروع العلمانية التاريخي, لأن هذا الإطار كان بحاجة الى تفلسف جديد, يغير من أصول الميتافيزيقيا الطاغية ما قبل عصر العَلْمانِية. وهذا التفلسف أنشأ وعي عام وثقافة محمولة على آلية علمنة للميتافيزيقيا. سؤال علمنة الميتافيزيقيا يشمل أيضا عَلْمَنَةْ الوجود: ماهو الوجود, وما هو موجود, وكيف يكون موجوداً, ولماذا وما هي أدواته, وجميع هذه الأسئلة تندرج في إطار الوجود-الأنطولوجيا. وحيث أن كل ما ينتجه الإنسان يمكن إيعازه الى المعرفة, الا أنه من الضروري تمييز المعرفة عن الميتافيزيقيا التي يمكن أيضا أن تتداخل مع المعرفة.

الميتافيزيقيا عبارة عن المُجَرّدْ في الموضوع. فالسؤال عن سبب شيء ما, سؤال معرفي, أما السؤال ماذا يعني السبب بذاته, سؤال حول طبيعة السبب أي ماهيته, لغة أخرى, تبحث في تجريده من محتواه العيني التجريبي, وإخضاعه الى مُجَرّدْ, لكي يصير سؤالاً ميتافيزيقياً. السؤال عن ماذا تَغَّيَرَ في موضوع ما, سؤال معرفي, أما سؤال الميتافيزيقيا: ماهي طبيعة التغيير بذاته, وماهو التغيير في أصله. بلغة أخرى, فإن الميتافيزيقيا تشير الى منشأ وأصل الأشياء, من أين تأتي وماهو مصدر وجودها, بحقيقتها المُجَرَّدَة, أو صافية الوجود كما يحاول بعض الفلاسفة تَمَلُّكُها.

دشن رينيه ديكارت (1596-1650) عصر الفلسفة الحديثة. في كتابه العُمْدَه تأملات ميتافيزيقية في الفلسفة الأولى, يُشَبّه ديكارت المعرفة بالشجرة، جذورها الميتافيزيقا، الفيزياء الجذع، والفروع هي العلوم الأخرى. وفقًا لهذه الصورة، فإن كتاب «تأملات في الفلسفة الأولى» يحتوي على الفلسفة الأولى، أو الميتافيزيقيا، التي تدعم فيزياء ديكارت الجديدة. ديكارت نفسه أخبر ميرسين أن التأملات تحتوي على جميع أسس فيزياءه، لكنه لم يرغب في معرفة ذلك في حال أثار معارضة الأرسطيين (CSMK 173, AT III 298). كما تظهر هذه الملاحظة، فإن التأملات لها أجندة خفية؛ إنها وسيلة لمبادئ مختلفة تمامًا عن تلك الخاصة بالفلسفة الأرسطية على نطاق واسع والتي نشأ عليها ديكارت. وضع ديكارت ثلاثة عناوين: العقل وطبيعته, الجسد وطبيعته, الله. وهذه العناوين تنخرط في طبيعة الأشياء واصلها ومكونها المجرد بلا منازع أو تناقض, فهي بحث ميتافيزيقي, في أصل الأشياء. أساس المعرفة الحديثة الميتافيزيقيا الحديثة.

في التأمل الأول سعى ديكارت الى إزاحة الأرسطية من طريق الميتافيزيقيا. فالأرسطية تؤمن بأن الحواس هي سابقة على الوعي, وأنه لا شيء في الوعي لم يأتي من الحواس. من أجل علمنة ميتافيزيقيا الوعي, سعى ديكارت الى التشكيك في قدرة الحواس على تقديم معرفة يقينية أو موثوقة, بمعنى أنها تقدم لنا معرفة صحيحة أي لا تخدع, لا تقدم معلومة ونقيضها, أو تغيرها بخصوص ذات الشيء. فمثلا قال أنه يواجه صعوبة في التمييز بين الحلم والإستيقاظ, ماذا يمكن أن تقدم له الحواس من يقين بأنه لا يحلم وأنه مستيقظ وهو جالس على الكرسي أمام المدفأة. لو تأملنا في مقولة ديكارت تجاه الحلم, سنجد أنه يحاول أن يثير الشك أكثر مما ينفي ويلغي الموضوع. هل إذا حرك يداه يستطيع أن يتيقن من أنه مستيقظ؟ يقول ممكن ولكن ليس يقينا, لماذا؟ لأنه يمكن له أن يحرك يداه وهو نائم اثناء الحلم, إذا حركة اليد لا تقدم له دليلا قطعيا يقينيا على أنه مستيقظ, بل تقوده الى الشك في ذلك.

ساقنا في التأمل الأول نحو منهج الشك في كل شيء, لكي نتخلص من الماضي المعرفي الذي إعتدنا عليه منذ طفولتنا في كيف نعرف الأشياء. وقال أنه على الإنسان أن يقوم بهذه العملية مرة واحدة في حياته لكي ينظف تراكمات الماضي, وينطلق من أسس جديدة. وهذه الأسس هي ميتافيزيقية تشكل أساس فيزياء ديكارت والمعارف الأخرى. بذا يكون ديكارت قد دشن مشروع الفلسفة الحديثة, بتغيير أُسُسُهُ الميتافيزيقية.

يُتْبَعْ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتهاد الألمان في العمل.. حقيقة أم صورة نمطية؟ | يوروماكس


.. كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير




.. ما معنى الانتقال الطاقي العادل وكيف تختلف فرص الدول العربية


.. إسرائيل .. استمرار سياسة الاغتيالات في لبنان




.. تفاؤل أميركي بـ-زخم جديد- في مفاوضات غزة.. و-حماس- تدرس رد ت