الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مراحل تطور الشخصية في النمو الفردي (1)

تمارا العمري

2023 / 12 / 5
التربية والتعليم والبحث العلمي


مؤلفة المقال: عالمة النفس الماركسية ليديا إليينيتشنا بوجوفيتش*

ترجمة: تمارا العُمَري
تدقيق: مالك أبو عليا

الملاحظات والتفسير بعد الحروف الأبجدية بين قوسين (أ)، (ب)... هي من عمل المُترجم

يُمكن الآن اعتبارها حقيقةً ثابتةً أنه في سياق النمو الفردي Ontogeny، تظهَر في عقل الطفل بُنىً نوعية جديدة، لا يُمكن اختزالها إلى وظائف سيكولوجية أولية.
هذه البُنى العقلية الجديدة هي أنظمة تكاملية ذات مُستويات مُختلفة من التعقيد، والتي تشتمل كذلك على وظائف سيكولوجية ذات مستويات أقل تعقيداً. تعمل مثل هذه الأنظمة كنوعٍ من "الميكانيزم" المُتكامل، والتي تُحدد سلوك الفرد ونشاطه وعلاقاته مع الآخرين وموقفه تجاه مُحيطه وموقفه تجاه نفسه.

لقد حدّدَت الأبحاث التي أُجرِيَت في علم النفس السوفييتي (بواسطة ليف فيغوتيسكي وزملائه) أن كُل وظيفة نفسية أولية (الادراك الحسي، الذاكرة، التفكير، الخ) لها منطق تطورها الخاص، والتي يتحوّل كُلٌّ منها، من خلال تكاملها، إلى وظائف عقلية عُليا: الذاكرة المنطقية، الادراك التفريقي categorical perception (أ)، التفكير بواسطة اللغة، الخ.
ان الوظائف العقلية العُليا هي نوع من اندماج للوظائف الذهنية الأولية، ولكن إن تم تقسيم هذا الاندماج إلى العناصر المُكونة له، فإنه يفقد خصائصه التي تُحدد ماهيته. فور نشوء الوظائف العقلية العُليا، فإنها تُصبحُ بُنىً جديدة مُستقرة، والتي تتفكك بعد ذلك فقط مع تقدم السن أو نتيجةً لحصول أمراض مُعينة.

بالاضافة إلى هذه البُنى الجديدة، توجد أيضاً أنظمة تكاملية أُخرى مُعقدة. هذه الأنظمة لها مسار تطور آخر وبُنية أُخرى وسمات وظيفية أُخرى.

على سبيل المثال، الارادة هي أحد هذه الأنظمة، والتي ليس لها علاقة بالوظائف العقلية الأولية، ولا تشتمل في بُنيتها على أهداف واعية وحسب، بل تشتمل كذلك وظائف عقلية عُليا أُخرى (الذاكرة العاطفية، المُخيّلة، الأحاسيس الأخلاقية، الخ)، وهي تشكيلة من الوظائف تُمكّن البشر من تنظيم سلوكهم(1). قد تتغير هذه الأنظمة النفسية على مدى حياة الانسان نتيجةً للخبرة المُكتسبة وتبعاً للتغيرات الحاصلة في السمات العامة لشخصية الفرد(2).

حَلَّلَ عالم النفس السوفييتي فيغوتيسكي Vygotsky العقل الواعي للطفل كمنظومة نفسية مُعقدّة مُستقرة نسبياً في طابعها، تتطور بمرور الوقت. لقد أظهَرَ أن هذا الجانب من العقل، الذي ينتظمُ في نظام، له منطِق تطوّره الخاص في سياق النمو الفردي. وفقاً لمفهوم فيغوتيسكي، لم تتمايز بعد الوظائف العقلية إلى كياناتٍ مُستقلة في عقل الرضيع، انها تعتمدُ في هذه الفترة بشكلٍ مُباشرٍ على الادراك الحسي، ولا يُمكن أن تعمل الا في هذا السياق فقط (لم تتمايز الذاكرة كتعرّفٍ على الأشياء بعد، ويظهر التفكير كانطباعات زاهية عاطفياً لم يتم فيها بعد التمايز بين أشياء العالم الخارجي. وفي الواقع، حتى مشاعر الرضيع تدوم طالما أن الحافز الذي يُثيرها يقع ضمن مجال ادراكه الحسّي).

مع النمو الفردي للطفل، يندفع الادراك الحسي الذي يُهيمن عنده إلى الخلف، مُفسحاً المجال لوظائف نفسية أُخرى لتظهر على الواجهة، أولها الذاكرة، من ثم التفكير. تتناغم هذه الوظائف النفسية من أهداف نمو الطفل ككلية بيواجتماعية، وتصل أعلى نُقطة في تشكلها عند سنٍّ مُحدد. عندما تظهر الوظيفة وتتشكل، فإنها تُخضِع جميع الوظائف الأُخرى، وبالتالي، تضع بصمتها الخاصة على العملية الاندماجية التي تحدث خلال هذه المرحلة من التطور، أي أنها تُحدد الخصائص البُنيوية لوعي الطفل، منظوراً اليه (أي إلى الوعي) كنظام. بعبارةٍ أُخرى، وفقاً لنظرية فيغوتيسكي، تخضع البُنية المنظومية لوعي الطفل إلى التغيرات خلال مسار النمو الفردي(3).

يترتب على هذا كذلك، أن شخصية الطفل تصير أيضاً نظاماً نفسياً مُستقراً نسبياً، عندما تصل إلى مستوى اندماجي أعلى. وبالمثل، هذا النظام له منطق تطوره الخاص وقوانينه الخاصة. لدراسة هذه القوانين، دعونا أولا نقدم وصفا موجزاً لنتائج العملية التي تُميّز تطور شخصية الطفل. في جميع الدراسات التي نشرناها حتى الآن، انطلقنا من الموقف القائل بأن الشخص الناضج نفسياً، هو الشخص الذي حقق مستوى معيناً وعالياً بما فيه الكفاية من التطور النفسي. لقد حددنا السمة الرئيسة لهذا التطور على أنها اكتساب الشخص للقدرة على متابعة الفعل بشكلٍ مستقلٍ عن محيطه المباشر، مسترشدًا في ذلك بأهدافه التي وضعها عن وعي. إن تطوّر هذه القدرة هو أساس ما نسميه الطبيعة النشطة، وليس رد الفعل (تفاعلي) للسلوك البشري؛ إنها الصفة التي تحول الإنسان من عبد لبيئته إلى سيدٍ عليها وعلى نفسه.

وفقا لهذا المفهوم، بحثنا في قوانين ظهور وتطور هذه القدرة (التي سميناها الطبيعة السيكولوجية للشخصية) في إطار تطور النظام الوظيفي الذي يسمى في السيكولوجيا، الإرادة. تحقيقاً لهذه الغاية درسنا تطور الأهداف المُحفّزة عاطفياً، والأهم من ذلك، درسنا تطور خطة الفعل الذاتية الداخلية، والتي تمكّن الشخص من تنظيم مجاله التحفيزي بطريقة تضمن أن الأهداف الموضوعة بوعي سوف تتغلب على الدوافع الأقوى والأكثر مُباشرة، على الرغم من أنها في حالة معينة قد تكون غير مرغوب فيها عند الفرد. بعبارة أخرى، لقد درسنا عمل النظام الوظيفي المسؤول عن تحكم الشخص الواعي في سلوكه(4). لقد اعتبرنا هذا الخط من التطور مركزياً لوصفٍ سيكولوجي للشخصية.
ومع ذلك، سرعان ما وجدنا في هذه الدراسات أن تحقيق الأهداف الموضوعة بوعي لا يحدث دائما بالطريقة التي وصفناها، حيث يلجأ الفرد إلى خطة عمله الذاتية الداخلية من أجل إعادة بناء مجاله التحفيزي بوعي. في ظل ظروف معينة لم يتم دراستها بشكل كاف بعد، يمكن للأهداف في حد ذاتها أن تكتسب قوة محفزة مباشرة قادرة على تحفيز الشخص على نمط سلوكي مناسب مع تجنب الصراع الداخلي وتضارب الدوافع، والتبرير، والاختيار، وتشكيل النية - باختصار، مع تجنب الفعل الطوعي، بالمعنى الدقيق لهذا المصطلح. هذا النوع من السلوك مشابه ظاهريا فقط لنوع السلوك الذي نسميه عادةً طوعياً، ولكنه يخضع لتأثير الدافع "الثانوي" الذي كان في وقت ما بمثابة دافعٍ مباشر في عملية النمو الاجتماعي للطفل. أظهر التحليل أن هذا الدافع -ما بعد الطوعي، إن جاز التعبير- هو نتيجة ارتباط بين أهداف الشخص الموضوعة بوعي وعواطفه العليا، التي تضفي أيضًا على الأهداف قوتها الدافعة المباشرة. ومن ناحية أخرى، فإن غياب (أو ضعف) المشاعر المناسبة يجبر الشخص على اللجوء إلى ضبط النفس، عن طريق فعل الإرادة.
أظهرت الدراسات أن كل بنية نظامية جديدة تظهر خلال حياة الفرد، والتي تُصبح في هذه العملية، شرطا ضروريا لوجوده ككائن اجتماعي، تتضمن بعض العناصر العاطفية التي تضفي عليها قوتها المحفزة المباشرة. يتم تحفيز الشخص بشكل مباشر من خلال معتقداته ومشاعره الأخلاقية وسماته الشخصية الخاصة، ولكن بما أن هناك احتياجات ودوافع كثيرة مؤثرة في أي عمل، ينشأ صراع بينها، والذي يختبره الشخص ذاتيًا باعتباره صراعًا مع نفسه عندما لا يمكن التوفيق بين هذه الدوافع المتساوية في القوة والمتعارضة في الاتجاه. إذا تغلبت الدوافع الأقوى والأكثر إلحاحا، القابلة للدحض بعقلانية في هذا الصراع، فإن الشخص يعاني داخلياً. ولكن إذا تغلبت الرغبات المُباشرة على التطلعات الأخلاقية، فسيعاني الشخص من العار واليأس وما إلى ذلك، ليحاول التخفيف من آثار هذه المشاعر بمختلف أنواع آليات الدفاع أو القمع وغيرها من الوسائل لتحييد الضمير، كما يصف هذا بعض علماء الجريمة الأمريكيين(5). من الواضح إذن أن الشخص المنخرط باستمرار في مثل هذه الصراعات الداخلية سيبدو متذبذباً وسيُظهر سلوكاً شاذاً بالإضافة إلى عدم القدرة على تحقيق الأهداف الموضوعة بوعي، أي أنه سيفتقر إلى تلك الصفات الأساسية للشخصية الناضجة نفسيًا.
وبالتالي فإن تطوير قدرة الإنسان على التنظيم الذاتي الواعي ليس السمة الوحيدة المميزة لتشكيل شخصيةٍ متكاملة خالية من التناقضات، ولكنه تطوير مهم للغاية بحد ذاته. ولا يقل أهمية عن ذلك، تكوين الأنظمة التحفيزية التي تحدثنا عنها أعلاه، أي تلك التي لها قوة مُقَيّدة لضمان السلوك المطلوب دون إدخال الإنسان في صراع مع نفسه، ولتحقيق ذلك، يجب أن يتم تكوين الشخصية بطريقة تجعل العمليات المعرفية والعاطفية، وبالتالي كل ما يمكن السيطرة عليه وما لا يمكن السيطرة عليه من قبل العقل الواعي، في علاقة متناغمة معينة مع بعضها البعض.
وبالتالي، يحق لنا أن نقول إن تكوين الشخصية لا يوصف بالكامل من خلال التطور المستقل لجانب واحد فقط، سواء أكان العقلاني أو الارادي أو العاطفي. ان الشخصية هي نظام تكاملي كُليّ غير قابل للتجزئة، لذا يمكن الافتراض بأن هناك العديد من البُنى الجديدة الناشئة تباعاً والتي تميز المراحل المختلفة على طول المسار الرئيسي لتطور الشخص.
لسوء الحظ، لم يتم إجراء أي دراسة منهجية لهذه المشكلة حتى الآن، على الرغم من أن جميع علماء النفس المشاركين في دراسة النفسية يعترفون بظهور "جوهر" يسمونه "نظام الأنا"، أو "الأنا". وتستخدم هذه المصطلحات كمصطلحات توضيحية في دراسة حياة الإنسان العقلية وسلوكه أيضاً. ومع ذلك، فإن المحتوى النفسي وبنية هذا الجوهر لا يزالان غامضين؛ بالإضافة إلى انه لم يتم إقرار قوانين تطورهما خلال فترة حياة الفرد.
***

لا تدعي هذه المقالة تقديم إجابة علمية على هذه المسألة. ومع ذلك، فإن النتائج التي تم الحصول عليها في أبحاث مختبر تنمية شخصية الطفل (معهد البحث العلمي لعلم النفس العام والتربوي التابع لأكاديمية العلوم التربوية في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية) والنتائج الواردة في الأدبيات تسمح لنا بالمغامرة بفرضيات معينة فيما يتعلق بمحتوى وتنظيم البنية النفسية المركزية، التي تظهر في نهاية كل مرحلة من مراحل النمو وتحدد السمات الشخصية المميزة للأطفال في ذلك العمر المعين. لذلك قمنا بتحليل المراحل الحساسة، كما يطلق عليها، في نمو الطفل في ضوء عدد من المفاهيم، والتي سنُناقشها بالتفصيل فيما يلي.

من المفهوم عموماً أن هذه المراحل الحساسة هي الفترات الانتقالية من مرحلة تطور إلى أخرى. تحدث هذه المراحل، أو الأزمات، بين مرحلتين من التطور وتمثل ذروة المرحلة السابقة وبداية المرحلة التالية. يجب أن نشير أيضًا إلى أن كل بنية نظامية جديدة تنشأ استجابة لاحتياجات الطفل، تتضمن عنصراً عاطفياً وبالتالي تحمل في داخلها قوة محفزة. ولهذا السبب فإن البنية النظامية الجديدة التي تُعتبر مركزية في مرحلة معينة من التطور، والتي تجمع كُل إنجازات النمو العقلي للطفل في الفترة المعنية ليست محايدة فيما يتعلق بالنمو اللاحق، ولكنها تصبح في حد ذاتها مصدراً للتطور اللاحق لشخصية الطفل في المرحلة التالية. لذلك قد نعتبر الأزمات بمثابة منعطفات نوعية في التطور الفردي للشخصية التي يجب أن يمنحنا تحليلها نظرةً ثاقبةً للجوهر النفسي لهذه العملية.
في علم نفس الطفل، تحدث المراحل الثلاث الحساسة التي يتم ذكرها بشكل متكرر، في سن 7-3 سنوات و 12-16 سنة؛ غالبا ما يطلق على الأخيرة أزمة المراهقة. حلل فيغوتسكي أيضا النقطة الانتقالية في السنة الأولى من العمر؛ وقسّم المراهقة إلى مرحلتين: سلبية (13-14 سنة) وإيجابية (15-17 سنة).
وإذا اعتبرنا هذه الأزمات علامةً على تغيراتٍ جذرية في سلوك الطفل، فإننا سنُلاحظ أن جميعها تشترك في سمات معينة. في هذه المراحل الانتقالية، يصبح الأطفال متمردين، ومتقلبين، وسريعي الانفعال. غالبا ما يبحثون عن مشاجرات مع البالغين، وخاصةً مع معلميهم وأولياء أمورهم؛ وكثيراً ما يُظهِرون موقفاً سلبياً تجاه المطالب التي أنجزوها مُسبقاً، وأحياناً يصل الأمر إلى حد العناد والسلبية.
إن جميع هذه الجوانب من سلوك الأطفال في خضم هذه المرحلة الانتقالية تعكس إحباطهم،
ولكننا نعلم أن الإحباط يحدث نتيجة الحرمان من بعض الإحتياجات الحيوية للفرد، ولذلك يمكننا أن نستنتج أنه عند النقطة الانتقالية بين مرحلتين من مراحل النمو، تنشأ مثل هذه الاستجابة لدى الأطفال الذين تظهر لهم الاحتياجات الجديدة في نهاية كل مرحلة من مراحل النمو العقلي، إلى جانب بنية الشخصية المركزية الجديدة في العمر المعني، وتكون هذه الاحتياجات غير مُلبّاة أو مكبوتةً بشكلٍ ما(6).
وهكذا، فإن التحليل من وجهة النظر هذه لسلوك الأطفال خلال فترة انتقالية، يصل بنا إلى عددٍ من الفرضيات المتعلقة بالاحتياجات التي لم تُلبّى في مراحل مُعينة وفيما يتعلق بالبُنى المركزية الجديدة التي تؤدي إلى تلك الاحتياجات.

***

لقد أظهرت دراسة النتائج الواردة في الأدبيات وملاحظاتنا الخاصة، أن سمات السلوك المحبَط لا تُلاحَظ بشكل متكرر في الأطفال البالغين من العمر 3 و 7 و 13 عاما فقط، ولكنها أيضا سمة للأطفال بين العامين الأول والثاني من العمر. لقد حصلنا على بعض البيانات المثيرة للإهتمام بشكل خاص في هذا الصدد من دراسةٍ سريريةٍ أجريت تحت إشراف نيكولاي ماتفيفيتش تشيلوفانوف Nikolai Matveevich Shchelovanov، الذي اعتَبَرَ، في ضوء النتائج التي توصل إليها، أنه من المفيد التمييز بين مرحلة نمائية جديدة، بعد عمر السنة وشهرين، بعدما ثبت أن أسلوب تربية الأطفال الذي كان ملائمًا تمامًا حتى هذا العمر، لم يعد مناسبًا للأطفال الأكبر سنًا، مما أثار مقاومتهم وتقلب مزاجهم. ومن هنا فإن النتائج ليس فقط في علم النفس ولكن أيضًا في علم التربية تزودنا بأساس للاتفاق مع فيغوتيسكي وتمييز المرحلة الانتقالية عند بلوغ سنة واحدة من العمر.
ومع قلّة الأبحاث حول هذا الموضوع، فإننا لا نملك الأسس الكافية لمعرفة المضمون النفسي لهذه الأزمة؛ غير أن تحليل سلوك الأطفال قبل وبعد عمر السنة الواحدة والبيانات المتعلقة بنموهم العقلي والتي تم إجراؤها وفقًا لأفكار نظرية معينة، قد ألقى بعض الضوء على المشكلة التي نحن بصددها.
لا يكون الطفل منذ ولادته مجرد كائن حي متفاعل مع بيئته، كما ادعى علماء النفس ذوو التوجه الانعكاسي؛ بل إن الرضيع كائن له حياته العقلية الفردية غير المُترابطة. إن لديه احتياجاته الأساسية (من الغذاء والدفء والحركة)، والاحتياجات المرتبطة بالتطور الوظيفي للدماغ (على سبيل المثال، الحاجة إلى احساسات جديدة)، وأخيراً الاحتياجات الاجتماعية، التي تظهر وتتطور خلال السنوات الأولى من حياته، مثل الحاجة إلى شخص آخر يهتم به ويتواصل معه ويدعمه (7). وفي وقت لاحق، ستصبح هذه الاحتياجات في غاية الأهمية للنمو الأخلاقي للطفل. إن التعرف على هذه الاحتياجات يتطلب أيضاً التعرف على تجارب الطفل الذاتية العاطفية. لذلك إذا لم يتم إشباع أيٍّ من هذه الحاجات، فإن الطفل سيتفاعل بطريقة سلبية تنعكس على شكل قلق وبكاء وما إلى ذلك، في حين يتم التعبير عن إشباع هذه الحاجات بالبهجة وارتفاع نغمة الحيوية العامة وتكثيف الإدراك المعرفي والنشاط الحيوي (على سبيل المثال، المجموعة الحركيةthe animation complex، كما يُطلَق عليها).

وبالتالي، فإن محتوى الحياة العقلية لأطفال السنة الأولى، تتميز في البداية بأحاسيس زاهية، وبعد ذلك، بانطباعات وانفعالات ذات خبرة واسعة ومشحونة بالعواطف. بعبارةٍ أُخرى، يكتسب وعي الطفل الرضيع مكونات عاطفية مرتبطة بالتأثيرات الخارجية المُدرَكَة بشكلٍ مُباشر(8). كما يجب أن نشير إلى أنه خلال هذه الفترة من نمو الطفل، يكون الإدراك الحسّي هو المهيمن على وعي الطفل.
والآن دعونا ندرس الوضع الاجتماعي لنمو الطفل خلال السنة الأولى من حياته. على حد تعبير فيغوتسكي، فإن جوهر هذا الوضع الاجتماعي هو أن كل سلوك الطفل وكل نشاطه يتحقق إما من خلال توسّط أو تعاون شخص بالغ. يقول فيغوتسكي: إذا لم يكن هناك شخص بالغ، فإن الأمر يشبه حرمان الطفل من ذراعيه وساقيه، أي من وسائل حركته وإمكانيته على تغيير مكانه والامساك بالأشياء المرغوبة. باختصار، إن تلبية جميع احتياجات الطفل العضوية والاجتماعية تتم من قبل البالغين. ونتيجة لذلك، فإن جميع الاحتياجات المذكورة أعلاه بالنسبة للطفل تتجسد في الإنسان البالغ كموضوع لإشباع رغباتهم، ويصبح هذا الشخص هو النقطة المركزية لكامل الوضع المُدرَك المباشر للطفل، أي النقطة التي تتمحور حولها جميع الأشياء.
يتطور وعي الطفل الرضيع خلال العام الأول: تتمايز الوظائف النفسية الفردية، وتظهر الانطباعات الحسية العامة الأولى، ويبدأ الطفل في استخدام عناصر الكلمات لتسمية الأشياء. وفي هذه العملية، تتبلور احتياجاته أكثر فأكثر تجاه الأشياء المحيطة به، مما يضفي على هذه الأشياء نفسها قوةً مُحفّزةً بالنسبة له. ومن ثم، عندما تدخل مثل هذه الأشياء في مجال الإدراك الحسي للطفل، فإنها تنشط الاحتياجات التي كانت حتى ذلك الحين في حالة محتملة وبالتالي تحرض الطفل على التصرف وفقا للخطوط المناسبة لهذه الحالة. هنا يكمن مصدر الاعتماد الظرفي للأطفال في السنة الأولى من العمر، الذين يخضع سلوكهم تماما للمحفزات التي تدخل إلى مجال ادراكهم الحسّي(9). وهكذا -ويجب التأكيد على هذا بشكل خاص- فإن الأطفال في السنة الأولى من حياتهم لا يمكن اعتبارهم غير مبالين بالأشياء من حولهم بل هم يدركون فقط تلك التي لها معنى بالنسبة لهم، والتي تلبي احتياجاتهم.
إن عجز الرضيع وافتقاره إلى أي حوافز ما فوق ظرفية (داخلية، ولكن ليست عضوية) تحدد أيضا موقف البالغين تجاه الأطفال في هذا العمر. فالبالغون يفرضون إرادتهم ويقررون متى ينام الطفل، ويتغذى، ويمشي، لا يُسأل الأطفال عموما عما إذا كانوا يريدون المشي أو النوم أو تناول الطعام. يتم الباسهم واخراجهم، إطعامهم والترفيه عنهم، وفي ساعات محددة يتم وضعهم في الفراش. إذا كان الطفل لا يمتثل على الفور لبعض المتطلبات ويبكي ويقاوم، فإن الشخص البالغ إما لا يولي أي اهتمام أو يحاول تشتيت انتباه الطفل عن طريق إدخال بعض المحفزات الجديدة إلى مجاله الإداركي التي تعمل بشكل لا يقاوم، طالما أن الطفل يتقبّل بشكلٍ مُستمر الحصول على إنطباعاتٍ جديدة.
ولكن في بداية السنة الثانية من العمر، تحدث فترة يتوقف فيها الطفل عن الخضوع لأوامر الشخص البالغ، ولا يعود هذا الأخير قادر على تنظيم سلوك الطفل من خلال تنظيم المحفزات الخارجية المحيطة. وقد أظهرت الملاحظات أنه في هذه الفترة نفسها يصبح الأطفال قادرين على التصرف تحت تأثير ليس فقط الانطباعات المدركة بشكل مباشر وحسب، ولكن أيضاً وفقاً للصور والأفكار التي تظهر في ذاكرتهم.
وهذا أمر متوقع بالطبع، لأن الذاكرة، تبدأ خلال هذه الفترة، في لعب دورٍ متزايد الأهمية في النمو العقلي للطفل، وتتولى موقعًا مهيمنًا، وبالتالي تعيد هيكلة وعي الطفل وسلوكه. ان العديد من ملاحظاتنا والملاحظات المسجلة في مذكرات عالمة النفس ناتاليا الكسندروفنا مينشينسكايا Natalja Aleksandrowna Mienczinska حول نمو الطفل، مفيدةً في هذا الصدد(10). تمكنت السيكولوجية المُدَرّبة والخبيرة مينشينسكايا من التقاط عناصر جديدة في سلوك الطفل والتي أصبحت فيما بعد نموذجية. فعندما بلغ ابنها سن 1 سنة و4 أشهر، سجلت الملاحظة التالية في مذكراتها:
"لم يرى ساشا والده منذ شهر، وخلال هذا الوقت لم يذكره ولو لمرة واحدة. حين وصل والده متأخرًا، ألقى عليه ساشا نظرة خاطفة فقط، وهذا النوع من التواصل لم يكن مرضيًا بأي حال من الأحوال. ثم فجأة، في صباح اليوم التالي، كانت أول كلمة له (بابا)".
في الملاحظات التالية، سجلت مينشينسكايا كل الأشياء التي قد تخطر في ذهن ساشا. ثم كتبت أن الطفل بدأ يستخدم كلمة "tama" بكثرة مع تأشيرة من يده، في محاولةٍ واضحة للإشارة إلى شيءٍ لم يعد موجودًا في مجاله الإدراكي. نجد ملاحظات مماثلة في يوميات عالمة النفس فاليريا سيرجيفنا موخينا Valeriya Sergeevna Mukhina(11).

تخبرنا موخينا أنه حتى عمر السنة الواحد وأربعة أشهر، كان من الممكن أن تأخذ خلسةً أياً من الأشياء التي تعامل معها طفلها من قبل، ولكنه لم يشعر أنه فقَدَ شيئاً ما. أمّا في عمر السنة الواحدة وستة أشهر، ظهرت ردود فعل للتذكر بشكل واضح. فعندما هاجم كلب أحد طفليها التوأم وأرعبه بشدة، تقول "استغرق الأمر وقتًا طويلاً لتهدئة طفلي كيريل، بدا أنه نَسِي كل شيء، ثم بدأ في البكاء فجأةً مرةً أخرى، حاولت مواساته وإلهائه بلعبة، وبالفعل تفاعل معي وبدأ اللعب، ثم فجأةً بدأت شفتيه ترتجف وأمال رأسه وتدفقت الدموع من جديد".
خلال هذه الفترة نفسها، لاحظت مينشينسكايا كيف بدأ ساشا متقلب في عمر السنة وخمسة أشهر. عندما طُلب من ساشا ألا يفعل شيئًا ما، كانت يُخالف ذلك، ويحاول بعناد تكرار ذلك، في بعض الأحيان، يبدأ في البكاء بشكل متقلب ويرمي بنفسه على الأرض ويخبط بذراعيه وساقيه، على الرغم من أن مثل هذا العرض الهستيري لم يكن يحدث بشكل متكرر. تبدو لنا هذه الملاحظات دليلاً مقنعًا ومثيرًا للاهتمام على أنه اعتبارًا من السنة الثانية من عمر الطفل، تبدأ الذكريات بالعمل بنشاط في وعيه، وأنه ليس فقط الأشياء المُدرَكَة مُباشرةً تبدأ باتخاذ تلوناتٍ عاطفيةٍ مُتعددة وحسب، بل وتتخذها الصور والأفكار والذكريات الخاصة به كذلك.

أتيحت لنا الفرصة لمراقبة طفل يبلغ من العمر سنة وثلاثة أشهر، تقدم هذه الحالة مثالاً جيداً لمثل هذه الأنواع الجديدة من القوى المحفّزة والظروف التي تحدث فيها، بالإضافة إلى أن الحرمان من هذه القوى المحفزة هو الذي يُنتج نوع السلوك النموذجي في هذه المرحلة الانتقالية(12).أثناء اللعب في الحديقة، استولى هذا الطفل على كرة طفل آخر ولم يرغب في التخلي عنها، وفي مرحلة ما نجح في إخفاء الكرة. بعد ذلك عاد (الطفل الآخر) إلى منزله. وأثناء العشاء أصبح مضطربًا فجأة ورفض تناول الطعام وانفعل بشدة وحاول الانزلاق من كرسيه وتمزيق مريلته. عندما تم وضعه على الأرض (أي سُمِحَ له بالذهاب)، ركض عائداً إلى الحديقة وهو يبكي "با... با...." ولم يهدأ إلا عندما استعاد الكرة.
تُظهِر هذه الحالة أن الطفل كان لديه فكرة محددة قادرة على حثه على السلوك النشط، وأن هذه الفكرة جُسدت (ولكنها لم تلبي تماما) الحاجة المطلوبة لديه. وأخيرًا، توضح هذه الحالة أيضًا أن الظروف التي أعاقت تلبية هذه الحاجة الجديدة هي التي حددت أيضًا سلوك الطفل الذي كان عدوانياً في موقف معين.

وهكذا، فإن البُنية المركزية، أي البُنية الجديدة للشخصية في السنة الأولى من العُمر، هي ظهور أفكار مشحونة عاطفياً تُحفّز سلوك الطفل، غير تلك المُحفزات الخارجية. وسنسمي هذه الأفكار الجديدة بـ "الأفكار المُحفّزة".
إن ظهور الأفكار المحفزة يغير بشكل أساسي سلوك الطفل وكل علاقاته مع العالم من حوله. إن وجود هذه الأفكار يحرر الطفل من إطار الظرف الملموس ومن خضوعه الكامل للمحفزات الخارجية (حتى تلك القادمة من البالغين)؛ باختصار، هذه "الأفكار التحفيزية" تحول الطفل إلى ذات، رغم أن الطفل نفسه لا يزال غير مُدركٍ لذلك. ومع ذلك، لا يمكن للبالغين أن يعتنوا بالطفل دون أخذ ذلك بعين الاعتبار. إن الاحتياجات الجديدة مكثفة ومشحونة للغاية لدرجة أن إهمالها أو قمعها المباشر يشكل مصدرًا للإحباط، والذي غالبًا ما يحدد علاقات الطفل المتبادلة مع البالغين، وبالتالي التكوين اللاحق لشخصيته.

***

مع السنة الثانية من العمر تبدأ فترة جديدة في تكوين الشخصية، والتي تستمر حتى سن 3 سنوات. خلال هذه الفترة يمر الطفل بتطور عقلي هائل. ومع ذلك، في الوقت الحاضر، نحن مهتمون فقط بتلك العمليات التي ترتبط مباشرةً بتشكّل البُنية المركزية الجديدة لهذه الفترة الحرجة عند عمر الثلاث سنوات. ينتقل الطفل خلال هذه الفترة من كائنٍ أصبح ذاتًا (أي اتخذ الخطوة الأولى نحو طريق تطور الشخصية) إلى كائنٍ يدرك نفسه كذات، وبعبارة أخرى، يظهر في الطفل ذلك البناء النظامي الجديد الذي يرتبط عادةً بظهور كلمة "أنا".
يحدث هذا التحول في ظل ظروف تختلف عن تلك التي حددت حياته ونشاطه كطفل رضيع. أولاً وقبل كل شيء، بفضل إنجازات المرحلة السابقة من النمو في مرحلة الطفولة، يبدأ الطفل الصغير باتخاذ موقف مختلف تمامًا تجاه عالم الأشخاص والأشياء من حوله. لم يعد الطفل مخلوقًا ضعيفاً وغير مسؤول؛ بل أصبح قادرًا على تدبر أمره وتلبية العديد من احتياجاته بنفسه، ويُصبح أيضاً قادرا على التواصل الكلامي بأشكال لغوية أولية؛ وبعبارة أخرى، يستطيع الآن أن يقوم بنفسه بأنشطةٍ معينة دون وساطة البالغين. هذا هو أحد العوامل الأساسية التي تميز الوضع الاجتماعي الذي ينمو فيه الطفل الصغير عن الوضع الذي ينمو فيه الرضيع. حيث أن الطفل خلال هذه الفترة، لا يتركز نشاطه المعرفي على العالم الخارجي فحسب، بل على نفسه أيضًا.
تبدأ عملية إدراك المرء لنفسه عندما يدرك نفسه كذات أو مبادرٍ لفعلٍ ما. وقد نلاحظ في كثيرٍ من الأحيان كيف يستمتع الطفل في هذا العمر بتكرار نفس الحركة عدة مرات، مع متابعته والتحكم بالتغيرات التي يمر بها (أي التغييرات التي يمر بها الطفل بمساعدة هذه الحركة). تشمل هذه الحركات، على سبيل المثال، فتح وإغلاق الباب، تحريك الأشياء من حوله أو دفعها حتى لا تسقط، وما إلى ذلك(13). يساعد هذا النشاط الطفل على الشعور بأنه مختلف عن الأشياء من حوله، وبهذه الطريقة يبدأ في تمييز نفسه ككائن فريد (ذات أو منفذ لفعل ما)(14). مع ذلك، في السنة الثانية وحتى الثالثة من العمر، لا يزال هذا الوعي الذاتي مجرد وعي شخصي بشيء ما، كما لو أنه شيء خارجي بالنسبة إلى ذاته.
وهذا ما تؤكده العديد من الملاحظات حول نمو الطفل. على سبيل المثال، كتبت موخينا في مذكراتها أنه في عمر السنة الواحدة و أربعة أشهر، كانا طفلاها التوأم لا يزالان غير قادرين على لعب لعبة الاختباء (الغُمَّيْضَة). وبدلاً من الاختباء، أغمضا أعينهما واستدارا ثم ضحكا وسلما نفسيهما بأصواتهما، يبدو أنهما كانا مقتنعان تمامًا بأن البالغين لن يتمكنوا من العثور عليهما بمجرد إغماض أعينهما.
تتراكم المعرفة العامة عن الذات (كما هو موضح في هذه المذكرات) عن طريق تعلّم الكلام. في البداية، يتعرف الأطفال على أسماء الأشياء الموجودة حولهم، ثم يبدأون في ربط أسمائهم بأنفسهم. (تكتب موخينا أن ألعاب التسمية كانت المفضلة لدى توأمها بين عمر السنة الواحدة والسنة ونصف). ومع ذلك، فإن ربط الطفل لإسمه الذي بات يعيه على أنه ذاته، لا يعني أنه خلال هذه الفترة قد اكتملت لديه عملية تمييز ذاته عما حوله أو أن وعي نفسه كذات قد اكتمل خلال هذه الفترة (وهذا ما يبينه المثال السابق عن لعبة الغميضة). من الواضح أن هذا الوعي بالذات يحدث فقط بالتزامن مع ظهور الضمير "أنا". قبل ذلك، يستخدم الأطفال ولفترة طويلة أسمائهم الخاصة عند الإشارة إلى أنفسهم. تحتوي مذكرات عالمة النفس مينشينسكايا على العديد من الملاحظات المثيرة للاهتمام فيما يتعلق بهذه المسألة. حتى عمر السنتين ونصف تحدث ساشا عن نفسه بضمير الغائب وكان ينادي نفسه باسمه. عندما بدأ في استخدام الضمير "أنا" استخدم أيضا اسمه؛ في بعض الأحيان. بمجرد ظهور كلمة "أنا" لأول مرة، بدأ الطفل في استخدامها بشكل متكرر جدًا، وأحيانًا وضعها في نهاية الجملة عندما لم يكن معنى الجملة يتطلب ذلك. ذات مرة، عندما رأى ظله، اندهش للغاية وبدأ يقوم بحركات مختلفة ولاحظ التغيرات في الظل بفضول شديد. وأشار إلى الظل قائلًا: "ولد" الخ.

تؤكد كل هذه الملاحظات وجهة النظر القائلة بأن الطفل يدرك نفسه أولاً كشيء من الأشياء الخارجية؛ وبينما يكتسب تدريجيًا فكرة متكاملة عن نفسه، يبدأ في تسمية نفسه باسمه الخاص، كما يفعل مع الأشياء الأخرى، محاكاةً للبالغين(15). ولا يستبدل الطفل اسمه بالكامل بالضمير "أنا" حتى نهاية السنة الثانية.

ومن الصعب، دون أي بحث متخصص، فهم الآلية النفسية لهذا الانتقال من اسم الطفل إلى الضمير "أنا"، أي الآلية الكامنة وراء الانتقال من ادراك الذات إلى الوعي الذاتي. ولكن يبدو مما لا شك فيه أن نظام الأنا هذا يحتوي على مكونات عقلانية وعاطفية، وقبل كل شيء، يحتوي على موقف تجاه الذات. وهذا ما تؤكده جميع ملاحظات نمو الطفل؛ من خلال حقيقة أن المكونات العاطفية تسود في وعي الطفل منذ البداية؛ من خلال حقيقة أن أي اكتساب في النشاط المعرفي يحدث في البداية فقط في ظل الظروف التي تحفزها الاحتياجات بشكل مباشر؛ ومن خلال حقيقة أن كل الكلمات الأولى للطفل إما تعبر عن العاطفة أو ترتبط بإشباع العاطفة. ومن كل هذا يمكن أن نستنتج أن عملية التعرف على الذات، والتي تبلغ ذروتها في ظهور مفهوم الأنا، لا تتم على أساس فكري فحسب، بل على أساس تعميم عاطفي أيضًا. علاوة على ذلك، هناك أدلة أخرى تشير إلى أن الذات تنفرز عاطفيًا (الوعي الذاتي العاطفي) حتى قبل أن تنفرز عقلانيًا.
وهذا يشير إلى ملاحظة مثيرة للاهتمام قدمتها عالمة النفس موخينا، حيث تكتب أنه في عمر السنة الواحدة بدأ توأمها في ربط اسم كل واحدٍ بنفسه، فعندما تسأل "أين هي كيريوشا؟"، تبدأ كيريوشا في الابتسام والجلوس بسعادة، وعندما سألت "أين أندريوشا؟"، أجاب أندريوشا بطريقة مماثلة.
إن الملاحظات الموجودة في مذكراتها حول كيفية اكتشاف الأطفال لـ "الأنا" الخاصة بهم مثيرة للاهتمام جداً. وتكمل "لقد حقق اندريوشا الاكتشاف! نظر إلى المرآة وقال بسعادة "ها أنا ذا!" ثم أشار إلى نفسه بإصبعه: "ها أنا ذا!" وسحبني نحوه وإلى المرآة: "انظري يا ماما" قال وهو يشير إلى انعكاس صورته في المرآة: "ها هي ماما!" وواصل القيام بذلك عدة مرات" حدث هذا في سن السنة و 9 أشهر. وكتبت أنه في الأسبوع الماضي، عند الاستيقاظ، أدار الأولاد رؤوسهم نحو بعضهم البعض ونادوا بعضهم البعض بأسمائهم. بالإضافة إلى ذلك، طوال هذا الأسبوع لعبوا بالمرآة باستمتاع، "ها أنا ذا!" كانوا يقولون، مشيرين إلى صورتهم في المرآة. "ها أنا ذا!" كانوا يقولونها وهم يؤشرون بأصابعهم إلى صدورهم. هل يكون إدراك الذات كذات، والذي أعدّهُ السياق السابق للنمو العقلي مدمجًا بالفعل في "نظام الأنا" عن طريق الاكتشاف؟
إن البنية المركزية الجديدة التي تظهر في نهاية مرحلة الطفولة المبكرة هي "نظام الأنا" والحاجة إلى العمل من أجل الذات التي تولدها هذه البنية الجديدة: وكما هو معروف، يتم التعبير عن هذه الحاجة في الطلب المستمر والملحّ للطفل: "هذا أنا." هذه الحاجة قوية جدًا لدرجة أنها قادرة على إخضاع العديد من الاحتياجات الأخرى، حتى تلك القوية جدًا.
ولتوضيح هذه النقطة، سنعرض ملاحظات مهمة من مذكرة عالمة النفس مينشينسكايا.
"لم يرغب ساشا في تناول دوائه؛ مما اضطررنا إلى اجباره على تناوله بعد أن بكى وصرخَ بصوتٍ مُرتفع، هذا ما كان يحصل في كل مرة. في إحدى المرات قال له والده: "ساشا، أنت ولد كبير، وتشرب الدواء بنفسك"، وكان لهذا الموقف تأثيراً مذهلاً، حيث فتح الصبي فمه على وسعهِ وتناول دواءه. لم يكن ساشا يذهب عادةً على الفور لتناول دوائه، في البداية كان ينظر إلى الدواء ثم يذهب بعيدًا ويهز رأسه سلبًأ ويتظاهر بأنه يفعل شيئًا آخر ثم يُقبِلُ لتناوله دون أن يعجبه ذلك. وإذا جاء إليه شخص بالغ يحمل ملعقة في يده، فإنه سيرفض تمامًا تناول دوائه. ولكن إذا توقف الشخص البالغ وقال: "تعال إلى هنا، تناول دوائك بنفسك"، فإن ساشا سيفعل ذلك."
ولذلك، فإن الحاجة إلى إدراك الذات وتأكيدها هي الحاجة المهيمنة في هذه الفترة من التطور. ومن الواضح تمامًا أن ظهور مثل هذه الحاجة القوية يتطلب إحداث تغييرات جوهرية في نمط حياة الطفل وفي أسلوب تربيته. وبتحليل المحتوى النفسي لأزمة الثلاث سنوات وديناميكياتها يظهر أن الحرمان من هذه الحاجة يؤدي إلى صعوبات كبيرة في سلوك الطفل بين السنتين الثانية والثالثة من العمر. فليس من قبيل الصدفة أن الأطفال الذين يتمتعون بحماية شديدة من قِبَل البالغين أو الأطفال الذين تلقوا تنشئة استبدادية مصحوبة بتدابير تأديبية شديدة، يعانون من هذه الفترة الحرجة بشكل حاد. وفي كلتا الحالتين تُقمَع حاجة الطفل إلى الاكتفاء الذاتي والاستقلال. ومن ناحية أخرى، فإن الأطفال الذين يعيشون في أسر كبيرة أو نشأوا في مؤسسات الأطفال يُظهِرون استجابات نموذجية للأزمات بشكل أقل تكرارا، ثم بشكل أقل حِدّةً.
وحالما يتطور نظام الأنا في عقل الطفل، تظهر بُنىً جديدة أخرى، أهمها احترام الذات والجهد المبذول المرتبط بإطاعة ما يطلبه البالغون، أي أن يكونوا أطفالًا صالحين. وبحسب العديد من الملاحظات فإن تقدير الذات يظهر بوضوح في نهاية السنة الثانية من عمر الطفل، إلا أنه لا ينبثق من تقييم الطفل لأفعاله، لكنه يظهر مبكراً وله طابع عاطفي. "عندما سُئل ساشا "من أنت؟"، أجاب: "أنا ساشا الجيد" (من مذكرات مينشينسكايا). طفل آخر لاحظناه في نفس هذه المرحلة من التطور (سنتان و11 شهرًا) هتف بفخر: "أنا جيد دائمًا، أنا جيد وأفضل من أي شخص آخر". من الواضح أن العنصر العقلاني يكاد يكون مفقودًا تمامًا في التقييم الذاتي في البداية، والذي يظهر ضد رغبة الطفل في الحصول على موافقة الكبار وبالتالي الحفاظ على سلامته العاطفية(16).
إن الوجود المتزامن لاتجاهات عاطفية قوية ولكن متعارضة (على سبيل المثال، القيام بما يرغب به الطفل واطاعة طلب البالغين) يخلق لدى الطفل صراعًا داخليًا لا مفر منه، مما يؤدي إلى تعقّد حياته العقلية الداخلية في هذه المرحلة المبكرة من النمو، فإن التناقض بين "أريد" و"يجب عليّ" يواجه الطفل بضرورة الاختيار، ويثير تجارب عاطفية متضاربة، ويخلق موقفًا متناقضًا تجاه البالغين، مما يؤدي إلى سلوك متناقض(17).
سنوضح هذا من خلال ملاحظتان مثيرتان للإعجاب من مذكرات مينشينسكايا.
"كان ساشا يتسبب في حدوث نوع من المشاغبة، وبعد ذلك مباشرةً يقول بطريقة الاطفال الصغار: "الآن أنا بخير". فمثلا، يأخذ دواءه من المائدة (وهذا كان ممنوعاً عليه) فيعيده ويقول: الآن أنا بخير. أو يضع إصبعه في فمه ويخرجه: الآن أنا بخير. وفي ملاحظة أخرى تخبرنا مينشينسكايا: أن ساشا كان مستلقيًا على السرير العلوي وبصق على الأرض. فغضب والداه ومنعاه عن ذلك، ثم سألوه ماذا يجب أن تقول؟ تمتم ساشا بصوت خافت: «أنا ولد كبير» ثم صاح بصوت عالٍ: «لن أفعل ذلك مرة أخرى».
يؤدي هذا التناقض في سلوك الطفل وخبراته إلى تفاقم أزمة الطفل البالغ من العمر ثلاث سنوات. وفي نهاية العام الثاني، يتغلب الأطفال على هذه الأزمة بسهولة نسبية؛ ولكن بعد ثلاث سنوات، كثيرًا ما يتحول الأمر إلى أشكال حادة من العناد والسلبية، مما يخلق مواقف مشوهة تجاه معايير السلوك المطلوبة وعلاقات مشوهة مع البالغين أيضاً. أتيحت لنا الفرصة لمراقبة طفل (عمره 4 سنوات) يقرأ قصيدة بهذه الطريقة: " ليس في الأزرق، وليس على الأمواج، وليس هناك محيط، ليس هناك نجوم، انها لا تلمع، وغير موجودة في السماء". أراد طفل آخر من نفس عمره أن يرسم، ولكن عندما بدأ الكبار في تشجيعه على ذلك، انفجر في البكاء وبدأ يطلب منهم: "أخبروني أنه لا ينبغي عليّ أن أرسم" – ولم يتمكن من البدء في الرسم بارتياح إلا بعد أن حققوا له رغبته.
وبالتالي، قد تعود أصول تشوش الشخصية إلى مرحلة الطفولة المبكرة جدًا؛ وقد يؤدي جهل هذه الحقيقة في مراحل لاحقة من التطور إلى تفاقم التناقض بين معرفة معايير وقواعد السلوك، والرغبة المباشرة في تنفيذ هذه المعايير والقواعد. وعلى المدى الطويل سيكون لهذا تأثيراً سلبياً على النمو الأخلاقي للطفل وعلى مدى انسجام شخصيته.
يبلغ نمو الطفل الرضيع ذروته عند ظهور بنية شخصية مركزية على شكل نظام الأنا. لا يتضمن هذا النظام معرفة نفسه فحسب، بل يشمل أيضًا الموقف تجاه نفسه(18). إن التطور اللاحق للشخصية يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتنمية الوعي الذاتي، والذي له في حد ذاته سمات مختلفة خاصة بكل مرحلة من مراحل التطور.
لقد أكملنا تحليلنا للمرحلتين الأوليتين لتكوين الشخصية في سياق النمو الفردي من خلال فحص مراحل النمو الحرجة في السنة الأولى والسنة الثالثة من الحياة. والمراحل التالية، في عمر 7 سنوات، ومرحلة المراهقة، تحتاج إلى دراسة خاصة، ولا يمكن مناقشتها كلها في إطار مقالٍ واحد. وسنخصص لاحقا مقالا خاصا بهذا الشأن. دعونا نقول فقط أن مرحلة عمر7 سنوات ترتبط بظهور بنية نظامية جديدة أساسية للشخصية والتي أطلقنا عليها "الوضع الداخلي او الذاتي". بين سن 7 و 8 سنوات، يبدأ الطفل في إدراك وتجربة نفسه كفرد اجتماعي ويُطوّر الحاجة إلى موقع جديد في الحياة وإلى نشاط ذي معنى اجتماعي للحفاظ على هذا الوضع.
وأخيراً، فإن أزمة المراهقة، وهي الأكثر تعقيداً والأطول أمداً، تتميز في مرحلتها الأولى (12-14 سنة) بظهور القدرة على الاسترشاد بأهداف تتجاوز اللحظة الراهنة (القدرة على تحديد الأهداف). أمّا المرحلة الثانية من المراهقة (15-17) تتميز باكتساب المرء وعيًا بمكانته في المستقبل، أي بظهور وجهات نظر عن الحياة، وفكرة عن الذات، وعما يريد المرء أن يكون، وما يريد تحقيقه في الحياة.
كل ما قدمناه في هذا المقال ما زال مجرد فرضيات نظرية، مبنية على حقائق معينة تم إثباتها سابقًا. ولاختبار هذه الفرضيات، من الضروري إجراء دراسات سيكولوجية واسعة النطاق. وهي ضرورية ليس فقط لإثراء معرفتنا العلمية حول تكوين الشخصية أثناء النمو الفردي، ولكن أيضًا لتطوير طريقة مناسبة للتربية وتحديد المعايير التي يمكن استخدامها لتقييم مدى نجاح تربية الطفل.


* ليديا إليينيتشنا بوجوفيتش 1908-1981، عالمة نفس ماركسية وتلميذة لليف فيغوتيسكي.
دَرَسَت في جامعة موسكو وأجرَت أُولى تجاربها السيكولوجية حول المُحاكاة تحت إشراف فيغوتيسكي في الثلاثينيات. عَمِلَت كمُدرسة في مدرسة المصحة النفسية العصبية، ومن ثُم في أكاديمية التعليم الشيوعي في قسم السيكولوجيا الذي كان يرأسه فيغوتيسكي عام 1931. دافَعَت عام 1939 عن اطروحتها للدكتوراه حول مسائل استيعاب التهجئة. عَمِلَت في معهد الأبحاث السيكولوجية التربوية التابع لأكاديمية العلوم التربوية السوفييتية، وترأست منذ عام 1945 مُختبر سيكولوجيا تشكّل الشخصية الذي أسسته، حتى عام 1975. كانت بوجوفيتش مُتخصصة في سيكولوجيا الطفل ومسائل نموه وتشكّل دوافعه. لها عشرات المقالات والأبحاث وأجرت عدداً من التجارب السيكولوجية.

أ- الادراك التفريقي، هو ظاهرة تنتمي إلى جميع أشكال الادراك الحسية (السمع، البصر، الخ) يقوم بتمييز التغيرات التدريجية الحاصلة في المؤثرات.
1- See L. I. Bozhovich, L. S. Slavina, & T. V. Dovitskaya, [ Psychological study of voluntary behavior ] . Vop. Psikhol., 1976, No. 4.
2- هناك أيضاً أنظمة نفسية تحدُثُ استجابةً لمُتطلبات مواقف مُعينة أو فيما يتعلق بحل مُشكلةٍ ما. هذه الأنظمة مؤقتة وعَرَضية بطبيعتها وتختفي بمُجرّد توقف النشاط الذي كانت تخدمه. لن نقوم بالحديث عن مثل هذه الأنظمة في هذه المقالة.
3- يجب أن نُشير إلى أن فيغوتيسكي، قام لاحقاً بتضمين المُكونات التأثيرية في بُنية الوعي، حيث تحدّثَ عن البُنية الدلالية والمنظومية للوعي.
4- For a more detailed treatment of this question, see: L. I. Bozhovich, L. S. Slavina, & T. B. Endovitskaya, [Experimental study of voluntary behavior]. Vop. Psikhol., 1976, No. 4
5- Quoted in G. G. Bochkareva, [ Psychological characterization of the motivational sphere of juvenile delinquents]. In L. I. Bozhovich (Ed.), [Study of the motivation of children and adolescents]. Moscow, 1972.
6- يجب أن نُميّز بين الاحباط الناجم عن الحاجة المُرتبطة بالكبت الاجتماعي القسري لها (بصرف النظر عن منشأها، من الذات أو الآخرين)، والحلات التي لا يتم فيها اشباع الحاجات لأن هناك افتقاراً للوسائل المُناسبة لفعل ذلك. ان التناقض بين الذات وقُدراتها ليس صراعاً: انه القوة الدافعة الرئيسية للنمو العقلي.
7- For a more detailed treatment of this, see the doctor s dissertation of M. I. Lisina entitled [ Developmental and individual characteristics of communication with adults in children from birth to the age of 71. Moscow, 1974.
ب- المجموعة الحركية، هو مُصطلح كان عُلماء النفس السوفييت (والروس اليوم) يتداولونه للاشارة إلى مجموعة الحركات التي تنمو مع الطفل الرضيع، مثل الالتفات إلى المُناداة والمُناغاة، الابتسام، زيادة تحرك اليدين واصدار الأصوات، وما إلى ذلك.
8- الحقيقة، ان أبسط أشكال الحياة العقلية (مصادرها، عواطفنا) يُمكن تفسيرها تماماً، طالما أنه بالنسبة لطفل يكاد يكون محروماً تماماً من الوسائل الغريزية لإشباع احتياجاته، وبالتالي يجب عليه اشباعها بمساعدة البالغين. ان التوجه نحو حالة احتياجات الفرد الخاصة والنقل المُباشر للاشارات حول تلك الحالة، أكثر أهميةً من الناحية البيولوجية من التوجّه نحو العالم المُحيط بالطفل. ان الخبرة الذاتية هي وسيلة لمثل هذا التوجّه.
9- لا يقتصر الاعتماد الظرفي على اولئك الأطفال في السنوات الأولى من الحياة فحسب، بل أنه يمتد أيضاً، بشكلٍ مُختلفٍ إلى حدٍّ ما، إلى الأطفال الصغار في مرحلة ما قبل المدرسة، وحتى الأطفال في سن المدرسة. لا يتم التغلّب على الاعتماد الظرفي الا بشكلٍ تدريجي، وهي عملية تُساهم إلى حدٍّ كبير كمعيار في تشكيل شخصية الطفل.
10- N. A. Menchinskaya, [ Diary about the development of a child (from birth to the age of 8 years)]. Moscow, 1948
11- V. S. Mukhina, [Twins]. Moscow, 1969
12- For more details on this, see L. I. Bozhovich, [Personality and its formation in childhood]. Moscow,
13- Further observations may be found in the diary notes of Clara Stone, quoted in the book: Stern, [The psychology of early childhood]. Moscow, 1922 in the book: V. S. Mukhina, [ Twins] . Moscow, 1969
14- يبدأ الطفل بالتعرف على جسده في وقتٍ أبكر بكثير، عندما يكون رضيعاً. مثلاً، يبدأ في تثبيت قبضتيه، ثم قدميه، بعد ذلك يبدأ في التعرف على الأجزاء الأُخرى غير المُتحركة نسبياً من أجسادهم.
15- من المُثير للاهتمام وفقاً لملاحظاتنا لطفلين في هذا العُمر، فقد تزامنت تسمية أنفسهم بأسمائهم الخاصة مع الفترة التي بدأآ فيها بالاهتمام بتسمية كل شيء واثراء مفرداتهما بسُرعة.
16- تم الحصول على نتائج مُماثلة في الدراسات التي أُجريَت تحت اشراف مايا ايفانوفنا ليسينا Maya Ivanovna lisina
17- تتناول أُطروحة ت.م. سوروكين(دراسة ظاهرة السلوك المُتناقض لدى الأطفال الصغار 1977) الموقف المُتناقض للأطفال الصغار لجاه البالغين والتجارب العاطفية المُرتبطة بهذا الموقف. لكن يتم تحليل هذه الظاهرة في أُطروحته من زاويةٍ أُخرى.
18- ان قول أي شيء أكثر ثبوتيةً حول بُنية نظام الأنا، يتطلب دراساتٍ خاصة.

ترجمة لمقال:
L. I. Bozhovich (1979) Stages in the Formation of the Personality in Ontogeny, Soviet Psychology, 17:3, 3-24








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي الشجاعة داخل نفق مظلم.. مغامرة مثيرة مع خليفة المزروعي


.. الحوثي ينتقد تباطؤ مسار السلام.. والمجلس الرئاسي اليمني يتهم




.. مستوطنون إسرائيليون هاجموا قافلتي مساعدات أردنية في الطريق


.. خفايا الموقف الفرنسي من حرب غزة.. عضو مجلس الشيوخ الفرنسي تو




.. شبكات | ما تفاصيل طعن سائح تركي لشرطي إسرائيلي في القدس؟