الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


...حكومة نظام الاموات

ياسين النصير

2006 / 11 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


1
عرفت البشرية ثلاثة انواع من انظمة الحكم:
نظام السيد والعبد،
نظام المستعمِر والمُستعمَر،
ونظام المتمرد المنتصر أو نظام الأموات.

استعير التقسيمات الثلاثة لانظمة الحكم من عالم الاجتماع الفرنسي اندريه نوشي، وبالطبع لست معنيا بما توصل إليه من استنتاجات قد لا تكون كلها متطابقة مع واقعنا العراقي بالرغم من وضوحها واهميتها. ولكنها مؤشر قوي لما يحدث الآن في العراق من أننا محكومون بمنظومة فكرية يهيمن عليها الأموات من المراجع. وداخل هذه المنظومة الفكرية الحاكمة الحالية يتبدى واضحا النظامان السابقان نظام"العبد والسيد" ونظام " المستعمِر والمستعمَر" بل ومطبقان بطريقة كاريكتيرية في العراق اليوم.
ينطلق أندريه نوشي من نظرية حادة القسمات عندما يقسم انظمة الحكم إلى ثلاثة أقسام فقط، متناسيا أن تحت كل قسم منها ثمة عشرات النماذج المغايرة للسياق العام لتقسيمه، ولنا شواهد كثيرة. فالأنظمة الثلاثة ليست على تركيبة فكرية واحدة ، أوعلى وتيرة متساوقة في التطبيق العملي، فثمة تغييرات جوهرية تحدث في داخلها وعلى تطبيقاتها كلما كان هناك عامل خارجي أو ذاتي فقد تغيرت الكثير من سياقاتها وحولتها من النظم القديمة إلى الاحدث منها مع بقاء شكل النظام قائما، فالملكية وهي واحدة من أنظمة العبد والسيد ولكن بصيغة متطورة، تحمل في أحشائها بذورا ديمقراطية باشكالها الغربية الحديثة وبذورا استبدادية في بعض أشكالها الأسيوية والأفريقية.. وفي المفهومات السياسية الحديثة نجد ان نظام العبد والسيد هو ما يطلق عليه نظام العبودية، وان نظام المستعمِر والمستعمَر هو ما يطلق عليه النظام الاستعماري الكولنيالي القديم والحديث، وان نظام المتمرد المنتصر أو نظام الأموات هو الانظمة الحديثة ابتداء من الثورات الوطنية والقومية إلى الحكومات الدينية. لكن ما يجعل تفسير نوشي ملائما لنا في العراق خاصة في التغيير الذي لحق 9 نيسان 2003 هونظام حكم الاموات، وهو ما اقصده بـ" الثورة الثأرية" التي تنطلق مبادؤها من الاخذ بالثأر لزعيم ديني أو قومي أو وطني، ولذا فهي ليست بالثورة الاجتماعية والطبقية التي يسعى إليها الشعب ويفرض إرادته على المستغلين لتغيير نظمهم واستبدالها بنظم حديثة، فهي بمبادئ طائفية او قومية أوعشائرية او دينية وفي تاريخنا العربي الأسلامي الكثير من أوجه هذه الثورات.
أعود لمفهوم حكم نظام الأموات، والمقصود به ليس الزعماء الروحيين الذي قتلوا ثم ظهر من يأخذ بثأرهم فقط ،بل أن المفهوم السوسيولوجي لهذا النظام يتعدى الأشخاص إلى الأفكار،فهو يعني كل فكر غير حي وغير مطبق في الواقع ،حتى لو كانت له مظاهر واقعية ومؤيدون،بمعنى أدق إن فكر الثورة الثأرية لا تتجه للمستقبل بل للماضي.ومن هنا لا تملك حركات الثورة الثأرية أي برنامج ثوري تغييري أو إصلاحي، بل تتحرك بافكار زعيمها القديم وتمعن في تفسير ما قاله وتزيد عليه شروحات ما تفعله.وغالبا ما تنتهي مهمتها بأخذ الثأر، وإذا استمرت لفترة استعارت من التاريخ شواهد مقربة لها لتكوين متكئات دينية او عشائرية او قومية لها، ثم تقوم بتنصيب ثائر ديني او قبلي أو قومي آخر ومن الاسرة نفسها بمكانه كي يتواصل نهج الخلف بنهج السلف. هذا النمط القديم / الحديث من الثورة الثأرية قد يتغير بعد ظهور الطبقات الاجتماعية، وتقسيم العمل، وتنوع طرق الانتاج والتسويق، وظهور التقنيات الحديثة، إلى اطر اكثر حداثة واوسع مدى لتمهد لاحقا لطرح مفهوم الثورة ، ولكن ليس كما نعرفه اليوم وهو التغيير الشامل للبنى المتخلفة وتطوير البنى القابلة للاستمرار مع تغير جذري في الخطاب السياسي والاجتماعي. بل إلى خطاب أكثر معاصرة مع بقاء الثأر متحكما بالمستقبل ،فالثورية الدينية والقومية والعشائرية الثأرية وبكل تياراتها مؤهلة تاريخيا في ظل غياب الديمقراطية والحرية والمجتمع المدني، أن تتلبس لبوسا وطنيا ظاهريا، بينما في جوهرها حركات ثورية ثأرية سلفية. ولذا حذف التاريخ مثل هذه الثورات من قاموسه الحديث،بل وجعلها محل شكوك فكرية كبيرة من أنها تحرم الآخرين حقوقهم وتمنع عنهم التفكير بالتغيير.فالثورة الثأرية تبدأ أولا بالدعوة لمصلحة الشعب، عندما يجري تعميم خطاب الثائر الثأري بوصفه خلاصا ومصيرا، ثم تنتهي بعد أن يتحقق الأمر لمصلحة فئة مستبدة إلى البحث عن مصلحتها وموقعها الجديد. فهل حدث في العراق ما هو مغاير لمثل هذا السياق؟.
2

أن ما فعلته أمريكا في تغيير النظام كان ثورة بحق وجديرة بأن ترى بعين مستقبلية، ولكنها في الوقت نفسه أجرمت إجراما حقيقيا بحق الشعب العراقي ،هو أنها لم تفصل بين حاجة المجتمع العراقي للتغيير الثوري الحقيقي، وبين حاجة أحزاب دينية وقومية وعشائرية للأخذ بالثأرلشهدائها الأموات. كما لم تميز بين الثورة العلمية الحديثة،- وهي التي تعتمدها داخل امريكا- وبين الثورة التحررية للشعوب التي وقعت تحت حكم أنظمة دكتاتورية شمولية. لأنها هي نفسها اعتمدت مبدأ الثورة الثأرية طريقة في بداية القرن الواحد والعشرين لتأخذ بثأر ضحايا الإرهاب في 11 سبتمبر 2001 ، ولم تسلك غير المنهج العسكري لتحقيق مآربها في أفغانستان والعراق. وتناست أن الأخذ بالثأر مهما كان مشروعا لا يؤسس منهجا للديمقراطية والتحديث خاصة في بلد مثل العراق شهد ومنذ بدايات القرن العشرين نوعا بسيطا من الحكم المدني. الامرالذي جعل التوافق بين قادة الاحزاب الدينية والقومية الثأرية العراقية، والقيادة الامريكية معمولا به، وهو الذي ضيع الفرصة امام العراقيين كي يغيروا نظام حكمهم المستبد بنظام أكثر عدلا وإنسانية. إن إسترتيجية امريكا في المنطقة، وهم يتعاملون مع القضايا الساخنة في العالم، تبقى مراهنة على اصطفاف التيارات الدينية الثأرية حتى لو اختلفت مرحليا معها ،ومن بينها القضية الفلسطينية أيضا، والتي تحولت من قضية تحرروطني إلى قضية حماس واتجاهها الديني ، الامر الذي دفع بإيران- التي لم تقم ثورتها على اساس ديني بحت- لأن تجد الفرصة سانحة لتلعب الورقة الدينية الطائفية في العراق وفي فلسطين، فإيران وعلى حساب الثورة التحررية الفلسطينية والتغييرفي العراق أسست منظومتها التقنية الحديثة، بينما تدفع بالعراقيين يوميا إلى الصدام مع الامريكيين، أما حزب الله فقد حول لبنان باسم الثورة الثأرية إلى منصة إطلاق صواريخ إيرانية. هذا المد للثورة الثأرية، هو من سيجعل المنطقة في اتون حروب طائفية داخلية أكثر ضراوة من الحروب الصليبية السابقة.
3

إلا إن أعادة إنتاج الثورة الثأرية في بداية القرن الواحد والعشرين وبمعامل الحقد الطائفي والعنصري والعشائري والديني ممكن جدا ، فالمخطط في جوهره تنفيذ لاجندات دول تريد تسويق مهماتها ومشكلاتها على ارض العراق وفق سياقات عالمية مقبولة ومستساغة الطروحات.. فالثورة الثأرية تعتمد على نظام العامة التي تطيع ما يريده قادتها الدينيون للثأرمن مقتل زعيم ديني او سياسي كي يأخذوا بثاره، تحت حماية خطاب ديني يشيعه موظفو التقديس ليجعلوه الوجه المعاصر للعراق الحديث.هذا الخطاب هو السائد اليوم عندما استبدلت صور صدام حسين بصور الصدر واستبدلت مدنا ومساجد باسم زعماء اموات،وتحولت جامعات العراق إلى تكيات يردد بها الماتم والمقتل والتعزية والبخور وإذا بهذا الخطاب الثأري الديني المسند امريكيا يُغرق العراق بدمائه ويوسع من دائرة الحقد إلى الحد الذي لم يعد بمقدور اي كائن عراقي او عربي او اجنبي ان يوقف نزيف الدم العراقي.
إذن ماذا على امريكا ان تفعله في العراق وفي المنطقة؟ من الواضح أن اجوبة معينة غائبة عن تفكير السياسة الامريكية؟ وفي حديث سكرتير الحزب الشيوعي العراقي لقناة الحرة إشارة واضحة إلى أن امريكا تريد تغيير خط الحزب الشيوعي العراقي ونهجه الثوري ليتلاءم وسياق منهجها المتخلف في التغيير. وبالحقيقة تريد تغييركل خطاب وطني تحرري تقدمي لبرالي بما فيه الخطاب الديني التنويري. إن مثل هذا الطرح إن صحت مقدماته ينبئ عن توافق غير معلن بين الثورة الثأرية العراقية والهدف الأمريكي، وهو أمريبدو لنا نحن المساكين لا ندرك أبعاده، فغدا ستجلس أمريكا مع إيران على طاولة مفاوضات اقليمية ودولية على حساب الوضع العراقي، وتسمح لها بمواصلة أنشطتها النووية في حين ستسمح للثورة الثأرية ان تمتد ولكن دون أن تخرب استراتيجية امريكا في بناء شرق اوسط جديد.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah