الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وما ينطق عن الهوى

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 12 / 10
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


قال بعض الفقهاء وأصحاب العقائد في معنى النص القرآني "وما ينطق عن الهوى" والمأثور عنهم أنه (ليس معنى هذه الآية أن كل كلام ينطق به النبي صلى الله عليه وسلم ابتداء يكون وحيًا من عند الله، وإنما معناها أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الخطأ فيما يبلغه عن الله، بخلاف غيره من الكلام الذي يحتمل الاجتهاد، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما أخبرتكم أنه من عند الله فهو الذي لا شك فيه. رواه البزار وابن حبان في صحيحه. وقال الهيثمي: فيه أحمد بن منصور الرمادي، وهو ثقة، وفيه كلام لا يضر، وبقية رجاله رجال الصحيح. اهـ)، وقال فريق أخر في معنى مقارب ملخصه عند الطبطبائي في تفسير القرآن (« وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى» المراد بالهوى هوى النفس ورأيها، والنطق وإن كان مطلقا ورد عليه النفي وكان مقتضاه نفي الهوى عن مطلق نطقه صل ‌الله‌ عليه‌ وآلة، لكنه لما كان خطابا للمشركين وهم يرمونه في دعوته وما يتلو عليهم من القرآن بأنه كاذب متقول مفتر على الله سبحانه، كان المراد بقرينة المقام أنه صل الله‌ عليه ‌وآلة ما ينطق فيما يدعوكم إلى الله أو فيما يتلوه عليكم من القرآن عن هوى نفسه ورأيه، بل ليس ذلك إلا وحيا يوحى إليه من الله سبحانه.
إلى هنا لا خلاف في دلالة الآية ومقاصدها من أن ما يوحى إلى النبي بواسطة جبريل ما هو إلا كلام الله أصيلا في عملية نقل أمينة، لكن المشكلة تثور عندما نتعدى بما جاء به الوحي منصوصا ومخصوصا ليشمل في الدلالة قول النبي الأخر، سوا كان منه شرح الوحي أو توضيح ما يستوجب له من أحكام، هل هي من جملة الوحي ومنها الأحاديث النبوية؟ أم أن ما ينطق به الرسول في أمور الدين عموما هي أجتهاد متسق مع ما يوحى إليه ومتوافق معه ولا يختلف عنه؟ وتكون العندية هنا من الله بأعتبار الأصل المتوافق وليس الفرع الموافق؟ أي بمعنى أن ما ينطقه الرسول خارج الوحي ومنظومته وأليته ليس شرطا ولا حتما أنه من الوحي، وبالتالي كل ما ورد عن الرسول خارج كلام الله لا يعد وحيا وإنما أتباعا وتأدبا مع ما أوحي إليه.
قد يسأل سائل هنا ما قيمة التفريق بين ما ينطق عن الوحي وبين ما ينطق وفق والوحي وما ينطق الرسول خارجهما بعد تمام الدين وإكمال الرسالة؟، الجواب لغير المتخصص أن التفريق يعتمد في معصومية كلام الله وحفظه من الله من التغيير والتبديل والفسخ، بينما ما صدر عن الرسول نطقا وقولا وفعلا يخضع لقواعد الأمتحان والمعايرة والمطابقة مع ما جاء به الوحي، حتى يكون دليلا شرعيا ومصدر من مصادر التعبد بالأحكام أو الخلق الإسلامي، فالموضوع لا علاقة له بكمال الدين وإتمام النعمة بقدر ما له علاقة بالنص الملزم الحاكم والمحكم، ولأن الإشكالية ظهرت وتشخصت بعد عصر النبي عندما زعم البعض أن السنة ومنها أحاديث النبي بمستوى القرآن في الإلزام واللزومية ومصدرية التشريع، حتى أن البعض جعل من السنة مقدمة على القرآن في التشريع بأعتبار قول النبي حتى خارج القرآن وحيا ملزما، وقالو أن الأحكام التي ترد في الحديث منسوبة للنبي تفسخ الحكم القرآني وتعدله والأمثال العملية كثيرة ومتواترة في إشكالية النص بين القرآن والسنة، وهي أحدى أهم المشاكل التي أعترت الفهم والتأويل والتفسير والأستنباط في عمليات التفقه والأجتهاد، ومنها وبسببها نشأت المدارس الفقهية وأختلاف الناس إلى مذاهب وملل.
أما للمختص الفقهي والعقائدي وعموم المشتغلين بالفكر الإسلامي وتأريخه، فهم الأكثر إدراكا وفهما لما يؤول إليه هذا الكلام، وهو موضوع العصمة الكلية والعصمة الجزئية للنبي أم لكتاب الله، فمن منطق النص الذي هو محل البحث نجد أن العصمة الكلية المطلقة للوحي كاملا بلا شك ولا تجزئة وبالتالي أي تغيير أو تبديل أو تحريف لما جاء به الوحي نصا أو عملا أو إدعاء بالنسخ والفسخ باطل، لأن المعصوم من الله مطلقا معصوم عند الناس في زمنه وفي أي زمن أخر، وفي حكمة أو في دلالاته المعنوية، هذه العصمة الكلية المطلقة هي التي وردت تأكيدا من الله بنصوص أخرى منه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر 9، والنص الأخر (وما اتاكم به الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) الحشر 7.
كلا النصين وغيرهما يشيران إلى موضوع محدد ملزم ومؤكد هو أن ما جاء به الرسول وفق النص التالي (وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ۙ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ ۚ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۖ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) يونس (15)، فالتلاوة الواصلة للناس من هذا القرآن فيها الرسول متبع الوحي لا يغير ولا يبدل إلا ينص من الله عبر ألية الوحي، هذا التحديد مع نص حفظ القرآن يمنحان النص القرآني المعصومية المطلقة، وبالتالي فالرسول مقيد ومتبع لهذه المعصومية في التلاوة والتبليغ، ولكن ليس معصومية له ذاتية وخاصة، لعدم الإمكان الأفتراضي حتى وأستحالة أن يتم التغيير والتبديل من عنده.
إذا نحن أمام نتيجة قال بها الكثيرون من قبل وطمرت تحت هذيان الغالبية من المشتغلين في حقلي الفقه والاجتهاد ولأغراض معلومة ومشخصة، أن الغلو في تقديس الذات النبوية وأعتبار ما صدر من الرسول في خارج دائرة الوحي القرآني مساوي ومعادل وأحيانا متقدم على النص القرآني وحاكم عليه، إنما الغرض منه تعديل وتبديل حكم الله بحكم من زعم أن الرسول قال كذا وكذا وأن ما قاله يجب أن يكون هو المتعبد به بحجة الناسخ والمنسوخ مع أن كلمة الناسخ والمنسوخ غير مناسبة في الأستعمال مع مفهوم الفسخ والتعديل، وهنا بدأت إشكاليات صراع الإنسان مع نفسه لتبديل حكم مطلق معصوم وبذلك أخرجوا الكثير من دين الله وصيروا دينهم متعبدا فيه بحجج وأوهام القداسة وأستعمال المفاهيم خارج دلالاتها القصدية، ولا يشكل ذلك لا حبا للنبي ولا تعظيما لشأنه وهو الذي بم يدع أنه مشرع أو محلل ومحرم خارج ما أتاه الله من حكم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -