الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل ثقافة جماهيرية بديلة95

عبدالرحيم قروي

2023 / 12 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


اَلنَّصُ اَلْمُؤَسِّسُ وَمُجْتَمَعُه
اَلسِفْرُ اَلأَوَّلُ وَاَلثَانِى
خليل عبد الكريم
الحلقة الثالثة عشر

[ 7 ]
نكاح عائشة التيمية
أطبقت كتب السيرة المحمدية الشريفة أن " صاحب النسب الموصول" نكح عائشة بنت أبى بكر التيمىّ وهى بنت ست أو سبع سنين, وأنه بنى بها " دخل عليها" وهى إما فى الثامنة وإما فى التاسعة, وهوفى ذياك الوقت جاوز الخمسين بثلاثة أعوام من عمره الشريف, وأنها ( = التيمية عائشة ) أخذتها والدتها ام رومان من على أرجوحة تلعب هى ولداتها عليها كيما ئهيئها لما هى مقبلة عليه فى حين أنها لم تستوعب جلية الأمر.
ولصغر سنها وجمالها ولأنها البكر الوحيدة بين نسائه العديدات, فقد حظيت عنده وبلغت فى نفسه درجة لم تصل إليها إحدى زوجاته بإستثناء سيدة نسون قريش خديجة بنت خويلد, وفى لإحدى المرات حاولت أن تنال من مكانة خديجة لديه فزجرها زجرًا شديدًا حتى قررت فيما بينها وبين نفسها ألا تعود لمثلها وأيقنت أن المقام المحمود الذى بلغته قريش عنده لم يلحقه رجل أو إمراة. [ فضلاً ارجع فى هذه الخصوصية إلى كتابنا ( فترة التكوين فى حياة الصادق الأمين ) نشرته دار ميريت سنة 2001, وظهرت له طبعتان فى أقل من ستة أشهر ].
وطفق " من تنام عيناه ولاينام قلبه" يدلل الزوجة الصغيرة ويحملها على عاتقه [ نساء النبى: لبنت الشاطئ ص 74 السطر قبل الأخير ], وكثيرًا ما ردد على مسامعها " حبك يا عائشة فى قلبى كالعروة الوثقى, وعندما سأله عمرو بن الاص , ذلك الذى فعل الأفاعيل فى مصرعندما غزاها استيطانًا, عن أحب الناس إليه أجاب على الفور: عائشة ". [ صحيح البخارى نقلاً عن " نساء النبى" لبنت الشاطئ ص 92].
أدركت التيمية مكانتها فى قلب " صاحب الخلق العظيم" فأخذت هى من جانبها تتدلل عليه مما دفعها إلى أن تأتى بتصرفات فيها جراة لم تقدم عليها واحدة من نسونه حتى الحسناوات منهن مثل أم سلمة وزينب بنت جحش.
ففى مرة وهو يجلس مع نفر من صحبه فى حجرتها بعثت إليه صفية بنت حيي بن أخطب طبقًا به طعام, وإذ إنها يهودية ومن بيت رفيع فقد عُرف عنها أنها تجيد الطهو فما إن رأت التيمية الصفحة حتى ألقتها على الأرض فاندلق ما بها وانكسرت, كل ذلك أمام الحاضرين, كل ذلك أمام الحاضرين من تبعه, فتبسم ولم يزد على قوله " لقد غارت أمكم" بيد أنه ألزمها أن تبعث لضرتها صفية بصفحة عوضًا عن تلك التى حولتها إلى فتات أو فتيت. وباستقراء سيرته الباذخة المنيفة نؤكد أنه ما من رجل مهما بلغ خلاطه به أو مَرَة زوجة أو غيرها يبلغ به أو بها الجُسُور ( بضم الجيم والسين ) أن يفكر مجرد تفكير فى الإقدام على مثل ذاك العمل.
وسبق أن رقمنا قولها له: " ما أرى ربك إلا يسارع فى هواك أو مرضاتك" وتعقيبنا عليه ولقد ذكرت الدكتورة عائشة عبد الرحمن أن التيمية فاهت بهذه الصيحة عندما هلت الآية الكريمة بنكاحه بنت جحش " الهاشمية الحسناء". [ نساء النبى ص 79].
وإذ إن لكل جواد كبوة ولكل عالم هفوة فإن بنت الشاطئ فى هذا الموضع غلطت مرتين:
الأولى: أن ابنة جحش ليست هاشمية ولا حتى قرشية فأبوها جحش بن رئاب من بنى أسد بن خزيمة وأمها هى التى من بنى هاشم فهى أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم والعرب لاينتسبون إلى الأم بل إلى الأب لأن مجتمعهم ذكورى بطريركى.
الأخرى: أن العبارة الفلوت التى جابهت بها التيمية بنت أبى قحافة " سيد الأولين والآخرين" ليست بسبب إشراقه آية من الذكر الحكيم بنكاحه زينب وإنما قالتها ابنة أبى بكر عندما أقدم بعض النسون على هبة أنفسهن له فإنبثقت آية :{ تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء } [ الأحزاب 51 ].
ويبدو أن الدكتورة عائشة عبد الرحمن اعتمدت على الذاكرة وهى خؤون, وقد نصحنا البُحَّاث ألا يفعلوا وأن يرجعوا فى الصغير والكبير إلى المصادر.
عامر بن الطفيل وقتل حفظة القرآن
بعد إنكسار المسلمين فى غزوة أحد ظن الأعراب الجفاة أن نجمهم دخل فى فلك الأفول ـ وقد خاب فألهم ولجهلهم وبداوتهم ولم يقدروا " أبا القاسم" حق قدره وضاق أفقهم عن إدراك عبقريته وقصر فهمهم عن معرفة ملكاته, فطفقوا يتحرشون به ويناوئونه, وأول من بدأ ذلك جلف يقال له عامر بن الطفيل وتعاقد معه بطنان من سلم هما عصية ورعل فعدوا على سبعين رجلاً شببة " شبان" من القراء أى حفظة القرآن الكريم وكلهم من اليثاربة بنى قيلة لايوجد بينهم من النازحين " المهاجين" أحد فقتلوهم عن آخرهم عند ماء يُقال له " بئر معونة" وأحزن ذلك المصطفى لأنه من ناحية تم غدرًا وخيانة, ومن آخر الخسارة فى أولئك الشببة القراء الحفاظ ثقيلة, فأخذ يدعو عليهم ومن عاضدهم من الأفخاذ وأفناء القبائل فى صلاة الصبح.
وبحيلة دنيئة مشابهة تمكن بنو لحيان من عضل والقارة من استدرج سبعة من القراء الحفاظ أيضًا فما إن فارقوا قرية بنى قيلة / أثرب وعند ماء لهذيل قريب من الهدة يقال له الرجيع قتلوا بعضهم وأسروا من إستطاعوا أسره وأحدهم يسمى عاصم بن ثابت حدثت معجزة بشأنه إذ بعد قتله لم يستطيعوا أن يصلوا إلى جسده إذا انتصبت حوله كتيبة من الدبر فكلما اقترب من أحد الأعاريب الخونة لدغته فأطلقت عليه كتب السيرة المحمدية المعطرة " حمى الدبر".
وبالمثل حز هذا الغدر الذى راح ضحيته سبعة من خيرة القراء فى نفس " الأمين المأمون".
بيد أن إنتصاره الساحق على بنى النضير وهم من أبناء يعقوب والقبيلة القوية الغنية والتى تتنافس القبيلة الأخرى بنى قريظة فى المنعة والثروة وتمكنه من إجلائهم من أثرب واحتياز دورهم وأموالهم ارتفعت أسهمه إلى عنان السماء, فمن ناحية ما انفكت القبائل البدوية الجافية, سواء حول بنى قيلة أو فى سائر أنحاء شبه جزيرة العرب, تعيد حساباتها وتعمل لـ " صاحب العلو والدرجة" ألف, كما أن الغنائم التى غنمها من اولاد الأفاعى بنى النضير ساهمت فى مضاعفة قوته لأن المال كما هو عصب التجارة فهو مدماك الحرب.
كذا فإن تبعه من المنازيح واليثاربة معًا بدأت الثقة تعود إلى نفوسهم سواء من الناحية القتالية أو العقائدية.
كيف؟.
بعد انتصارهم الساحق فى غزاة بدر الكبرى قويت روحهم المعنوية بدرجة مذهلة إن فى الشق الحربى أو فى الجانب الإيمانى, أما عن الأول فقد هزموا صناديد قريش الذين بلغوا ثلاثة أضعافهم هزيمة نكراء, وعن الآخر فقد ترسخ فى عين يقينهم أن دينهم هو الحق ومن ثم فإن الله أعلى رايتهم ورفع لواءهم وجعل كلمتهم هى العليا وكلمة عدوهم فى أسفل سافلين كما عزز مكانتهم فى يثرب, وقمع مشاكسيهم من اليهود والمنافقين والذين اتخذوا موقف التربص وسلكوا درب التردد واخذوا يقدمون رجلاً ويخنسون الأخرى, وأقنع الأعاريب الغلاظ حولها أنهم بخلاف ما حدسوه قوة لا يستهان بها ومن العبط تجاهلها.
بيد أنه بعد الوجيعة التى نالتهم فى أحد طفق الخط البيانى للثقة فى النفس يتدحرج إن من الناحية العسكرية أو من الجانب الإيمانى. أما الأولى فهى ليست فى حوجة إلى كشف الغطاء عنها أما الآخر فيتمثل فيما راودهم من تساؤلات كيف يهزم جند الله مع أن البلاغ أكد أن جند الله هم الغالبون, وهم كذلك!!.
إنما بعد سحق بنى النضير واستصفاء أموالهم وما فتئ الشعور الذى هيمن عليهم بعد غزاة بدر الكبرى يحتل مكانه الذى غادره ويعدن فى الموطن الذى فارقه ويتربع على الكرسى الذى هجره.
ويمكن أن نرقم أن جلاء بنى النضير شكّل علامة فارقة ورسم طريقًا جديدًا وفتح مغايرة.
فأرسل " المنصور بالرعب " قرابة شهر نفرًا من تبعه إلى أبى رافع اليهودى الذى دأب على إيذائه والتطاول عليه فقتلوه فى عقر داره وفى خيبر المعقل اليهودى الحصين والتى تخبرنا مصنفات السيرة المحمدية البالغة ذروة المجد والسؤدد أن بها أربعة آلاف مقاتل فهل توجد ثقة بالنفس أعمق؟.
سمع " الإنسان الكامل" من عيونه الذين دأب على بثهم فى كافة الأرجاء أن ثعلبة وأنمارًا من القبائل البدوية التى تحتل قطاع نجد تحدثها نفسها بالاحتكاك به وبالمسلمين فخرج فى جيش كثيف عدته ثمانمائة, وفى روايات أخرى أقل, يريدهم بيد أنه ركبهم الهلع وشملهم الخوف وسيطر عليهم الرعب. ومعروف عن هؤلاء البدو أنهم لا يستأسدون إلا على من يوقنون أنه أضعف منهم ناصرًا وأهزل منهم عددًا وأنحف عُدّة شان الجبناء وهم على رأسهم فأرقلوا إلى رؤوس الأجبل وتركوا نساءهم فى محالهم فسباهم المسلمون وسميت هذه الواقعة " ذات الرقاع" ولم تحقق كسبًا ماديًا بل ظفروا معنويًا إذ أيقنت القبائل المتبدية أن المسلمين أمسوا قوة غلابة لا قدرة لهم على الوقوف فى وجهها.
ثم غزا " سيد الناس" دومة الجندل وهى طرف من أفواه الشام قاصدًا أن يفزع قيصر الروم من تبعه ألف مقاتل ولما تناهى الخبر إلى مسامع الجنادلة أخلوها فلما وطئها لم يلق بها أحدًا فشنوا الغارة على الماشية ورعائها فاحتازوها زأسروهم وكرة أخرى حقق الجيش المسلم نصرًا معنويًا فحسب.
بيد أنه بخلاف من سبقه ولأول مرة فى تاريخ جزيرة العرب المبروكة يرى أو يسمع أعرابها الجفاة أن عربيًا واتته الجرأة على إرهاب قيصر الروم والاقتراب من تخوم إمبراطوريته ومن منظورهم أنه ضرب من المغامرة غير المحسوبة.
غزوة بنى المصطلق
ثم نصل إلى المحطة النهائية لهذه الرحلة التى تفوح من جنباتها رائحة الإطالة وهى " غزوة المصطلق أو المريسيع" التى وقعت فى مختتمها حادثة الإفك وموجز مفاصل الوقعة أن الحارث بن أبى ضرار سيد بنى المصطلق من خزاعة ومنازلهم جمع من قومه وممن قدر عليه من أوباش الأعراب جيشًا لمهاجمة " المدثر" والمسلمين فى يثرب, ويبدو أنه من هذه النوعية من البشر التى ينعت الفرد منها بـ " الأحمق المطاع" إذ سرعان ما طارت الأخبار إلى قرية اليثاربة بنى قيلة, فندب " الحبيب المصطفى" الناس للقائه فما إن سمعوا الهيعة حتى سارعوا طائعين ملبين, ومما له دلالة عميقة أن شطرًا وسيعًا من عصبة المنافقين الذين أدمنوا التخلف سارعوا هذه المرة إلى الخروج معه, ومرجعه فى نظرنا طابور من الدوافع نقتصر منها على ثلاثة نذهب إلى أنها جوهرية.
الأول: الرهبة من سلطان "من جُعِلت له الأرض طهورًا" الذى غدا قويًا, ويأسهم من معرضته أو مناوأته.
الثانى: الرغبة فى الحصول على نصيب من الغنائم, لأن السلب والنهب والغارة على العدو وهم نيام, يقولون " صبحناهم" وهذا من سمات الجبن والخسة والنذالة التى امتاز بها أولئك الأعاريب, والحصول على الأسلاب والغنائم وسبى النسون.. جماعها مكون رئيسى فى بنيتهم النفسية, فى حين أنه على النقيض يُشكل الزرع والحصد والرى وجمع المحصول والبناء والتشييد والإعمار عناصر ومقومات شخصية المصرى القديم, ومن ثم ترك حضارة بازخة لا ضروب لها حتى الآن, فى حين خَلّف أولئك الأعاريب الأجلاف قصصًا أليمة عن التصبيح وشن الغارات فى غفلة المهاجَمين" بفتح الجيم" ونوازل فواجع عن القتل والاغتيال وروايات دامية عن أسر الرجال وسبى النسوة والفتيات إما لبيعهن فى أسواق الرقيق إماء وجوارى وإما لاتخاذهن محظيات وسرارى.
الثالث: إذا ظهرت بوادر هزيمة أو تراجع أو تقهقر لدى المقاتلين اهتبل " المنافقون وقود الدرك الأسفل من النار" وبدأوا بفتح بوابة الفرار من العدو ليلجها الباقون وأشاعو البلبلة والتخذيل وأذاعوا أخبارًا كواذب لتثبيط عزم من يقاتل من المسلمين, وجِماعة تنفيس عن الحقد الكامن فى نفوسهم والبغضاء المشتعلة فى صدورهم والشنآن الخبئ فى قلوبهم نحو " حامل لواء الحمد", ومن رأينا أن النفاق ما هو إلا المعارضة السياسية, بدليل أنه لم يفرخ بيضه الفسيد إلا بين بعض بنى قيلة, أما فى قرية القداسة قلم يوجد لأنها إنضوت فحسب على معارضة عقائدية أُساسها الخوف على المكانة الإجتماعية, وجرثومتها الحفاظ على المكاسب المالية وسندها العض بالنواجذ على المصالح الإقتصادية ودليل الثبوت على أنها ( المعارضة المكية ) عقائدبة قبلية تتمثل فى التمسك بدين الآباء لاشبهة فيها للرجا السياسى هو أن الصناديد المكاكوة أو ملأ قرية القداسة عرضوا على الأمين الرئاسة بشرط أن يهجر الدين الجديد الذى جاءهم به وبداهة رفضه بشدة.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المسيحيون في غزة يحضرون قداس أحد الشعانين في كنيسة القديس بو


.. شاهد: عائلات يهودية تتفقد حطام صاروخ إيراني تم اعتراضه في مد




.. بابا الفاتيكان فرانسيس يصل لمدينة البندقية على متن قارب


.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين




.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ