الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اَلْأَحْلَام وَقِوَّاهَا اَلْخَارِقَةَ -اَلْجُزْءَ اَلثَّامِنَ-

اتريس سعيد

2023 / 12 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


27 _ هَلْ نَحْنُ مُجَرَّدُ حُلْمٍ فِي ذَاكِرَةِ اَلْكَوْنِ ؟
مُنْذُ اَلْقَدِيمُ كَانَتْ عَلَاقَةُ اَلْإِنْسَانِ بِالْكَوْنِ وَلَا تَزَالُ عَلَاقَةً غَيْرَ وَاضِحَةٍ اَلْمَعَالِمِ يَكْتَنِفُهَا اَلْغُمُوضُ وَيَحْكُمُهَا اَلِإلْتِبَاسُ إِلَى أَبْعَدَ اَلْحُدُودَ، إِنَّ كُلَّ اَلتَّصَوُّرَاتِ اَلدِّينِيَّةِ وَالْفَلْسَفِيَّةِ حَوْلَ طَبِيعَةِ هَذِهِ اَلْعَلَاقَةِ كَانَتْ تُشِيرُ إِلَى بَعْضِ اَلْحَقَائِقِ اَلْكَوْنِيَّةِ وَطَبِيعَةُ اَلْإِنْسَانِ اَلرُّوحِيَّةِ اَلْخَارِقَةِ لِلطَّبِيعَةِ وَالْغَامِضَةِ مِنْ حَيْثُ مَاهِيَّتُهَا وَمَصْدَرُهَا اَلْجَوْهَرِيُّ، لَكِنَّ هَذِهِ اَلْحَقَائِقِ تَعَرَّضَتْ فِي مُجْمَلِهَا إِلَى اَلتَّحْرِيفِ وَسُوءِ اَلْفَهْمِ مَعَ اَلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي أَسَاسِهَا إِلَّا مُجَرَّدُ تَجَارِبَ فَرْدِيَّةٍ نَادِرًا مَا يَطْرَأُ عَلَيْهَا اَلتَّطَوُّرُ بِسَبَبِ قِلَّةٍ اَلْمُتَّهَمِينَ وَعَدَمِ بُلُوغِهِمْ مِنْ اَلتَّجْرِبَةِ وَ النُّضْجِ اَلرُّوحِيِّ مَا يَسْمَحُ لَهُمْ أَنْ يَكُونُوا مُؤَهَّلِينَ لِلْقِيَامِ بِهَذِهِ اَلْمَهَامِّ اَلْمُضْنِيَةِ مِنْ اَلشَّرْحِ وَالتَّنْقِيحِ وَ الْإِضَافَةِ، وَمِنْ هُنَا نَشْأَةَ اَلْأَدْيَانِ وَظَهَرَ اَلتَّقْدِيسُ اَلَّذِي مَرَدُّهُ إِلَى اَلْعَجْزِ اَلرُّوحِيِّ اَلَّذِي عَانَى مِنْهُ اَلتَّلَامِيذُ وَ الْمُرِيدِينَ فِي مُوَاجَهَةِ مَا كَانُوا يَتَلَقَّوْنَهُ مِنْ مُرْشِدِيهِمْ اَلرُّوحِيِّينَ.
إِنَّ وُجُودَ اَلْإِنْسَانِ فِي اَلْكَوْنِ هُوَ أَشْبَهُ بِوُجُودِ جِنِين فِي أَحْشَاءِ اَلْأُنْثَى أَوْ اَلْمَيِّتِ فِي بَطْنِ اَلتُّرَابِ أَوْ اَلسَّمَكَةِ فِي أَعْمَاقِ اَلْمُحِيطِ، إِنَّ كُلَّ كَائِنِ مَهْمَا كَانَ إِلَّا وَيَتَأَثَّرُ بِمُحِيطِهِ، وَمَا دَامَ اَلْإِنْسَانُ يُدْرِكُ أَنَّهُ إِحْدَى أَرْقَى اَلْمَوْجُودَاتِ اَلْأَرْضِيَّةِ اَلَّتِي تَمْتَلِكُ اَلْعَقْلَ وَالْوِجْدَانَ فَهُوَ يُدْرِكُ أَيْضًا أَنَّهُ يَسْتَطِيعُ مِنْ خِلَالِ هَذِهِ اَلْمَلَكَاتِ اَلرُّوحِيَّةِ أَنْ يُدْرِكَ وَاقِعُهُ اَلْمَادِّيُّ وَالرُّوحِيُّ بِشَكْلٍ مِنْ اَلْأَشْكَالِ، كَمَا أَنَّ هَذِهِ اَلْقُوَى اَلْمُدْرِكَةِ اَلْمَعْبَرَ عَنْهَا بِالْوَعْي هِيَ قُوَى تَتَجَاوَزُ كِيَانَ اَلْإِنْسَانِ اَلْمَادِّيِّ وَتَكَوُّنٍ فِي حَالَةٍ عَابِرَةٍ لِلْجَسَدِ إِلَى بَاقِي اَلْمَوْجُودَاتِ اَلْأُخْرَى مِنْ صِنْفِ اَلْإِنْسَانِ وَ الْكَائِنَاتِ اَلْحَيَّةِ وُصُولاً إِلَى اَلنُّجُومِ وَالْمَجَرَّاتِ اَلْعِمْلَاقَةِ.
إِنَّ اَلْوَعْيَ اَلْإِنْسَانِيَّ إمْتِدَادٌ رُوحِيٌّ لِلْوَعْي اَلْكَوْنِيِّ اَلَّذِي يَتمّظهر بِأَشْكَالِ عَدِيدَةٍ فِي عَنَاصِرِ اَلْمَادَّةِ وَبَاقِي أَشْكَالِ اَلْمَوْجُودَاتِ وَ بِنَاءِ عَلَيْهِ تَكُون اَلطَّبِيعَةُ اَلرُّوحِيَّةُ اَلْإِنْسَانِيَّةُ إمْتِدَادًا لِلطَّبِيعَةِ اَلْكَوْنِيَّةِ وَنُسْخَةُ مُصَغَّرَةٌ عَنْهَا، كَذَلِكَ نَشْأَةَ اَلْإِنْسَانِ اَلْمَادِّيَّةِ فَهِيَ نَتِيجَةِ سِلْسِلَةٍ طَوِيلَةٍ مِنْ اَلتَّفَاعُلَاتِ اَلْكِيمْيَائِيَّةِ بَيْنَ اَلْعَنَاصِرِ اَلْمَادِّيَّةِ اَلَّتِي تَنْتَقِلُ مِنْ اَلْمَوْجُودَاتِ وَالْكَائِنَاتِ اَلْأُخْرَى وَسَتَبْقَى عَلَى هَذِهِ اَلسَّيْرُورَةِ طَالَمَا يُوجِدُ هَذَا اَلْكَوْنِ اَلْمَادِّيِّ مِنْ حَوْلِنَا.
إِنَّ اَلْكَوْنُ مُجَرَّدَ وَهْمٍ يُحِيطُ بِحَوَاسِّ اَلْإِنْسَانِ اَلْمُقَيَّدِ رُوحِيًّا فِي سُجُونِ اَلظِّلِّ وَمَا دَامَ اَلْأَمْرُ هَكَذَا فَوُجُودنَا فِي هَذَا اَلْعَالَمِ اَلْمَادِّيِّ لَا يُعِدُّوا أَنْ يَكُونَ مُجَرَّدَ حُلْمٍ هَجِينٍ لَا أَكْثَرَ، لَكِنَّ اَلْأَغْرَبَ وَالْمُدْهِشَ فِي اَلْأَمْرِ حِينَمَا نَكْتَشِفُ أَنَّ هَذَا اَلْحُلْمُ لَمْ يَعُدْ قَائِمًا فِي اَلْوَعْيِ اَلْكَوْنِيِّ فِي حُدُودِ اَللَّحْظَةِ، بَلْ إِنَّهُ مُجَرَّدُ أَحْدَاثٍ وَهْمِيَّةٍ سَابِقَةٍ تَتِمُّ مُرَاجَعَتُهَا فِي ذَاكِرَةِ اَلْكَوْنِ وَالدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ هُوَ قُدْرَتُنَا عَلَى رُؤْيَةِ اَلْمُسْتَقْبَلِ مِنْ خِلَالِ اَلْأَحْلَامِ اَلتَّنَبُّئِيَّةِ اَلَّتِي تَحَدَّثَ عَنْ طَرِيقِ اَلْجَلَاءِ اَلْبَصَرِيِّ حَيْثُ يَكُونُ اَلْأَمْرُ أَشْبَهَ بِشَرِيطِ فِيدِيوَا مُسَجَّل يُمْكِنُ تَسْرِيعُهُ وَرُؤْيَةُ مُحْتَوَاهُ اَللَّاحِقِ كُلَّمَا قُمْنَا بِتَمْرِيرِهِ، بَلْ إِنَّنَا يُمْكِنُ أَنْ نَعْكِسَ هَذَا اَلْفِيدْيُو لِرُؤْيَةِ مُحْتَوَاهُ بِشَكْلٍ مَقْلُوبٍ تَمَامًا مِنْ اَلنِّهَايَةِ إِلَى اَلْبِدَايَةِ.
إِنَّ فِكْرَةَ اَلْقَدَرِ فِي اَلْأَدْيَانِ وَالْعَقَائِدِ اَلْفَلْسَفِيَّةِ اَلْغَنُوصِيَّة تَحْتَوِي عَلَى اَلْكَثِيرِ مِنْ اَلصِّحَّةِ لَكِنَّ هَذِهِ اَلْأَدْيَانِ وَ الْعَقَائِدِ لَا تَشْرَحُ لَنَا فِكْرَةَ اَلْقَدَرِ بِشَكْلٍ رُوحِيٍّ دَقِيقٍ إِذْ تَعْتَمِدُ فِي شَرْحِهَا عَلَى بَعْضِ اَلْقِصَصِ اَلْأُسْطُورِيَّةِ بِهَدَفِ تَقْرِيبِ اَلْمَعْنَى وَمَعَ اَلْوَقْتِ أَصْبَحَ أتِّبَاعُهَا مُتَمَسِّكِينَ أَشَدَّ اَلتَّمَسُّكِ بِحِرَفِيَّةِ هَذِهِ اَلنُّصُوصِ اَلَّتِي أَصْبَحَتْ تُعَانِي مِنْ اَلْجُمُودِ مِنْ حَيْثُ اَلْفَهْمُ وَ التَّطَوُّرُ اَلرُّوحِيُّ، لَكِنَّ اَلْجَوْهَرِيَّ فِي فِكْرَةِ اَلْقَدَرِ ذَاتِهَا أَنَّهَا تَجْعَلُ حَيَاةَ اَلْإِنْسَانِ وَمَصِيرِهِ حَدَثًا قَدْ حَدَثَ بِالْفِعْلِ ؟ وَلَيْسَ مُجَرَّدٌ حَدَثًا سَيَحْدُثُ لَا مَحَالَةً ؟ وَهَذَا دَلِيلٌ إِضَافِيٌّ عَلَى أَنَّنَا مُجَرَّدُ حُلْمِ ذَاكِرَةِ اَلْكَوْنِ.
يَتْبَعُ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح