الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل ثقافة جماهيرية بديلة96

عبدالرحيم قروي

2023 / 12 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


اَلنَّصُ اَلْمُؤَسِّسُ وَمُجْتَمَعُه
اَلسِفْرُ اَلأَوَّلُ وَاَلثَانِى
خليل عبد الكريم
الحلقة الرابعة عشر

نكاح جويرة بنت الحارث
كما أن البهان على أن المنافقين اليثاربة معارضون سياسيون فقط, هو أنهم لم يعلنوا تمسكهم بعقائدهم السابقة فضلاً عن أن يدعوا إليها احدًا, ولم تخبرنا مدونات السيرة المحمدية انهم فى اجتماعاتهم الخاصة بشروا بديانة مغايرة للإسلام أو حاولوا إقناع مسلم بمفارقة ديانته والولوج فى دينهم, إذ ليس لهم دين خلاف الإسلام " عن طريق التظاهر" ولم يطعنوا فى العقيدة الإسلامية ولا فى العبادات, بل بالعكس عرف عنهم القيام بها وم ثم حُقنت دماؤهم وأعراضهم وأبشارهم وذراريهم ونسوانهم, فقط عِيب عليهم أنه كله صدر عنهم من قبيل المداهنة دون إخلاص, وهذه مسألة متروكة للهوحده, ومن هذا المنطلق عاملهم " الرحمة المهداة" معاملة تبعه المسلمين وأوكل حسابهم إلى ربه, وما حملته مصنفات السيرة المحمدية هو غمزهم ولمزهم لذاته مثل قول بعضهم فى غزاة الخندق: يعدنا بكنوز قيصر وكسرى, فى حين أن أحدنا لالايأمن على نفسه وهو ذاهب لقضاء حاجته, فهذا نقد خسيس لكنه معارضة سياسية م تمس عقيدة أو عبادة وقبلها رغب غزاة أحد وما حدث فيها, صرح رأس النفاق عبداله بن أبى سلول: خالفنى " رأيه عدم الخروج من يثرب لقتال المكاكوة" وأطاع الصبيان " الشببة الذين اقترحوا العكس" فهذا أيضًا تقييم لخطة عسكرية وليس طعنًا فى الديانة, الخلاصة أن النفاق معارضة سياسية. ثم بعد نستأنف السياق:
سمع الأعراب الجبناء بجيش المسلمين فغدروا بالأحمق المطاع الحارث بن أبى ضرار وخانوا عهدهم وميثاقهم معه وتخلوا عنه وتركوه هو وبنى المصطلق ينالون هزيمة ساحقة وذلك فى العام السادس الهجرى, وغنم " السيد المنتصر" والمسلمون مغانم كثيرة وسبيًا كثيفًا, وبين السبايا وقفت بنت السادة الرافلة فى النعيم, زوجة مسافع بن صفوان المصطلقى ( جويرة بنت الحارث ) سيد المصطلق, تنتظر دورها [ الروض الأنف فى تفسير السيرة النبوية لابن هشام : السهيلى دار المعرفة, بيروت 1978 المجلد الرابع ص 9 ]. فتقع فى سهم جندى مسلم اعتيادى هو ثابت بن قيس بن الشماس, ومن ثم تحكى لنا جويرة وهى ترى ما آلت إليه, باحثة عن مخرج يلائم مكانتها: { رأيت قبل قدوم النبى ـ ص ـ بثلاث ليال, كأن القمر يسير من يثرب, حتى وقع فى حجرى, فكرهت أن أخبر بها أحدًا من الناس ( لاحظ لا يوجد شهود يؤكدون كلامها وهى الراوية الوحيدة لهذه الرؤية المزعومة ) , حتى قدم رسول الله ـ ص ـ فلما سبينا , رجوت الرؤيا !!! [ البيهقى: دلائل النبوة ـ تحقيق عبد المعطى قلعجى ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت 1988ـ جزء 5 ص 50].
ولتحقيق الرؤيا, ساومت آسرها ثابت بن قيس, على أن تدفع له فداءها عن نفسها ويطلقها حرة, بموجب مكاتبة على العتق بذلك, وهى تعلم يقينًا أنها أسيرة لا تملك شيئًا تشترى به نفسها, فذهبت إلى النبى لتطلب من إعانتها فى مكاتبتها !!
وهنا تقول لنا التيمية عائشة الغيور: " فوالله ما أن رأيتها على باب حجرتى, فكرهتها وعلرفت أنه ـ ص ـ سيرى منها ما رأيت. أما ماذا رأت التيمية ؟, فهو ما توضحه فى قولها: كانت امرأة حلوة ملاحة, لايراها أحد إلا أخذت بنفسه .
ويشرح لنا السهيلى شارح السيرة المعنى لقوا عائشة التيمية الغيور:
الملاح أبلغ من المليح...
والملحة هى البياض...
وملاحة: فى العينين ...
وقال الأصمعى: الملاحة فى الفم..
وقول عائشة .. من الغيرة عليه والعلم بموقع الجمال منه ـ ص ـ
ونتابع الحدث وهو يتحرك, فنرى جويرة الأسيرة تدخل على النبى لتقول: يا رسول الله أنا جويرة بنت الحارث بن أبى ضرار, سيد قومه, قد أصابنى من البلاء ما لم يخف عليك, فوقعت فى السهم لثابت بن الشماس , فكاتبته على نفسى, فجئتاستعينك فى كتابى.
وهنا يتطلع " سيد الخلق" , العارف بمواطن الجمال والملاحة, ويملأ عينيه منها, ليعقب السهيلى على ذلك التطلع الطويل بقوله: أما نظره عليه السلام لجويرية, حتى عرف من حسنها ما عرف, فإنما ذلك لأنها إمرأة مملوكة, ولو كانت حرة, ما ملأ عينه منها, لأنه لايكه النظر إلى الإماء, ويجوز أن يكون نظر إليها, لأنه نوى نكاحها, كما نظر إلى المرأة التى قالت له: وهبت نفسى لك .. وقد ثبت عنه عليه السلام الرخصة فى النظر إلى المرأة, عند إرادة نكاحها.
وكان ما توقعته جويرية الحسناء.... حين قال لها النبى بعد تأمله الطويل: فهل لك فى خير من ذلك؟
قالت: وما هو يا رسول الله؟,
قال: أقضى عنك كتابك وأتزوجك.
قالت: نعم يا رسول الله قد فعلت.
فوافقت وتم العتق والنكاح.
وهنا تعقب التيمية الغيور:" وخرج الخبر إلى الناس, أن رسول الله ـ ص ـ قد تزوج جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار, فقال الناس: أصهار رسول الله ـ ص ـ وأرسلوا ما بأيديهم, قالت: فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بنى المصطلق, فما أعلم إمرأة كانت أعظم على قومها بركة منها" [ الروض الأنف فى تفسير السيرة النبوية لابن هشام : السهيلى دار المعرفة, بيروت 1978 المجلد الرابع ص8, 9 , 18, 19].
حادثة الإفك
دأب " المعصوم" على إصطحاب زوجة أو أكثر بطريق الإقتراع عند الخروج إلى أى غزاة, وفيها اصطحب أم سلمة وعائشة وهما من أجمل زوجاته وتلحق بهما فى البهاء والحسن زينب بنت جحش.
فى طريق الرجوع وقرب أثرب بات " أبو القاسم" ومن معه ثم أدلج وأذن بالرحيل, بيد أن التيمية بنت أبى بكر بن أبى قحافة شعرت بضرورة قضاء الحاجة فمشت مسافة حتى جاوزت المعسكر وعند عودتها تحسست عقدًا من جزع ظفار فلم تجده فعادت تبحث عنه , إنما عندما وصلت إلى المعسكر فوجئت بأن الموكلين بجملها الذى عليها هودجها قد ظنوا أنها به فقادوه وارتحلوا مع الآخرين ومن ثم لم تجد أحدًأ, والحل الذى توصلت إليه بقاؤها فى مطرحها حتى يتبينوا خطأهم وعندئذ سوف يعودون لأخذها. فبينما هى جالسَةٌ في منزلها غلبتها عيينها فَنامت . وكان صفوان بن المعطِلِ السلميُّ ثم الذَكْوَانِيُّ من وراء الجيشِ , فادلج , فأصبح عند منزلها فلما رآها استجع" قال: إنا لله وإنا إليه راجعون" إذ عرفها وهو أحد الصحب لـ" سيد ولد قصىّ" , فأناخ لها بعيره وأركبها عليه وسار حتى لحقا بالباقين شدّ الضحا.
رأى المنافقون وعلى رأسهم كبيرهم عبد الله بن اُبى هذا المنظر أطلقوا ألسنتهم بحديث فى حق عائشة وصفوان سمى فيما بعد " حديث الإفك"
مستغلين حالة الغيرة القاتلة التى تعانيها التيمية إثر زواج " صاحب مكارم الأخلاق" من جويرية بنت الحارث.
وساهم نفر من المسلمين فى لوك هذه الحكاية , منهم حسان بن ثابت الذى طالما نافح عن " سيد الخلق" وهجا أعداءه وخصومه ودعى فيما بعد بشاعر النبى, ومسطح بن أثاثة, ومن العجيب أنه يمت بصلة لأبى بكر التيمىّ, وحمنة أخت زينب بنت جحش ربما إعتقادًا منها بأن ذلك يخدم أختها, فى حين أن هذه ـ وهى الضرة ـ جاء موقفها على النقيض وشهدت فى حق التيمية شهادة رائعة رغم أنها كانت تنافسها فى الجمال والزوج.
ومما عقد المشكلة أن عائشة فى ذياك الوقت لم تبلغ الرابعة عشرة من عمرها فقد ذكرت جاريتها بريرة أنها لصغر سنها ترقد عن العجين حتى تأتى الشاه فتأكله. وهى نفسها وصفت ذاتها أنها جارية حديثة السن لاتقرأ كثيرًا من القرآن وغاب عن ذاكرتها اسم يعقوب , فقالت والله ما أجد لى مثلاً إلا أبا يوسف.. وصغر سن الفتاة مدعاة إلى الظن بها الطيش وعدم التعقل والإندفاع والبعد والتروى ومخاصمة قراءة العواقب.. إلخ, أى أن هذا العنصر فى جانبها أعطى المنافقين فرصة لمزيد من الإتهامات والشك والمزاعم.
صفوان بن المعطل
وفى نفس الوقت كان معروفًا عن صفوان بن المعطل أنه رجل شاب لا يصبر , وجاء ذلك فى سنن ابو داود, باب الصوم [ حديث 2103] : { ......‏ ‏عن ‏ ‏أبِي صالح ‏ عن ‏ ‏أبي سعيد ‏ ‏قَال : ‏جاءت امرأة إِلى النبِي ـ‏ ‏ص ـ ‏ ‏ونحن عنده فقالت يا رسول اللَّه إِن زوجي ‏ ‏‏صفوان بن المعطلِ ‏يضربني إِذا صليت ويفطرنى إِذا صمت ولا ‏ يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس قَال وصفوان‏ ‏عنده قَال فسأَله عما قالت, فقال يا رسول اللَّه أما قولها يضربنى إذا صليت فإنها تقرأ بِسورتين وقد نهيتها قَال, فقال لو كانت سورة واحدة لكفت الناس وأما قَولها يفطرني فإنها تنطَلق فتصوم وأنا رجل شاب فلا أصبر فقال رسول اللَّه ـ‏ ‏ص ـ ‏ يومئذ ‏ ‏لا تصوم إمرأة إِلا بإذن زوجها وأما قولها إنى لا أصلى حتى تطلع الشمس فإنا أهل بيت قَد عرف لنا ذاك لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس قال فإِذا استيقظت فصلِ. ‏قَال ‏ أبو داود ‏ ‏رواه ‏حماد يعنى ابن سلمة ‏ ‏عن ‏ ‏حميد ‏ ‏أو ‏ ‏ثَابِت ‏ ‏عن ‏ ‏أَبِي المتوَكلِ }
عبد الله بن أبى بن سلول رأس النفاق
تولى كبر حديث الإفك والبطلان عبد الله بن أبى بن سلول رأس النفاق وزعيم المنافقين وخبّ فيه ما شاء له خياله المريض ونفسيته الخبيثة.
والنفاق حسبما ألمحنا: معارضة سياسية, أمسك بزمامها ابن سلول لأنه قبيل أن ينزح " المعطى جوامع الكلم" إلى يثرب أطبق بنو قيلة أوسهم وخزرجهم على تنصيبه ملكًا عليهم, بيد أن وصول " المعروض عليه مفاتيح خزائن الأرض" خربق التدبير وأفسد الخطة وبعزق الرصيص, فخاب أمله وطاشت طلبته وتبددت منيته, فكيف لايترسب الحقد فى فؤاده وتتغلغل الضغينة فى أضلاعه وتتعمق البغضاء فى حناياه نحو " أحمد". وإلتفت حوله نفر من الذين أصابهم الجزع على مصالحهم لعدون النازحين معهم بين الحرتين وكذا من لهم علائق مع أولاد الأفاعى اليهود وأسسوا مانستطيع أن نطلق عليه حزبًا معارضًا. أخذ ابن سلول ومن سار معه فى دربه يضايقون " إمام الأولين والآخرين" وتبعه بالأقوال والأفعال, وما انفك بعض صالحى المسلمين من رهط عبد الله بن أبى يعتذرون عن أفعاله ويقولن لـ " صفوة البشر" ارفق به إذ عند تشريفك قريتنا طفقنا ننظم الخرز له توطئة لتتويجه. وكلما ارتفع نجم " أحمد" وعلت مكانته وقوته وصعد فى الخافقين مقامه تميز رأس النفاق غيظًا وامتلأ كراهية وتأجج بغضًا.
وفى وقعة المريسيع أو بنى المصطلق أصيب ابن سلول بالكمد وعلاء الغم وأحاط به الهم من أخمص قدمه حتى ذؤابة رأسه العفن لفلج المسلمين الساحق على عدوهم. لأن كبير المنافقين اعتقد أن الأحمق المطاع الحارث زعيم بنى المصطلق, وقد جمع الألوف ؟؟؟ من الأعاريب ـ كما وصلت إليه الأخبار ـ سوف يكتب له الظفر فلما حدث العكس تضاعفت مرارته فانتهز فرصة نزاع بين سقاء النازحين ونديده الذى يعمل لحساب بعض اليثاربة فأراد أن يوقع فتنة هوجاء بين الطائفتين وصدرت منه عبارات طائشة كشفت عن مكنون ذاته مثل" والله ما صرنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال القائل = سمن كلبك يأكلك ... ولئن رجعنا إلى المدينة = يثرب ليخرجن الأعز منها الأذل .... إلخ.
وتركت هذه العبارات الفلوت أثرًا غائرًا فى نفوس المنازيح حتى العدوىّ عمر بن الخطاب اقترح على " رحمة الأمة" أن يأمر واحدًا من رهط عبدالله بن أُبى بقتله لكنه رفض هذا العرض النزق الذى لو اخذ به لاشتعلت حرب أهلية بين النازحين وبنى قيلة.
وبحكمته الرائعة وأفقه الوسيع وحلمه اللامحدود ؟؟؟؟ وخلقه الكريم ؟؟؟ استطاع " صاحب العلو" أن يخمد نيران ويطفئ أوارها ويكتم لهبها ... غبها ازداد رئيس المنافقين تحفزًا زغدا أكثر تربصًا وأشد توقانًا لأى نهزة وأعمق تشوقًا لأقا فرص للانتقام من " صفوة البشر" الذى قطع تشريفه أثرب عليه طريق الملكية ولا أمل ولا رجاء فى ظعنه عنها كما أن سهمه فى ارتفاع مستمر ومن أتت إليه حادثة الإفك من حيث لا يحتسب وظلت تتدحرج حتى قرت قُرورًا مكينًا فى حِجره فكيف لايوسع فوهة فتنتها ولا يعرّض جوانب بلبالها ولا يعمق غور مرجها ولا يكشف طباق هرجها؟. [ كتاب المغازى: لمحمد بن عمر بن واقد المعروف بالواقدى المتوفى سنة 207 هـ ـ تحقيق د/ ارسدن جونس د.ت.ن. من منشورات مؤسسة الأعلمى / بيروت لبنان ـ وهو فى ثلاثة أجزاء ويقال: الناس عيال فى المغازى على الواقدى وهو شيخ محمد بن سعد صاحب " كتاب الطبقات الكبرى" وقد اشتهر ب " كاتب الواقدى" ].
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المسيحيون في غزة يحضرون قداس أحد الشعانين في كنيسة القديس بو


.. شاهد: عائلات يهودية تتفقد حطام صاروخ إيراني تم اعتراضه في مد




.. بابا الفاتيكان فرانسيس يصل لمدينة البندقية على متن قارب


.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين




.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ