الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقض مفهوم الجهاد في الإسلام

هيبت بافي حلبجة

2023 / 12 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


على فرض وجود إله لهذا الكون ، على فرض إن أسمه الله ، فحسب التعريف الإسلامي ، وحسب المعتقد الإسلامي ، هو الجبار المقتدر ، هو المتكبر ، هو الحكيم العليم ، هو أمكر الماكرين ، هو أرحم الراحمين ، هو أزلية ماقبلها أزلية ، هو أبدية مابعدها أبدية ، هو إرادة لايخترقها أي خارق وإذا قال كن فقد كان ، هو مشيئة للكون والمجرة والأنهار وقدر الإنسان ، هو نواميس للوجود ، للماهية ، للكينونة والكائنية ، هو الخالق الوحيد والأوحد ، سبحانه هو هو ومن بعده لاهو ، سبحانه ..
ومن ثم ، أنت الكائن الضعيف ، تشعر ولاتنام من وخزة شوكة ، تحس ولاتنام من قرصة نحلة ، تتألم ولاتنام من لدغة عقرب ، تمرض لمجرد وعكة أو لفحة برد ، تغضب لأي سبب تافه ، وسنين عمرك كله أمام أزلية ربانية ليس إلا سخافة ، قوتك أمام قوة الحيوانات البرية ليست إلا قشة ضائعة ...
ومن ثم ، ينبغي عليك أيها البطل الكرتوني ، أن تدافع عن ذلك الإله ، أن تجاهد في سبيله ، أن تفديه بالمال والبنون ، أن تضحي ، أن تقتل الكافرين ، أن تمزقهم أشلاءاٌ وتذر رمادها ، رماد هذه الأشلاء ، في يوم عاصف ، وإعصار هائج ، على سفح جبل يمور ويموج ...
ومن ثم ، بعدها ، سوف يرضى ربك عنك ، ويدخلك الجنة ، لتشرب من أنهار من اللبن ، من أنهار من العسل ، أنهار من الخمر ، وأنت تفض غشاء الأبكار ليل نهار ، ثانية ثم ثانية إلى آبد الآبدين ، وستصبح إرادتك مثل إرادة إلهك مطلقة كلية سرمدية : وتستطيع أن تتشهى ما تتشهى ، كل ماعليك قوله : كن فقد كان ، لقد أصبحت الإله نفسه . فإلى المقدمات :
المقدمة الأولى : كمدخل ، يؤكد الشيخ محمد بن صالح العثيمين إن الجهاد ليس فرض عين على كل المسلمين ، إنما فرض كفاية من حيث التأصيل العقائدي ، إلا إن هناك أربعة أستثناءات على هذه القاعدة العامة ، أربعة حالات لابد ولامناص من أن يكون الجهاد فرض عين على كل مسلم :
الحالة الأولى ، إذا حضر المسلم القتال مع الكفار ، فلايمكن أن يولي الأدبار ، بل من الواجب الشرعي القتال إلى جانب الفريق المسلم ، حسب الآية 16 من سورة الأنفال : ومن يولهم يومئذ دبره إلا محترفاٌ لقتال أو متحيزاٌ إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير .
الحالة الثانية ، إذا حاصر الكفار بلاد المسلمين ، بلاده ، فقد توجب على المسلم الدفاع عن بلاده ، ومقاتلة هؤلاء الكفار حتى تتخلص البلاد من ربقة الحصار ، وطالما بقي الحصار ينبغي على المسلم ان يدافع عن بلاده بالمال وبالنفس .
الحالة الثالثة ، إذا إستنفر الحاكم المسلمين لقتال الكفار ، فينبغي على المسلم أن يلبي ويستجيب على نداء الحاكم بالقطع ، لإن مخالفة أمر الحاكم هنا محرم شرعاُ ، أي إن مخالفة أمر الحاكم تعد مخالفة لحكم شرعي إلهي .
الحالة الرابعة ، إذا أحتيج إليه تحديداٌ ، فالإحتياج إليه في موقع القتال يفرض عليه أن يقاتل الكفار فرض عين ، مثل أن يكون محترفاٌ في فرع معين ، أو متخصصاٌ على سلاح بذاته ، أو أن يكون وجوده ضروري ، ضرورة أكيدة ، في ساحة المعركة أو القتال .
المقدمة الثانية : في شرح رؤية الإمام محمد بن عبد الوهاب في موضوع الجهاد ، يؤكد الشيخ صالح فوزان الفوزان إن :
من زاوية أولى ، يكون الجهاد في سبيل الله فرض عين في ثلاثة حالات ، وليس أربعة كما يتصور الشيخ محمد بن صالح العثيمين ، الحالة الأولى ، إذا حضر القتال مابين المسلمين ومابين المشركين شرط أن يكون قادراٌ على القتال جسدياٌ . الحالة الثانية ، إذا إستنفره الحاكم ودعاه للقتال ، فلابد أن ينفذ أمر الحاكم . الحالة الثالثة إذا حوصر بلاده من قبل المشركين فمن الواجب الشرعي عليه أن يقاتل هؤلاء المشركين . وإما الحالة الرابعة التي تصورها الشيخ محمد بن صالح العثيمين فلاشك إنها من تصوراته الخاصة ، ولذلك ، وعلى الأرجح إن ماذهب إليه الشيخ صالح فوزان الفوزان هو أدنى إلى الصواب وإلى ذهنية النصوص الإلهية .
ومن زاوية ثانية ، إن من شروط الجهاد في سبيل الله ثلاثة ، هي : الشرط الأول أن يكون للمسلمين قوة ومقدرة على الجهاد ، وأن يكون لديهم الإستعداد الكامل والتام على القيام به . الشرط الثاني أن يكون الجهاد تحت راية واحدة ، تحت راية ولي الأمر تحديداٌ ، ولايحق ، من حيث الأصل والتأصيل ، أن يتصرف شخص ما من ذاته ، ويدعو إلى الجهاد . الشرط الثالث أن يكون الجهاد لإعلاء كلمة الله ، والإعتصام بحبل الله ، وليس طمعاٌ في جاه أو منصب أو أمر دنيوي ، فالجهاد هو ، تعريفاٌ ومضموناٌ وفعلاٌ ، في سبيل الله لإطاعة أحكامه وتنفيذ أوامره الشرعية في أصولها وفي نواميسها التامة .
المقدمة الثالثة : يؤكد الشيخ عثمان الخميس على أمر في غاية الأهمية فيما يتعلق بالجهاد ، حيث ، حسبه ، إن موضوع الجهاد وكذلك شروطه تتغير من عصر إلى آخر ، تتبدل من مرحلة بشرية إلى أخرى ، لذلك على السادة العلماء ، علماء الإسلام ، فقهاء الدين ، في مرحلة معينة ، أن يحددوا موضوع الجهاد وشروطه في تلك المرحلة تحديداٌ ، وهذا يفضي بنا إلى ثلاثة تبعات :
التبعة الأولى ، في علاقة المرحلة الإنسانية بأحكام إلهية ، الأحكام الإلهية ليست ثابتة على طول إفهومها الخاص بها ، ذلك الإفهوم الإلهي ، إنما القرارا النهائي في تحديد نوعية ذلك الحكم هو للفهم البشري ، بمعنى ، إن المسلم الضعيف الهزيل لايمكن له أن يغزو بريطانيا القوية الجبارة ، في حين ، وحسب هذه الرؤية ، لو كان المسلم قوياٌ جباراٌ وكانت بريطانيا ضعيفة هزيلة ، فينبغي على المسلم أن يغزوها ويضمها إلى بلاد المسلمين .
التبعة الثانية ، يفرغ هذا المفهوم العلاقة الجدلية التاريخية الأصيلة مابين آنية صدور هذا الحكم ، هذه الآيات ، ومابين أسباب نزولها ، وكأنه يخضع الحكم الإلهي ، في حال صدق صدوره ، للعقل البشري ، للرؤية البشرية ، ليتحول هذا الناموس الطبيعي مابين الإله وأحكامه إلى قاعدة إجتماعية يحدد أصولها المسلم ، الحاكم بأمر الإله .
التبعة الثالثة ، يفرض هذا المفهوم حالة شديدة الخصوصية على جذر العلاقة مابين الإنسان ومابين الإله ومابين النص الإلهي ، فلو كان رسول الإسلام قد بعث في أيامنا هذه ، وهذا من المستحيلات لإن الفكر البشري قد تجاوز موضوع الخرافات والأساطير والأديان ، لدون النص الإلهي ، نصوص القرآن ، بطريقة ، وجمل ، ومفردات ، لاعلاقة لها بالمفهوم الحالي لتلك النصوص .
المقدمة الرابعة : يؤكد الشيخ محمد حسان إن للجهاد مراتب أربعة هي : جهاد النفس ، جهاد الشيطان ، جهاد الكفار والمنافقين ، جهاد المنكر وأهله .
ولجهاد النفس مراتب أربعة ، تختزلها سورة العصر ، والعصر . إن الإنسان لفي خسر . إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر . فهي : الذين آمنوا وتعلموا أصول الدين ، وموضوعات الحق في الدين . ثم الذين عملوا بما تعلموا وطبقوا علم الدين حسب تلك الأصول . ثم الذين وصوا غيرهم بتلك الأصول وعلموهم حقيقة الحق في الدين . ثم الذين تواصوا فيما بينهم بالصبر على الإبتلاء والإمتحان الرباني .
ولجهاد الشيطان مرتبتين ، الأولى المجاهدة فيما يقذف الشيطان في نفس الإنسان من شهوات ، والثانية المجاهدة فيما يزين الشيطان لنفس الإنسان من شبهات . أي إن كل ما يجول في نفسك من ملذات الدنيا فهو من عمل الشيطان وليس من فعل الهرمونات وما عليك إلا أن تكبحه كبحاٌ لاهوادة فيه ، وإن كل مايعتمل في صدرك من أسئلة موضوعية حول شبهة وجود الإله أو تلك القضايا التي لاتناسب حقيقة وجود الإله ، أو فيما يتعلق بتلك التناقضات الكثيرة في نصوصه فماعليك إلا أن تدوس عليها وعلى عقلك وتضعه ، أي عقلك ، تحت السباط ، لإن تلك الشبهات هي من عمل الشيطان .
ولجهاد الكفار والمنافقين مراتب أربعة ، الجهاد بالمال ، والجهاد بالنفس ، والجهاد باللسان ، والجهاد بالقلب . أي ينبغي على المسلم أن يحارب الكفار والمنافقين ويقاتلهم سواء بماله وبنفسه إن إستطاع ، وإن لم يستطع فبواحدة منهما ، وإن لم يستطع فبلسانه ، وإن لم يستطع فبقلبه وذاك أضعف الإيمان ، وذاك أضعف الجهاد ، الجهاد في سبيل الله ، تبارك العلي القدير ، الجبار المتكبر ، الذي إن قال للشيء كن فقد كان .
ولجهاد المنكر وأهله ثلاثة مراتب ، الجهاد باليد ، والجهاد باللسان ، والجهاد بالقلب . أي إن الجهاد في هذه المرتبة هو الجهاد بحد السيف ، وبالقتال المباشر ، ويتناظر تماماٌ وبالتمام مع الجهاد ضد الكفار والمنافقين .
المقدمة الخامسة : بصدد التوافق مابين ليس عليك هداهم ، ومابين القتال في سبيل الله ، يؤكد الشيخ عثمان الخميس ، ويرتكب تناقضأٌ أحمقاٌ ، إننا لانحارب المشركين والكفار كي يدخلوا في الإسلام ، فلا إكراه في الدين ، إنما نحاربهم كي نقيم شرع الله ، ويشرح شرع إله المسلمين بالآتي : ينبغي على المسلم أن يعرض على المشركين والكفار أن يؤمنوا ويشهدوا : أشهد إن لا إله إلا الله وإن محمداٌ رسول الله ، فإن إمتنعوا من الإدلاء بالشهادة ، فينبغي أن يطلب منهم دفع الجزية ، فإن إمتنعوا عنها ، أي عن دفع الجزية ، فينبغي على المسلم أن يستعن بالله ويحاربهم . وهكذا ، يؤكد الشيخ عثمان الخميس مرة أخرى ، إن القصد هو إقامة شرع الله وليس الدخول في الدين الإسلامي ، على إعتبار إن المشرك أو الكافر ، إذا لم يدلي بالشهادة فما عليه إلا أن يدفع الجزية ثمن عدم الإدلاء بالشهادة .
المقدمة السادسة : يؤكد الشيخ محمد راتب النابلسي إن الغزو في سبيل الله هو جوهر الجهاد في سبيل الله ، ومن لم يستطع الغزو فإعمال بقول الرسول ، من جهز غازياٌ فقد غزا ، ومن خلف غازياٌ في أهله بالخير فقد غزا . أي إن هذا الشيخ ، راتب النابلسي ، يؤكد إن الغزو في سبيل الله يتحقق بطرق ثلاثة ، إما أن يغزو الشخص بذاته ويقاتل بنفسه ، أو أن يجهز غازياٌ بالعتاد والسلاح ، أو أن يتكفل بعناية بأهل من غزا ليؤمن لهم مستلزمات الحياة ، ومتطلبات الحاجة .
المقدمة السابعة : يؤكد الشيخ محمد بن صالح العثيمين إن الجهاد في سبيل الله هو لتكون كلمة الله هي العليا ، لا إنتصاراٌ لنفسه ، أو إسترداداٌ لأرضه ، فمن قاتل بنية غير نية أن تكون كلمة الله هي العليا فإنه ليس مجاهداٌ في سبيل الله ، عملاٌ بقول رسول الإسلام حينما سؤل : يقاتل الرجل شجاعة ، ويقاتل حمية ، ويقاتل رياءاٌ ، فإيهما يجاهد في سبيل الله ، فرد : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فقد جاهد في سبيل الله .
المقدمة الثامنة : هناك من المدعين الجدد الحمقى ، من يؤكد إن الجهاد في سبيل الله هو الوسط مابين جهاد الدفع ، أي الدفاع عن النفس ، ومابين جهاد الطلب ، أي طلب الجهاد ، ويؤصل فكرة الجهاد في الإسلام على مبدأ تحقيق العدالة ، وهي هنا العدالة الإلهية ، عدالة إله الإسلام . والعدالة هنا تتطلب مايلي : من جانب ، العدالة هي تحقيق النواميس الإلهية وأحكامه وأوامره . ومن جانب ثان ، ينبغي على المسلم ألا يطبق ذلك على نفسه فقط إنما يفرض تطبيقها على الآخرين . ومن جانب ثالث ، من يرفض تطبيق هذه العدالة بهذه المعنى ينبغي على المسلم قتاله وبالتالي قتله . ويستمد هذا المدعي هذه الأفكار من خلال النص الإلهي : لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس . سورة الحديد ، الآية 25 .
زاعماٌ إن الله قد أنزل الميزان مع الكتاب لإقامة العدالة ، لإقامة العدالة بالوسائل السلمية ، فإذا إمتنع الكافر أو المشرك عن الإمتثال لهذه العدالة ، فلابد من الوسائل العسكرية ، وأزلنا الحديد . من المؤكد ، وإذا ما تمعنا في مفردات هذا النص ، ندرك بسهولة إن إله الإسلام ، هو نفسه ، لايدرك ماذا يقول ، فكيف أدرك هذا المدعي حقيقة هذا النص ، ثم إن هذه الآية ركيكة في المعنى وفي المبنى ، ، وأزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس .
ونود هنا أن نبدي ملاحظة تفسر ربما ركاكة هذا النص بهذا المعنى وبهذا المبنى ، وفي الفعل ، ثمة سؤالان ، الأول من المؤكد إن القرآن لم يكتب بأحرف عربية ، فهل كتب بأحرف كوردية قديمة أم إنه كتب بأحرف سريانية آرامية . والثاني لكي يبت في حقيقة هذه المسألة ، لابد من معرفة أي الأحرف هي أقدم من غيرها ، الأحرف الكوردية أم الأحرف السريانية الآرامية .
المقدمة التاسعة : في مؤلفه فقه الإسلام ، يؤصل الشيخ يوسف القرضاوي فكرة الجهاد في سبيل الله ، ومنطق الجهاد في سبيل الله ، على الحدث الأول في التاريخ البشري ، قتل قابيل لأخيه هابيل ، كنزعة عدوانية أصيلة في النفس البشرية ، فالبشر أخيار وأشرار ، قبابلة وهبابلة :
من زاوية ، لابد للهبابلة أن يدافعوا عن أنفسهم ضد القبابلة ، ولابد للأخيار أن يدافعوا عن أنفسهم ضد الأشرار ، فأس الجهاد في الإسلام ، والقتال في سبيل الله ، هو الدفاع عن النفس .
من زاوية ثانية ، يؤكد القرضاوي إن أول دفاع عن النفس في الشريعة الإسلامية يتخلص في الدفاع عن الأديان ، فلولا دفع الناس بعضهم بعضاٌ لهدمت أديرة وصوامع ، ويفسر القرضاوي موضوع هذا النص ، إن لولا أن دافع الناس عن أديانهم لهدم الأشرار كافة دور العبادة .
ومن زاوية ثالثة ، يؤكد القرضاوي إن الله لم يؤذن للمسلمين ، في بداية الدعوة ، الدفاع عن أنفسهم ، حتى إن بعض الصحابة طالب رسول الإسلام ، متى يؤذن الله لنا بالدفاع عن أنفسهم ، فنزل النص : لقد أذن للذين يقاتلون بإنهم قد ظلموا وإن الله على نصرهم قدير .
ومن زاوية رابعة ، يؤكد القرضاوي إن الآية التي تسمى بآية السيف ، الآية الخامسة من سورة التوبة ، فهمها فقهاء الإسلام بطريقة مغلوطة ، فهي لم تنسخ الآيات السلمية الأخرى ، لإن الأصل في الإسلام هو السلم والسلام والمحبة ، والمعنى ومن ثم المبنى ، يؤكد القرضاوي لابد من رؤية القرآن بشموله وكماله ، ورد الفرع إلى الأصل ، ورد الجزئي إلى الكلي ، ورد المتغير إلى الثابت ، ورد المتشابه إلى المحكم ، فهذه الآية ، أقتلوا المشركين أينما وجودتموهم ، ينبغي ردها إلى الآية ، إذا جنحوا إلى السلم فأجنحوا إليه ، وإلى الآية ، لا إكراه في الدين فقد تبين الرشد من الغي .
نكتفي بهذا القدر ، ونعترض بالآتي :
أولاٌ : في أساس إشكالية الجهاد ، في منطوقه الخاص ، إن الجهادة مفردة بشرية ، مفردة لغوية ، تحدد العلاقة مابين الإله كإله ، ومابين الإنسان كإنسان ، وهذا التحديد يتجاوز الذاتية المشتركة مابين الإنسان والإله ، لإنها تخص الآخر أيضاٌ ، تخص الكافر والمشرك وهو طرف ثالث في موضوع الإله والإنسان ، وهنا يبرز أمران ، الأول لماذا ينبغي عليك أن تدافع عن الإله ، أفلايستطيع هو أن يدافع عن نفسه ، هل هو ضعيف إلى درجة إن يتوجب عليك الدفاع عنه . والثاني مادخلك بالعلاقة مابين الإله ومخلوقاته ، لماذا لايتصرف هو مباشرة مع مخلوقاته ، أم إنك ممثل الإله عل الأرض . وهذا ما يقودنا إلى ثانياٌ :
ثانياٌ : في بنيته الإلهية ، إما أن يكون الجهاد حكماٌ شرعياٌ ، أو ألا يكون كذلك ، فإذا لم يكن ، فأصبح في جوهره حالة واقعية فردية خاصة تستملك شروطها الخاصة بها دون تلك الشروط الموضوعية ، وهذا يفضي إلى نتيجة : إن الجهاد ليس إلا حدثاٌ لاقيمة إلهية فيه ، ولاقيمة فرضية تستدعي الوجوب . في حين إذا كان الجهاد حكماٌ شرعياٌ ، فهو ، حينها ، يتمتع بثلاثة ضرورات ، الأولى ضرورة فرض عين وليست ضرورة فرض كفاية ، الثانية ضرورة إلهية وليست ضرورة سوسيولوجية ، والثالثة ضرورة وجوب الوقوع وليست ضرورة إمكانية الوقوع .
ثالثاٌ : في أساس حقيقة الجهاد ، لماذا هناك جهاد ، لماذا يكون موجوداٌ ، لنرجع الذكريات مع إله الإسلام ، من ما قبل أزلية كاملة ، من ماقبل غابر الغابرين ، من ماقبل من ، كان إله الإسلام ، على الصعيد الإنطولوجي ، قد كان ، كان وماكان من الممكن أن يكون معه ماهو قد كان ، ثم أرتأت إرادته ، تطابقاٌ مع مشئته ، أن ، ماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ، إني جاعل في الأرض خليفة ، لكن هناك شرط ، هناك حكم شرعي ، ناموس في الوجوديا ، شرط لامشروطية فيه ، الدفاع عن هذا الإله ، الجهاد في سبيله ، ولكي تتفادى غضب هذا الإله ، يتحتم عليك بالضرورة الناموسية أن تدافع عنه ، أن تجاهد في سبيله ، تدافع عنه لإنه ضعيف فلو كان قوياٌ فهل يحتاج القوي الجبار أن تدافع عنه ، تدافع عنه لإنه عاجز عن الدفاع عن نفسه ، خلقك لتدافع عنه وضد من ، ضد جارك الكافر ، ضد أفراد قبيلتك من المشركين ، وليس عليك مقاتلتهم فقط بل ينبغي بالضرورة أن تقتلهم ، إن لم يعلنوا إسلامهم ، أو لم يدفعوا الجزية .
رابعاٌ : في أساس مضمون الغاية من الجهاد ، هو أن تكون كلمة إله الإسلام هي العليا ، وهل من الممكن أن تكون كلمة إله الكون هي السفلى ، أو ليست كلمة الإله هي كلمة إنطولوجية أم إنها تابعة لإرادة هذا الفرد وذاك ، ومن ناحية إفتراضية جدلية صرفة ، ماذا لو إن العالم كله ، بكل أفراده ، لم يسلموا ، أوليس لا إكراه في الدين ، لقد تبين الرشد من الغي ، حينها ماذا تكون حقيقة الكلمة الإلهية على الأرض . علاوة على ذلك لايمكن ان تكون كلمة الله هي العليا ، حسب المفهوم الإسلامي نفسه ، إلا بشرطين ، الأول وجود صراع إلهي فعلي مابين المسلم ومابين المشرك والكافر ، والثاني لابد أن ينتصر المسلم عليهما ، ويؤكد هذا الإله التعيس البائس ، والله على نصرهم لقدير ، فإذا كان إله الإسلام على نصرهم لقدير ، فماهي قيمة الدفاع عن هذا الإله ، ولماذا على هذا المسلم أن يحقق : أن تكون كلمة الله هي العليا . وفي الأصل إذا قارنا مابين الجملتين ، إن الله على نصرهم لقدير ، حتى تكون كلمة الله هي العليا ، ندرك إن هذا ليس إلا من تصورات البشر ، وإن لا إله للكون لوجود تناقض مطلق مابين الجملتين .
خامساٌ : يؤكد الشيخ يوسف القرضاوي ، مثل غيره ، إن هناك جهاد أسمه جهاد الشيطان ، وهذا أمر في غاية السخافة ، أوليس الشيطان من مخلوقات إله الإسلام ، أوليس هو كائن من تلك الكائنات التي من المفروض أن تموت ، فكيف يمكن أن تدافع عن إله الإسلام بالجهاد ضد كائن من مخلوقات هذا الإله ، والآن لو حذفنا التناقض البشع مابين الإله وهذا المخلوق أن جعلنا هذا المخلوق ليس إلا إله آخر للكون كما ذهبت إليه الزرادشتيه ، أهورمزدا ، وأهريمن ، لأدركنا حقيقة التصور الإسلامي حول هذه القضية برمتها : لأدركنا لماذا ينبغي محاربة الشيطان ، لأدركنا لماذا ان تكون كلمة الله هي العليا ، لأدركنا لماذا ينبغي محاربة من يسند ويساند أهريمن :
في الديانة الزرادشتية ، ثمت صراع مطلق وكلي مابين إله الخير ، أهورمزدا ، ومابين إله الشر ، أهريمن ، وينبغي على البشر أن يلتزموا بالفعل الحسن ، وبالكلمة الطيبة ، وبالنية الجيدة ، للدفاع عن الإله أهورامزدا ضد إهريمن ، وهكذا تكون كلمة إله الخير هي العليا ، وتكون كلمة إله الشر هي السفلى ، وبها ينتصر إله الخير على إله الشر . وهكذا ، وحسب الزرادشتية ، يشارك الإنسان في تحديد إنتصار من على من .
سادساٌ : في موضوع الجهاد القتالي ، ثمة آيات لايمكن أن تصدر من إله رزين ، من إله متزن ، لما فيها من تناقضات تتعارض مع أبسط مقومات الفكر البشري التحليلي ، وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونك كافة وأعلموا إن الله مع المتقين . الآية 36 ، سورة التوبة . فالجزئية الأولى هي نتيجة الجزئية الثانية ، وهذا معيار فاسد لإن الجزئية الأولى هي حكم شرعي ، حكم سماوي ، في حين إن الجزئية الثانية هي سلوك بشري ، تصرف إنساني قد يصدق وقد لايصدق ، وإن صدق في المرة الأولى فقد لايصدق في المرة الثانية ، وإن صدق في مجال قد لايصدق في مجال آخر . هذا من ناحية أولى .
أما من ناحية ثانية ، فإن مفردة كافة في الجزئية الثانية غير صادقة ، فمتى ، وفي عصر رسول الإسلام ، وفي غيره من العصور ، قاتل الهنود الحمر المسلمين ، ومتى قاتلهم البوذيون ، أو الزرادشتيون ، أو الحبشيون .
ومن ناحية ثالثة ، كما إن مفردة كافة في الجزئية الأولى تدل على قصور في الرؤيا ومن المستحيل تحقيق المراد منها ، لإن ذلك يفضي في الوقت الراهن إلى القضاء على ستة مليارات من البشر .
سابعاٌ : في موضوع الجهاد القتالي يؤكد الشيخ يوسف القرضاوي ، وغيره ، إن الجهاد في الإسلام لايتعدى حدود الدفاع عن النفس ، ويستشهد بالآية ، لولا دفع الناس ، ويؤكد من زاوية أخرى إن الجهاد هو أن تكون كلمة الإله هي العليا ، وهذان أمران لايستقيمان معاٌ ، فأن تكون كلمة الإله هي العليا ، تعني أن تكون كلمة إله الإسلام هي العليا ، تعني إن يؤمن الشخص بالإسلام ، أن تؤمن كافة البشرية بالإسلام ، لإن كلمة الإله هنا فرض واجب عيني على الجميع قاطبة ، ومن الواضح إن الدفاع عن النفس لايحقق هذه النتيجة ، بل لابد من الهجوم على المشركين والكفار وغيرهم وقتلهم ومقاتلتهم لأجل إعتناق الدين الإسلامي ، فالإسلام هو كلمة الإله العليا .
ثامناٌ : في موضوع إن لا إكراه في الدين فقد تبين الرشد من الغي ، وإن الإسلام دين سلم وسلام وغبطة وسرور وحبور ، أمر يتنافي مع حقيقة موقف الإسلام من المرتد عن الإسلام ، إذ من يرتد عن الإسلام لابد شرعاٌ من أن يقتل ، ويقتل هنا يعني أن يهاجم المسلم المرتد ليقتله فيقتله ، رغم إن المرتد ماكث في داره مابين أفراد أسرته ، ولا يحمل السلاح ، وهكذا فإن المسلم يرتكب جريمة بأسم إلهه ، ويدافع عنه في هجومه على المرتد وقتله .
تاسعاٌ : وفي موضوع إن الجهاد هو جهاد النفس ، هذا يتضمن قباحة فكرية وكما يقول الشيخ عبد الله القصيمي ، يكذبون كي يروا الإله جميلاٌ :
من زاوية ، إن الآيات ، النصوص الإلهية التي تتضمن مفهوم الجهاد والقتال بالنفس وبالمال ، تشير فقط إلى التضحية بالنفس والقتال الشخصي المباشر في المعركة ، ولايقصد مطلقاٌ تهذيب النفس وإخضاعها للقواعد السلوكية الإلهية .
ومن زاوية ثانية ، إن مجرد الإفتراض وجود قتال ضد النفس ، يحتوي من حيث هو الأساس على مصيبة بشعة ، وهي إن النفس البشرية شريرة بطبعها ، شريرة من حيث خلقها إله الإسلام ، أي خلقها إله الإسلام شريرة بالمطلق .
ومن زاوية ثالثة ، إن الجهاد ضد النفس لايستقيم مع فكرة إن الجهاد هو أن تعلو كلمة الإله ، فهل من المعقول أن تكون النفس البشرية عدوة لإله الإسلام ، وهي من خلقها هذا الإله ، أي ما عليك أن تقاتل نفسك بدون هوادة كي تكون كلمة الإله هي العليا .
عاشراٌ : وفي موضوع الفعل قاتل يقاتل ، والفعل قتل يقتل ، من الجوهر والأساس التوقف عند هاتين الملاحظتين :
الملاحظة الأولى ، لاشك ثمة مفارقة مابين الفعلين ، لكن هنا وحسب النتيجة يتطابقان في النهاية ، فحينما يذهب المسلم إلى المنافق أو الكافر شاهراٌ سيفه ، ويقول له ، ماعليك إلا تؤمن بالإسلام ، فإن آمن فبه ، وإن لم يؤمن ، فما عليه إلا دفع الجزية ، فإن دفع فبها ، وإلا سوف يقتل بضم الياء .
الملاحظة الثانية ، إن إله الإسلام في نهاية عهده حسم الأمر ، المفارقة مابين الفعلين ، لصالح القتل المباشر ، وهذه هي آية السيف التي نسخت كافة الآيات التي سبقتها ، الآية الخامسة من سورة التوبة ، فإذا إنسلخ الأشهر الحرم فأقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وأحصروهم وأقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم .
الحادي عشر : لنعيد صياغة الموضوع ، إن الذي لايؤمن بإله الإسلام سوف يقتل على يد المسلم ، وهذا مطعون فيه من زاويا عديدة نكتفي بأثنتين منها :
الزاوية الأولى ، إن جزاء هذا الحكم لابد أن ينفذ في الآخرة وليس في هذه الدنيا ، وتحت شرط هو أن يصدر الحكم بقرار إلهي وليس نتيجة رؤيا بشرية وقرار بشري .
الزاوية الثانية ، إن تنفيذ هذا الجزاء ، هذا الحكم ، يحرم الذي لايؤمن بالإسلام من فرضية ، إن أمد الإله في عمره ، أن يؤمن ويتوب ، وهذا ماحدث في التاريخ الإسلامي نفسه حيث إن بعض الذين حاربوا الرسول والإسلام في المعارك الأولى ، آمنوا به وتابوا وقاتلوا مع الرسول ضد المشركين في المعارك التي تلت .
الثاني عشر : وفي النهاية لابد أن نوضح نقطتين جوهرتين فيما يتعلق بالدين الزرادشتي ، اللتان لم يدرك حقيقتهما مؤلف القرآن ، بل قدم نسخة بليدة فكرياٌ ومشوهة عقائدياٌ :
النقطة الأولى ، إن الصراع مابين أهورامزدا وأهريمن ، كإلهين مستقلين تماماٌ هو صراع أبدي بنيوي كلي قادم من الأزل ، يشارك الإنسان في تحديد إنتصار من على من من خلال أفعاله وأقواله ونيته وإرادته ، فلا أهورامزدا قادر بمفرده على حسم هذا الصراع ، ولا أهريمن قادر بمفرده على حسمه ، فالإنسان هو جزء من بنية وطبيعة هذا الصراع ، في حين إن الإسلام مرتبك يتناقض مع ذاته هنا وهناك ، بل ولايدرك تناقضاته الداخلية ، وأعظم مثال على ذلك هو موضوع الجهاد والدفاع عن إله الإسلام ، والدفاع عن إله الإسلام ضد من .
النقطة الثانية ، القاعدة الجوهرية لدى زرادشت ، هي إن كل العالم قاطبة يشارك في تحديد هوية هذا الصراع ، فإذا كان إله الإسلام ينتصر للمسلم فقط ويمنحه سلطة ضرب أعناق من لايؤمن به ، فإن أهورامزدا لاينتصر لمجموعة معينة ضد مجموعة معينة ، ولا يحرض فرد على الآخر ، لإن كل العالم ، كل فرد ، كل شخص ، كل إنسان ، أينما وجد ، هو جزء بنيوي من هذا الصراع في حدود علاقته مع نفسه فقط . أي إن إله الإسلام ميز مابين المسلم وغير المسلم ، وقسم العالم إلى مجموعتين متصارعتين ضمن شرط منح المسلم سلطة الألوهية نفسها في تنفيذ أحكامه الشرعية ، في حين إن أهورامزدا لاسلطة له على أحد ولايمنح السلطة لأحد ، والعالم كله ، والكل يشارك ، من خلال أفعاله ، أقواله ، نيته ، إرادته . وإلى اللقاء في الحلقة السابعة والخمسين بعد المائة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الاتهامات المتبادلة والدعم الكامل.. خبايا العلاقة المعقد


.. الشيف عمر.. أشهر وأطيب الا?كلات والحلويات تركية شغل عمك أبو




.. هل ستنهي إسرائيل حربها في غزة.. وماذا تريد حماس؟


.. احتجاجات طلابية في أستراليا دعما للفلسطينيين




.. أصداء المظاهرات الطلابية المساندة لغزة في الإعلام • فرانس 24