الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد كتاب -حقيقة السبي البابلي- لفاضل الربيعي

باسم عبدالله
كاتب، صحفي ومترجم

(Basim Abdulla)

2023 / 12 / 14
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


اكد مؤلف الكتاب “ لم يحدث السبي البابلي قط في فلسطين، لم تعرف ارضها ولا تاريخها مثل هذا الحدث الضخم، وكل ما كتب عن هذا الحدث في المؤلفات التاريخية الاجنبية والعربية ... هو من تلفيق القراءة الاستشراقية للتوراة، يتكشف عن كونه تزييف وتلاعب متعمدين بالتاريخ الحقيقي لفلسطين، اذ لا يوجد اي دليل مهما كان بسيطاً” (1) زاعماً ان تصحيح تاريخ فلسطين يتمثل في اعادة بناء الرواية عن السبي من خلال قراءة علمية للنقوش الآشورية وفي اعادة بناء الرواية نفسها تلك التي تعود الى المصادر العربية القديمة، فالكاتب مع ذلك يتناقض في كلامه فهو لم ينكر الحدث، لكن وضع احداثه في اليمن والجزيرة العربية. تاريخياً امتدت الدولة الآىشورية القديمة في بلاد مابين النهرين عند وفاة شمسي ادد الاول سنة1721 قبل الميلاد. سميت ببلاد آشور وكانت لغتهم اللغة الأكدية مع لغات اخرى مشتركة كاللغة الآرامية وهي اللغة التي تكلم بها يسوع المسيح، واللغة السومرية. كانت مجموعاتها العرقية السامية وهي بحسب خرائط اليوم جزء من العراق، سوريا وايران، اكبر المملكات الناطقة باللغة السامية الشرقية واكبر امبراطورية في الشرق القديم، لقد كانت مهد الحضارات شملت سومر، الامبراطورية الأكدية وبابل، وقد حكمت ديانة مابين النهرين من شمال جبال القوقاز كما في ارمينيا واذبيجان، حتى الشرق في ايران، الى اقصى الجنوب في المملكة العربية السعودية واقصى الغرب من جزيرة قبرص حتى مصر وشرق ليبيا، على ان مدينة آشور تعود تاريخياً الى 2600 قبل الميلاد (2) وفي صورة غلاف الكاتب، الالواح الطينية لشخصيات بشرية تعود للقرن الثامن عشر قبل الميلاد في سوريا وليس في اليمن لكن الكاتب وبلا اي دليل تاريخي اعاد اصول تلك الألواح الى اليمن.
خضع الآشوريون في العام 2400 قبل الميلاد لسرجون الاكدي اذ قام بتوحيد جميع بلاد ما بين النهرين حتى انصهر تاريخ السومريين داخل الشعب الأكدي في امتزاج حضارتين معاً الآشورية والبابلية بكيان واحد فامتدت الى القرن 1800 قبل الميلاد. لقد عم الصراع بين آشور مع دولة مدينة بابل فتم دمج مدن السومر مثل مدينة اور، اريدو، اوما التي كانت تسمى سومر. في بابل. ثم تحولت مدينة آشور عاصمة الدولة الآشورية الى مركز تجاري فصارت طريق مفتوح الى الاناضول وقد اقيم فيها اول معابد كبيرة لاول معابد كبيرة لإله المدينة آشور. انتهى دور هذه الأمبراطورية عندما قام الملك حمورابي البابلي بدمج المدينة في امبراطوريته، اذ قام بتأسيس السلالة البابلية الاولى وجعل مردوخ يحل محل الإله انليل. يهمنا الربط التاريخي للأمبراطورية الآىشورية الحديثة بالسبي البابلي، اذ بدأ تاريخ هذه الأمبراطورية عام 934 قبل الميلاد وانتهى عام 609 قبل الميلاد فتفوقت على بابل بهيمنتها الشديدة على الشرق الادنى، القوقاز، شمال افريقيا. استعاد تغلث فلاصر الثالث ارمينيا واجتاح سوريا وبابل واخضع دمشق والسامرة لحكمه فلقد كان حازماً وادراياً عظيماً. تاريخياً جاء لحكم الدولة الأشورية 4 حكام، وبشكل مختصر كي يلم القارئ بفكرة موجزة للتاريخ القديم بخصوص السبي البابلي. سرجون الثاني في العام 721-705 ق.م كان قائدا عسكرياً هزم مدينة عيلام ومصر واسترد بابل فخضع له اليهود والفلسطينيون، ثم جاء من بعده سنحاريب 705–681 ق.م قضى ابنه على الفتن وهاجم اورشليم ومصر فلم يفلح لكنه كسب كثيرا من غنائمه في الحروب فقام بأسر 280 الف اسير حتى حاصر بابل واستولى عليها ثم قام بتدميرها وأمعن في القتل، حطم المعابد حتى ان الإله مردوخ صار خادما ذليلاً للإله آشور. لقد اكتشف البابليون انهم بالغوا في قوة مردوخ وهذا ما قاله اليهود لأنفسهم في ان الإله مردوخ لم يدفع عنهم السبي، ايمان عاشه الشعب اليهودي ان مردوخ قبل الهزيمة وارتضى بالذل ليعاقب شعبه لانهم تفرقوا عنه ولم يقوموا بالشعائر الدينية تجاهه. ثم جاء آسرحدون 681–669 ق.م منتزعاً العرش فغزا مصرَ وجعل آشور اجمل بلاد الشرق فاسترضى البابليين بتقديم الطعام الى اهلها الجياع، اخيرا جاء آشور بانيبال 669–627 ق.م، بوفاته فقدت آشور قوتها بحروبها العديدة فلقد كانت لحروبه المتعددة سبباً لأسر العديد من المدن، حروب طاحنة، حتى اضحت بلاد عيلام ارضاً خراب، ونقلت تلك المغانم الى آشور، جيئ برأس عيلام إلى آشور بانيبال وهو في وليمة مع زوجته في حديقة القصر حتى ان القائد العيلامي دنانو قد سُلخ جلده حياً. فلقد كانت هذه الوحشية جزءا من التقليد الوطني كي يستتب الأمن في البلاد. كان كذلك محباً للفن والاعمار وقد شجع على الآداب، فنسخ ما خلفه السومريون والبابليون من آداب. فوضعوا كل ذلك في مكتبته بنينوى الموصل حالياً.
سقطت آشور 627–605 ق.م بعد ان اعتلى نبوخذ نصر عرش بابل في ايلول عام 604 ق.م ، لقد نكث ملك يهوذا العهد ” يهوياكيم ” مع نبوخذنصر ففرضت جيوش بابل حصارا على اورشليم العاصمة حتى استسلمت عام 597 قبل الميلاد، وتم اسر 3000 يهودي جاء بهم اسرى الى بابل. بحسب التاريخ القديم كانت يهوذا تقع في جنوب بلاد الشام، خلال فترة العصر الحديدي، حيث تقع القدس شمالاً. فأذا نظرنا الى خارطة مملكة يهوذا حاليا سنجدها تقع في الجنوب من مملكة اسرائيل وان اورشليم جزء ضمن ارض يهودية شمالاً وهذا ما يبطل مزاعم فاضل الربيعي في امكانية وجود تلك القومية في اليمن، ذلك ان مملكة يهوذا كانت تحيطها العديد من المملكات كمملكة عمون، مملكة مواب، مملكة ادوم، وفي مملكة اسرائيل كانت تحيطها مملكة آرام دمشق المتاخمة للامبراطورية الآشورية، فلا علاقة لها باليمن، ولم تكن للتاريخ القديم قطعا خرائط غير الخرائط التي توجد في ايدينا عن العالم القديم خلال الغزو البابلي لأرض يهوذا. عين نبوخذنصر على يهوذا حاكما اسمه صدقيا الذي نكث العهد فعاد البابليون الى حصار اورشليم مرة اخرى فاستسلمت عام 586 قبل الميلاد، فتم تدمير المعبد او بما يسمى الهيكل وسيق معها صدقيا اسيرا مع 40 الف من اليهود الى بابل. لقد انعكس دمار الهيكل ومأساة اليهود من خلال حالة الإحباط في الأمة اليهودية وفقدانها أحساس الانتماء الى الإله مردوخ، ان وضعوا اللوم على انفسهم واتهموا بعضهم بعدم احترام الشريعة، فبرع الكثير من كهنتهم في وصف اليأس بحلم جديد سيأتي ليخلصهم من حياة التشرد والإنكسار وان ملكاً عظيماً سيمسح عنهم اخطائهم ويعيد لهم مجدهم وهذا امر كشفته كذلك مخطوطات البحر الميت او بما تعرف لفائف قمران. لقد مهدت كتابات الآباء الاوائل للعقيدة المسيحية امثال عوديا وقد اعلن نفسه نبياً في بابل، زكريا، ملاخي، كذلك مهدت كتابات اشعياء وبقية الاسفار المنحولة، مجئ المسيح كي يزيل عنهم احباط الامة في اعادة مجدها الذي فقدته، فلو لم يكن السبي البابلي حقيقة تاريخية لما كان هناك مبررأ لمجئ المسيح في بيت لحم والناصرة وهي مدن فلسطينية، تلك الولادة التي اتت بالمسيح لتعيد لليهود شيئا من تاريخهم رغم ان هذا المسيح ظهر لهم فيما بعد لم يستوف التعاليم التي كتبها رواد الأسفار المنحولة، فانقلبوا عليه ومازالوا ينتظروا في المسيح مجدهم الموعود. ان صلب المسيح اصلا كان بسبب عدم توافق تلك الكتابات مع طبيعة المسيح التي خالفت احلامهم، فلولا انكسارهم لم يكن لمجئ المسيح معنى ولم يكن لصلبه معنى ولم يكن في انتظار مسيح جديد له معنى ان لم يكن سبياً ومبررا لمأساتهم في ارض يهوذا.
ان عدم ورود ذكر حياة اليهود في بابل في كلا الاسرين رغم ان ذلك السبي كان السبب في صياغة تلك الديانة انعكس مع ذلك على ادبيات الآباء الأوائل الذين اسسوا تلك العقيدة الروحانية فنجدها في المصادر البابلية بعد ست سنوات من السبي الأول كانت على شكل قوائم خصصها قصر الملك البابلي ضمت امراء يهود واسم يهوياكين. لقد وثق التوراة في سفر الملوك الثاني أصحاح 24 ” ... لأَنَّ مَلِكَ بَابِلَ أَخَذَ مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى نَهْرِ الْفُرَاتِ كُلَّ مَا كَانَ لِمَلِكِ مِصْرَ. كَانَ يَهُويَاكِينُ ابْنَ ثَمَانِي عَشَرَةَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ فِي أُورُشَلِيمَ، وَاسْمُ أُمِّهِ نَحُوشْتَا بِنْتُ أَلِنَاثَانَ مِنْ أُورُشَلِيمَ. وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَ أَبُوهُ. فِي ذلِكَ الزَّمَانِ صَعِدَ عَبِيدُ نَبُوخَذْنَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، فَدَخَلَتِ الْمَدِينَةُ تَحْتَ الْحِصَارِ” بقي الغموض يسود حياة اليهود في بابل حتى تسعينيات القرن الماضي عندما وجدت نماذج عن الرقم الطينية المستخرجة بشكل عشوائي طريقها خارج العراق لتقدم لنا دليلاً واقعياً على حياة اليهود اثناء السبي، فما علاقة تلك الرقم بتاريخ اليمن؟ لا علاقة لها. ان الدليل التاريخي لرحلة موسى الى ارض كنعان يوفر حدثاً تاريخياً لواقعية السبي البابلي، فالرحلة مرتبطة بجذور الامة اليهودية التي استوطنت تلك المنطقة، صحيح ان هناك اقواماً كثيرة لكن الامة اليهودية كانت مرتبطة بالتاريخ العبري لرحلة موسى القاسية التي عاشها اليهود في محنتهم.
السبي البابلي ظل مجالاً للتكهنات التاريخية من قبل الباحثين ولعلماء الاركيولوجيا، فشتات الشعب اليهودي قد اقره التاريخ حقيقة، لكن اختلف فيه العديد من المؤرخين بحسب ميولهم العاطفية والقومية واختلاف تصوراتهم في الأصل الجغرافي كما وقع فيه الربيعي بحسب الاستنتاج الشخصي والربط غبر الواقعي بين القصة التوراتية للشتات بعد انقسام المملكة الموحدة الى مملكتين، والواقع الجغرافي للباحث غير المتخصص.
تساعدنا القرينة في فهم التاريخ اللاهوتي والسرد التوراتي لحوادث السبي البابلي لذا فأي تعارض في فهم الحقيقة التاريخية والتوراتية، ستشير حتماً الى جهل الباحث، ليس فقط فيما يخص رحلة موسى، بل وفي شتات اليهود خلال السبي البابلي، وهذا ما وقع فيه الربيعي، حيث اختلق نماذج لمدن ومواقع لا وجود تاريخي لها وقد اعتمد على مراجع طعن فيها حتى المحققون، وفي السياق نفسه يرى الربيعي ” ان اليهودية ظهرت في اليمن مجرد لهجة يمنية منقرضة واحتكر الخيال الاستشراقي رواية السبي البابلي قام بتسويق الرواية التوراتية عن السبي باعتباره حدث يخص اليهود الغربيين وحدهم. بما انهم ينتسبون الى هذا الدين ” (3) ويضيف ” ... ان الغرض من الاحتكار للسرد التاريخي ونسبته لتاريخ اليهود كان باستمرار جزءا من اسراتيجيات احتكار صورة الضحية الفريدة والاستثنائية .. هي الطريقة في احتكار رواية الاضطهاد الهتلري لشعوب اوربا خلال الحرب العالمية الثانية ” (4) اذا تم اقرار الهولوكوست ” الابادة الجماعية ” للعرق اليهودي في الحرب العالمية الثانية، فما الذي يمنع وقوعها في مرحلة اخرى من مراحل التاريخ؟ فلا وجود لمسوّغ تاريخي ولا منطقي لعدم وقوع ابادة جماعية لقومية تكررت فيها مأساتها. استشهد الربيعي بمصادر حملة نبوخذنصر على اليمن وشمال الجزيرة العربية من الاخباريين العرب امثال الطبري في سير الملوك، والمسعودي في مروج الذهب والنويري في نهاية الارب. على ان هذا الكاتب استعان بمصادر اسلامية لم تكن وقت الحدث، فاذا كان كتاب صحيح البخاري 200 عام بعد وفاة محمد قد وضع آلاف الأحاديث الملفقة عن الإسلام ونبي الإسلام فكيف سيكون حال مصدر جاء بعد احداث السبي بألف عام كيف يكون مصدرا موثوقاً موثقاً؟ واذا اضفنا الى ذلك كان الطبري فارسياً كيف اجاد تاريخ اليمن وعرف لغاتهم اذا كان بحسب رواية الربيعي ان اليمن بلد اختلطت فيه اللغات ولم نعرف عن الطبري براعته في لغات تلك المناطق.
بحسب الربيعي ” ان السجلات الآشورية والبابلية والمصرية يمكن ان يؤسس لمنظور جديد للتاريخ في المنطقة ولنلاحظ ان كلا من ابن حبيب والطبري يسجلان الاخبار المتعلقة بالحدث دون حرج بوصفه وقع في اليمن ” (5) في المنظور التاريخي والجغرافي قدمت لنا التوراة مادة ضخمة بما يسمى بالسبي البابلي، ماذا قدم لنا الطبري من نماذج تخص اليمن وعلاقتها بهذا الحدث التاريخي الكبير؟ واذا كان حقاً قد استدل الربيعي بهذه الحقيقة الساطعة، اين هي؟ لماذا لم يعرض القرائن التاريخية للملأ كي يسقط الارث التوراتي المستديم لليهود على مر العصور؟
يتخبط الربيعي في رؤاه العشوائية بزج الطبري في محاكاة ظنية لا موروث تاريخي لها ” ... كيف لمؤرخ رصين مثل الطبري ان يسمي اورشليم التي دمرها نبوخذنصر، باسم المسجد الاقصى لو لم يكن يقصد به اورشليم هذا الدمج للعصور والامكنة ادى فيما ادى الى خلط في الجغرافيا ” (6) لم نجد لهذه المقولة استدلالاً منطقياً، فماهي علاقة المسجد الأقصى بأورشليم؟ ان المؤرخين المسلمين ذكروا سابقاً ان المسجد الأقصى هو نفسه الهيكل التاريخي، هيكل سليمان، وان المساجد التي بناها عمر بن الخطاب كانت في موضع الهيكل، لكن الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ادى الى إنكار وجود الهيكل، وقد فعل الطبري في ”تاريخ الرسل والملوك” بوصف هيكل سليمان حقيقة تاريخية.
تقر النصوص التوراتية بشكل لا يقبل الشك، الاستقلال الجغرافي البعيد عن ارض اليمن، واذا حفل التاريخ بيهود يمنيين عاشوا في اليمن، نجدهم في كل مكان، فهل وجود اليهود في العراق، يعني ان السبي البابلي وقع في العراق؟ فهناك العديد من الأماكن لها تسميات متشابهة في اماكن اخرى، فهل يدل ان الأسم المتكرر في مدينة أخرى يأخذ تاريخ اسم تلك المدينة؟ كلا. يذكر الربيعي ” ... يؤكد لنا هذا التطابق بين النقوش الآشورية ونصوص التوراة ووصف الهمداني لليمن، ان المعارك كانت تدور في صعدة ... وفي اخبار اليمن القديمة انه لما قحط القطر في زمان يوسف والحت الجراد وساءت احوال اليمن والحجاز لانها ارض مغلقة ... كل هذه الاشارات تؤكد ان بتع كان من ملوك همدان بالفعل وكما وصفته النقوش الآشورية ” (7) هل اكدت لنا النقوش الآشورية تطابقها التاريخي مع النصوص التوراتية وبالتالي ربط الهمذاني هذا التطابق؟ كلا. فهذا الاستنتاج افتراضي للربيعي لم ينسجم مع الواقع التاريخي للنصوص التوراتية. هل ينسجم حقاً الواقع الاركيولوجي لعلماء الآثار في تعاملهم مع الجغرافية والتاريخ ان يتلاعبوا بقيمهم العلمية حقاً كما يدعي الربيعي؟ فلقد ذكر : ” ... يبدو ان حملة آشور بانيبال قد تعرضت هي الاخرى للتلاعب الفضيع من جانب علماء الآثار ... ان اول تدبير قام به الامبراطور الآشوري هو قطع طريق الامدادات عبر الصحراء ... وقعت المعارك بالقرب من ازرع، كاسه، ادوما في يبردو ـjabrudu ، وفي بيت عماني Bit Ammani وفي منطقة خورينة Khaurina واجه علماء الآثار مصاعب حقيقية وهم يحاولون التحقيق من هذه الاسماء... مع ذلك وجد هؤلاء في قصص التوراة ما يساعدهم على انجاز مطابقة خيالية بين النقوش من جهة وقصص التوراة وفلسطين من جهة اخرى وكانت هذه من الوسائل في تكريس خرافة وقوع السبي البابلي في فلسطين ” (8) ”ازرع” مدينة سورية تابعة لمحافظة درعا، تقع جنوب العاصمة دمشق، كذلك ”يبردو” تقع في سوريا شمال دمشق، هذه مدن تخص طريق الأمتداد الى فلسطين ولا علاقة لها باليمن.
اراد الربيعي في الفصل الثالث من كتابه تفكيك النص التوراتي باعتباره خرافة تاريخية لا غير مستعينا بنص قصائد اشعياء النبي في وصف حملة اسرحدون محاولا زج الجغرافية اليمنية في ان الآشوريون هاجموا الساحل اليمني رافضاً اتجاه الحملة صوب فلسطين حيث جرى اخضاع مملكة اليهودية ومحاصرة اورشليم، كان يجب على الربيعي عند تفكيكه للنص التوراتي ان لا يأت بقصائد تفسيرها لا علاقة لها باليمن وبمدنها ولا علاقة لها بحملة الآشوريين ففي الاصحاح 10 للفقرات (1-4) : ”وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَقْضُونَ أَقْضِيَةَ الْبُطْلِ، وَلِلْكَتَبَةِ الَّذِينَ يُسَجِّلُونَ جَوْرًا لِيَصُدُّوا الضُّعَفَاءَ عَنِ الْحُكْمِ، وَيَسْلُبُوا حَقَّ بَائِسِي شَعْبِي، لِتَكُونَ الأَرَامِلُ غَنِيمَتَهُمْ وَيَنْهَبُوا الأَيْتَامَ ” ... تخص انذار الله السابق على مملكتي اسرائيل ويهوذا فقول الله ” بائسي شعبي ” فهو ينسب لنفسه البائسين فالله لن يحمي الاشرار حين يأتي يوم الشر عليهم لانهم ظلموا شعبه، يسألهم الله اين تتركون مجدكم؟ اي مالكم الذي اخذتموه بالظلم وانتم اما اسرى او اموات، فما علاقة هذه المناجات الروحانية لرجل بار كأشعياء لشعبه وما علاقة مناجاته باليمن وبتاريخها؟ بحسب تفسيرها اشعياء اصحاح 11 تفيدنا الفقرات (1-5) " وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى، وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ، وَيَحُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ. وَلَذَّتُهُ تَكُونُ فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ، فَلاَ يَقْضِي بِحَسَبِ نَظَرِ عَيْنَيْهِ ... ” انتقل اشعياء الى خراب آشور فهذا الخراب لعمل إلهي من اجل انقاذ شعب اليهود بمخلص فادي قادم يأتي من شجرة داود وهو النسب الذي جمع المسيح بالنبي داود، فما علاقة مناجاة النبي اشعياء باليمن وتاريخها؟ ومن اجل اتمام خطأ مصادر الربيعي التي شطح فيها خياله القاصر للتفاسير وشدة ضعفه في الاسانيد التي ساقها اضاف لنا الاصحاح 27 ” نكتفي بذكر الفقرة الاولى وعلى القارئ مراجعة جميع الفقرات: ” "فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يُعَاقِبُ الرَّبُّ بِسَيْفِهِ الْقَاسِي الْعَظِيمِ الشَّدِيدِ لَوِيَاثَانَ، الْحَيَّةَ الْهَارِبَةَ. لَوِيَاثَانَ الْحَيَّةَ الْمُتَحَوِّيَةَ، وَيَقْتُلُ التِّنِّينَ الَّذِي فِي الْبَحْرِ." الرب هو الملك يستخدم سيفه في عقوبة لوثيان في حربه مع الشيطان هي كلمة تشير الى وحش كبير والى الممالك التي ظلمت شعب الله المختار، لوثيان احد القاب الشيطان. فما علاقة هذه النصوص التوراتية عند اشعياء في التلاعب غير الأخلاقي في ترتيب الوقائع التاريخية، اين التلفيق في النص التوراتي وما علاقته بتاريخ اليمن وما علاقته بحملة اسرحدون؟
كان السبي البابلي او المنفى البابلي ( 597-538 ق.م ) نقطة فاصلة تاريخية في تاريخ العهد القديم، حيث تم تسميته لاحقاً بعصور ما قبل السبي وما بعد السبي. كان المجتمع اليهودي في بابل، أكثر تديناً من أي وقت مضى، متبعاً الشريعة الموسوية، كان دورهم متركزاً في فهم الأحداث التاريخية مثل تلك التي علمها أنبياء ما قبل السبي ثم جاء دور آباء بعد السبي استدلت كتاباتهم على ان أعمال السبي تأديبية لإله عالمي يعمل في التاريخ دفع نبوخذنصر وغزاة آخرين الى اختبار مأساتهم، بعث هذا احساس لقيامة الأمة اليهودية والإيمان. لو تأملنا نص الربيعي ” ... وفي الواقع كان هوشع بن ايله يحرض القبائل المُضَرية على الامتناع عن تقديم الجزية وبكل تأكيد لم يكن مؤهلا ولا قادرا على تحريض المصريين ، ملوك مصر البلد العربي، على هذا النحو بدأت حملة شلمانصّر الجديدة على السراة اليمنية وانتهت بأسر سوء ملك المضريين واخذه مصفدا بالسلاسل الى بابل ” (9) هوشع اسم عبري آخر ملوك اسرائيل بحسب سفر الملوك الثاني 17، تفيدنا الفقرات(9-1): على عدة حقائق تناقض ما ذهب اليه الربيعي، فالقصة التوراتية، تذكر تفصيلياً الموقع الجغرافي للحدث، في السامرة، وكان هوشع شريرا، ولهذا تسلط عليه شلمنأنسر ملك آشور حتى استعبده، بل وجد فيه خيانة عندما تواطأ مع سوا ملك مصر، فقبض عليه وادخله السجن فحاصر السامرة ثلاث سنين ثم احلتها، بهذا الوصف الدقيق ااشار سفر الملوك الثاني الى جغرافية الحدث، مفصلأ احداث النزاع بين هوشع وشلمنأسر، فلو قارنا كلام الربيعي نراه قام بتحوير النص التوراتي الى تحريض هوشع للقبائل المُضرية انها تمتنع عن دفع الجزية. لقد برر النص التوراني سلوكيات هوشع وعدم امانته خلال حكمه للسامرة، بينما استنبط الربيعي من خياله القاصر تحريضه للقبائل المُضرية، ذلك ان هذه القبائل يمنية، فما علاقة تلك القبائل بجغرافية السامرة، بملك يهودي؟ اننا امام باحث يعبث بالمصادر الجغرافية ويلغي جغرافية المدن بلا دليل ولا استدلال في بحثه ويطلب منا ان نصدق بلا دليل على مزاعمه.
مرة اخرى يقع الربيعي في اشكالية الخيال التصوري للأحداث وربطها بواقع جغرافي لا يخص إلا عقله، فلقد استدل بمرثية اشعياء ” ... هل لفق اشعياء اسماء الأماكن وهل اخطأ المحرر في تسجيل الأسماء ... اليكم وصف الهمذاني وضبطه للمواقع الواردة في هذه القصيدة على سبيل المثال، تحديد دقيق لوادي )حبل( الذي لا وجود له قط في اي مكان آخر سوى اليمن ” (10) ماهو الخطأ الجغرافي الذي يظهر سريعاً في هذا النص؟ ان وادي حبل او وادي عبل كما ذكره صاحب كتاب صفة جزيرة العرب، (11) ابو الحسن احمد بن محمد الهمذاني، المصدر المحوري الذي اعتمد عليه الربيعي في بحثه، يقع في بداية سراة الحجر، واضح على الطريق ما بين ابها والطائف فهذا الوادي في المملكة العربية السعودية، يبعد 1000 كيلومترأ عن اليمن.
في الفصل الخامس من كتاب الربيعي ذكر فيه حروب نبوخذنصر في سراة اليهودية مشيرا الى معركة كبرى وقعت ضد القبائل المتمردة والتي القي فيها القبض على الملك اليهودي صدقيا ثم تسليمه للآشورييين، وملاحقة فلوله في وادي العرب وتدمير اورشليم، وقد تشكك في النص التوراتي محاولاً ابطال واقعية المعركة بارتكاب المترجمين اخطاء فادحة حيث اسائت حتى لتاريخ فلسطين. اذ لم يتطرق الربيعي الى نص الترجمة السبعينية لسفر الملوك الثاني 25 على سبيل المثال، وهي الترجمة الأقدم التي يُعتمد عليها في استدلال النص، لقد قارن نصاً عبرياً في كتابه ولم يبين مصدره، فهذا تدليس وفقدان نزاهة للبحث العلمي. فلا يعني ذكره لمفردات عبرية ان الباحث صادق في استدلالاته، مستغلا جهل القراء بقراءة النص العبري. حتى ان الترجمة السبعينية لم تشر لمعركة قبائل متمردة بل إلى حصار للملك صدقيا، فهذه الترجمة السبعينية العربية للنص العبري : ” وفي السنة التاسعة لملكه في الشهر العاشر في عاشر الشهر جاء نبوخذناصر ملك بابل هو وكل جيشه على اورشليم ونزل عليها و بنوا عليها ابراجا حولها. ودخلت المدينة تحت الحصار الى السنة الحادية عشرة للملك صدقيا. في تاسع الشهر اشتد الجوع في المدينة ولم يكن خبز لشعب الارض. فثغرت المدينة وهرب جميع رجال القتال ليلا من طريق الباب بين السورين اللذين نحو جنة الملك وكان الكلدانيون حول المدينة مستديرين فذهبوا في طريق البرية. فتبعت جيوش الكلدانيين الملك فادركوه في برية اريحا وتفرقت جميع جيوشه عنه. فاخذوا الملك واصعدوه الى ملك بابل الى ربلة وكلموه بالقضاء عليه وقتلوا بني صدقيا امام عينيه وقلعوا عيني صدقيا وقيدوه بسلسلتين من نحاس وجاءوا به الى بابل.” اذا كان الربيعي لا يؤمن بالترجمة السبعينية للنص العبري من اين تسنى له الأجتهاد باخطاء الترجمة الفادحة للنص؟ فهذا اظنه تجاوز على اخلاقيات البحث، عندما نقفز فوق النصوص ونلوي اعناقها كي تنسجم بما نريد ذكره. اشار بيشوي فخري الى الترجمة السبعينية للعهد القديم ” ألم يكن الرسل الذين صادَقوا على هذه الترجمة (السبعينية) أقدم من كلِّ هؤلاء الهراطقة؟ لقد توافقت السبعينية مع تقليد الرسل، من بطرس إلى يوحنا ومتى وبولس والآخرين وكذلك تلاميذهم أيضًا. كلّ هؤلاء اقتبسوا النبوءات، واستشهدوا بها كما جاءت في هذه الترجمة السبعينية تمامًا ... ” (12)
تساعدنا القرينة الوصول لحقيقة مؤلف كتاب ”صفة جزيرة العرب ” في ترجمة حياة الحسن بن احمد الهمذاني ان الرجل لشدة تعصبه قد تحيد به في بعض الاحيان عن جادة الصواب، وكتاب شرح الدامغة اوضح دليل على ذلك ... واعتقاده بتأثير النجوم في تكون المعادن... تصرفه في الشعر وايراده بروايات مختلفة ففي شرح الدامغة اورد ابياتا لعلقمة تختلف عن ايراده لها في الإكليل... واسوء انواع التصرف تغيير اسماء المواضع فقد اورد في صفة الجزيرة لذي الاصبع ” جلبنا الخيل من بقران ، واورده في ” الاكليل ” غدا بالخيل من جلدان... وقد ينقد بعض الاخبار التاريخية بطريقة المقارنة في الإنساب ... وقد تطغى عليه العاطفة، فيثبت امرا كان قد نفاه عقلا ... والهمداني فيما عدا بلاد اليمن، لا يتجاوز علمه حد ما ينقله او يستنتجه ولهذا وقع في كلامه عن بلاد نجد وعن منازل القبائل في جهات الجزيرة اخطاء كثيرة .. ويحاول ان يخطأ غيره فيقع في الخطأ ... وفي كتب الهمذاني ما يدل على جهله بمواضع طريق العراق ... وكان مشهورا في الأنساب مع معرفته بها ... الهمذاني الجغرافي ... يكتب ما يكتب عن رؤية ومعرفة واما الاجزاء البعيدة عن اليمن فعن نقل ولهذا وقع فيما وقع فيه غيره ... الهذاني اللغوي ومن الالفاظ التي نقرأها في كتبه ما لا نجد له اصولا فيما بين ايدينا من كتب اللغة ولا نستطيع الجزم بصحته اذ كثير من نصوص الهمذاني دخلها الترحيف ولم تصل الينا ” (13) استند الربيعي في اغلب فصول كتابه وصفحاته معتمداً على كتاب ” صفة جزيرة العرب ” للهمذاني وهو المصدر الأساس في بحثه فيما يخص السبي البابلي مُقراً ان السبي البابلي تاريخ يمني، فلقد قام محمد بن علي بمهمة التحقيق، مُلخصاً حياة ومهنية الهمذاني ان الرجل لم يتصف بالامانة العلمية لتصرفه بروايات مختلفة حتى يرى الامر بما يراه عقله، فلا علم له بالقبائل وانسابها وله تجاوزات لغوية ليس لها اصول، فهذا الامر يطعن في موثوقية مرجعه كمستند تاريخي، ويزيل عن الربيعي بحثه العلمي لانه لم يراجع التحقيقات التي وردت في متن كتاب ” صفة جزيرة العرب ” قبل الولوج في متاهات لا قيمة تاريخية لها لرجل يجهل جغرافية المواقع، فمن استند على استدلالات بحثية ظنية الدلالة اذا كان من قدم سيرته الذاتية قد طعن حتى بجغرافية مفرداته، فكيف سيكون بحث الربيعي في كتابه؟ سيكون بلا شك فاقداً للقيمة العلمية وللبحث الرصين.
اشار الربيعي: ” ... وهذه المراسلات التي جرت قبل واثناء الاجتياح تكشف عن الاهداف الحقيقية للحملات الآشورية ... عن الأماكن الحقيقية التي جرت فيها سائر الاجتياحات الحربية الآشورية والبابلية بما لا يترك ادنى مجال للشك بأنها لم تجر قط في فلسطين .. كان حزقيا اصلاحيا واصل سياسة سلفه يوشيا التي مهدت السبيل امام تثبيت اسس اليهودية في اليمن ” (14) مرة اخرى تأتي القرينة لتحل محل تصورات الربيعي غير الدقيقة لجغرافية حدث الصراع الآشوري اليهودي فلقد نفى وجودها في ارض فلسطين مقراً في الوقت ذاته بالوجود التاريخي لحزقيا ملك يهوذا التي تقع جنوب الشام فما علاقة حزقيا باليمن التي تفصله عنها مسافة تزيد عن 2000 كيلومتر. تاريخياً زحف سنحاريب نحو اورشليم واقام ابنه ملكاً على بابل وقد اضطربت العلاقة بين ملك يهوذا وسنحاريب ففرض سنحاريب حصاراً على اورشليم ثم قُتل سنحاريب بالسيف كما اقر ذلك سفر الملوك الثاني 19 الفقرة 37 . فهذه الاحداث تقرها القصة التوراتية بشكل دقيق باستدلال الموقع الجغرافي لمملكة يهوذا، فلم تكن هناك صلة جغرافية ولا تاريخية ربطت اليمن بحروب سنحاريب لملك يهوذا. أي نوع من المعرفة هذه التي نريدها تلك التي تتبع التصورات والاستنتاجات الفكرية في احتمالاتها الظنية كما فعل الربيعي ام تلك التي تتخذ من الجغرافية والمراجع التاريخية والتوراتية طريقاً للأستدلال؟ تتوسع خيالات الربيعي الظنية في استنباط تاريخ يمني لمدن اما وهمية الوجود او حرّف مخارج حروفها كي تنسجم مع اساليب بحثه المفتقد لأبسط قواعد وقيم البحث الرصين، اذ كما اشار: ” ... كان النبي حزقيال يكتب مرثيته عن سقوط صور اليمن ... فقد جرى وضع المرثية ضمن التاريخ الفلسطيني بدلا من اليمني مع ان صور اللبنانية المزعومة لم تعرف مثل هذا الحصار المدمر وليس ثمة دليل تاريخي يؤكد وقوع صور في يد المصريين او الآشوريين ... انني انفي نفياً قاطعاً ان يكون السبي البابلي وقع في فلسطين ” (15)
تساعدنا القرينة الجغرافية الوصول الى الحقيقة كذلك، هل هناك حقاً صور اليمنية؟ كلا. هناك صور اللبنانية فلا وجود لصور اخرى، حيث جلب ازدهارها في عصر نبوخذنصر ملك بابل /605)604 -662 قبل الميلاد ( فقد حاصر المدينة 13 عاماً دون اختراق دفاعاتها الحصينة. لم ار مبررا لذكر المدينة في كتابه ومحاولة دمجها ضمن التاريخ اليمني غير محاولة زج اليمن والحاق مدناً وهمية بها لدخول التاريخ وجعل السبي البابلي يمني الأصل ولا علاقة له بتاريخ فلسطين، فهذا افتراء وتزوير للتاريخ، ليس فقط تعمد تشوية الحقائق التوراتية وتاريخ موسى واسفاره بل قلب التاريخ كلياً في منطقة الشرق كي يكون متميزا في اوهامه ليشار له بالتجديد والريادة. ان الباحث الذي يسعى لمعرفة الحقيقة عليه ان لا يفتش عن كلمة محاطة بعبارات او مخارج حروف متشابهة في مناطق اخرى بعيدة، محاولاً ربطها بأية طريقة كي تنسجم مع قناعاته الذاتية كي يثبت تفرده البحثي، بل عليه ان يفهم ما تعنيه تلك الكلمه في تاريخها الجغرافي، فنحن نعلم ان الشمس والنجوم يحملان نفس الجوهر لكنهما مختلفان.
إن الإرث التاريخي ليهود اليمن ليس من خلال الكتب المليئة بالتاريخ الإفتراضي. فلو كان يهود اليمن كما ادعى الربيعي لهم وجود تاريخي قبل السبي البابلي او انهم نزحوا الى اليمن خلال السبي البابلي
لكانوا قد اسسوا دولة يهودية، ولكانوا قد امتلكوا الأرض ولم يكن صراعهم الحالي مع عرب فلسطين قد وقع، فلا توجد مصادر رصينة تعود بنا لتاريخ يهود اليمن كي نؤسس من خلالها تاريخهم هناك. ولو كان اليهود قد اسسوا حقاً كياناً قديماً لوجودهم في اليمن لكانت لغتهم الأصلية اللغة العبرية، ويقرأون القرآن باللغة العربية كما فعل الأتراك وغيرهم في الدول الإسلامية، اليهودي يتكلم لغته ولغة الدين، هكذا المسلم يتكلم لغته ولغة الدين. هذا الأمر افتقده يهود اليمن لأن ليس لهم تاريخ عميق الجذور، فاللغة العبرية في اليمن ظاهرة حديثة. لا شي يستدعي في اليمن تبديل الدين، مادامت البنية الدينية هناك واحدة، يجري التركيز في كتب الربيعي ان يهود اليمن عنده مشروع سياسي تم تغليفه في بنية جغرافية تاريخية، بهدف اختراق انظمة اجتماعية، فتعداد يهود اليمن قليل قياساً لقدم ديانتهم فهذا ليس تعداد 3500 سنة، ولا تاريخ يؤسس لعرق استوطن الأرض.

المصادر :

1- حقيقة السبي البابلي، فاضل الربيعي ، ص 7 ، طبعة ثانية، الحمرا، شارع الكويت. لبنان. 2011 .
2- كيرك غرايسون (1972). كتاب النقوش الملكية الآشورية: المجلد الأول. فيسبادن: أوتو هاراسويتز. صفحة 108. 716.
3 – حقيقة السبي البابلي، ص 8 .
4 – حقيقة السبي البابلي، ص 11 .
5 – حقيقة السبي البابلي، ص 20 .
6 – حقيقة السبي البابلي، ص 25 .
7 – حقيقة السبي البابلي، ص 80 – 79 .
8 – حقيقة السبي البابلي، 107 – 610 .
9 – حقيقة السبي البابلي، ص 136 .
10 – حقيقة السبي البابلي، ص 118 .
11 - https://ar.wikipedia.org/wiki/وادي_عبل_بللحمر
12- الترجمة السبعينية للعهد القديم، الاستاذ بيشوي فخري، دقة الترجمة السبعينية، مشروع الكنور القبطية.
13 – صفة جزيرة العرب، الهمذاني، ص 12 – 21 .
14 – حقيقة السبي البابلي، ص 163 .
15 – حقيقة السبي البابلي، ص 209 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا