الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اَلْأَحْلَام وَ قِوَّاهَا اَلْخَارِقَةَ - اَلْجُزْءَ اَلْعَاشِر -

اتريس سعيد

2023 / 12 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


29 _ اَلْأَحْلَامُ وَالِإكْتِشَافَاتِ اَلْعِلْمِيَّةِ ؟
عَلَى مَرِّ اَلْعُصُورِ ظَلَّتْ اَلِإكْتِشَافَاتُ اَلْعِلْمِيَّةُ لُغْزًا مُحَيِّرًا لِلْعَدِيدِ مِنْ اَلْبَاحِثِينَ وَالْمُهْتَمِّينَ بِدِرَاسَةِ اَلظَّوَاهِرِ اَلْعِلْمِيَّةِ وَالْحَقَائِقِ اَلْإِنْسَانِيَّةِ، فَقَدْ حَاوَلُوا قَدْرُ اَلْإِمْكَانِ تَفْسِيرَ هَذِهِ اَلظَّاهِرَةِ وَ تَحْلِيلِ اَلْكَيْفِيَّةِ اَلَّتِي تَحَدَّثَ بِهَا وَالْإِلْمَامِ بِجَوَانِبِهَا اَلْخَفِيَّةِ.
نَعْلَمُ أَنَّ الِإكْتِشَافَاتُ اَلْعِلْمِيَّةُ تَعُودُ فِي اَلْأَسَاسِ إِلَى اَلْحَاجَةِ اَلْمَاسَّةِ لِلْإِيجَادِ حُلُول مُنَاسِبَةٍ لِلْمُعْضِلَاتِ اَلَّتِي قَدْ تُوَاجِهُ حَيَاةَ اَلْبَشَرِ وَ اَلَّتِي تَبْدَأُ بِالْمُلَاحَظَةِ وَالتَّأَمُّلِ وَإسْتِخْدَامِ اَلْقِيَاسِ اَلْعَقْلِيِّ ثُمَّ اَلِإخْتِبَارِ اَلتَّجْرِيبِيِّ، لَكِنْ بَيْنَ اَلْعَقْلِ وَالتَّجْرِبَةِ يَكْمُنُ اَلْحَدْسُ وَبَيْنَ اَلشَّكِّ وَالْيَقِينِ يَحْدُثُ اَلتَّنَبُّؤُ، وَبَيْنَ اَلْيَقَظَةِ وَ الْحُلْمِ تَأْتِي اَلرُّؤَى اَلْكَاشِفَةُ ؟ كَمَا أَنَّ هُنَاكَ اَلْعَدِيدُ مِنْ اَلْحَالَاتِ اَلذِّهْنِيَّةِ اَلرُّوحِيَّةِ اَلْأُخْرَى تَظْهَرُ عَلَى اَلْمُكْتَشِفِينَ وَالْمُخْتَرِعِينَ كُلَّمَا كَانُوا قَرِيبِينَ مِنْ تَحْقِيقِ أَيِّ إِنْجَازٍ عَظِيمٍ. بِحَيْثُ لَا نَجِدُ أَيُّ إكْتِشَافٍ عِلْمِيٍّ إِلَّا وَ قَدْ حَدَثَ بِطَرِيقَةٍ تَجَاوُزِيَّةٍ تَتَسَاوَقُ مَعَ اَلْقِيَاسِ اَلْعَقْلِيِّ اَلْعَقِيمِ وَ التَّجَارِبِ اَلْمَخْبَرِيَّةِ اَلْمُضْنِيَةِ.
إِنَّ اَلِإكْتِشَافَاتِ اَلْعِلْمِيَّةَ اَلْعَظِيمَةَ تَأْتِي صُدْفَةِ عَلَى شَكْلِ رُؤًى غَيْبِيَّةٍ أَوْ هِبَةٍ رُوحِيَّةٍ خَارِقَةٍ أَوْ إِيحَاءِ بَاطِنِيٍّ يَخْتَرِقُ وِجْدَانَ اَلْعُلَمَاءِ وَيُمْكِنهُمْ مِنْ إِدْرَاكِ بَعْضِ اَلْحَقَائِقِ اَلْعِلْمِيَّةِ اَلْمُسْتَعْصِيَةً بِكُلِّ سُهُولَةِ وَيُسْرِ وَفْقَ مَا تَقْتَضِيهُ اَلْحَاجَةُ.
أَمَّا عَنْ صَنَّفَ اَلْعُلَمَاءُ اَلَّذِي أَقْصِدُهُ هُنَا، فَهُوَ صِنْفُ يَتَعَلَّقُ بِذَوِيَ اَلْمَوَاهِبَ اَلرُّوحِيَّةَ اَلْخَارِقَةَ وَاَلَّذِينَ هُمْ عَلَى قَدْرٍ كَبِيرٍ مِنْ اَلِإسْتِلْهَامِ اَلْفَرِيدِ. وَالْإِبْدَاعُ اَلْخَلَّاقُ وَالتَّنَبُّؤُ اَلْحَدْسِيُّ، وَالِإبْتِكَارُ اَلْعَبْقَرِيُّ، إِنَّهَا اَلْأَرْوَاحُ اَلْمُسْتَنِيرَةُ وَالْمُتَجَسِّدَةُ عَلَى هَيْئَةِ عُلَمَاءَ أَنْذَرُوا حَيَاتُهُمْ لِلْعِلْمِ وَخِدْمَةِ اَلْبَشَرِيَّةِ اَلْعَاجِزَةِ, حَيْثُ فِي اَلْغَالِبِ تَجِدُ هَذَا اَلصِّنْفَ مِنْ اَلْبَشَرِ زَاهِدِينَ فِي اَلْحَيَاةِ وَغَيَّرَ مُهْتَمُّونَ بِالْأَشْيَاءِ اَلْمَادِّيَّةِ، بَلْ يُهْمِلُونَ كُلُّ شَيْءِ بِمَا فِيهِ مَظْهَرِهِمْ اَلْخَارِجِيِّ، يَعْتَكِفُونَ وَيَقْضُونَ كُلُّ أَوْقَاتِهِمْ فِي اَلْبَحْثِ وَ الِإخْتِبَارِ، وَعَادَةِ مَا يَكُونُوا مُتَعَاطِفُونَ وَلَدَيْهِمْ اَلِإسْتِعْدَادُ اَلْكَافِي لِمُسَاعَدَةِ اَلْآخَرُونَ، غَيْرَ مُبَالِينَ بِمَا يُغْرِي بَاقِي أَبْنَاءِ اَلْبَشَرِ، قَدْ كَرَّسُوا حَيَاتُهُمْ بِالْكَامِلِ لِخِدْمَةِ اَلْإِنْسَانِيَّةِ، هَؤُلَاءِ فِي تَقْدِيرِي اَلشَّخْصِيِّ يَسْتَحِقُّونَ كُلُّ اَلِإحْتِرَامِ وَالتَّقْدِيرِ وَجَدِيرِينَ بِكُلِّ تَبْجِيلٍ وَ تَعْظِيمٍ يَلِيقُ بِهُمْ. هُنَاكَ أَمْثِلَةٌ عَدِيدَةٌ فِي تَارِيخِ اَلِإكْتِشَافَاتِ اَلْعِلْمِيَّةِ عَنْ هَؤُلَاءِ اَلْعُلَمَاءِ اَلْمُلْهَمِينَ, حَتَّى لَوْ كَانُوا أَصْحَاب رُؤًى مَادِّيَّةٍ صِرْفَةٍ، إِلَّا أَنَّكَ تَرَاهُمْ يَعِيشُونَ حَيَاةُ اَلتَّقَشُّفِ وَالزُّهْدِ وَتَجِدُهُمْ يَتَمَتَّعُونَ بِمَوَاهِبَ رُوحِيَّةٍ خَارِقَةٍ وَخَارِجَةٍ عَنْ اَلْمَأْلُوفِ.
طَالَمَا كَانَتْ اَلْعَدِيدَ مِنْ اَلِإكْتِشَافَاتِ اَلْعِلْمِيَّةِ مُجَرَّدُ حَقَائِقَ مِنْ وَحْيِ اَلْأَحْلَامِ، إنَّ اَلِإكْتِشَافَاتِ اَلْعِلْمِيَّةَ هِيَ بِمَثَابَةِ هِبَاتٍ رُوحِيَّةٍ تَقَدُّم لِلْأَشْخَاصِ اَلَّذِينَ يَتَمَتَّعُونَ بِمَلِكَاتٍ رُوحِيَّةٍ مُنَاسِبَةٍ عَلَى شَكْلِ حَقَائِقَ مَلْمُوسَةٍ، وَ مِنْ خِلَالِ اَلْمَقْدِرَةِ عَلَى اَلتَّوَاصُلِ مَعَ اَلْعَالَمِ اَلتَّجَاوُزِيِّ بِشَكْلٍ مِنْ الَأشْكَالْ اَلْمُخْتَلِفَةَ وَ الْمُتَعَدِّدَةِ نَذْكُرُ مِنْهَا اَلْإِلْهَامُ، اَلْاَيْحَاءَ الَرُوحِي، اَلْأَحْلَامُ اَلرُّوحِيَّةُ، اَلْجَلَاءُ اَلْبَصَرِيُّ، اَلتَّوَاصُلُ مَعَ أَرْوَاحِ اَلْحُكَمَاءِ، إِلَخْ، وَأَحْيَانًا قَدْ يَحْدُثُ اَلتَّوَاصُلُ اَلرُّوحِيُّ فِي اَلْحُلْمِ أَوْ اَلْيَقَظَةِ عَنْ طَرِيقِ اَلْإِرْشَادِ، وَاَلتَّوْجِيهُ مِنْ طَرَفِ قُوًى غَيْبِيَّةٍ مَجْهُولَةٍ بِشَكْلٍ مُدركٍ أَوْ غَيْرِ مُدْركٍ.
أَيَّ إكْتِشَافٍ عِلْمِيٍّ قَدْ يَحْدُثُ صُدْفَةِ، أَوْ قَدْ يَأْتِي عَلَى يَدِ عَالَمٍ مَغْمُورٍ فِي أَيِّ لَحْظَةٍ عَابِرَةٍ، بَعْدَمَا يَقْضِي اَلْعَدِيدُ مِنْ اَلْعُلَمَاءِ سَنَوَاتٌ طَوِيلَةٌ فِي اَلْبَحْثِ وَالِإخْتِبَارِ دُونَ بُلُوغِ أَيِّ نَتَائِجَ تُذْكَرُ وَهَذَا يَعُودُ إِلَى اَلطَّبِيعَةِ اَلرُّوحِيَّةِ اَلَّتِي تُزَوِّدُنَا بِمَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي اَلْوَقْتِ اَلْمُنَاسِبِ وَفْقَ مَا تَقْتَضِيهُ اَلضَّرُورَةُ.
إنَّ أَيَّ إكْتِشَافٍ عِلْمِيٍّ لَيْسَ إِلَّا لَبِنَةً تُضَافُ إِلَى صَرَّحَ اَلِإكْتِشَافَاتِ اَلْعِلْمِيَّةَ اَلَّذِي لَمْ يَكْتَمِلْ بَعْدٌ، هَذَا اَلصَّرْحِ اَلَّذِي يَتَطَوَّرُ بِنَاءَهُ كُلَّمَا اِرْتَقَى مُسْتَوَى اَلتَّطَوُّرِ اَلرُّوحِيِّ لَدَى اَلْبَشَرِ، اَلْأَمْرُ اَلَّذِي يُثْبِتُ أَنَّ اَلتَّطَوُّرَ اَلْعِلْمِيَّ نَتِيجَةٍ وَلَيْسَ سَبَبًا فِي اَلنُّهُوضِ بِالْحَضَارَةِ اَلْبَشَرِيَّةِ اَلَّتِي لَا يُمْكِنُ أَنْ تَقُومَ إِلَّا عَلَى مُعْطَيَاتٍ مِنْ اَلْقِيَمِ اَلرُّوحِيَّةِ تَكُونُ سَبَبًا أَسَاسِيًّا فِي تَحْقِيقِ اَلِإزْدِهَارِ اَلرُّوحِيِّ اَلْحَقِيقِيِّ لِلْإِنْسَانِ. إِذَا تَأَمَّلْنَا قَلِيلاً فِي تَارِيخِ اَلْبَشَرِ سَنَجِدُ أَنَّ اَلْحَضَارَاتِ اَلَّتِي كَانَتْ قَائِمَةٌ عَلَى أُسُسٍ رُوحِيَّةٍ مَتِينَةٍ كَانَتْ حَضَارَاتٌ مُتَقَدِّمَةٌ عِلْمِيًّا وَلَنَا مِثَالٌ فِي مِصْرَ وَبَابِلَ وَسُومَر وَالْهِنْدِ اَلْقَدِيمَةِ.
إِنَّ اَلْمُجْتَمَعَاتِ اَلَّتِي تُلْغِي اَلْعَقْلَ وَتَكْتَفِي بِالْعَيْشِ وَفْقِ اَلْقِيَمِ اَلرُّوحِيَّةِ اَلصِّرْفَةِ تُصَابُ بِالشَّلَلِ اَلْحَضَارِيِّ وَيَكْتَنِفُهَا اَلْجُمُودُ، كَذَلِكَ اَلْمُجْتَمَعَاتِ اَلَّتِي تَنْغَمِسُ فِي اَلْمَادِّيَّاتِ إِلَى حَدِّ اَلتَّطَرُّفِ وَتُهْمِلُ قِيَمَهَا اَلرُّوحِيَّةَ تُصَابُ بِالِإنْهِيَارِ وَ تَؤُولُ إِلَى اَلزَّوَالِ مَهْمَا بَلَغَتْ مِنْ مُسْتَوَيَاتِ اَلتَّقَدُّمِ اَلْعِلْمِيِّ وَالْمَعْرِفِيِّ.
اَلْمُجْتَمَعُ اَلْإِنْسَانِيُّ لَا يَسْتَطِيعُ بِنَاءَ حَضَارَةٍ مُتَكَامِلَةٍ إِلَّا إِذَا كَانَ مُؤَهَّلاً مِنْ أَجْلِ اَلْعَمَلُ عَلَى خَلْقِ عَقِيدَةٍ رُوحِيَّةٍ، تَقُومَ فِي جَوَانِبِهَا اَلنَّظَرِيَّةِ عَلَى اَلتَّرَاكُمَاتِ اَلْعِلْمِيَّةِ فِي مَجَالِ اَلْمَاورِئِيَاتْ هَكَذَا عَقِيدَةً يُمْكِنُ أَنْ تُزِيلَ اَلِإلْتِبَاسَ اَلْحَاصِلَ عَلَى مُسْتَوَى رُؤْيَتِنَا اَلْقَاصِرَةِ لِكُلِّ مَا هُوَ تَجَاوُزِيٌّ وَمَفَارِقُ دَاخِلَ نَسَقٍ مَعْرِفِيٍّ يَجْمَعُ اَلْحَقَائِقِ اَلْعِلْمِيَّةِ فِي كُلٍّ مُوَحَّدٌ بِغَضِّ اَلنَّظَرِ عَنْ طَبِيعَتِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ مَادِّيَّةً أَوْ رُوحِيَّةٍ.
يَتْبَعُ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شيرو وشهد مع فراس وراند.. مين بيحب التاني أكتر؟ | خلينا نحكي


.. الصين تستضيف محادثات بين فتح وحماس...لماذا؟ • فرانس 24 / FRA




.. تكثيف الضغوط على حماس وإسرائيل للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النا


.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف إطلاق النار في قطاع غز




.. هل يقترب إعلان نهاية الحرب في غزة مع عودة المفاوضات في القاه