الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجامعات العابرة للحدود وجودة المخرجات التعليمية

حسين سالم مرجين
(Hussein Salem Mrgin)

2023 / 12 / 16
التربية والتعليم والبحث العلمي


كثيرًا ما كنت أطرح تساؤلًا وهو : لو تم فتح جامعة دولية في ليبيا بنفس المواصفات من المباني والمناهج، والموارد المالية والتمويل والسياسات والإدارة والثقافة التعليمية، وكذلك نفس أعضاء هيئة التدريس، والكادر الإداري، هل يمكن أن تكون المخرجات بنفس مستوى الجودة في الجامعة الأم؟
حسب وجهة نظري المتواضعة، يصعب أن تكون مستوى الجودة في الجامعة الليبية الدولية بنفس مستوى الجامعة الأم. فالأمر مصحوب بمحاذير، وهذا يدفعنا إلى فهم وكشف مفهوم الجودة في التعليم وفهم أهدافها؛ لنتمكن من الإجابة على التساؤل المطروح بشكل أكثر دقة وعمق وموضوعية.
الجودة في التعليم تبدأ بالتدرج :
تبدأ الجودة في التعليم بالتدرج في الاقتناع، وحسن إعداد الخطط والبرامج والأنشطة لتشمل أطراف العملية التعليمية كافة دون إقصاء أو تهميش أحد؛ وذلك بغية خلق وعي وإدراك عميق الأثر على الفرد والمجتمع. بالإضافة إلى ذلك، يتطلب تحقيق الجودة في التعليم الآتي :
• وجود خطط وبرامج وأنشطة محكمة ومحضرة بعناية.
• أن تكون هذه الخطط شاملة وتشمل جميع أطراف العملية التعليمية بما في ذلك أعضاء هيئة التدريس والطلبة والإدارة وأولياء الأمور.
• أن يتم تصميم هذه الخطط بطريقة تضمن توفير تجربة تعليمية شاملة ومتكاملة للجميع.
• أن يكون هناك وعي لدى جميع الأطراف المعنية بالمسؤولية العلمية والأخلاقية في عملية التعليم.
• أن يتعامل الجميع مع التعليم بمسؤولية واحترام وتفانٍ في تلبية احتياجات الطلبة وتطوير قدراتهم الأكاديمية والشخصية.
الجودة في التعليم هي حالة ديناميكية :
يجب أن نفهم أن الجودة في التعليم هي حالة ديناميكية ومستمرة، وبالتالي فإن جودة المخرجات التعليمية لا يمكن أن تصل إلى سقفها المستهدف من حيث المواصفات المتعلقة بالفهم والمعارف والمهارات. فالتعليم هو عملية مستمرة تتطلب تحسينًا وتطويرًا مستمرًا لضمان تحقيق أفضل النتائج التعليمية الممكنة، وهذه الديناميكية تعني الآتي :
• أن تتكيف المناهج والأساليب التعليمية وأدوات التقييم مع احتياجات الطلبة ومتطلبات سوق العمل المتغيرة.
• أن تكون هناك ثقافة تعليمية تشجع على التعلم المستمر وتعزز روح التحسين المستمر في الجامعات.
• أن يكون هناك تفاعل بين أعضاء هيئة التدريس والطلاب وإدارة المؤسسة لتبادل المعرفة والخبرات وتحسين العملية التعليمية.
الجودة في التعليم هي عقلنة الفوضى :
فالجودة تسهم في تشكيل نمط حياة داخل الجامعة أو المؤسسة التعليمية تتصف بالتنظيم والترتيب والمحاسبية والحرص والتقييم والتقويم والتحسين والتطوير والتواصل بين جميع الأطراف المعنية. من خلال هذه العناصر، يتم تحقيق عقلنة الفوضى وتحقيق جودة التعليم. وهذا يعني إن أهم الجوانب عقلنة الفوضى هي :
• التنظيم والترتيب: يعزز التنظيم والترتيب في المؤسسة التعليمية فاعلية العملية التعليمية وإدارتها. من خلال ترتيب وتنظيم الأنشطة والموارد والجداول الزمنية، يتم تعزيز تجربة التعلم وتحقيق سلاسة العمل.
• المحاسبية والحرص: تعزز المحاسبية والحرص مستوى الالتزام والمسؤولية في المؤسسة التعليمية. يتعين على الأعضاء في المؤسسة أن يكونوا مسؤولين عن مهامهم وأن يلتزموا بالمعايير والقوانين المحددة.
• التقييم والتقويم: يعتبر التقييم والتقويم جزءًا أساسيًا من جودة التعليم. يتم استخدام التقييم لقياس تحقيق الأهداف التعليمية وتقييم أداء الطلبة وأعضاء هيئة التدريس ومناهج الدراسة. يساهم التقويم في تحديد مستوى التحسين وتحديد النقاط القوية والضعفية واتخاذ إجراءات مناسبة لتعزيز الجودة.
• التحسين والتطوير: يجب أن تكون المؤسسات التعليمية ملتزمة بعملية التحسين المستمر والتطوير. من خلال تحليل البيانات وتقييم الأداء واستخدام الممارسات الجديدة والتكنولوجيا المبتكرة، يمكن تحسين جودة التعليم وتلبية احتياجات الطلبة بشكل أفضل.
• التواصل والتقارب: يجب أن يكون هناك تواصل فعّال بين جميع أعضاء المؤسسة التعليمية، بما في ذلك الإدارة الطلبة وأعضاء هيئة التدريس وأولياء الأمور والمجتمع المحلي. يساهم التقارب بين الأطراف المختلفة في تعزيز التفاهم والتعاون وتحقيق أهداف التعليم بشكل أفضل.

الجودة في التعليم هي عقلية الممكن :
تعتبر الجودة في التعليم أيضًا مرتبطة بالتفكير الإيجابي والإبداع والابتكار. فعندما نعتبر التعليم بعقلية الممكن ونعمل على تحقيق الأهداف بالموارد المتاحة، يمكننا تحقيق نتائج متميزة وتجاوز التحديات. فالإبداع والابتكار في التعليم يعني البحث عن طرق جديدة ومبتكرة لتقديم المعرفة وتنمية مهارات الطلبة. يمكن أن يشمل ذلك :
• استخدام التكنولوجيا بطرق مبتكرة.
• تطوير مناهج دراسية مبتكرة.
• تبني أساليب تدريس متميزة.
• تشجع التفكير النقدي والإبداع لدى الطلبة.
فالتفكير الإيجابي أيضًا يقوم بدورًا هامًا في تعزيز الجودة في التعليم. فعندما يكون لدينا نهج إيجابي تجاه التحديات والصعوبات، فإننا نركز على الحلول بدلاً من التركيز على المشكلات. كما يمكن للتفكير الإيجابي أن يساعد الطلبة وأعضاء هيئة التدريس على تحقيق أداء أفضل وتحقيق النجاح في المجالات المتنوعة.
المخرجات التعليمية ليست سلعة :
وبناءً على الطرح السابق، يتضح لنا بوضوح صعوبة التعامل مع المخرجات التعليمية على أنها سلعة قابلة للتكرار بنفس المواصفات في كل مرة وفي أي مكان. على الرغم من أنه يمكن إنتاج نفس السلعة في أي مصنع وبنفس المواصفات المحددة لها. وباختصار، فالمخرجات التعليمية ليست سلعة بالمعنى التقليدي للكلمة. فالتعليم الجامعي لا يهدف إلى إنتاج سلعة قابلة للتكرار بنفس المواصفات في كل مرة وفي أي مكان. بل يهدف إلى تحقيق أهداف تعليمية وتعلمية وتنموية للطلبة، فضلاً عن توفير بيئة تعليمية محفزة وداعمة.
فالطلبة هم أفراد يتمتعون بمتطلبات وقدرات وكفايات واحتياجات مختلفة، ولذلك يجب توفير بيئة تعليمية مناسبة ومحفزة؛ لتلبية تلك الاحتياجات المتنوعة وتطوير قدراتهم ومهاراتهم. وهذا يعني أنه لا يمكن تطبيق نفس النهج والمواصفات على جميع الطلبة بنفس الطريقة. بالإضافة إلى ذلك، تؤثر العوامل الخارجية والبيئة المحيطة بالجامعة في جودة التعليم. فالثقافة التعليمية والتفاعلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تقوم بدورًا هامًا في تشكيل البيئة التعليمية وتأثيرها على جودة التعليم. وبالتالي، يجب أن ندرك أن جودة التعليم تتطلب فهمًا عميقًا لاحتياجات الطلبة، وتوفير بيئة تعليمية مناسبة وداعمة. كما يجب أن تكون هيئة التدريس مؤهلة وملتزمة بالتطوير المستمر، وتعتمد أساليب تعليمية متنوعة ومبتكرة. كذلك يجب أن يكون هناك تعاون وتواصل فعال بين جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك أولياء الأمور والمجتمع المحلي، لتحقيق أفضل نتائج التعليم وتنمية الطلبة.
وبناءً على ذلك، فإن الجودة التعليمية في الجامعات العابرة للحدود ليست مسألة بسيطة تعتمد فقط على وجود البنية التحتية المشابهة للجامعة الأم. إنها عملية شاملة تتطلب الاهتمام بالعديد من العوامل المتداخلة، بما في ذلك الخطط والبرامج والتوجيه والتقييم واحتياجات الطلبة وتطوير الكادر التعليمي، والتركيز على الممارسات التعليمية الجيدة وضمان استمرارية التحسين والتطوير لتحقيق أفضل جودة ممكنة في التعليم. وهذا يعني ببساطة شديدة أن المخرجات التعليمية للجامعات الأجنبية قد تختلف من حيث مستويات الجودة عن الجامعات الأم نتيجة لاختلافات الثقافة التعليمية والعوامل الخارجية والبيئة المحيطة بالجامعات، فضلاً عن كونها تختلف عن تلك التي ينتجها النظام التعليمي المحلي. على الرغم من أن فتح فروع لجامعات أجنبية يمكن أن يكون فرصة للتحسين والتطور في مجال التعليم العالي، إلا أنه يتطلب أيضًا الحذر والتدبر والتفكير الدقيق في التأثيرات الثقافية والتحديات المحتملة التي قد تنشأ نتيجة لذلك، لضمان تحقيق أعلى مستويات الجودة التعليمية والاحتفاظ بالهوية الثقافية الوطنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم المعارضة والانتقادات.. لأول مرة لندن ترحّل طالب لجوء إلى


.. مفاوضات اللحظات الأخيرة بين إسرائيل وحماس.. الضغوط تتزايد عل




.. استقبال لاجئي قطاع غزة في أميركا.. من هم المستفيدون؟


.. أميركا.. الجامعات تبدأ التفاوض مع المحتجين المؤيدين للفلسطين




.. هيرتسي هاليفي: قواتنا تجهز لهجوم في الجبهة الشمالية