الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من طوفان نوح إلى طوفان الأقصى... طوبا للراكبين

زهير شمشوب

2023 / 12 / 19
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لقد ذكر الله تعالى قصة سيدنا نوح مع قومه في أكثر من سورة، لكن السورة التي استأثرت بالنصيب الأكبر من هذه القصة هي سورة هود، بل إن السورة التي جاءت في القرآن باسم هذا النبي لم يأت فيها إلا الخبر عن مجهود نوح عليه السلام في دعوة قومه و شرحه آيات الله في الخلق ليومنوا له، لكن سورة هود ـ و هي التي جاءت على رأس لائحة السور التي شيبت رسول اله صلى الله عليه وسلم ـ فصلت في الأمر تفصيلا.
إن ما يقع اليوم في غزة لنذير عواقب، مهما توهم المتوهمون أنها خطيرة على المستقبل فإنها لن تكون أخطر مما سبق، و إني لأرى إنها ستكون فاتحة عهد جديد يعلن فيه نهاية الاستبداد الصهيوني و يفتح الباب لتصورات جديدة عن وضعية فلسطين، كل فلسطين، و معها وضعية الإسلام في الشرق الأوسط و العالم، إن تسمية المواجهة الأخيرة مع الاحتلال الصهيوني "بطوفان الأقصى"، ليحمل أكثر من دلالة على أن هذا الطوفان سيكون له نفس أثر الطوفان الذي حصل على عهد سيدنا نوح عليه السلام، و ستترتب عنه ـ رغم الجراح و المآسي و التضحيات ـ حياة جديدة في جغرافية جديدة و بيئة و مناخ جديدين، و فعلا إنه الطوفان الذي سينتهي بإغراق الظلم و الاحتلال و التعنت ولو بعد مرور مائة و ستة و عشرين سنة و هي المدة التي تفصلنا عن تاريخ أول مؤتمر صهيوني سنة 1897.
و ما المشككون و المرجفون في جدوى علميات المقاومة إلا صنفان صنف يمني النفس بالهزيمة ليبرر تخاذله و جبنه، و صنف انساق مع طروحات الاحتلال إثر مقارنة بئيسة و مغشوشة بين قوة المقاومة الفلسطينية و قوة سلطة الاحتلال و الصنفان معا؛ قليل الحيلة المتخاذل و المنافق المتآمر، إنما هما استمرار لجرثومة العصيان التي أصرت على الكفر بدعوة نوح عليه السلام و أبت أن تركب السفينة الناجية، و هي التي لا تجعل للإيمان بأقدار الله مكانا في حياتها.
و ما حال قوم نوح في مواجهتهم لنبيهم ببعيد عنا في هذا الحال؛ فقد جادل قومه بدعوة الحق و هم جادلوه بالباطل فلما أعجز دفوعاتهم و أظهر إصرارهم على الكفر، أرادوا المرور إلى مرحلة جديدة لما "قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فاتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين" الآية، و هي مرحلة ما بعد الجدال ظنا منهم أنهم يعجزونه بتوقيف سلاح الجدال عنده، و الدعوة إلى أن يسرع بما يدعي من العذاب، و لسان حالهم يعلم أن العذاب و الرحمة ليست بيد نوح بل بيد الله الذي يرفضون الإيمان به، و أمثال هؤلاء اليوم يقفون نفس الموقف من دعوات المقاومة التي أصبحت طروحاتها حول جدوى المقاومة من قبيل الضلال القديم.
فقد انطلقت المقاومة في صمت تعد العدة للمواجهة في صبر و تأن، و كأنها تصنع الفلك الذي سيركبه أهل الجهاد يوم الطوفان، فالاستعداد بالسلاح و العتاد مهما قل أو بدا بسيطا، لا يمكن أن يكون محط تبخيس أو استهزاء، لكن دعاة القعود و ضعفاء الإيمان كلما مروا على أهل المقاومة و هم يستعدون سخروا منهم، فكيف لمجموعة صغيرة من المجاهدين أن تحقق الانتصار على القوة التي لا تهزم ببنادق و صواريخ قصير المدى؟ و إلى متى يجدي الاختباء في الأنفاق؟ حتى إن الواحد من هؤلاء ليجتهد في توصيف صورته السوداء ليقنع الناس بالقعود عن النصرة، و ليعمم منطق السخرية من كل ثبات على مبدأ المقاومة "إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون" الآية، و لما جاءت ساعة الحسم و أذن الله أن يقضي أمرا كان مفعولا، فار تنور المقاومة مشتغلا، معلنا بزوغ نور صبح حي على الجهاد، و آن وقت نجاة من كتب له الله النجاة، و كان من ركاب سفينة المقاومة و النجاة، و من تخلف تخلف مع المغرقين، "قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين و أهلك إلا من سبق عليه القول و من آمن و ما آمن معه إلا قليل" الآية، و قضى ربه أن يكون ركاب السفينة أزواجا، و كذلك من آمن بالمقاومة رجالا و نساء، فالكل محكوم بالزوجية إلى الله الفرد الصمد، فكان أولئك أهل نوح أهل المقاومة و أهل النجاة، و من تخلف فقد كان من المغرقين، و قضت حكمة الله أن لا يومن لنوح إلا من قد آمن زمن العدة و الاستعداد و قد كانوا قليلا، فقد غلبت غشاوة الهزائم المتراكمة و انصراف الناس إلى الدنيا يعيشونها مرقعة، يكتفون فيها بالكفاف المفروض لا الكفاف المتولد عن زهد و تعفف، و عين الرضا الرمداء كيف لها أن تميز العيوب في وجود الآفتين، و إن نبهت إليها تنبيها و أخطرت بعواقبها إخطارا؟ "و لا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم و إليه ترجعون" الآية.
فهل ترفع علينا أبوب السفينة فنلقى في ظلمات موج التشكيك و الانهزامية و الخنوع، و إنه لموج كالجبال، تتلقفنا مياهه العاتية لا ناولوا على شيء فنضيع مع الضائعين؟ أم نركب الفلك، فلك العزة و الكرامة و الإيمان بموعود الله الذي كتب "لأغلبن أنا و رسلي" الاية.
ربنا لا تجعلنا من الذين حال الموج بينهم و بين نبي الله نوح فلم تنفعهم توبة لما رأوا العذاب و صدق دعوة النبي إذ "لا عاصم من أمر الله إلا من رحم" يوم يغيض الماء و يقضى الأمر و يستوى حال الأمة و تستقر، و يهبط النصر بسلام من الله و بركات كما هو مقدر لا محالة في الوعد الإلهي " لن يضروكم إلا أدى و إن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون" الآية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ما علاقة هذا التحليل بطوفان نوح؟؟؟.
سمير أل طوق البحراني ( 2023 / 12 / 20 - 04:31 )
رحم الله المتنبي:
يا امة ض ضحكت من جهلها الامم. ما هو وجه المقارنة بين طوفان نوح وطوفان الاقصى؟؟. طوفان الاقصى هو انتفاضة لتحرير ارض مغتصبة وللاسف لم تكن مدروسة النتائج من قبل القائمين بها ولكن بعدما وقع الفاس في الراس نمنى ان يقف الطوفان وتكون نتائجه نصرة للشعب المظلوم. كما ونتمنى لك الشهادة على ارض فلسطين آجلا ام عاجلا.

اخر الافلام

.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف


.. ناشطون يستبدلون أسماء شوارع فرنسية بأخرى تخص مقاومين فلسطيني




.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل