الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجّندر والجّندريّون وأصحاب الجّندر 4

مؤيد الحسيني العابد
أكاديمي وكاتب وباحث

(Moayad Alabed)

2023 / 12 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ليس من الغريب أن يكتب الإنسان شيئًا عن وضع معيّن ويُخطئ عن عدم إنتباه أو عن عدم دراية، لكنّ الغريب أن يكتب كاتب محترف موضوعًا ويُدخِل نفسه في جانب من جانبين، إمّا أنّه يعرف الحقيقة ولا يريد أن يصرّح بها، أو في الجّانب الآخر أن لا يعرف الحقيقة ثم يتّجه الى القلم ليدغدغه ببعض ما يحوي فكره من أفكار. كيف لكاتب محترف يكتب التالي ولم يطّلع على وجهات النظر المطروحة كلّها ليبدي رأيه بما يريد؟ يكتب الكاتب من خلال مصادر منقولة عبر التأريخ يكون مصدرها الفعليّ من خَدَمَ دكتاتوريّة الحاكم الظّالم، والذي لعب دورًا خطيرًا في تأسيس تفسير جديد لهذا الدِّين وللأخلاق الإنسانيّة عمومًا، والذي لعب (أي الحاكم) الدور الكبير في إستعباد النساء والحطّ من قَدْرِهنّ (حفظ الله كلّ الطيّبات الرائعات). بل وكانت هذه الطغمة الحاكمة (ومازال قسم منها في الوقت الحاليّ في بعض القصور الطاغية على كلّ خِيَم وبيوت فقراء المجتمع!) تعتدي على البشر بكلّ أشكالها وبصنفيها لتستغلّ الإنسان بنوع من السخرية لإراحة النفس البائسة الأمّارة بالسّوء، والتي تعوّدت على ظلم البشر، بل وتستغلّ هذه الطغمة الفاسدة، الآخرين لغرائزها المتدنيّة ومنها الجنسيّة والنفسية وغير ذلك، ثمّ يأتيك من يأخذ من هذه الأشكال حِجَجًا على ذوي الأخلاق العالية والبصيرة ليحاجج بهم! هذه الطغمة الحاكمة التي تتسلّط بذكوريّتها على كلّ البشر بالقتل والتنكيل والإستبداد، كي تصل الى المستوى الذي ينادي من خلاله كلّ الناس الذين تحت وصايته: (أنت ربّنا الأعلى) فيشرّع هو ما يريد عن طريق تلك الأقلام المأجورة والمغرضة أو تفسّر النصّ السماويّ بالشّكل الذي يخدمها. تلك الأقلام التي كان دورها خطيرًا في تشويه الدين والأخلاق الإنسانيّة العالية. والى الآن من هم من هذه الشّاكلة كما نعلم. كيف لهؤلاء أن يكونوا حجّة على الدين وعلى القيم؟! أما كان ينبغي لكاتب منصف أن يطرق الأبواب كلّها فيما يتعلّق بتصوّر ما، فكيف إذا كان هذا ما يتعلّق بمصير الأخلاق الإنسانيّة الرفيعة والمستقبل الوجدانيّ والإنسانيّ عمومًا من خلال بوابة الدين الذي يضع الحياة في موضع سهلٍ طيّب، لا متشدّدًا بالممارسات وبالتفكير من خلال الإعتقاد؟! صعب علينا أن نثق بكاتب يسلّط الضوء على مجموعة محدودة من المصادر ويترك الأخرى، كي يصل الى ما يريد من غرض!
لاشكّ، أنّ الدراسات المستمرّة لها من الفائدة الكثير الكثير، لكنّ الغرض المنحرف من أيّ فعل أو دراسة يحسب له الف حساب. خاصّة إذا ما كان الأمر يتعلّق بحجّة الحريّة والمسمّيات المنسجمة مع تطلعات المنحرفين أو مع تطلعات اللاهدفيين. للإشارة الى الدراسات العلميّة المهمّة ينبغي أن نساعد الباحث في التفسير، وهو يساعدنا في معرفة الغرض من دراسته. ففي عام 1966 مثلا قام أحد الباحثين وهو يونغ بتغيير السلوك الجنسيّ لكلّ من ذكور وإناث الجرذان عن طريق التلاعب بكميّة الهرمونات الذكريّة والأنثويّة التي تتلقّاها هذه الجرذان خلال فترة نموّها. وقد أظهرت هذه الجرذان سلوكًا جنسيًّا معكوسًا، حيث كانت التأثيرات غير قابلة للتغيير. أي أنّ التدخّل الخارجيّ هو الذي يفعل فعلته هنا حتى في المختبر. فلا أشكّ في وجود من يتدخّل في تلك العيّنات ليقول أنّ الأمر تكوينيّ! وهو غير تكوينيّ. وقد إطّلعت على بعض الدراسات في هذا الجانب لا لغاية التفنيد فقط بل في الحقيقة كي أسلَّحَ بالدليل الناهض الذي يسعفني في الدفاع عن رأيي.
هنا ينبغي القول أنّ إهتمامنا لا ينصبّ على تلك الدراسات ونتائجها بقدر ما نسلّط الضوء على التبعات التي تبتغيها هذه الدراسات كما قلنا. فحينما يتّجه البحث عن سلوكيّات مجرّدة كونها تشجّع على التمييز الجنسيّ أو للتمويه الجنسيّ! كما في الدراسة التي لحقت بالقرود في عدد من الأبحاث من خلال حقن أو تعريض الإناث منها الى الهرمون الذكريّ التستوستيرون أثناء النمو ما قبل الولادة لوحظ سلوك هذه الإناث أكثر خشونة وأكثر تعثّرًا من الإناث الأخريات. وفي كلّ تلك الدراسات وإن لم يكن الغرض منها سلوكيًّا علميًّا فإنّ الأمر واضح من أنّ تغيير السلوك ناتج عن التأثير الخارجيّ من قبل الإنسان. أي أنّ المحيط هو الذي يلعب الدور الأساس كما أكّدنا في حلقاتنا السابقة. بمعنى أنّ الإنحراف في التعامل مع الإنسان من خلال محيط منحرف أو بيئة منحرفة، لا يكون في النتيجة حجّة للتحدّث عن حريّة الفرد أو حريّة مجتمع يخضع للنزوات أو التغييرات القادمة من أفكار منحرفة أو شاذّة بحجّة الحريّة.
لقد لوحظ أنّ المؤثرات داخل المختبر مهمّة ويجب أن يشار إليها حيث لا يمكن أن تهمل، كي لا يقال أنّ التأثير البيئيّ ليس هو العامل أو التأثير الأساس. ففي المختبر يتعرّض النموذج الى جرع متباينة، يمكن أن تكون جرعًا عالية، يكون تأثيرها مختلفًا عن تلك التي تأخذ جرعًا أخرى بنسب أخرى. وهكذا يكون التأثير مختلفًا لكنّه تأثير بيئيّ كما أشرنا. ولا تقل لي أنّ هذا الإنحراف موجود في التأريخ، وإن كان في التأريخ أو ليس هو منحرِفًا عن السلوك القويم للإنسان الذي تتحدث عنه الشرائع السماويّة، بل حتى القوانين الأرضيّة التي تتوافق مع الفطرة الإنسانيّة دون تأثير من محيط منحرف. أي أنّ الأمثلة التي وردت في التأريخ أغلبها من النوع الذي تأثّر بالبيئة فأخذ مأخذًا معروفًا، ولا أريد أن أثير حسّاسيّة المدافعين عن الأنظمة السياسيّة المنحرفة التي تشجّع على هذا الإنحراف في وقتنا الحالي بحجّة الحريّة الشخصيّة وهو قد سلب حريّة مجتمع بكامله وسلب حريّة القول فيما يتعارض مع نزواته (أي الحاكم الفعليّ للبلاد، وقد أصبح في هذه الأيّام غولًا يقتل الأطفال بلا رحمة ويسفك الدماء وهو منتشٍ، بل يظهر القوانين على مستوى المنظّمات الدوليّة التي باتت عبًأ على الإنسانيّة بظلمها، بأن تدافع عن هتكه للحرمات).
ما الذي يفعله المعارضون؟
لا شكّ أنّ من الأوليّات التي يجب أن تتوفّر في الباحث، هي المعارضة الدليليّة (أي أن تكون بالدليل، كي تكون معارضة فعليّة مؤثّرة). هنا لقد عارض بعضهم ما يتطرّق اليه الباحث المستند على العامل البيئيّ الذي أشرنا إليه سابقًا. ففي إحدى التأليفات ذكر أحد الباحثين في قوله (أو قولها) (مثلها إشكاليّة الجنس الثالث، والثغرة التي تمثّلها المقاومة النسائيّة للهيمنة الذكوريّة، والشروخ التي تمثلها البدايات في إمكانيّاتها المفتوحة، وكما يترك لنا آثارها أرشيف النّصوص، وقد أهملته الثقافة الرسميّة البانية لترسانة الأحكام والقيم. إلّا أنّ هذه الأبحاث إذ تحاول أن تكون أبحاثًا، وتحاول أن ترقى إلى المستوى العلميّ النظريّ الذي تطرح من خلاله اليوم قضيّة المذكّر والمؤنّث وقضايا الإتّجاهات الجنسيّة والهويّات الجندريّة في ما يعرف اليوم بـ«ما بعد النسوية»، فإنّها تظلّ مشدودة إلى قضبان التمييز والعنف المخصوصين في العالم العربي، فتتخلّى أحيانًا عن الهمّ التنظيريّ إلى ما يقتضيه الإلتزام من فضح وتذكير وشكوى. جاذبيّة هذه الثقافة التي ننتمي إليها تجعلنا نواجه خصومًا بدائيّين يشكّكون في أبسط أفكار المساواة والحريّة، بدل أن ندخل في حوار على مستوى عالمي مع المشتركين معنا في الهمّ التنظيريّ). وهنا تكمن عمليّة هجوم واسع على الرأي الآخر الذي يشير بوجهة نظر ما الى ما نتطرّق إليه، ويقوم الباحث بالهجوم من خلال كلمة البدائيّة في التوجّه لدى المعارض للرأي، حيث يقول (أو تقول!) الى أنّ هؤلاء يتّسمون بالبدائيّة في التفكير أو هكذا المفهوم! من خلال القول: هؤلاء الخصوم البدائيّون هم بالأساس المدافعون عن الشريعة الإسلاميّة والمؤبّدون لأحكامها، والفاعلون السياسيّون الذين يعلون من الإنتماء والهويّة على حساب التحرّر الفرديّ، وعلى حساب الحقوق الإنسانيّة الأساسيّة) وكأنّ الحريّة الإنسانيّة تسمح له أو لها بالهجوم على حريّة التفكير عند الآخر. وهل التعبير هذا أو الهجوم يشمل النقد لكلّ الشرائع أم لشريعة واحدة فقط؟ أي أنّ الحريّة الفرديّة هي أن نتخلّى عن كلّ إيمان في التفكير ونرضخ الى ما يقوله الآخر كي نقول نحن أحرار؟ الإنسان حرّ في تفكيره بلا شكّ، وعندما يرغم هو نفسه على فعل شيء ما، فهو حرّ أيضًا. هنا كلّ ما سأقوم به أو أحاول أن أقوم به هو أن أفكّك النصّ بالشكل المطلوب بلا تهجّم على من يتّهم الخصوم بالبدائيّة(!).
أولًا: طرح الكاتب (أوالكاتبة) صيغة الجنس الثالث على أساس وجودها القسريّ أو الواقعيّ الذي لا علاقة له بالبحث العلميّ الذي يريده (أو تريده)، أي أنّه (أو أنّها) طرح (أو طرحت) ما سمّاه (أو سمّته) إشكاليّة الجنس الثالث على أساس أنّه موجود ومطروح وحاصل بالواقع الذي لا ينبغي أن يطرح على أساس وجوده بلا سبب ما. إذا كان الأمر يتعلّق بصيغة موجودة وتريد أن تعالجها فضع لها الحلول المناسبة كي تُرجعها الى حالها الطبيعيّ كبقيّة البشر، لا أن تنقد من يتعامل مع الظاهرة على أساس وجودها القسريّ أمرًا مستهجنًا وتعتبره ظاهرة طبيعيّة، وهي بالفعل في الدراسات والأبحاث العلميّة تظهر التأثير الخارجيّ الذي شجّع على ظهورها، بسبب ثقافة ما أو نفس ما أو غير ذلك لا علاقة لها بأي فعل فسلجيّ كروموسوميّ (مثلًا) أو غيره. إذا كان الدليل غير ناهض وفق المفهوم العلميّ الذي يدّعيه (أو تدّعيه) فلِم القول بالبدائيّة لمن يعترض على الإلتزام بالنصّ القرآنيّ وفق تصوّرات هو يؤمن بها ويعتقد بها وهي في الحقيقة لا تلزم الآخر على تطبيقها منذ صدر الرسالة الإسلاميّة الى الآن. حيث لم تُؤْذَ المرأة في زمن النبيّ الأكرم ص أو زمن الإمام عليّ ع وفق القصص والروايات الموجودة طيّ الكتب المتّفق عليها عند أهل التأريخ على الأقل. ولم يتعرّض هذا النوع من المتأثّر بالبيئة المنحرفة لأيّ إضطهاد في العهدين المذكورين حسبما قرأت. حيث كانت المرأة تأخذ نصيبها من الإحترام، ليس لأنّها إمرأة فحسب بل لأنّها إنسان، علاوة على كونها إمرأة، لها مكانتها في البيت والمجتمع والتعليم وفي كل مناحي الحياة. بل تتحدّث الشريعة عن أضعاف من الأجر حينما تقدّم هذه المرأة خدمة للمجتمع كما الرجل وأنّ نصيبها أضعاف مضاعفة ليس منّة من ذكر أو من مجتمع ذكوري، بل لأنّها أبدعت وأضافت الى مسؤوليّتها مسؤوليّات أخرى لتدلّل على قدرتها العظيمة التي في أحيان كثيرة تتجاوز حدود قدرة الذّكَر. فهي (أي الأنثى) ذكرت قياسًا للإنسانيّة في القرآن الكريم وليس الذكر، ولنا في ذكرها في قصة المسيح ع وضوح عند القول الحكيم ( وليس الذكر كالأنثى) أي أنّ الذكر لم يكن هو القياس بل كانت الأنثى هي القياس. إلّا أنّ بعض التفسيرات الخائبة التي تحطّ من قيمة المرأة لعبت دورًا خبيثًا بايصال المفهوم المشوّش الى الناس على أساس أنّ الإسلام يظلم المرأة في حريّة إعتقادها وحريّة توجّهها. وإليك ما يطرحه السيد الحيدريّ في تفسير متقدّم لا يخالف النصّ، بل يقوّيه ويعضّده مع علميّة الأسلوب في الطّرح والنقاش (كما أشرت اليه اكثر من مرّة) عندما يطرح الأمور التي تنسب الى المقدّس من خلال التفسير لا من خلال النصّ الفعليّ. حيث يقول في ذلك العلّامة السيد كمال الحيدريّ لأؤلئك الذين يفسّرون الأمور على أساس القول أو الرواية بإعتبارها مقدّسة بالمقارنة مع النصّ الفعليّ ليقارن ويعارض فيما يفرّق بين النصّ وبين المرويّ: (أنا أعترض على الرواية الواردة في البحار التي تنسب إلى الإمام الصادق وفرق كبير بين الإعتراض على الإمام الصادق وبين الإعتراض على ما ينسب إلى الإمام الصادق وهذه مغالطة دائمة التكرار في كلّ مكان هذه نفس القضيّة قال وتجسيماً للإرادة الإلهيّة). هذا فيما يخصّ التعامل في الفرق ما بين النصّ وما بين الرواية. أي ما يقال عن المرأة وغيرها إنّما هو من خلال التفسيرات والروايات وتجيير النصّ الى ما يخدم مصالح محدّدة. وإذا تمعّنا في الكثير من السلوكيّات والتعليقات والتفسيرات فسنجد أغلبها يستند على التأثير البيئيّ أو الإجتماعيّ، كما يقول السيد الحيدريّ: (هذه القيود الإجتماعيّة لا تشكّل فقط هويّة المرأة تشكّل هويّة الرجل وإلّا هذا لا يستطيع أن يخرج عليه وإن كان هو نفسيًّا يقول أحسن تدبيرًا منّي أفضل تدبيرًا منّي أفضل تربيّةً منّي ولكنّه يخشى أن يعطى الأمور بيدها لأنّه المجتمع يسمح أو لا يسمح؟ لا يسمح، إذن لا يذهب ذهنك بأنّه الدراسات الجندريّة مرتبطة بالدراسات النسائيّة لا هذا خطأ الدراسات الجندريّة ما هي؟ لبيان كيفيّة تشكّل هويّة الفرد ذكرًا كان أو أنثى ولكنّه في كثير من الأحيان بإعتبار أنّ المظلوميّة واقعة على الأنثى فنحن نقول الدراسات الجندريّة المرتبطة بالنساء بالمرأة لا لأنّه موضوع هذه الدراسات هي الأنثى لا وإنما موضوعها أعمّ ولكنّه لأنّ الظلامة هنا أكبر)، إنتهى قول الحيدريّ. ويجب أن نأخذ بنظر الإعتبار حديثه في درس بشكل شفاهيّ، لذلك تراه يستخدم اللغة الوسطى في الحديث! ويشير الى الأحكام الدينيّة في ذلك بالقول: إنّ الأحكام الدينيّة كثير منها مرتبط بالزمان والمكان. ويقول: أنّ تسعين بالمئة من الموروث الروائيّ من مجعولات هذه الثقافة، يعني فيما يرتبط بالمرأة يعني أمّا هي من المجعولات وأمّا هي أنّ الرسول لم يقلّ ذلك، وأنّ النصّ القرآنيّ لم يقلّ ولكنّ أولئك عندما سمعوا الحديث النبويّ هكذا فهموا فهو ينقل ما فهمه لا ينقل النصّ النبويّ لأنّه لم ينقل بالنصّ وإنّما نقل بالمعنى والنقل بالمعنى ضمن ثقافته الذي هو عليه. ويقول السيد الحيدريّ: إنّ كثيرًا من الأمور التي نحن نعتبرها مرتبطة بالتكوين بالنسبة إلى المرأة والرجل هي واقع إجتماعيّ ومن هنا ينفتح لنا باب جديد في بحث الفقه أنّه لابدّ أن نعرف أنّ هذا الحكم لأمر تكوينيّ؟ فإذا كان لأمر تكوينيّ فهو ثابت لا يتغير أما إذا كان لأمر اجتماعيّ يتغيّر. فنلاحظ النقد الواضح للمرويّات التي تتعارض في كثير من الأحيان مع النصّ في المفهوم، فيقوم هو بطرحه جانبًا ليستند على النصّ القرآنيّ إن لم يتمّ التأكّد من المرويّ ومن الناقل. لذلك حينما يتمّ الحديث عمّا يتعلق بالمرأة مرّة أو بأي علاقة في الطبيعة مع الإنسان عمومًا ومع المرأة خصوصًا. فيؤكّد من خلال ذلك، من الإستناد على النصوص القرآنيّة، ويفسّرها تفسيرًا يختلف عن الكثير من المفسّرين، مع الحفاظ على الدليل العقليّ والمنطقيّ والنقليّ إن تأكّد من دقّته وموثوقيّته. فالحديث عن الجندر مثلًا فهي ( مقولة ثقافيّة إجتماعيّة سياسيّة تقول بإعتبار أنّ الجنس الذي خلق فيه الإنسان يكون معطى بيولوجيًّا (كما يقول الحيدريّ) يعني الأدوار والإختلافات التي تقرّرها وتبنيها المجتمعات لكلّ من الرجل والمرأة والبحث في الجندر يمكننا من تعويض الماهيّة البيولوجيّة بالبنائيّة الثقافيّة بحيث يتبيّن لنا أنّ الإختلاف بين الرجل والمرأة مبنيّ ثقافيًّا وليس نتيجة حتميّة بيولوجيّة). أي أنّ المقصود هناك رجل تقتضيه الحياة وهناك إمرأة تقتضيها الحياة للإستمرار فيها بشكل واضح ومعروف كما أشرنا إليه سابقًا. أي أنّ التكوين فيما يقال ليس أكثر من كون الرجل ذكرًا والمرأة كونها أنثى. فالإختلاف الذي ينشأ وكما يذكره النصّ الدينيّ كلّها مرتبطة بالبيولوجيا. أمّا وضع الجندر فهو ناتج عن تأثير خارجيّ لا علاقة له بالبيولوجيا. لذلك ينبغي أن يتحوّل النقاش في هذا الإطار على أساس كونه مسألة أصوليّة (كما يشير السيد الحيدريّ). ويقول: (لابدّ أن ترجع إلى علم الأصول وتقول بأنّه في علم الأصول إذا كانت تلك الصفة خَلْقيّة طبيعيّة تكوينيّة، فالحكم الذي يعرضها يكون ثابتًا غير متغيّر. أمّا إذا كانت تلك الصفة صفة ثقافيّة إجتماعيّة سياسيّة تربويّة، فمادام هذا العنوان موجودًا فالحكم إذا تبدّل، (حينها) تبدّل هذا العنوان، بعد الحكم يبقى أو لا يبقى؟ يتساءل الحيدري. ويقول: لأنّ الأحكام تابعة لموضوعاتها هناك أبحاث أخرى مرتبطة بهذا البحث). نستنتج من هذا أنّ قول الحيدريّ فيه الشروع في تسليط الضوء على أنّ التغييرات التي تحدث، ينبغي التعامل معها من الناحية الشرعيّة وفق كونها تكوينيّة أم غير تكوينيّة. أي ينبغي التعامل مع الجندر هنا على كونه من الأساس تكوينيّا أو غير تكوينيّ. وبما أنّنا لاحظنا أنّ السبب الأساس للجندر او للجنس الثالث(!) هو تأثير بيئيّ لا تكوينيّ، لا ينبغي القول أنّ السبب في التعامل السلبيّ يقع على شريعة أو على أخلاق ما، بل هي مشكلة إجتماعيّة بيئيّة ينبغي أن نضع لها الحلول المناسبة ونعالجها لنضع الأمور مواضعها. ونتعامل من خلال هذا الأساس. وعلى كون التأثير واحدًا أو مجموعة من التأثيرات المحيطيّة. لا أن يكون هذا جنس ثالث موجودًا ونتعامل معه على أساس تكوينيّ ونعيب على المشرّع هذا الخلق! فما ذنب الشريعة في أيّ نتاج يكون من تأثير محيطيّ ينبغي أن نضع له منحى تعامل ما، من خلال كونه موجودًا بسبب هذا التأثير المؤقت والذي ينبغي لنا أن نعالجه للمستقبل. علاوة على فهم النّصوص في التعامل مع تغييرات المحيط. ويكون هنا صاحب المعالجة متنوّرًا وصاحب فكر تنويريّ كي يوازن الأمور وفق التطوّر العصريّ دون التعارض مع النصّ الذي هو أصلًا لا تعارض فيه مع أيّ واقع سويّ. أي أن يكون صاحب الفكر متنوّرًا في التعامل مع الدراسات الدينيّة كما هو متنوّر في التعامل مع الدراسات العلميّة كي يكون الحكم والعلاج والتعامل مشتركًا لنبني المجتمعات بعيدًا عن التعصّب الأعمى أو التراشق غير المجديّ. كما يفعل كاتبنا (أو كاتبتنا) في القول (لم يكن فرويد ولا شكّ مفكرًا نسويًّا ولا داعية ولكن فكّه الإرتباط الآلي بين ماهو بيولوجيّ وماهو نفسيّ هو درس أساسيّ في الحريّة البشريّة يمكن أن يكون منطلقًا نظريًّا وقيميًّا للمطالبة بحريّة المرأة كما يمكن أن يكون منطلقًا لفهم الإتّجاهات الجنسيّة غير المقبولة في مجتمعاتنا، وللدفاع عن حقّ الإنسان في السيادة على جسده وحريّته في إختيار قرينه). وهنا مطبّ جديد وقع فيه الكاتب (أو الكاتبة) حيث يعتبر أنّ هذا هو في حقيقته إعتداء على الطبيعة البشريّة التي يسعى من خلالها الناس لبناء حياة سليمة في التوارث للأرض وما عليها وما فيها كي تكون هذه الأرض في خدمة هذه الفطرة وهذه التوجّهات كي تكون الحياة كما وجدت بدليل علميّ أو أثاريّ أو بمنطق غيبيّ كما يعرفه ويؤمن به المؤمنون. فليس من السليم التعامل مع الطبيعة بلا نظام وبلا قانون وبلا تنظيمات محدّدة تذكرها كلّ العلوم بضمنها علوم البيولوجيا التي تسير في طريق سليم للحفاظ على النسل البشريّ والأحيائيّ عمومًا من خلال التكاثر الطبيعيّ. لذلك يتطرّق من قول العالم فرويد الى فكّ الإرتباط بين ما هو بيولوجيّ ونفسيّ، لكنّ الفهم من قبل الكاتب (أو الكاتبة) بإتّجاه آخر هو على أساس كونه درسًا أساسيًّا في الحريّة البشريّة!! ويكون المزج واضحًا كخليط غير متجانس ما بين توجّه المرأة كونها إنسانًا قبل أن تنتمي الى جنسها، وبين أن يكون هناك جنس ثالث هو الجندر، كي يكون الدفاع عنه هو دفاع عن المرأة! وهذا لعمري خلط عجيب. فلا ننسى أنّ الحديث عن الجندر هو حديث عن ناتج من التأثير البيئيّ أو المحيطيّ كما أشرنا وبين المرأة التي خلقت بهذا الشكل، ولو كان بتحكّم مختبريّ في بعض الأحيان. فلا ضير، لكن في النتيجة هي إمرأة أو ناتج إنسانيّ له وجوده كما الذكر، ويتمّ التعامل مع الجنسين وفق القوانين الطبيعيّة، كونهما إنسانًا قبل كلّ شيء ثم على أساس الجنس إعتناء وتقديرًا لتلك الإنسانيّة فيما يتعلّق بفسلجة ذلك الإنسان. ولا ينبغي أن تكون الثقافة في التعامل مع المرأة نتيجة تلك التأثيرات السلبيّة في الثقافة المحيطيّة كما يصفها القرآن الكريم لأؤلئك الذين يشعرون بالعار حينما تلد المرأة أنثى: (وإذا بشّر أحدهم بالأنثى ظلّ وجهه مسوّدا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشّر به، أيمسكه على هون أم يدسّه في التراب، ألا ساء ما يحكمون). فترى القرآن الكريم يوصف هؤلاء الجهلة بأوصاف عديدة كسواد الوجه وكِظَم الألم أحيانًا. لأنّ الذي خلق المرأة ويخلقها كما هو الذي خلق الذكر ويخلقه، نتاج خلقه تعالى. لذلك كان التعامل مع المرأة في الشريعة كما ذكرنا بإنسانيّة عالية، إلّا من بعض المرويات التي تتعارض مع النصّ القرآني كما أشرنا. فكيف يكون الحكم على قول أو تصرّف دون دراية كاملة بهذا المعنى أو التفسير أو على الأقل وجهة نظر أخرى تخالف ما يتطرّق إليه المرء؟
ولنا عودة أخرى إن شاء الله تعالى.
د. مؤيد الحسيني العابد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التعداد العام للسكان في العراق.. نتائج وأرقام مهمة! • فرانس


.. الحرب في أوكرانيا: مُسيّرات تُسقط أجهزة إرسال على أهداف نهار




.. كيف سيطرت قوات المعارضة السورية على حلب؟ شاهد ما كشفته مقاطع


.. كيف أصبحت الكفيفة سارة منقارة صوتا عالميا لذوي الهمم؟




.. إيران تعيد صديق قاسم سليماني إلى سوريا لمواجهة هجوم الشمال