الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفلسفة والنقاب

محمد المناعي
باحث

(Manai Mohamed)

2023 / 12 / 22
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


أثار حضور منقبة ليبية في ندوة لجمعية فلسفية تونسية نقاشا وجدلا واسعين بين صنف مساند مطلقا للفكرة من باب تبني هذا اللباس والفكر الذي يرمز له وهذا التوجه شائعا في تونس وانتشر خاصة بعد الثورة مع انفلات الحركات السلفية وحرية اتصالها بالمجتمع ونشر ثقافتها، صنف ثان وإن كان لا يتبنى الفكر السلفي فإنه يدافع عن الظاهرة اعتقاد منه أن الأمر له علاقة بالتدين وبالمقدس وهذا شائع أكثر في مجتمع محافظ كمجتمعنا . وذهب صنف ثالث إلى استساغة حضور منقبة في ندوة فلسفية من باب حسن ظنه بالفلسفة وتشيعه لها وبأن أبوابها مشرعة للجميع ولا حدود للفكر الإنساني ... وآخرون دعموا الفكرة من باب الشفقة من زاوية أن المعنية ضحية لمجتمع فرض عليها لباسا معينا وتحته تحاول التمرد عبر الفلسفة ولكل مبرراته فيها ماهو الوجيه وفيها ماهو الانطباعي العامي.
في المقابل هناك من يرفض ورفضه لا يتعلق بالشخص نفسه بل بتطبيع أنصار التقدم والحداثة والفكر مع مظاهر جديدة فرضتها التيارات السياسية المتطرفة على المجتمع زحف نفوذها حتى على الحلقات العلمية والفكرية .
ويبقى التبرير الأكثر إثارة للجدل في كل هذا هو المبني على فكرة الحرية وخاصة حرية اللباس وحرية المعتقد وهذا الموضوع أخذ حظه من النقاش في تونس خاصة مع صعود تيارات الاسلام السياسي للسلطة وانتشارها في المجتمع بعد الثورة 2011 كما نوقش في الجامعة وفي الفضاءات التعليمية وفي المجتمع المدني وقسّم النخب والمجتمع إلى قسمين قسم محافظ مستند على استعداد ايجابي لدى المجتمع لقبول كل ما له علاقة من قريب أو بعيد بالمقدس دون حتى التثبت من مدى علاقة هذه العادات بالأديان وقسم حداثي يرى في هذا الرمز واجهة لفكر متطرف مرفوض .
لذلك فإن طرح موضوع النقاب من زاوية حرية اللباس يطرح اشكالا، حقيقيا هل النقاب مجرد لباس لتنسحب عليه قاعدة حرية اللباس؟ أم هو رمز وواجهة لمنظومة فكرية متكاملة ؟ منظومة يترتب عليها توجه سياسي وتصور مجتمعي واضح الملامح ؟ وبالتالي يصبح الحديث عن اللباس أمرا ثانويا أمام ما يخفيه من فكر.
عادة من يسارع في تبني فكرة حرية اللباس يكون غير ملم لا بالمنظومة الفكرية الحداثية التي أنتجت حرية اللباس ولا بالفكر النقيض الذي فرض على تلك المرأة أن تظهر بذلك اللباس.
فالنقاب كما يعلم أي مطلع هو جزء من منظومة ايديولوجية داخل المجتمع نتجت عن تراكم عادات بعض الشعوب ومزجها بقراءات متطرفة للنصوص الدينية لتنتج فكرا موقفه من المرأة يلخص تصوره المجتمعي وموقفه من الديمقراطية يلخص توجهه السياسي ، فمجتمعيا يعتبر المرأة دون مرتبة الرجل ناقصة يجب ألاّ تختلط مع غيرها من الناس ولا تخرج من منزلها إلا لبيت زوجها أو للمقبرة وعليه لا تشتغل ولا تتعلم . لكن في الأثناء فرض الواقع استحالة تطبيق هذا السجن الجماعي المبرمج والمسلط على النساء فتم إقرار الخروج بغطاء يخفي كامل الجسد ويجعل من وجود المرأة في الفضاء العام دون مرتبة إنسانة كاملة بهويتها وموقفها واستقلال قرارها . نفس هذا الفكر يعتبر أن مصافحة المرأة أمر مخالف للدين وسفرها دون مرافق من أسرتها كذلك وشاع هذا خاصة في الشرق وانتقل إلينا عبر الفضائيات والتيارات السياسية المتطرفة . هذا الفكر لا يعتبر أن صاحبه حر في اختيار سلوكه ولباسه بل يعتبر أن هذا الفهم للحياة وللدين هو الفهم الوحيد الصواب وهو مفروض على المرأة وليس لها معه خيار بل يعتبر فكرة حرية اللباس فكرة كفرية وافدة لنشر الفساد والانحلال في المجتمع ويحذر من المساواة التي يعتبرها تحريف للإرادة الإلهية كما يتصورها ، زد أن لهذا الفكر رأي في الآخرين يعتبر السافرة كافرة ومن لا يصلي يستتاب أو يقتل فما بالك بمن يغير دينه لذلك لا يعترف لا بحرية رأي ولا معتقد ولا ضمير.
وفي السياسة يعتبر الخروج عن ولي الأمر وان كان ظالما محرما وطاعته واجب مقدس ويحرم بذلك الديمقراطية ويعتبر كل تقليد للكفار كفرا ولهذه الإيديولوجيا أدبيات تتبناها الحركة الوهابية والسلفية الجهادية والتحرير وحتى بعض المتحمسين للفكر الإخواني.
في المقابل ثقافة الحرية ، حرية المعتقد وحرية اللباس ثقافة أخرى في الضفة الأخرى ليست ثقافة ساذجة ترفع كشعار فقط وتستوعب داخلها نقيضها كما يراد تسويقها من بعض النخب المستنيرة ظاهرا المحافظة في العمق بل هي ثقافة لها جذورها وركائزها وتناسق فكرها فهي ضد استعباد المرأة ومع المساواة ومع الديمقراطية ومع فصل المقدسات عن التنافس السياسي ومع اندماج النساء في المجتمع في التعليم والاقتصاد والسياسة كإنسان كامل الحقوق ومع رفض الاستعباد والعبودية بكل أشكالها بما في ذلك التقاليد التي تكرس التمييز ويعتبر أن الفضاء الخاص هو فضاء حر مطلقا من حق الإنسان أن يمارس فيه ما شاء بينما الفضاء العام فضاء مشترك يمنع فيه الإضرار بالآخرين وهذا المنع هو تنظيم للشأن العام ورفع للضرر وليس حد من الحرية فالتخفي مهما كان سببه ودافعه يعتبر تهديدا للآخر وعنف مسلط عليه.
هذا الفكر أيضا لا يدعم التوجه التعسفي لفرض لباس ما على الناس أو لطرد أفكار ما حتى وإن كانت متطرفة من أذهان الناس بل يعتمد توجه التغيير الذاتي عبر النقاش والاقناع وكذلك عبر التعليم وعبر المشاركة وإثبات الذات وعبر الفنون من مسرح وسينما وغيرها وعبر المشاركة السياسية والاجتماعية فبهذه الآليات تطرد الأفكار المتطرفة والتمييزية ولهذا كل هذا مرفوض من الفكر المقابل لأنه يهدد تماسكه ومشروعه في فرض ثقافة التمييز.
فالنقاش حول النقاب ليس نقاشا حول حرية المعتقد واللباس بل سجال بين منظومتين فكريتين الأولى تحاول استعباد الإنسان والثانية تحاول تحريره والارتقاء به وأهل الفلسفة هم الأكثر تسلحا أدوات التغيير وهم في طليعة المحمول عليهم رفض التطبيع مع التطرف لا تكريسه..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تؤثر وسائل التواصل على نظرة الشباب لتكاليف الزواج؟


.. الصحفية غدير الشرعبي




.. لوحة كوزيت


.. شاعرة كردية الحرية تولد الإبداع




.. اطفال غزة يحلمون بالعودة إلى ديارهم