الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل عرف السومريون القدماء مكه ووظيفتها؟.

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 12 / 22
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


من الحقائق التي يحاول بعض من يسمون أنفسهم علماء أثار أو الباحثين في أصل اللغات القديمة ولدوافع مشبوهة، ومنهم عرب وعراقيون وهذا ما يؤسف له حقيقة أن يدعوا أن ذكر "مكة" أو بيت مكة لم يأت في العربية إلا لاحقا وفي عصر متأخر جدا، والحقيقة أن بيت مكو أو "مكة" ورد في النصوص السومرية الرافيدينية القديمة لهذا اللفظ العراقي الفريد "بيت مكة" _ "إي _ مكة"، فيأتي المستشرف الذي يحمل أيديولوجية سياسية ودينية ويقرأ النص ليس بلغته الأصلية العراقي، بل بلفظها أجنبيا (E - Makh)، وهذا نقل حرفي من السومرية العراقية إلى اللغات الأربية وينطقها حسب ما هو متعارف في لغتهم (ئي _ ماخ)، وبذلك شاع هذا الأسم دون الرجوع لأصل اللفظ العراقي مثل ما فعلوا مع "عوراق" التي تحولت إلى "أوروك" لأن لفظ القاف لا يتوفر بلغة المترجم.
لكن ما جرى بشأن اسم "مكة" الذي يرد في الالواح المسمارية - أن المختصين الاجانب يسجلون الاسم في كتبهم بالأحرف اللاتينية بلفظ Makh بدون أي خط تحت حرف "H" وهذا هو أصلها فعلاً فيجب أن تقرأ "مكه" وأن تنقل الى العربية بلفظ "مكة" أو بيت مكة مع العلم أن العراقيون وحدهم وإلى زمن قريب لا يلفظو مكة مجردة بل "بيت مكة" وما زال الأطفال في رمضان يرددون اناشيد "الماجينة" التي يرد فيها المقطع "بيت مكة نوديكم"، و حرف "ئي" هو جزء من اسم "ئيل" رمز النسبة لله في مصل جبرائيل وميكائيل وهو لا يكتب كما هو شائع "إيل"، إلا أن المترجمين العرب لا ينتبهون- على فرض حسن النية - الى أن هذا هو لفظ الاسم الأصلي، ولا بأن أخر حرفين هما ( k + h ) ويقابلهما ( ك + هـ )، فيقومون بنقلها إلى العربية بلفظ "ماخ" على أساس ما تعلموه في الانجليزية بأن اجتماع الحرفين (kh) يعطي لفظ حرف الخاء المعجمة، بينما لو كأن أسمها القديم ماخ كان أستعيض بالحرف (خ) الذي يشبه الحرف "h" اللاتيني ولكنه مقلوب للفوق وعصاه معقوفه بينما حرف الهاء كما ورد يشبه نفس الحرف اللاتيني مقلوبا ولكن عصاه ممتدة قريبا من حرف "Y"، ولو كانت اللفظ ماخ ما ورد فيه حرف الكاف العراقي الذي يشبه حرف الكاف العربي تماما رسما ومنطقا، كما ورد حرف الهاء بعده بلفظه وصورته العراقية.
وبهذا التزوير والتحريف المتعمد والغبي يتحول اسم "مكه" الى لفظ "ماخ" . نعم للأسف هذا ما يفعله المختصون المترجمون العرب للكتب والبحوث التي باللغة اللاتينية لأولئك الاجانب، وينقلونها للعربية وكأنه حقائق موثقة من مصادرها الأصلية، إذا الكلمة في الاصل "ئي مكة" ولا وجود فيها لحرف الخاء المعجمة هذه بل هي "Makh" ويجب أن تقرأ وتنقل للعربية بلفظها كما هي لتعطي لفظ صوتي ماكه - ومع مراعاة حذف الالف التي هي حركة الفتح ( َ ) فوق الميم تصبح " مَكه " وقد وردت أيضا في المصادر المسمارية لفظة (Lu . Makh) باعتبار اسم أو لقب لصاحب وظيفية دينية او كهنوتية مشهورة، وهذا المنصب أو الشخصية ليست غريبة على اللغة ولا التسميات العراقية القديمة، فقد ورد لفظ "ل و" منفردا عن المنسوب له بمعنى صاحب أو أمر أو مدير أو معتزل وهو الأرجح بالتسمية، فمكة مكان أعتزال إبراهيم وبنية ليعبدوا الله هكذا في المعنى، وقيل أيضا لوي هو التواء الناس إليها أي يقصدونها بعد أن ينحرفوا عن الطريق الرئيس بين الشام واليمن.
الغريب والمستغرب في التعمد بالتحريف حتى لو جاء صحيحا بلفظه ودلالاته كما حدث مع ما سماها بطليموس عندما أشار إلى مكان مدينة سماها "مكه العروبه"، فيقوم من هم الأولى بنقلها كما هي بلفظها العربي فيحرفها وفقا للفظ الأعجمي ليشكك في وجود أسم عربي لها فيسميها "ماكاروبا"، فنجد ما يسمى مؤرخ تاريخ العرب " جواد علي" الذي رجّح اللفظ الأجنبي " ماكاروبا" وكأنه لا يعرف مكة العرب من سنخ هذا القول في كتابه المفصل، فقال " وإذا صح رأينا في أن موضع "Macoraba" هو مكة، دل على أنها كانت قد اشتهرت بين العرب في القرن الثاني بعد الميلاد، وأنها كانت مدينة مقدسة يقصدها الناس من مواضع بعيدة من حضر ومن بادين، وبفضل هذه القدسية والمكانة بلغ اسمها مسامع هذا العالم الجغرافي اليوناني البعيد، ودل أيضا على أنها كانت موجودة ومعروفة قبل أيام "بطلميوس"، إذ لا يعقل أن يلمع اسمها وتنال هذه الشهرة بصورة مفاجئة بلغت مسامع ذلك العالم الساكن في موضع بعيد, ما لم يكن لها عهد سابق لهذا العهد.
لو عدنا فقط إلى "كلاوديوس بطليموس" والذي عاش في القرن الثاني بعد الميلاد وقد تناول العرب والمسلمون كتاباته مبكراً بالاهتمام والترجمة إلى العربية قد تعرض في كتبه إلى ذِكْرِ مكة في كتابيْهِ " الجغرافية" وكتاب " ملحمة البلاد" وقد لفظها بلغته اليونانية باسم (Macoraba) "مكه عروبه" بفتح العين وضم الراء على وزن فعوله، وسبب التسميه الملحقة لأنها بيت أو مكان يقدسه العرب ويحج له في أيام العروبة وهي أيام الحج في أديان العرب القديمة منها الحنفية الإبراهيمية، تماما كما ورد في السومرية القديمة (لو مكه) أو (ئي _ مكه)، وهذا المخرج معزز برأي بعض المؤرخين والمستشرقين (كارل بروكلمان، موشي بيرلمان) الذين يعرفون مكة بانها هي المراد بقول بطليموس " مكربة “.. " مكة عروبه" (والتي يُسميها بطليموس "مكربة" تعليلا وليس قطعا ربما، لأن مكرب حسب العربية الجنوبية تعني " البيت"، "الهيكل" ) وتقع في الحجاز...".
من المضحك المبكي أيضا الذي يثبت وجود مكة ويحاول التلاعب بالدلالات والتسمية بأن يأت بتفسيرات أعتباطية لا صحة لها ولا وجود إلا في ذهنه، هو ما حسم الأمر به تشارلز فورستر في كتابه الجغرافية التاريخية لبلاد العرب، إذ يرى أن ماكورابا هي تحديداً "مكة" بل يؤكد ويستمر في كتابه لإثبات أن اصل التسمية كان "ماكورابا" بمعنى "مدينة الحرب" وأن مكة ماهي إلا اختِصار لهذه التسْمِية، واعجبي ومكة لم تشهد حربا في تاريخها كله ولم تقربها حرب.
أما ديودورس الصقلي والذي كتب تاريخَهُ في القرن الأول قبل الميلاد يذكر أن هناك بيتا وليس مدينة ولا موقع تحديد باسم "بيت" وسماه بيْتاً في جزيرة العرب يتعبد إليه العرب ويُقدِّسونه، تماما كما هي التسمية في السومرية "ئي مكة" بيت مكة وأنه يقعُ ما بيْنَ الثموديين والسبأيين .. وقد ذهب المؤرخين لترجيح أن هذا البيْت هو بناء "الكعبة" لتميزه كبيت الله وليس مدينة أو تجمع سكاني، فمعلوم أن الثموديين سكنوا شمال الحجاز في مدائِن صالِح تلك المدينة الأثرية في الشمال الغربي من جزيرة العرب وأن السبأيين سكنوا في جنوب الحجاز في بلاد اليمن في الجنوب الغربي من جزيرة العرب .. فعليْهِ يكون هذا البيْتُ الذي يُقدِّسُهُ العرب يقعُ في الحجاز غرب جزيرة العرب في منتصفِ الطريق بين الشمال والجنوب، وهو موقِعُ الكعبة المشرفة بيتُ الله الحرام الذي أجمَعَ على تقديسِها كل العرب، وهذا نص ما كتبه ديودورس كما ورد "وساكنوا هذه الأرض قرب الخليج والمعروفين ببني زومين يحصلون على طعامهم عن طريق صيد حيوانات الارض ويأكلون لحمها (احل لكم صيد البر والبحر)، وعندهم هيكل أقيمَ هناك وهو مقدس جدًا ويوقره العرب إلى أقْصى حد، وقد ذكر ذلك تأكيدا وجزما المستشرق الأسكتلندي السير ويليام موير ( W. Muir 1819- 1905 ) في كتابه حياة محمد يرى ان هذا البيت الذي عناه ديودورس لا يعني الا الكعبة، "لأننا لم نعلم اي بيت قدسه العرب جميعاً غيرها".
هذا البحث جزء يسير مما يمكن تقديمة للدلالة على وجود بيت الله أو بكة أو ئي مكة تاريخيا كبيت عبادة، وليس مدينة ولا محطة قوافل ولا تجمع سكاني ديموغرافي، ذكر كبيت تعبد وذكر معه العرب بأعتبار أنه بيتهم الوحيد، وما يشاع على أن هناك أكثر من مكة يحج لها الناس عند العرب، ما هي إلا توهمات عن محاولات قام بها البعض لغرض صرف الأنظار عن "بيت ئيل" أو "ئي _البيت"، أما لأهداف دينية منحرفة، أو أهداف أقتصادية أو أجتماعية لا تتوقف حتى بعد الإسلام عندما سرق الحجر الأسود، أو تحويل الحج إلى مكان أخر بسبب ما قيل عن وجود قطاع الطرق أو غيرها، كل هذه الأعذار والمبررات وبقت مكة كما هي بيت مكة أو بيت الرب أو مه العروبة قائمة ولا يجرح بوجودها أقوال البعض من هنا وهناك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مكه في عمف التاريخ
ابراهيم المصري ( 2023 / 12 / 23 - 19:12 )
شكرا سيدي علي ماتفضلتم به من معلومات قيمه تثري معارفنا لم أكن اعرفها فالف شكر وان كان د بهجت قبيسي قال ان مكه معروفه منذ 4000سنه فهي موجوده في السجلات الأكاديه

اخر الافلام

.. فولفو تطلق سيارتها الكهربائية اي اكس 30 الجديدة | عالم السرع


.. مصر ..خشية من عملية في رفح وتوسط من أجل هدنة محتملة • فرانس




.. مظاهرات أمام مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية تطالب الحكومة بإتم


.. رصيف بحري لإيصال المساعدات لسكان قطاع غزة | #غرفة_الأخبار




.. استشهاد عائلة كاملة في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي الس