الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رثاء بحق الصديق الكبير عقيل الخزاعي - أبو ذر

اسماعيل داود

2023 / 12 / 24
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


من الصعب وصف الصديق العزيز عقيل الخزاعي بكلمات بسيطة، إذ كان إنسانًا غير عادي، وقد ترك رحيله أثرًا عميقًا في نفوسنا مصحوبًا بحزنٍ كبير. وما يُزيد من هذا الحزن والألم هو عجزي عن وداعك يا صديقي، فآخر لقاء بيننا كان في بغداد منذ فترة طويلة، حين شاركتني خطتك لتعلّم الحاسوب وحرصك على استخدام الهاتف الرقمي للبقاء على اتصال دائم مع الأصدقاء.

بعد ذلك، اقتصر تواصلنا على المكالمات الهاتفية، كنت تسأل دائمًا عن أحدث تطورات اليسار في أوروبا. تسألني وبشكل مكرر: "ماهي اخبار اليسار الجديد؟"، و "ماهي اخبار حزب إعادة التأسيس" و"ماذا حل بإرث الحزب الذي اسسه غرامشي"! كنت دائمًا في حيرة عند الرد، كي لا أزيد من أثقال قلبك بهموم العالم، أو ان يُسهم جوابي في إحباطك تجاه مستقبلٍ غير مؤكد!

وجودك كان يملأ حياتنا بالمعنى، وسنفتقدك كثيراً يا عزيزي. كنت الصوت الواعي الذي يُنبه الناس إلى قيم الحياة والمبادئ. منذ البداية، عندما تعرفت عليك بواسطة صديقنا المشترك "باسل" في نهاية تسعينيات القرن الماضي. كنت أتساءل كيف يمكن للكثيرين ممن تعودوا الاسترسال بالتفاخر وحتى الادعاء، بأنهم يستسلمون بهذه السهولة أمامك، أمام صراحتك، وكأنك الضمير الذي يختبرنا جميعًا!

حتى اليوم، أتخيل دخولك لشارع المتنبي المزدحم لتكون لحظة فارقة، حيث يختفي صخب الكاذبين، ويتلاشى النقاب، ويبتهج قلب الناس البسطاء. حتى عناوين الكتب الجادة وان كانت مجرد استنساخ، كانت تجد في دخولك القوة، وتتفوق على العناوين الغنية بالألوان والورق الفاخر، فتُصبح هي البطلة!

كنت رمز للتضحية والايثار. أتذكر يومًا في زمن الحكم الفاشي البعثي، مررت بي في "محل الورد" في "عمارة الرصافي"، مكان اجتماعنا ومكان توزيع الكتب الممنوعة والمستنسخة لحلقة من الأصدقاء والرفاق. كالمعتاد، حملت كتبًا مستنسخة، وكنت متوترًا بشكل غير مألوف. سألتك، فأجبتني بقلق: "أحدهم يراقبني منذ دخولي لشارع المتنبي، حتى خروجي بالكتب المحظورة." نصحتك بأخذ الحيطة والحذر، وأن تهدأ، لكنك أجبت بثقة: "أحمل مسدسي ولقمته برصاصة." قلت لك: "لكن ما فائدة هذه الرصاصة أمام الحشود وكل اجهزتهم القمعية!؟ "لا إسماعيل" اجبت:" أنا لا أهتم بهم، ولكن هذه الرصاصة لأضع حدًا لحياتي أنا، إذا مسكوني بهذه الكتب، فأنا لا أتحمل التعذيب ولا أريد أن أخون أحدًا أو أعرّض الآخرين للخطر."

كنت خيط الحرير الذي ربط خرز حلقتنا التي امتدت لتشمل كثير من الناس، منهم السياسيين والمفكرين والمناضلين وغيرهم كثير. أذكر جيدًا كيف كان الدكتور سليم الوردي ينقل بواسطتي تحياته لك، يشكرك بحرارة في كل مرة يَصلُه منك عنوانٌ جديد. وكان يقول: "يا اخي، هذا الرجل صاحب فضل علينا ، هذا الرجل اسطورة في زمن ليس فيه اساطير".

كانت بساطتك تحمل عمق محير لنا كلنا، وكانت خياراتك المميزة دائمًا ذات معنى، ولذا علينا جميعا ان نعيد التفكير وان نحترم كل مواقفك وخياراتك حتى النهاية! لطالما فكرت بسبب اختيارك لاسم ابنك المستوحى من شخصية "أبو ذر الغفاري"، الصحابي المعروف بالالتزام الشديد بالمبادئ والقيم. تشير السجلات التاريخية إلى أن حِدّته أثّرت سلبًا على علاقته مع الخلفاء وأصحاب السلطة في حينها. فقد كان أبو ذر زاهدًا وعالمًا وصف بانه: "كان الرأس في الزهد والصدق والعلم والعمل، قوي البيان بالحق، لا يأخذه في الله لومة لائم على حِدّته في الأمور." كأنك في هذه الاختيار الرمزي تُبرز لنا من أنت او إنك كنت تبحث عن ما هو اعمق، تبحث عن من يَتَبع سُنّتك في الزهد والصدق والوفاء، من الاهل والأصدقاء و الناس عامة ....

أرانا يا صديقي متُشَوقين لنكون تابعين لك في هذه السُنّة وهذا الطريق...

لكنه طريق صعب في زمان أصعب، طريقٌ قل من ثَبُتت عليهِ اقدامه واستمرت خطواته...
الطريق التي كنت تعرفها وتجيد السير بها، ليست طريقاً هينة، لكن هذه مشكلتنا يا عزيزي، اما انت فتَرجَل أيها الزاهد، تَرجَل أيها ألنقيّ.. فقد آن الاون لتستريح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفيديو مجتزأ من سياقه الصحيح.. روبرت دي نيرو بريء من توبيخ


.. الشرطة الأميركية تشتبك مع المتظاهرين الداعمين لغزة في كلية -




.. حشود غفيرة من الطلبة المتظاهرين في حرم جماعة كاليفورنيا


.. مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في باريس خلال عيد العمال.. وفلس




.. على خلفية احتجاجات داعمة لفلسطين.. مواجهات بين الشرطة وطلاب