الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطر التيار الكيمتي على الأمن القومي المصري

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2023 / 12 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حسب ما يُسمى "التيار الكيمتي" في مصر فالعرب والمسلمين بمصر (مستعمِرون) وليسوا من السكان الأصليين، وفي لبنان أيضا (مُستعمِرون) وفي سوريا والعراق والأردن وشمال أفريقيا..إلخ..وهم أيضا مستعمِرون في فلسطين وإسرائيل مُحقة في طرد الفلسطينيين لأنها أرضهم ومن حقهم تحريرها من المغتصبين (لاحظ قلبوا الآية..صار الإسرائيلي صاحب أرض والفلسطيني مُغتصِب)

المشكلة التي صارحتهم بها قبل سنوات أن هذا التيار هو مجرد رد فعل على الدعشنة والأسلمة الإخوانية فقط لا غير، ومعظم نخبتهم ورموزهم (عيال مراهقين) وبضعة من (الأميين) في التاريخ والفلسفة والعلوم، ويسيرون بعواطفهم لتشكيل تيار (راديكالي يميني) باسم القومية المصرية في استدعاء حرفي لجريمة حزب الكتائب اللبناني الذي أشعل الحرب الأهلية اللبنانية في السبعينات بدعوى خطر الغرباء واللاجئين على الهوية الفينيقية..

الكيمتيون بالأساس تيار متطرف عنصري عدواني ضد الآخر لا علاقة له بالقومية المصرية التي سبق وأن ساهمت في عصر التنوير المصري بالنصف الأول من القرن 20م هذه الحقبة التي نشط فيها زعماء الهوية المصرية كأحمد لطفي السيد وبديع خيري وسيد درويش ..وغيرهم، والتي تنوعت وجهودهم في تشكيل الوعي المصري على أساس احترام الآخر واحترام الفنون (لا استعداء الآخر والحط من ثقافته)

علما بأن القوميين المصريين أول 50 سنة من القرن الماضي نشطوا في أجواء (سلام وتعايش وبناء) مع الأديان والهويات الأخرى، فكان استشعار الحنين للجذور المصرية ضروريا للبحث عن الذات وسط هذه الحروب المشتعلة من جانب قومي التي سميت لاحقا بالحروب العالمية، لكن الكيمتيين عكسوا الآية..فصارت حروب اليوم مبررا كافيا لإشعال الكراهية ضد الجنسيات والقوميات والشعوب الأخرى بدعوى خطرها على الهوية المصرية القديمة..(نفس تجربة حزب الكتائب حرفيا)..

وعن دعواهم بأن العرب والمسلمين استعماريين يجب طردهم من مصر، هي دعوة قرووسطية عنصرية تساوي في مضمونها حجج ودعاوى الصهيونية على اعتبار أن وجود بني إسرائيل في فلسطين أقدم من الفلسطينيين، فالسؤال لديهم (من الذي سكن أولا) ولو تتبعنا هذا السؤال لآخر مساره، فالوحيد من له الحق في أرض مصر وفلسطين هم أهالي (العصر الحجري)..!!!!!..شوف كمّ الغباء والأمية الذي يشع من منطقهم، فهذه ضريبة التفكير العنصري أنه قائم بالأساس على العاطفة الغبية والتعصب الضيق..

فلا اعتبار للدولة الحديثة في منظورهم، ولا مركزية القانون والدساتير والحدود الجغرافية، ولا اعتبار للتطور العلمي والإنساني الهائل على كافة المستويات آخر 300 عام ومن بينها التطور الأخلاقي الذي أسهم في استصدار أعظم ميثاق بشري في العصر الحديث وهو "ميثاق حقوق الإنسان" الصادر عام 1948م

في مقابلة منذ أيام قلت على أحد حلقات الأسبيس بتويتر أن مراهقي وعيال الكيمتية يزعمون تمثيلهم للقومية المصرية واحتكارها، قلت هذا غير صحيح، فالقوميون المصريون أغلبهم ليسوا كيمتيين ولا يرون هذا التيار ناضجا بل متعجرفا ويليق بالمرحلة الكارثية المعرفية التي نعيشها، فهم ظل الدواعش واستنساخ لطريقة تفكيرهم، فالداعشي والإخواني يُعادي الناس على أساس الدين والمعتقد، لكن الكيمتي يُعاديهم على أساس الجنسية واللون والقبيلة..

الداعشي يرى نفسه (حارس العقيدة) والكيمتي يرى نفسه (حارس الهوية)..!

إن أغلب من يُسمون بالصهاينة العرب في مصر هم من رموز ومشاهير "الكيمتية" فدعواهم لا تفرق بين ضرورة طرد العرب والأفارقة من مصر باعتبارهم مستعمِرين، وبين ضرورة طرد الفلسطينيين من فلسطين باعتبارهم أيضا مُستعمِرين، ومن يُلحِد منهم يرى في الإسلام خطرا يجب القضاء عليه لصالح اليهودية المُسالِمة حسب وجهة نظره..وكثيرا ما كنت أحذر من طريقة تفكير هؤلاء (العيال) الأسطورية، وبرغم أن أكثرهم صغار السن ومن قطيع ومراهقي السوشال ميديا لكن خدعوا بعض المسؤولين في هجمات ألكترونية منظمة بمواقع التواصل حتى تسببوا في الإضرار بالسياحة عبر منع العديد من حفلات المطربين ذوي الأًصول الأفريقية بدعوى أنهم خطر على الهوية المصرية، وهم المطربين الذين أبدعوا في دول عربية أخرى وساهموا في تنشيط السياحة والانفتاح، لكن بلاء الله على مصر بهذه المجموعة التي لم تنل الحظ الكافي من المواجهة..

ومن يعترض على هذا الرؤية النقدية

أولا: هذا النقد ضروري لإصلاح الذات وتبيان العيوب وإصلاح المسار، ومثلما يرفع هؤلاء شعار الحداثة فأول شرط من شروط هذه الحداثة هو (النقد) وحرية الرأي، وبالتالي لا معنى لتخوين الناقد واتهامه..فهذا يثبت وجود التعصب والإقصاء والمصادرة..

ثانيا: طرحت هذه الانتقادات في السوشال ميديا فكانت ردود الكيمتيين كلها – دون مبالغة – تدور في فلك واحد هو (السب والشتم + التخوين + القفز والاختزال + المصادرة والمنع + الاحتكار) وهي نفس علامات الدواعش والإخوان في ردودهم، حيث طرحت مقال أمس به إشارات علمية لم تجد أي رد علمي بل ردود يغلب عليها طابع العنف لا غير..

ثالثا: بعضهم يقولون أستاذ سامح يُعمم على كل الكيمتيين بالعنصرية، صحيح يوجد عنصريون بيننا ولكننا نرفض التعميم فالكيمتية جاءت لخير مصر ودفاعا عن مصر، والرد على هؤلاء: ليس من حقك رفض التعميم بالشر وأنت تُعمم بالخير، ليس من حقك وأنت لم تنتقد هؤلاء العنصريون في تيارك ولم تُصحح مسارهم وتقدم نفسك على أنكم منقذين لمصر، وفي نفس الوقت تنكر على العبد لله تعميم التعصب والعنصرية والبغي وضيق الأفق بينكم.

رابعا: الفارق بيني وبين الكيمتيين أنني أرفض العنصرية ضد العربي والمسلم والسني والمؤمن، مثلما أرفض العنصرية ضد الفارسي والتركي والمسيحي والشيعي واللاديني، لكن الكيمتيين يرفضون العنصرية فقط ضد المسيحيين واللادينيين، لكنهم يمارسون شتى أنواع العنصرية ضد العرب والمسلمين ، وفئة كبيرة منهم تمارس العنصرية والتحريض الطائفي ضد الشيعة والفرس..

خامسا: بعض الردود وقعت في مغالطة "الحرمان النسبي" وتعني التقليل من مشكلة العنصرية المتفشية بينهم لصالح التركيز على ما يسموه (خطر الأجانب) رغم أن مشكلة الأجنبي في مصر ليست محل نقاش لأن الفيصل فيها القانون، ومدارها على سلطات الدولة كونها واقعة تحت مسؤوليتها، فلا معنى لتحميل الأجنبي مشكلة عنصريتك البغيضة وأنت لم تثبت ذلك قانونا ببلاغ أو تحقيق أمني موسع يثبت دعواك، وغاية ما فعلوه هو إثبات لما أسميته (بالمراهقة الفكرية) كون هؤلاء لا يعتمدون على الدولة والدستور والقانون في صياغة أفكارهم بل على (أيديولوجيا) التفوق الذاتي العنصري التي يعاني منها نظرائهم في الدول الأخرى..

سادسا: بعض الردود كانت تعرض تعريفات مبتسرة للقومية المصرية وتعريفها على أنها ممثلة لكيميت وهذا تدليس، فالقوميون المصريون ليسوا تيارا واحدا أو فئة واحدة، وأكثرهم ضد التيار الكيمتي أساسا ويعادوهم بوصفهم خطرا على العرب وتهديد صريح للشعب المصري عبر استهداف مكوناته القبلية والعرقية ، والعمل على إحياء صراع أهلي غير واضح المعالم يصبح فيه كل من ينتمي للعرب أو يتحدث بلغتهم أو يدافع عنهم هو (خائن).

سابعا: طلبت قبل ذلك أن يدرس الكميتون تجربة "حزب الكتائب اللبناني" ليس بوجهة نظر سامح عسكر ولا رؤيته التحليلية، ولكن من رؤيتكم أنتم ووجهات نظركم أنتم، وقلت ذلك بهدف استرجاع تجارب المتعصبين القوميين في التاريخ..كيف كانوا وكيف أصبحوا، وهل يمكن استدعاء نفس التجربة أم لا..فالثابت عندي فلسفيا ومن تجارب التاريخ أن (المتعصب لا يمكنه رؤية جرائم أسلافه) وإذا لقي نقدا أو معارضة يسلك سلوك أسلافه، فتصبح دراسة تجربة حزب الكتائب اللبناني لهذا التيار الكيمتي ضرورة..لا أقول الحزب النازي الألماني، ولكن ادرسوا تجربة اللبنانيين فهم أقرب إلينا في الجغرافيا والتاريخ واللغة ويمكن بسهولة استنباط القيم والفوائد من تجاربهم..

ثامنا: التنوير قيمة عظمى ودستور علوي وفكرة كلية تجمع بين مجموعة من الأفكار والرؤى والانتماءات، وغير محصورة في فكرة واحدة أو قانون واحد أو هوية واحدة، فمن يظن أن بإمكانه الاستنارة من خلال إعلاء جانب الهوية فقط والتعصب له هو مخطئ، سيقع فيما وقع فيه الدواعش والمتطرفين من كل الأديان والقوميات ، فعناصر تشكيل الهوية ليست مُنتجا محليا خالصا بل هي مُنتَج عالمي يوجد عند كل الهويات والانتماءات، والنظر لتلك العناصر على أنها مُنتَج محلي يورطك في الاحتكار والمصادرة على الفور..

تاسعا وأخيرا: قريبا هكتب دراسات علمية وهقعد محاضرات في شرح وتحليل القومية المصرية لهذا التيار فمن الواضح أن فكرته عن القومية المصرية وتاريخها سطحية للغاية..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي