الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسألة الجنة والنار في الميزان

عبد الغاني بوشوار

2023 / 12 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وصلني من مجنون الحارة ما يلي:
"اسمح لي أن أوضح لك أيها العاقل بعض الغموض فيما يتعلق بمسألة الجنة والنار.
إن المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، كما تعلم، يعدهم الله بالفوز بالجنة في الآخرة جزاء بما كسبوا بأعمالهم الصالحة. ووعد الله الكافرين بالنار في جهنم، كما ورد في القرآن الكريم. والعدالة الإلهية تقتضي الثواب والعقاب على أعمال بني البشر جزاء وفاقا. على أنه تعالى غفور رحيم.
إن كثيرا من الناس أيها العاقل، يجهلون أن ساعة الدخول إلى الجنة وإلى النار هي يوم الفصل، أي يوم القيامة الذي يبعث من في القبور:" كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا"(الفجر 21،22). " يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ" (المعارج 12) ، وهو يوم الحاسب.
ومن أشراط ذك اليوم أيضا، كما ور في القرآن، "يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش" (القارعة 4و5)، إذا دكت الأرض دكا دكا ويسأل الانسان" أَيَّانَ يَوۡمُ ٱلۡقِيَٰمَةِ (6) فَإِذَا بَرِقَ ٱلۡبَصَرُ (7) وَخَسَفَ ٱلۡقَمَرُ (8)وَجُمِعَ ٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ (9) يَقُولُ ٱلۡإِنسَٰنُ يَوۡمَئِذٍ أَيۡنَ ٱلۡمَفَرُّ (القيامة 9).
هناك أوصاف أخرى كثيرة ليوم القيامة لا حاجة لذكرها لتستوعب ما أقصده: إنه اليوم الذي توزن فيه أعمال الخلائق. فمن ثقلت موازينه من الأعمال الصالحة فثوابه الجنة التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على بال من نعيم وحياة سرمدية.
ومن خفت موازينه فمقامه جهنم خالدا فيها وقودها الناس والحجارة، فهو العذاب الحريق. وليس للكافر في جهنم حميم ولا طعام إلا من غسلين فذلك هو اليوم الموعود والآية واضحة: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا(النساء56).
إنه من حسن أخلاقنا ومحبتنا لبعضنا البعض أن ندعو لأمواتنا بجنة الفردوس والمقام مع الصدقين والشهداء والصالحين، ويعد المتفيقهون كل من فجر نفسه وقتل من حكموا عليه بالكفر بالجنة حيث أغروهم بالتمتع بالحور العين والغلمان ولحم طير مما يشتهون ووديان من خمر لذة للشاربين إضافة إلى كل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين.
هناك اعتقاد لدى كثير من المسلمين، بأنه بمجرد الوفاة، ستفتح له أبواب الجنة مباشرة لمن كتب له أن يكون من الفائزين برضاء الله. وهذا الاعتبار والإيمان من الأخطاء الفادحة والجهل المبين بالعدالة الإلهية وفهم النصوص الدينية مما يقود بعض الشباب إلى التجنيد واتباع أوهام المتسلطين والمتحكمين في عواطفهم مما يدفعهم للتصرف وفق أهواء المدلسين الأمر الذي يقودهم إلى الهلاك ومفارقة الحياة في زهرة عمرهم طمعا وتلهفا إلى نكاح الحور العين مباشرة بعد الهلاك وفناء الجسد.
ينسى كثير من المسلمين بأن الثواب والعقاب مرهونان بالحساب يوم القيامة ويستعجلون ولوج الجنة كأنهم متيقنين من دخولها، كما يتمنون أن يرمى الكفار وأعداؤهم في النار مباشرة بعد هلاكهم.
إن الاستعجال بالموعود من الجنة والنار يعكس جهل لناس لمفهوم النصوص الدينية وخصوصا سوء فهم القرآن وتدبره. وذلك من الامور الغيبية "وإليه يرد علم الساعة".
على أن الله قد خاطب ذوي الألباب في عدد من الآيات وحثهم على تدبر القرآن وعلمهم ما لم يكونوا يعلمون. وفوق كل هذا، فإن الإنسان لما سواه الله نفخ فيه من روحه، ومن هنا يأتي إيمان المؤمنين بخلود الروح لأن الروح "من أمر ربي".
فالحياة بعد الممات مباشرة ليست للجسد الذي يتحلل فلا تكون، إذن إلا للروح، في اعتقاد من يومن بوجودها وانفصالها عن الجسد بعد الوفاة. يشمل هذا حتى الذين يقاتلون ويقتلون في سبيل الله حيث ورد في القرآن قوله: "لا تحسبن الذين قتلوا فيي سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون" (آل عمران 3).
قد يظن بعض المتفيقهين بأن الحياة في هذا السياق تشمل أيضا الجسد وهذا بعيد كل البعد عن الحقيقة الثابتة ألا وهي الفناء. وقد وردت تفسيرات مختلفة عن هذه الآية، على أنها تركز على حياة الروح واختلفت في طبيعة الحياة ومكانها. ووردت أحاديث في وجودها في الجنة على شكل طير وأمر الله بعدم رجوعها إلى الجسد إلى يوم البعث والاتصال بالجسد. يكتنف كثير من الغموض مصير روح المؤمنين وروح الكفار.

لكن مما لا شك فيه والثابت علميا وواقعيا هو تحلل الأجساد عند الوفاة وتمازجها بالأرض فتصبح جزيئات تمتزج بذرات الأرض وتختلط بمكونات البيئة، وقد تجرفها الأمطار والرياح والزلازل إلى أماكن أخرى في العالم فضلا عن احتمال انتقال بعض من تلك الذرات إلى تكوين كائنات أخرى إلى ذلك اليوم الذي "تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار" (إبراهيم 48).

إن ساعة قيام الساعة يعتبر عند المؤمنين من الغيبيات ويردون علمها عند الله. ومع هذا، فقد ورد في القرآن عدد من العلامات كما بينت الآيات التي تقدم ذكرها أعلاه. إضافة إلى هذا وعلى ضوء العلوم الطبيعية الحديثة وتنوير عقول العلماء والباحثين، فإن الإنسان يدرك أن الحياة على كوكب الأرض مهددة بالفناء، واليوم الذي تدك فيه الأرض دكا قد لا يكون بعيدا واحتمال جمع الشمس والقمر وزلزلة الأرض من الاحتمالات التي يدرسها العلماء ويبذلون مجهودات لاتقاء شر النيازك وارتطام الأرض بأجسام فضائية.
فلو سلمنا جدلا سلامة الأرض من الآفات بما في ذلك من تفجيرها من قبل مجانين البشرية، واستحضرنا علامات يوم القيامة التي وردت في القرآن وأخذنا في عين الاعتبار المعارف التي توصل إليها الفزيائيون وعلماء الفضاء اليوم، فإن عمر المجموعة الشمسية التي يتواجد فيها كوكب الأرض الذي نعيش ونحيا عليه محسوب ومحدد.
يقدر العلماء هذا العمر ب 4,5 ألف مليون سنة مما تعدون عندما تأتي الشمس على نهاية وقودها حينها تتبل الأرض غير الأرض والسماوات....فهذه البلايين من السنوات أمد طويل لا يدرك كثير من الناس أن الانتظار قبل قيام يوم الفصل طويل وقد يستمر الانتظار بلايين السنين، ولا يوجد دليل مقنع بالثواب والعقاب مباشرة بعد الوفاة، سواء تعلق الأمر بالجسد أو بالروح.
على ضوء ما تقدم، فإن الاستعجال في الدخول إلى ملكوت ما بعد الحياة، أي بعد الوفاة، وهم لا دليل عليه لأن الساعة علمها عند الله. والعدالة الإلهية تقتضي الحساب قبل إصدار الثواب والعقاب على أحد فقد حرم الظلم على نفسه.
انتظروا يوم القيامة والحسبان إذا كنتم مؤمنين ليتم تحقيق العدالة الإلهية ولا تخاطروا بهلاك أنفسكم طمعا في نكاح الحور العين والتمتع بالحياة الخالدة في الجنة مباشرة بعد تفجير أجسادكم وتلبية دعوات المتاجرين بالدين والمستعجلين بيوم القيامة ولا: يسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ ۗ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ (الشورى 18).
هكذا يرى مجنون الحارة هذه القضية، أيها العاقل فتدبر مضمون ما ورد عليك."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية


.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟




.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي




.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ