الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - نصر حامد أبو زيد - تجديد الخطاب الديني1

عبدالرحيم قروي

2023 / 12 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تجديد الخطاب الديني ضرورة معرفية
ما قبل أيلول (سبتمبر) 2001 وليس ما بعده
نصر حامد أبو زيد
الحلقة الأولى

من الضروري في البداية إزالة الالتباس الذي يمكن أن ينتج عن كون الدعوة لتجديد الخطاب الديني يعاد طرحها اليوم بإلحاح بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر). وفي سياق الضغوط الأمريكية على العالم العربي والإسلامي لتعديل برامجه التعليمية، خاصة منها ما يرتبط بتعليم الإسلام. لا يحتاج الكاتب هنا لإبراز جهوده في مجال (نقد الخطاب الديني) خلال أكثر من ربع قرن، هي مجمل حياته الأكاديمية.
وهي جهود صارت مكثفة خلال العشر سنوات الأخيرة بصفة خاصة. الكاتب هنا لا يتعامل مع الأسئلة والإشكاليات التي يطرحها علينا الآخرون بقدر ما يتعامل مع أسئلة الواقع الراهن، وكثير منها أسئلة مؤجلة. أكثر الأسئلة المؤجلة تتعلق بحقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الأقليات، وهي الحقوق التي يمكن تصنيفها تحت مفهوم (العدل). وثمة أسئلة تتعلق بقضايا التعليم والحرية والديمقراطية والتقدم والنهضة.. الخ.
إنها قضايانا وأسئلتنا منذ عصر النهضة، الذي بدأناه في القرن التاسع عشر، وتعثرت مسيرتنا معها لأسباب عديدة، فتأجلت القضايا وتوقف حسمها من أمد ليس بالقريب. لا ينبغي إذن أن نتقاعس عن التعامل مع هذه القضايا وغيرها لمجرد أنها تثار وتنعكس علينا من مرايا الآخرين، فيركبنا العناد متصورين أننا بذلك ندافع عن هويتنا. ليست هويتنا هي (التخلف) ومقاومة (التطور).
ومن العبث أن ننحاز إلى صفوف دعاة (التجمد) باسم الدفاع عن الدين والهوية. وأخيرا فإن المعيار الذي علي أساسه نقيس الأمور يجب أن يكون معيار حاجتنا للتطور، ومقاومة (الجمود)، وهو المعيار الذي قامت علي بنائه أسس نهضتنا الحديثة، والتي لم تحقق كثيرا من طموحاتها، فتركت وراءها كثيرا من القضايا المؤجلة. لا سبيل أمامنا لاستئناف مشروع النهضة علي أسس أكثر متانة إلا أن نبحث عن أسباب إخفاقها ونواجه بشجاعة أسئلتها، أو بالأحري أسئلتنا، المؤجلة، وعلي رأس هذه القضايا قضية (تجديد الخطاب الديني).
1 ــ تقديم:
أتناول في هذه المقدمة مسألتين: المسألة الأولي علاقة (الخطاب الديني) بمجمل (الخطاب العام) السياسي الاجتماعي الاقتصادي الخ. المسألة الثانية معني (التجديد) ودلالته، آفاقه ومحاذيره حين يتصل بقضايا دينية، لا تنفصل بالضرورة عن قضايا الاجتماع والسياسة والاقتصاد. ولكن قبل الدخول في المسألتين لابد من تأكيد البديهيات، التي تتعرض للتشويه وتحتاج من ثم إلي الشرح والتوضيح. (الخطاب الديني) خطاب إنساني بشري شأنه شأن أي فرع من فروع الخطاب العام. إنه خطاب عن (الدين) وليس هو (الدين)، وهو من ثم قد يكون ــ شأنه شأن الخطاب العام ــ خطابا حافزا للتقدم والازدهار، وقد يكون خطابا محافظا يسعي لتأييد الواقع الماثل واعتبار (ليس في الإمكان أبدع مما كان). بل إنه قد يكون خطابا يقوم علي افتراض إمكانية التماثل التام مع تجربة الماضي التاريخية الاجتماعية السياسية، فيسعي لنزع صفة التاريخية عنها لتتحول إلي (يوتوبيا) يجب تحقيق نموذجها وفرضه علي الواقع الراهن ولو باستخدام القوة. نحن إذن إزاء أنماط ومستويات من الخطاب تتفاوت في مسعاها النقدي: في الخطاب الحافز للتقدم والازدهار يعلو دور (النقد)، نقد الواقع ونقد التراث، سعيا لبلورة إجاباتنا نحن عن مشكلات مختلفة من حيث الطبيعة والبناء عن المشكلات التي تعامل معها الأسلاف. هذا المسعي النقدي الخلاق لا يكتفي بنقد التراث ــ باعتباره خطابا إنسانيا أيضا عن (الدين) وليس هو (الدين) ــ بل يتناول بنفس المنهج النقدي تراث الآخر، متبعا خطوات السلف في الانفتاح النقدي الحر علي ثقافات العالم كافة.
وليس صحيحا ذلك الترويج لأكذوبة أن جيل الرواد منذ الطهطاوي حتي طه حسين مرورا بقاسم أمين وعلي عبد الرازق كانوا (مستغربين). إن نقد هؤلاء المفكرين الأعلام، الذين ذكرناهم على سبيل المثال لا الحصر، للتراث الغربي يتماثل في عمقه مع نقدهم للتراث الإسلامي. إنه (النقد) المبدع الخلاق المضاد للتقليد الأعمى، واتباع خطى الآباء دون تبصر. أليس النهي عن التقليد الأعمى للآباء من صلب دعوة القرآن الكريم؟ وإعادة الاعتبار لجيل الرواد تنقلنا إلى مناقشة مسألتنا الأولى في هذا التقديم: هل كان هذا النمط الإبداعي من الخطاب الديني المتمثل في خطاب رواد النهضة إلا جزءا من (الخطاب العام) الاجتماعي السياسي، الذي يمكن وصفه بخطاب (النهضة الحديثة) في مجالات السياسة والأدب والتاريخ والاجتماع؟ يكفي أن نذكر كتابات (طه حسين) و(محمد حسين هيكل) و(توفيق الحكيم) و(خالد محمد خالد) و(عبد الرحمن الشرقاوي) عن (السيرة النبوية) و(حياة محمد) عليه السلام، ونضعها في سياق الكتابة التاريخية للعبادي وتاريخ الفكر الإسلامي بصفة خاصة، ذلك الذي أنجزه (أحمد أمين) في موسوعته المعروفة. إنه خطاب (التجديد) العام الذي ينطوي في عباءته خطاب (التجديد) الديني. في الخطاب المحافظ الذي يسعي لتثبيت الواقع الماثل باعتباره "أفضل الممكنات" تحل الإيديولوجيا السياسية، في صورتها البرجماتية النفعية، محل النقد. ومن السهل للقارئ الناقد أن يتابع الكتابات التي انتشرت كالسرطان في الخمسينيات والستينيات عن (الإسلام والقومية العربية) أو عن "الإسلام والاشتراكية" ليدرك غياب البعد التحليلي النقدي في هذه الكتابات. ولذلك كان من السهل علي بعض ممثلي هذا النمط من الخطاب أن يجدوا تبريرا إسلاميا لخطاب السبعينيات السياسي الاجتماعي الاقتصادي، فتم اكتشاف أن (قانون الإصلاح الزراعي) مناف للإسلام، وأن قانون (ضريبة التركات) غير إسلامي، بل تم اكتشاف أن (التجارة في العملة) تقع في دائرة (الحلال)، وأن نظام البنوك الحالي نظام ربوي خارج عن قواعد الإسلام. وهذا الخطاب الإيديولوجي كان هو الخطاب الذي أسس مشروعية (شركات الاستثمار الإسلامية)، التي لم يعد ثمة حاجة لشرح ما انتهت إليه أحوال إيداعات المواطنين المخدوعين. في سياق الكشف عن بعد (الإيديولوجيا السياسية) في الخطاب الديني نكتشف حقيقته كخطاب إنساني بشري، ونعري أي قداسة مُدَّعاة قد يدعيها هذا الخطاب لنفسه. وهنا أطرح تحذيرا فحواه أن ممثلي هذا النمط الثاني من الخطاب الديني، وهم كثيرون وأصواتهم عالية مسموعة، قد يفهمون الدعوة لتجديد الخطاب الديني بأنها دعوة مدفوعة بأحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) من العام الماضي وتوابعه، وأنها من ثم مجرد دعوة لتحسين صورة الإسلام والمسلمين إزاء رد الفعل المعادي في الغرب وسعي الولايات المتحدة للتدخل في صياغة (خطاب إسلامي) ترضي عنه وتؤيده. ولعل في كثير مما يكتب وينشر في الصحف يؤكد هذا، إذ يفهم مصطلح (الخطاب الديني) باعتبار أن المقصود هو (الخطابة) في المساجد، (خطبة الجمعة) علي وجه الحصر والتحديد، وهو فهم قاصر. ليس المقصود بالخطاب الديني (الوعظ الديني) وإنما المقصود (الفكر الديني) في عمقه المعرفي. صحيح أن تجديد لغة الوعظ والخطابة مطلوب للتخلص من اللغة الرثة التي تسيطر في غياب (تعليم) حقيقي، لكن شتان بين تجديد لغة الوعظ وبين تجديد الفكر وإطلاقه حرا. بهذا المعني الأخير (تجديد الفكر) نتحدث عن (تجديد الخطاب). هذا تمييز واجب، لأن الدعوة إلي تجديد الفكر تنبع أساسا من الحاجة الملحة لتأسيس مجتمع العدل والحرية، لتأسيس الوطن (محلا للسعادة المشتركة بيننا، نبنيه بالحرية والفكر والمصنع). إن تأسيس هذا الوطن هو حلم كل مواطن، وعلى ذلك يجب أن تؤخذ الدعوة لتجديد الخطاب الديني في إطار الدعوة لفتح آفاق (الحرية) التي بدونها لا يزدهر (فكر)، وبدون (الفكر الحر) لا نجاح لأي مشروع، مصنع كان أو مزرعة دواجن.
هذا التحذير ينقلني إلي المسألة الثانية: معني التجديد وآفاقه ومحاذيره، وذلك من دون حاجة إلي إفاضة الحديث عن النمط الثالث من أنماط الخطاب الديني، نمط (اليوتوبيا)، التي تتجلي في صورة (ماض) يجب صياغة (الحاضر) وفق مثاله المتوهم. هذا خطاب ضد التاريخ وضد التراث وضد الواقع، وإن كان يجد في حالة (التزمت) الراهنة أرضا خصبة لترويج دعواه.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب