الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القيامة والعبور لخرافة الخلود

باسم عبدالله
كاتب، صحفي ومترجم

(Basim Abdulla)

2023 / 12 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كيف نشأت عقيدة القيامة والخلود، الثواب والعقاب؟ الجنة والنار؟ هي سلسلة عقائد غيبية لكنها في اطار الخيال الاعتقادي منهج عقلي واحد يركن للغيب البعيد ويرسم سبيل البحث في تراث ضخم، بحاجة للفحص والاختبار، ما مدى حقيقة معتقدات القيامة والخلود في امتدادها التاريخي، الوثني ومع الأديان الإبراهيمية، هل جسدت الحقيقة ام انها تطور خرافي امتد عبر السنين؟ نريد ان نبحر معاً في المصادر التي بحثت عقيدة القيامة والخلود، لنستشف من خلالها حقيقة هذا التراث الذي اثر على عقولنا وطريقة تفكيرنا. نفهم ونحلل معاً واقعية التراث الذي بين ايدينا بكل ما فيه من تناقض منطقي واستدلالي، وقد حان للعقل المستنير الرد على اسئلة كثيرة لم يستطع التراث الابراهيمي الرد عليها، فهل حقاً مثلت القيامة حقيقة الوجود بزوال الكون ويوم البعث من القبور؟ ماهي اهمية الربط بين تراث الوثنية والنصوص التوراتية في اظهار حقيقة القيامة؟ هذا ما سنبحثه في مقالنا هذا؟
ماهي القيامة؟
هي المثول امام الآلهة، الإله او الله، بعد اعادة نموذج وترتيب جسد المتوفي وعودة الروح اليه، لينال الثواب او العقاب على افعاله، البعث لجميع الخلائق الدنيوية، فلا ينال الخلود إلا بالأعمال التي ترضي الإله. منذ فجر التاريخ، قامت الحضارة المصرية القديمة، بتطوير العالم الروحاني ” البعث ” اي الحياة بعد الموت وذلك بحسب العقيدة الفرعونية، تمثل ذلك في تحنيط الجسد، كي يكون كما كان في الحياة الدنيا قبل الموت، ليكون مستعداً للقيامة، قيامة الجسد، فهناك الروح التي سكنت الجسد خرجت بعد موته وعادت اليه. لقد اظهرت النقوش والرسوم الروحَ بهيئات مختلفة على شكل طائر برأس انسان، يجوب عالم الارض والسماء، فهذه الروح تعرف جسدها الذي غادرته فتعود اليه، لهذا برع الفراعنة في تحنيط الجسد كي تهتدي الروح اليه ليقوم الإنسان جسداً وروحاً الى عالم الخلود. تحنيط الجسد كان ضمن اسرار الطقوس الدينية للاعمال الكهنوتية ولا يعرف سرها غير كبار الكهنة. ارتبط التحنيط بعقيدة البعث من اجل نيل الخلود في فوز الجسد بالثواب الإلهي. القيامة والخلود هدف الجسد المتعطش في بقائه خالداً في الحيز الروحاني، بحسب التاريخ المصري القديم، تأسست المعتقدات الروحانية للخلود والقيامة على ما فعله الانسان خيرا وشراً فهناك إله الخير وآخر للشر، وحياة الإنسان صراع بين الخير والشر، ولعل اهم مشاهد الايمان ببعث الجسد من جديد بعد الموت وقد دلّ بناء اهرامات ملوك الفراعنة حيث وضع فيها جثمان الملوك وعوائلهم مع بعض امتعتهم الشخصية، ليكون جسد الميت متهيأ لمجئ الروح فيستفيق من غفوته لتتعرف الروح على جسده فتتحد فيه ليحل الخلود في جسده، فهذا هو الاستعداد امام المحكمة الإلهية.
السومريون وعقيدة البعث :
استحدثت السومريون عقيدة البعث والقيامة من طائر الفينيق رمز العودة للحياة، بما يقابل طائر العنقاء عند العرب، فطائر العنقاء يرحل الى موطنه في فينيقيا تبني عشاً في شجرة ثم تموت في النار ومن رماد جسدها تخرج دودة بيضاء تتحول الى شرنقة لتخرج مها عنقاء جديدة تحمل بقايا جسدها القديم ثم تعود لموطنها. كذلك الإله تموز، قررت عشتار اعادته للحياة عن طريق العنقاء بعد ان حكمت عليه بالموت وقد درج السومريون والكنعانيون على الاحتفال بتموز بداية الربيع كي تعود الحياة للزهور والأشجار، فهي اعادة دورة الحياة، كذلك آمنت شعوب البوذية والهندوس بعقيدة القيامة، اذ آمنوا بالتناسخ اي عودة الروح بجسد جديد ويكون الحساب في الارواح بما فعلته من خير وشر في حياتها الدنيوية.
الفلسفة اليونانية والقيامة:
يزخر الفكر الفلسفي اليوناني بعقيدة الحياة بعد الموت وحساب الإنسان على افعاله فسقراط آمن بالحياة الروحانية للإنسان بعد الموت وما سيلاقيه الابرار في حياة ابدية، الموت في عقيدة سقراط يمثل محورا هاماً يعني عنده انفصال النفس عن الجسد، وقد عبّد افلاطون الطريق للعالم الروحاني بين الذات والجوهر، فصارت النفس مستقلة وقائمة بذاتها، فالميت عنده اما يحال للعدم، او تهاجر نفسه من مكان موت الجسد الى مكان آخر فالموت هو الدفاع لهجرة النفس من الحياة الدنيا الى الحياة الآخرة، فهذا عند سقراط حقيقة خلود النفس بعد الموت اي هي لا تفنى بفناء الجسد. هو انتقال الى حياة اخرى خالدة. وقد انتقلت تقاليد الميت بعد وفاته اربعين يوماً وهو تقليد خلال عهد الفراعنة مازال يمارسه المصريون وفي العراق وبعض دول الشرق وهي الايام اللازمة لتحنيط الميت وخلو الجسم من السوائل وتكفينه واعداده للدفن. انتقلت تقاليد الطقوس على الميت عقائدأ للتراث الديني القديم، فكما وضع الفكر الوثني والفلسفي عقيدة الموت والقيامة بعد الموت، اقتسبت الأديان عقيدة وفاة الجسد وربطته في الحياة الأبدية، لكنها طورت عالماً كاملاً في سيناريو الارواح منتقلة لمدى ابعد في الخيال الديني، لمعاني الروحانيات الى العالم المادي في روحانيات الموت والخلود وكذلك في مفاهيم الشر والخير وعقيدة الأيمان بالجنة والنار كواجهة لقياس اعمال الميت يوم الحساب. آمنت الأديان الابراهيمية، اليهودية، المسيحية، الإسلام، بعقيدة البعث والقيامة، واتخذت منها هدف الحياة الدنيا في قياس الإنسان امام المحكمة الإلهية.
الأديان الإبراهيمية والقيامة:
كانت اليهودية اول ديانة استنبطت عقيدة الايمان الروحاني للقيامة والخلود، يذكر سفر دانيال 2:12: " كثير من الذين ينامون في تراب الأرض سيستيقظون، هؤُلاَءِ إِلَى الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، وَهؤُلاَءِ إِلَى الْعَارِ لِلازْدِرَاءِ الأَبَدِيِّ " اي بمعنى القيامة، ومن يحكم بحسب اعماله الخيرة سينال الحياة الأبدية، وغيرهم الذي حكم عليهم بشر اعمالهم ينالون العقاب. فهذه العقيدة نقلت اصلاً من عقائد وحضارات سابقة اقتبست ذات الفكرة في الايمان بعقيدة الخلود، الحساب والعقاب. تؤمن المسيحية كذلك بعقيدة الخلود والحياة الأبدية، ففي انجيل يوحنا 28 : «... فَإِنَّهُ تَأْتِى سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِى الْقُبُورِ صَوْتَهُ، فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ» وفي الإسلام بحسب سورة النبأ : ... يَومَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفـًّا لاَ يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقَالَ صَوَاباً ” فعقيدة الإيمان بالبعث والحياة الأبدية، وعلاقتها بالموت والثواب والعقاب طورّت المنظومة الروحانية للغيب، فلقد كان الإنسان يسعى منذ فجر التاريخ للبحث عن حل مشكلة الموت وعدم ايمانه بفناء الجسد. هذا الأيمان رسخ عنده فكرة الإله الروحاني غير المرئي مثل وجوده كحاكم للبشرية فالحياة محطة عبور لدار الإقامة الأبدية، حتى صار معنى القيامة ان الموت لم يعد مخيفاً ليس فيه إلا طريق العبور للملأ الأعلى. كان الإيمان بالخلود في اليهودية تطور وثني للإله الروحاني في جميع انحاء العالم فله القدرة على صياغة الاحداث وحياة الإنسان، صار الإيمان بالآلهة الوثنية قروناً عديدة وقد خلد الإنسان القديم المعابد والاضرحة التي دلت على ولعه وارتباط عقله بالعالم الروحاني.
الدين المصري القديم وعقيدة الخلود:
صلى المصريون طلباً لعون الإلهة، واتخذوا منها املاُ للخلاص من انتقام الطبيعة، حتى اقاموا الشعائر والطقوس فالعلاقات بين البشر والآلهة احتلت المساحة الاوسع في حياتهم اليومية. حظيت بمصر في عهد قبل الأسر الفرعونية من قرى صغيرة الى مدن كبيرة للعبادة، وان المعبودات كانت وثيقة الصلة بهم في ازمنة اقدم حتى ان العديد من الباحثين اكد ان مجلس جميع الآلهة اندمجت في تشكيلات متفرقة الى مناطق ابعد ادت الى انتشار الآلهة المحلية القديمة، ساعد انتشار تلك الآلهة الوثنية الى تشكيل ديانة خاصة بمصر فصار ملوكها وحدهم لهم حق الاتصال بالآلهة وانتقلت العقيدة الدينية الى الملكية التي تمحور عليها الفكر الديني. عرفت مصر بالعديد من الآلهة الوثنية مثل ايزيس وآمون بعد قيام المملكة المصرية القديمة، تلك المعبودات ولدت حالة وجدانية الهمت المصريين وجود معبودات تعبر عن مشاعرهم. عبد المصريون آلهة حضارات اخرى فالإله بعل وعشتروت مصدرهم الديانة الكنعانية خلال زمن المملكة المصرية الحديثة. آمن المصريون القدماء ان الطبيعة امتلأت بقوى إلهية لا يمكن التنبؤ بافعالها وكانت الشياطين خدما لتلك الآلهة، على ان دور الشياطين وهي القوى الأضعف تطورت مع مرور الوقت فصار لها نفوذاً اكبر. اي ان الشياطين اشكال إلهية اقل شأناً إلأ انها تطورت واصبحت اكبر اهمية عندما تحولت لقوى شريرة. تتشابه افعال البشر والآلهة الى حد بعيد فالآلهة تأكل وتشرب وتمرض وتموت، تمتلك صفات بشرية فالإله ست اتصف بالعدوانية والإله تحوت اتصف بالحكمة، انماط لشخصيات معروفة. ان التطور الوثني للعقيدة الروحانية قدم لنا نموذج الخلق وقد وصفته عدة اساطير بالكلي القدرة، بالخالق، كانت آلهة اجدود في المثيولوجيا المصرية وهي مجموعة 8 آلهة ذكور واقرانهم الاناث في قرية الأشمونين المصرية، كل زوج منهما حمل معه مصادر الخلق الاربعة، مثل منهما على سبيل المثال الإله حح و ححيت الخلود والإله آمون وآمونت يمثلان الهواء، تقدم لنا الاساطير مفهوماً شبه واقعي للمرحلة التي تلت الخلق عندما جلست مجموعة من الآلهة على عرش ليحكموا مجتمع الآلهة وصراعها ضد قوى الفوضى قبل انسحابها من عالم البشر فنصبوا الفراعنة ليحكموا مصر بأسمهم.
المصريون والعهد القديم :
كان المصريون يربطون بين الآلهة واجزاء معينة من الكون مثل الارض والسماء والنجوم والظلام الموجود قبل الخلق، وهو لهذا اقتبس العهد القديم فكرة الظلام وجعلها النقطة التي ابتدأ بها الخالق في خلق الكون، على ان موقع الآلهة في السماء رغم قيامها بأدوار اخرى غير السماء اي على الارض حتى صار التواصل بين الآلهة المقيمة في السماء والآلهة المقيمة في الأرض، مكان لقاء يتعذر الوصول اليه وفي الفضاء الواسع خارج حدود الكون تسكنه آلهة اخرى بعضها عدواني وآخر شرير وهذه الفكرة المستخلصة من الفكر الديني عمل الخير والشر في ميزان الثنوية الكونية تصارعت فيه آلهة كونية متعددة الأطياف، كانت تجمعها آلهة كونية في الأرض والسماء، مما جعل طريق التعدد الإلهي هذا في ميزان الخير والشر ينحو من التعددية الى منحى التوحيد. لقد تم بناء المعابد لأنها الوسيلة الوحيدة التي آمن بها المصريون ان الآلهة انتقلت من عالمها البعيد لتحل في المعابد حيث سكنوا في الاوثان التي تم تشييدها لهم يسكن فيها الإله وسمح لهم بالتواصل معه عبر طقوس خاصة به وهو الإله الراعي للمدينة التي يسكن فيها فصار نفوذ الآلهة واسعا على المدن والمدن المجاورة. لقد ازدادت اهمية الإله اكثر اثر النفوذ السياسي لمدينة ما في اهمية الإله الموجود فيها. عندما تولى ملوك طيبة مقاليد الحكم واسسوا المملكة المصرية الوسطى في الالفية الثانية قبل الميلاد 2055 – 1650 حتى ازدادت اهمية آلهتهم لتشمل البلاد كلها كما كان الحال في إله الحرب مونت والإله آمون. امام هذا الفيض الواسع في تعدد الآلهة وتركزها في مدن العالم القديم، توحدت فيها صفات العظمة والقداسة فصار التعدد مصطلح يشير الى الإيمان بتعدد الارباب وهو اعتقاد ان ثمة قوة كونية تتصرف في الكون بالخلق فهذا التعدد نوع من العبادة التوحيدية، هو الشكل النموذجي للدين قبل تطور المعتقد التوحيدي، لقد ورث دين التوحيد ذات الإيمان بالعبادة في كل سماته الغيبية، عند الموت وتحول الجسد الى الخلود والقيامة لنيل الحساب، وان هذا الإله سريع الحساب. التوحيد اسلوب وامتداد تاريخي للتعدد، وقد نقلت عنه عقيدة الخلود والبعث.

الوصف الإسلامي لعقيدة القيامة :
لقد ذهب الفكر الديني الإسلامي الى الوصف الحسي للقيامة وكذلك ليوم البعث، للجنة والنار منتقلا بهما الى تحويل المشاعر الروحانية المبهمة الى مشاعر حسية. لقد صرحت الكثير من الآيات القرآنية صراحة الى الاحتواء الحسي لعقيدة الغيب في الجنة والنار ووصفتها اوصافاً دقيقة وكأنها صورة حسية يمكن تخليها في العقل والحواس حتى صار في مخيلة الإنسان يحتويها الحدس في رؤيا روحانية مادية. صار الجسد والحفاظ عليه شكلا من اشكال بلوغ الأبدية بغية الابقاء على مظهر الجسد، بل وزخرت الكتب الدينية على مدى آلاف السنين تعميق عقيدة البعث في العقول كي تستقر وتبقى لأطول مدى، ممّا مهد الطريق للكثير من خرافيات الفكر الديني الايمان بعذاب القبر، اي عودة الروح الى الجسد قبل ايقاع عذاب النار عليه كما ورد في سورة يس: ” قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ “ بل ويزداد الامر وضوحاً في وعي الميت واحساسه وهو في قبره يخاطب الغيب وقد انعدم الزمن في رحلة الموت كما ورد في سورة الروم: ” وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ “ فهذا امر بات من المسلمات عند الكثير من المؤمنين بعقيدة عذاب القبر وانها رحلة انتقال من عالم الموت لحياة الخلود. ان امتلاك الإله قدرات شفائية ” وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ” انطلقت من اكتساب ايزيس ” ام حورس ” قدرة شفائية كبيرة ووصفت بأنها راعية الملوك شكلت المحور الهام التي نسجت منها الاساطير بقدرة الإله في الهيمنة على الحياة والموت والشفاء وانتقال تلك القدرة لعقيدة التوحيد. انتقلت العبادة الوثنية الى نمط عبادة انصاف الآلهة وهو نوع من تطور الخيال اللاهوتي في الربط بين علاقة السماء بالارض. فلقد ظهر مصطلح نصف الإله Demigod يعني” رجل – إله ” لوصف الشخصيات الإسطورية يكون احد الوالدين إله والإنسان انتساب بشري. الإله الوثني الهندي كرشنا 1200 قبل الميلاد، هبط من مسكنه السماوي فوق سهول الهند عن طريق ولادة بشرية ليكون من خلال صلبه غفران خطايا البشر، وعلى صورة صلبه تبدو الثقوب على يديه مثلت هيئة الصليب المسيحي الروماني، وقد تشابهت العديد من الصفات بين المسيح الإله المصلوب على الصليب فكلاهما ولد من امرأة عذراء. انعزل كرشنا في الصحراء، تعميد كرشنا في نهر جانجز وتعميد المسيح في نهر الأردن. دهن كرشنا بالزيت من امرأة وكذلك المسيح، صلب الإله الوثني الهندوسي ساكيا 600 عام قبل الميلاد، ترك الملأ الاعلى كي يفتدي خطايا البشر ومن القابه ” مخلص العالم ” وقد جرب من الشيطان الذي عرض عليه كل ممالك الأرض لكنه رفض اغراء الشيطان، ان السيرة الذاتية لهذا الوثن هي نفس عقيدة المسيحيين الى المخلص يسوع الناصري فالمسيحية نوع من التعبد الوثني، في اطار بشري فكما اعلن عن نفسه نزل من السماء، وهو الطريق الى الحياة، والذي من رآه فقد رأى الأب، اي اباه الساكن في السماء. في المعتقدات الروحانية اعتقد المصريون ان الآلهة تتجلى في عدة صور فالروح البشرية مركبة من عدة اجزاء تتشابه معها ارواح الآلهة في تكوينها مع ارواح البشر، من هذه المكونات ” با ” وهو العنصر الذي يجعل الروح البشرية هي ذاتها تتجاذب مع الروح الإلهية وبدورها تؤثر في العالم المحيط. لهذا يمكننا ان نعرف سر الإتحاد بين الروحاني للبشر والروحاني للوثن، او الآلهة فكلاهما روح تتحد فيه الصفات ليكونا معاً وكأنهما من طبيعة واحدة ولهذا ظهرت عقيدة انصاف الإلهة مزيح من القوى الإلهية للوثن والروح البشرية التي تمتزج فيها الحياة وتعود بعد رحلة الموت الى الحياة، فكما ان الإله لا يموت، كذلك الإنسان خالد في عالم الخلود. في عهد اخناتون حوالي 1400 قبل الميلاد صارت الديانة الآتونية اقرب إلى الاستقلال حتى حلت محل الدين الرسمي للدولة فرفض اخناتون الاعتراف بالآلهة الأخرى مبتعداً عنها ومزبلا صورها فصارت ديانته تستقل شيئا فشيئاً وتختلف اختلافاً كبيراً عن الشرك وتعدد الآلهة، فهذه الديانة تمسكت بعقيدة وحدانية الألوهية رغم بعض السماح في اطار ضيق بحرية عبادة آلهة غير آتون. فلقد فسر علماء المصريات ان آتون كان مؤمناً بتعدد الآلهة لكنه لم يسمح في العبادة لغيره. لقد انجز الاستقلال الإلهي التفرد الحاسم بعقيدة القيامة اذ صارت الجزء المكمل لمبدأ الايمان بخلود النفس.
الإله الوثني وتطور قدراته وصفاته :
انطلق مفهوم التوحيد للإله من خلال الديانة الآتونية. تطور المعتقد اللاهوتي في التراث الديني الوثني عندما بلغ الإله الوثني صفات الإله الواحد المعبود غير المرئي في الإله مردوخ، وبطبيعة الحال ان يتطور مفهوم القيامة، ويكون منطقياً، وهو النموذج الراقي للعبادة الوثنية اذ حلت فيه كل صفات الإله الخالق، حظي بسمات العديد من الآلهة وتمثل في كيانه الوثني وجود تعددية في القوى الإلهية في كيان واحد. لم يتوصل الباحثون الى الإقرار القاطع بتفسير اعمق لتعدد الآلهة يفيد بوحدانيتها جميعا، لقد فسر جدل الباحثين ان الآلهة المنفصلة شكلت في النهاية إله واحد يكون عالمي الوجود، بما اظهر ذلك قدرة إله وثني تفوق سماته على اقرانه. بحسب Wallis Budge 1857 – 1934 عالم مصريات ومستشرق انكليزي ” ان العامة كانوا مؤمنين بتعدد الآلهة بينما احتفظت النخبة لنفسها الطبيعة التوحيدية للدين ودونتها في ادب الحكمة (1) " الادب المصري القديم كتب باللغة المصرية منذ عصر الفراعنة حتى سقوط مصر على يد الامبراطورية الرومانية ” بيد ان James Henry Breasted 1865 - 1935 ” عالم آثار ومؤرخ اميركي ومن اشهر علماء الآثار والمصريات، فذهب الى ان الديانة المصرية دعت الى وحدة الوجود اذ كانت قوة الشمس كامنة في جميع الآلهة (2)
تطور العبادة التوحيدية للإله الوثني :
بحسب Erik Hornung 1933 – 2022 عالم مصريات وآثار وبروفسور سويسري، اشار ان مصطلح الهينوثية ” الوحدانية المشوبة ” وتعني الإله الواحد عبادة إله واحد دون انكار الآلهة الاخرى الادنى منها، هي افضل ما يمكن ان توصف به الديانة المصرية. اقرّ Jan Assmann 1938 عالم مصريات الماني، ان مقهوم الإله الواحد قد نما ببطأ اثناء انبثاق المملكة المصرية الحديثة وان الديانة الآتونية كانت ديانة واسعة اذ كان آتون رب المصريين وشعوب آسيا وكان لا يفرق احداً في رعيته. نرى والحال هكذا ان مفهوم عالمية الإله اتخذ شكلا موسعا للعبادة، لقد تم التعبير عن الإله الواحد بشكل تلائم مع معتقدات الآباء، لقد كان آمون الإله الكلي القدرة في اواخر المملكة المصرية الحديثة، بينما كان في تاريخ اسبق يعادل ذاته مع عدة آلهة، لقد اقتربنا عبر التاريخ القديم لعقيدة الإله الواحد، بعد ان تجسد وكان محصوراً في مفهوم الالهة المتعددة حتى ادرك المصريون ان الإله الواحد قد انحسرت في ذاته صفات الكمال وتركزت فيه شمولية الكون. كانت تعبر رسومهم ونقوشهم الحجرية للآلهة تأملات وتجليات فكرية ينبق من خلالها تجسد الآلهة للبشر، هذا التجسد لم يكن في العالم الواقعي بقدر ماكان بطرق غير مباشرة، يتمثل التجسد في استحضار احساس روحانية الإله في عقل وخيال العابد، هدف التواصل وبحسب المعتقدات انتقال ارواح البشر الى عالم الآلهة اي ايمانهم بلقاء الآلهة في العالم الروحاني بعد الموت. قدمت التوراة ذات النموذج في عقيدة الإله الوثني وفي عقيدة الإله غير المرئي النموذج المتطور لإنصاف الآلهة. حتى قدم النموذج الكامل لعبادة الإله الواحد، الإله العالمي في اطاره العاطفي للأمة اليهودية (3) ” لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ، لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ إِلهٌ غَيُورٌ، أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ وَفِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ مِنَ الَّذِينَ يُبْغِضُونَنِي” فهذا الإله الغيور كان يريد العبادة والسجود له من بين بقية الآلهة. لقد اتخذ مفهوم البعث والخلود تطوراً اعمق فصارت الصيغ الدينية والجنائزية شكلاً لاهوتياً وطقساً اجتماعياً اتبع شكلياً بعث الروح فصار القبر برزخاً يسكنه الميت بانتظار القيامة ليوم الحساب. وكما اعطت اديان التوحيد تفرد الله الرقيب على الزمن، اعطى اعماراً مختلفة للبشر، هكذا فعل الإله تحوت، صار الزمن بيده، وصارت مسخنت آلهة الميلاد وشاي إلهة القدر، صاروا جميعا يتحكموا في حياة البشر. تاريخياً استمر تحنيط الجسد في العصر الروماني حتى دخول المسيحية لمصر فلقد وضعوا اقنعة للحفاظ على ملامح الوجه والجسد واستمر لف المتوفي بالكتان كما فعلوا مع يسوع المسيح، لكن هذه العادة لم تصل في تقاليدها الدينية للمجتمعات العربية خلال دخول الإسلام ارض الجزيرة العربية لكنها صارت نصاً قرآنياً ” ايَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ .. ” (4) ذلك ان الحفاظ على الجسد المادي للمتوفي كان يدلل على قوة أيمان الأمم الغابرة في عقيدة البعث. انتج تطور الفكر الديني الوثني في مصر، تطور نزعة الخير والشر، في تدخل الإله الوثني بمصائر الناس في اطالة اعمارهم او القضاء عليهم ان حل التدخل الإلهي في إلهين، إله شد رمزاً للحماية الإلهية من الشر، والإله بيتبي الذي نشأ في العصور المتأخرة للدين المصري رمزاً للعقاب الإلهي على السيئات(5) بحلول القرن الثالث الميلادي وتدهور الاقتصاد الروماني صار تقديس المعتقدات الدينية الوثنية حاجزا يتصدى له المسيحيون وكان على التحول الجديد في المعتقدات الوثنية ان ارتبطت الطبيعة البشرية بالإله فصار كلاهما في المعتقد المسيحي شخصا واحداً : " وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا " (6) حتى اندثرت معالم التاريخ الوثني بحلول القرن الخامس الميلادي، اختفت على اثرها الآلهة الوثنية واتخذت من الكهانة المسيحية مصدرا جديدا للتعبد، صار اتجاه المعتقد الجديد من عقائد الكنيسة القبطية. لقد كان المعتقد القبطي منحدراً اصلا من الديانة المصرية القديمة، ان نتاج الفكر الديني المعاصر نتيجة ازدهار المعتقدات الغابرة امتد تاريخها آلاف السنين، وهي اليوم3 ديانات كبرى، تتقاسم المعتقدات اللاهوتية بين اليهودية، المسيحية والاسلام. مثل التاريخ الوثني والاعتقاد اللاهوتي الغيبي في الكيان الإلهي نقطة ربط تاريخي لا انفصال فيها في النص المترجم : "لقد وُلد هذا الملك، في حين لم تكن السماء قد وُلدت، في حين لم تكن الأرض قد وُلدت، في حين لم يكن البشر قد وُلدوا ... في حين لم يكن الموت نفسه قد وُلد"(7) اقترن الخلود ببداية ايمان الإنسان في علاقته بالتاريخ الوثني واقتصر في بداية فجر العقيدة الدينية بالملوك لانهم اصحاب الطبيعة الخالدة فانتقل التقليد الديني بفعل التطور المثيولوجي الى عموم الشعب فصار القبر وما يحيطه من طقوس واستعداد لحياة القبر وعالم السماء وما اكتفه من عالم روحاني حتى تطورت عقيدة الخلود، واعتبر كتاب الموتى” شخصية المتوفي روحانية غامضة وتشير الى المتوفي يمكنه من خلال تلاواته اما يستوعب الآلهة في كيانه او ان يصبح هو نفسه تم استيعابه من قبلهم” (8) مثل الكتاب مجموعة كبيرة من النصوص الجنائزية التي قدمها المصري القديم، تتكون من التعاويذ، والتراتيل والأدعية، والصيغ السحرية والأسماء وكلمات القوة والصلوات، وقد وجدت قطع أو رسم على جدران الأهرامات والمقابر، ورسم على التوابيت لفائف البردي. تفيدنا ملحمة جلجامش التي تضمنت الاعمال الأدبية الكبيرة في بلاد الرافدين، تعلقت بحلم الخلود، الحلم الذي سبق انبثاق الأديان الابراهيمية، بل وجعلت حلم الخلود النتيجة الفاعلة لجعل العلاقة بين الإله الوثني والعابد تتخذ منحى عاطفي وروحاني معاً لا يريد العابد الإنفكاك عن الحس الروحاني والإنتماء في عوالم الآلهة، ” ... مغامرات جلجامش وخوضه الصعاب، قصة بطل الطوفان في بحثه عن الخلود. تؤكد الملحمة على صلاحية جلجامش للملوكية ولياقته البدنية والعقلية العألية وتمتّعه بالقوة (9) ويذهب الخيال الاسطوري من اجل نيل الخلود في هذه الملحمة هدف الحصول على نبات ليعيد اليه الشباب كلما تقدم به السن نبات موجود في عمق البحر، إذ أنّ جلجامش... يربط أحجاراً ثقيلة في قدميه ويغوص البحر ليجلب ذلك النبات وحين يحصل جلجامش على النبات السحرىِ يقطع رباط الأحجار الثقيلة عن قدميه ويصعد إلى الشاطئ ... النبات الذي حصل عليه ويسميه ” نبات دقة القلب “ ويقول له أنه سيأخذه معه إلى أوروك وعندما يصل إلى سن الشيخوخة سيتناول بعضاً منه ويجرب مفعوله انئذٍ وعندها، سيكون هذا اسم النبات ” الشيخ يصغر شاباً” (10) أسسّ الاعتقاد بيوم القيامة، اساس الايمان كذلك بعقيدة الخلود، فعندما خلقت الآلهة الإنسان قدرت عليه الموت، بينما احتفظت الآلهة بنفسها في الخلود، مما مهد الطريق الى خلود الإله غير المرئي، فكما نصح اوتنابشتيم Utanapishtim جلجامش لنيل الخلود، صار المطلب لنيل الحياة الأبدية اساس العقيدة المسيحية، وكما ان لاهوت الآلهة الفرعونية، اتحدث بناسوتها البشري، اتحد الناسوت المسيحي بلاهوته السماوي، فهذا الإيمان بالخلود قد كتبه يسوع المسيح لكل من يؤمن بلاهوته. ان اساس الإتحاد الوثني بين اللاهوت والناسوت قد جسد الدعاء المسيحي ” أبانا الذي في السماوات. ليتقدس اسمك. ليأت ملكوتك. لتكن مشيئتك. كما في السماء كذلك على الأرض” اذا كان الخلود الفرعوني والسومري، قد جعلا خليط الأفكار والتـأملات الروحانية في اتحاد عقل المؤمن ان موت الجسد في قبره بقاء الوعي حتى القيام من قبره وان روح الفرعون تسبقه للسماء، نراه في الأديان الإبراهيمية ان موت الجسد صعود الروح للأعالي فأن الله هناك في انتظاره للحساب. لم تحمل العقيدة المسيحية بخصوص القيامة من الموت اي معنى ذلك “ ان المشاكل الاساسية المتعلقة بالكفارة لإظهار اننا لا نحتاج إلى التدقيق في الاناجيل من حيث الموثوقية التاريخية بالنظر الى ان سبب وجود القيامة هو الكفارة وان لم يكن هذا منطقياً فمن المحتمل ان القيامة لم تحدث ابداً ” (11) بما ان الرحيل حاصل في حياتنا البشرية، جعل الإعتقاد بالخلود راسخاً في النفوس.
عالم الخلود والقيامة :
امتد تاريخ الإعتقاد المصري بالخلود آلاف السنين، رغم ان هذا الاعتقاد البدائي بشأن مصير الإنسان بعد الموت، شائع بين شعوب العالم القديم، فلقد كانت المعتقدات ان الموتى لهم عالمهم الخاص بهم في مكان تحت الأرض، ولم يفرق هذا المعتقد ان كانوا ابراراً او مجرمين. عالم تحيطه اسوار سبعة، في كل سور باب. لقد رسّخ الإيمان بقيامة يسوع رغم اخطائها المنطقية وفقدان ادلتها الاستدلالية ماهي إلا استمرار لتراث العقائد السابقة بخصوص خلود الجسد بعد الموت، حلم بقاء الجسد محتفظًا بشخصيته أو فرديته، على الرغم أن الجسد يتغير بطبيعته بشكل جوهري بعد الموت لكنه دينياً ارتبط بالقيامة. قدمت المسيحية تبريراً للقيامة رغم ان سيناريو القيامة كما كشفها انجيل متي لم تدل على واقعية منطقية غير انها جسدت مشهدا من افلام زومبي ” ... وَإِذَا حِجَابُ الْهَيْكَلِ قَدِ انْشَقَّ إِلَى اثْنَيْنِ، مِنْ فَوْقُ إِلَى أَسْفَلُ. وَالأَرْضُ تَزَلْزَلَتْ، وَالصُّخُورُ تَشَقَّقَتْ، وَالْقُبُورُ تَفَتَّحَتْ، وَقَامَ كَثِيرٌ مِنْ أَجْسَادِ الْقِدِّيسِينَ الرَّاقِدِينَ وَخَرَجُوا مِنَ الْقُبُورِ بَعْدَ قِيَامَتِهِ، وَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ، وَظَهَرُوا لِكَثِيرِينَ ” (12) هذه القيامة انسجمت تماماً مع الفكر الديني اليوناني الروماني كان هناك إيمان بخلود الروح، ولكن ليس بقيامة الجسد. حدثت القيامة الرمزية، أو ولادة الروح من جديد لكن لم يتم التعرف على القيامة الجسدية بعد الوفاة، الا في المسيحية التي فقدت تبريرها بشخص يسوع المسيح، في تناقض الأناجيل وسيناريو الصلب لم تقدم الاستدلال بواقعية القيامة. يعلم الإسلام أيضًا عقيدة القيامة، يوم القيامة، سيموت جميع البشر ثم يقومون من بين الأموات، ثم أن كل إنسان يحاسب على افعاله في سجل حياته بكتابين، أحدهما يذكر الحسنات، والآخر السيئات. بعد القيامة، سيتم وضع الكفار في الجحيم، وسيذهب المؤمنون المسلمون إلى الجنة، مكان السعادة والنعيم. هذا الوعد ذاته قدمه المسيح لأتباعه بخلود الجسد، شجع الكثيرين على تحمل المعانات بل والتخلي عن حياتهم مقابل تحقيق وعده. لقد اظهر الكاهن ترتيليان مدافعاً عن المسيحية، بعد ان كان سابقاً منهمكاً في ملذاته الجسدية، اعتنق المسيحية فصار الجسد الذي مارس به الزنا، عفيفاً بعد ايمانه بالقيامة: ” تمت طباعة آلاف الكتب عن نجاح المسيحية المذهل الذي حققته المسيحية في العالم الهلنستي، حول كيفية ظهورها من أقلية دينية لا تحظى بشعبية كبيرة الى ان غزا القلوب وعقول الملايين من الوثنيين ” (13) في الوصف ذاته، اسّس جلجامش الباحث عن الخلود في الاساطير السومرية، رحلة لعالم الخلود، جسّد ذلك الفكر التخيلي في استغاثة اشعياء ” تحيا امواتك تقوم الجثث استيقظوا ترنموا يا سكان التراب ” ذات الخط الذي انتهجه الفكر الديني، في ربط العقل الواعي بالسماء ” يَبْلَعُ الْمَوْتَ إِلَى الأَبَدِ، وَيَمْسَحُ السَّيِّدُ الرَّبُّ الدُّمُوعَ عَنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، وَيَنْزِعُ عَارَ شَعْبِهِ عَنْ كُلِّ الأَرْضِ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ تَكَلَّمَ ” (14) اذا كان الشكل الروحاني للإنسان مثل الطبيعة البشرية، فهذا يعني ان تكون الآلهة بشكل مغاير للإنسان ” لكن ظهور الآلهة كبشر عاديين جعلها ترتدي قبعة هاديس لتجعل من نفسها غير مرئية عن بعضها البعض.
الإله الوثني غير المرئي :
عقيدة الإله غير المرئي في هاديس جعلت البشر يقرروا بأنفسهم ان ارادوا ان يكونوا مرئيين ام لا، فأشعار الالياذة ” الملحمة الشعرية التي حكت حرب طروادة ” اظهرت الآلهة اثينا لأخيل وحده ولكن لا احد يراها (15) وهذا بطبيعة الحال الشكل الإلهي للخالق في الأديان الابراهيمية التي استندت على العقيدة غير المرئية للإله في الحياة الدنيا. سلط تاريخ الفكر الاسطوري الضوء على ” هاديس ” اله العالم السفلي وملك الاموات في الاساطير الاغريقية، حكم عالم الجحيم حيث يعيش بقصره في الجحيم وقد سيطر على الارواح البشرية بحسب افعالهم في الحياة الدنيا من صفات هذا الإله التخفي عن الرؤيا فلا يراه احد إلا لمن يريد ان يراه، ولقب الهاديس او الهادس يعني الخفي وفي ” مملكة هاديس تجري انهار ستيكس ... يجري حاملاً مياه الغفران روافد نهر ستيكس تصب في نهر اشيرون ... شملت سيطرته مملكة السماء ومملكة الارض .. ” (16) ان اتساع المنظومة اللاهوتية، بهذا الشكل الفريد في الوصف الخرافي تنتسب إلى إله غير مرئي، يحجبه الغيب عن الأنظار البشرية، السماء والارض في قبضته، مملكته تجري من تحتها الأنهار، قادر على سلب الارواح ويقود عالماً للموتى، يربطنا بالصفات التي تمتع بها خالق الكون في العهد القديم، وفي تراث تاريخ الفكر الديني للإسلام، قدم لنا شكلاً اساسياً في بناء العقيدة اللاهوتية على مر العصور، فالخلود محاولات العقل، غريزة الخلود بعد الموت، لقد آن للعقل البشري ادراك ان المنظومة اللاهوتية حققت بحق المكاسب العقلية لكنها ابقت في الواقع ايديولوجية الفكر البيولوجي حياة لا خلود فيها بعد الموت. لقد قدم لنا التراث الاركيولوجي عبر مساره الطويل المضني، حقائق العقل البشري في بحثه عن الله عبر آلاف السنين، وقد قدم هذا البحث أن الإله مردوخ رغم وثنيته كان النسخة المحسنة، غير المرئية لإله العالم في عصرنا الراهن.
اهوال القيامة وخيال الخلود في الجنة :
ارتبطت اهوال القيامة مباشرة بالقضاء على نظام الكون وبفناء البشرية، حيث يكون الإله يهوه، او غيره من الآلهة الوثنية او المتعالية ” انكي ” ، ” انليل ” وآلهة الطبيعة ” إنانا ” ، ” عشتار ” ، ” المسيح ” قد كان لموتهم او وجود سلطتهم على الطبيعة والقيامة، لقد صور لنا اشعياء دمار العالم يوم القيامة : ” هوذا يوم الرب قادم قاسيا بسخط ... فإن نجوم السموات وجبابرتها لا تبرز نورها ، تظلم الشمس عند طلوعها والقمر لايلمع بضوءه” (17)
وتزداد الصورة اكثر رعباً للنظام الكوني ” فهوذا يأتي اليوم المتقد كالتنور وكل المستكبرين وكل فاعلي الشر يكونون قشا ويحرقهم اليوم الآتي قال رب الجنود ” (18 إله التوراة، الخالق للكون بنى العالم في ستة ايام، حان له يوم الانتقام : ” نَزْعًا أَنْزَعُ الْكُلَّ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ، يَقُولُ الرَّبُّ… أَنْزِعُ الإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ. أَنْزِعُ طُيُورَ السَّمَاءِ وَسَمَكَ الْبَحْرِ، وَالْمَعَاثِرَ مَعَ الأَشْرَارِ، وَأَقْطَعُ الإِنْسَانَ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ، يَقُولُ الرَّبُّ ذلك اليوم يوم سخط يوم ضيق وشدة, يوم خراب ودمار, يوم ظلام وقتام, يوم سحاب و ضباب ” (19)تذكر القرينة في متي استدلالاً بالعهد القديم ما يشير الى ان الدمار الشامل للكون يوم القيامة اتجاه وثني سار على نهجه الفكر الديني خلال تاريخه منذ انبثاقه ” ... وللوقت من بعد ضيق تلك الايام تظلم الشمس والقمر لايعطى ضوءه والنجوم تسقط من السماء وقوات السماوات تتزعزع حينئذ تظهر علامة ابن الإنسان فى السماء وحينئذ تنوح جميع قبائل الأرض ويبصرون ابن الإنسان آتيا على سحاب السماء بقوة ومجد كثير فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت ” (20) بل ان اقتباس النص الديني في اهوال القيامة من الأديان الأقدم انتقل كذلك للنص القرآني في الإسلام : ”اذا السماء انفطرت واذا الكواكب انتثرت واذا البحار فجرت واذا القبور بعثرت “ (21) يوم القيامة عظيم، يوم تقرع الساعة التي لهولها تتمزق قلوب الناس خوفاً ورعباً ” القارعة ما القارعة … يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش” (22) بل ان اوصاف الرعب الكوني وتفرد الإله في طريقة قسوته قد تطرقت لها الأحاديث النبوية على كثرة غزارة تلك الاحاديث التي وصفت يوم الفناء بما لا يوصف بأشكاله الارهابية ” إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة لرجلٌ يوضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه، ما يرى أن أحداً أشدُّ منه عذاباً، وإنه لأهونهم عذاباً ” (23) فكما ان للقيامة وجوداً مذهلاً في تدمير الكون، يكون لها بعداً روحانياً حيث الخلود بعد الدمار، في رحاب الجنة والنار ” ... أولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ” (24) ” ... أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ” (25) اذا كان استنتاج تدمير الكون في القيامة الوقوف على اصحاب الجنة والنار، والخلود فيهما، فهذا الخلود رمز لنا التدمير الشامل للنظام الكوني الذي اسسه الإله بنفسه، ولكانت القيامة شكلاً إلهياً مستقلاً عن موروث المعتقد الوثني: ” لما قتل المخلص اسكولابيوس اظلمت الدنيا واختبأت الطيور في اوكارها وطأطأت الاشجار رؤوسها حزناً واغتمت قلوب الناس لأن شافي امراضهم واوجاعهم فارق هذه الدنيا ” (26) تستدل القرينة بين وثنية المخلص اسكولابيوس والمخلص يسوع المسيح، في طريقة اتجاه الخرافة التي تخص الموت والقيامة، هذا الأستدلال يبطل بشكل فعال روحانية القيامة على انها حقيقة وجودية جسدها التراث الديني عبر العصور. لقد برهنت الأديان جميعا ان اقتباسات المعتقد خاصة في زوال الكون وخلود النفس كما اكدتها الكثير من المراجع الوثنية واديان التوحيد كلها صدرت من سراج واحد ” عندما حارب بوذا وامير الشياطين، سقطت الوف النيازك الهائلة وامتد الظلام وتكاثق الغيب، حتى هذه الدنيا ببحارها وجبالها اهتزت .. وهاجت البحار من شدة الزلازل .. ودكت رؤوس الجبال بما عليها من الأشجار .. واشتد هدير العواصف في كل مكان .. واحتجبت الشمس بظلام مدلهم وملئ الفضاء ارواحاً هادرة ” (27) لقد حفلت النصوص الوثنية والتوراتية بشقيها القديم والجديد والنصوص القرآنية، قادتنا للخط اللاهوتي ذاته وما استدل به ان القيامة والخلود، والمنظومة الكاملة لهذه التراث الحافل بخيالات العقل عبر آلاف السنين، وكما قال سليمان في سفر الملوك : ” لأَنَّهُمْ تَرَكُونِي وَسَجَدُوا لِعَشْتُورَثَ إِلهَةِ الصِّيدُونِيِّينَ، وَلِكَمُوشَ إِلهِ الْمُوآبِيِّينَ، وَلِمَلْكُومَ إِلهِ بَنِي عَمُّونَ، وَلَمْ يَسْلُكُوا فِي طُرُقِي لِيَعْمَلُوا الْمُسْتَقِيمَ فِي عَيْنَيَّ وَفَرَائِضِي وَأَحْكَامِي كَدَاوُدَ ” (28) ذلك لان عقائد الوثنية التي درج عليها آباء العهد القديم، قد جعلت الإيمان في القيامة والخلود مصدره تراث الوثنية، لن تغير قوافل الصالحين حقيقة الوجود الوثني في معتقدات القيامة، والعبود لخرافة الخلود، انتجت لنا ثراثاً كان بحق طريقنا للوصول الى الحقيقة.


المصادر :
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------
1- 1904 : The Gods of the Egyptians, or, Studies in Egyptian Mythology, Methuen & Co. ltd., Londres.
2- A History of Egypt from the Earliest Times to the Persian Conquest, New York. Charles Scribner s Sons. 1905
3 – سفر التثنية 5 : 9
4 – سورة القيامة : الفقرات 3 ، 4
5- Frankfurter، David (1998). Religion in Roman Egypt: Assimilation and Resistance. Princeton University Press. ISBN:0-691-07054-7. Page: 119-116.
6- انجيل يوحنا، الاصحاح الاول، الفقرة 14
7-Article: Royal Mummies: The Journey of the Kings of Ancient Egypt from Death to Immortality, by Wael gamal.BBC. 2021:
8- The book of the dead, British Museum,1920. Page 39
9 – ملحمة جلجامش، الدكتور نائل حنون، ترجمة النص المسماري، 2006 م – دمشق. ص 33
10 – ملحمة جلجامش، الدكتور نائل حنون، ترجمة المص المسماري، 2006 م - دمشق، ص 62
11- The myth of Jesus Resurrection, Jonathan Ms Pearce, April 16, 2022.
12- انجيل متي : 27 الفقرات 53 -51 .
Greek resurrection beliefs and the success of christianity, page 4. -13
14- سفر اشعياء 26 :19 25 : 8
15- Greek resurrection beliefs and the success of Christianity, page: 43
16 – موسوعة الاساطير العالمية ، حنا عبود، ص 364 – 365 ، دار الحوار، سوريا، 2008 .
17 – سفر اشعياء 13 :9 - 10
18 – سفر ملاخي 4 : 1
19 – صفنيا1 : 2، 3، 15
20 – متى 24 : 29-31
21 – سورة الانفطار 1 - 4
22 – سورة القارعة 1- 5
23 – صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة (4/ 111)، رقم: (3208 (
24 – سورة البقرة 81
25 – سورة البقرة 39
26- The history of the decline and fall of the Roman empire, vol 1, Edward Gibbon . pp.159-590.
27- القاهرة.، العقائد الوثنية في الديانة النصرانية، محمد بن طاهر البيروتي، تحقيق دكتور محمد عبدالله، ص –87
28- سفر سليمان الاول 33:11








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah


.. 104-Al-Baqarah




.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في