الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل صعود الإسلاميين هو مجرد ملءٍ للفراغ؟

محمد سيد رصاص

2006 / 11 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تسود,في الأوساط اليسارية والعلمانية,فكرة تقول أن مدُ الحركة الاسلامية,الذي بدأ منذ هزيمة حزيران واستمر طوال الثلث الأخير من القرن العشرين إلى الآن,هو ناتج عن فشل الحركات الأخرى,من ليبرالية وقومية وماركسية,في تحقيق مهماتها,وأن صعود الاسلاميين هو مجرد ملء للفراغ.
توحي المقولة المذكورة بأن المد الاسلامي لايحوي مهمات برنامجية,وأنه مجرد حركة اعتراضية على استبداد الحكام لاتقدم برنامجاً "متكاملاً",كما"تقدمه"الحركات االليبرالية واليسارية عندما تكون في موقع المعارضة.
لاتعالج هذه المقولة مسألة فشل الحركات الحديثة,الآتية إلى المجتمعات المحلية من مصادر غربية والتي لم تتجاوز حالة الإتباعية الفكرية:لايشمل ذلك العرب فقط,وإنما يشمل أيضاً روسيا القيصرية عندما لم تنجح فيها حركة ليبرالية حوت نوعاً من التبعية الفكرية-السياسية للغرب الأوروبي(=حزب الكاديت),فيما فشل الاتجاه القومي في الصين لما وضع نفسه في تبعية للغرب ضد اليابانيين والشيوعيين المحليين(=حزب الكيومنتانغ بزعامة شيانغ كاي شيك),بينما نجح اليساريون الماركسيون في روسيا والصين وفيتنام لما مزجوا يساريتهم ونزعاتهم التحديثية مع النزعة القومية,وهو ماينطبق على حزب ليبرالي ناضل وقاد عملية استقلال الهند,هو حزب المؤتمر.هنا ,نجد كيف أن عالمنا العربي قد حوى حركات ليبرالية وماركسية كانت تابعة فكرياً وسياسياً لمركزين عالميين,أحدهما في الغرب الأوروبي والآخر في موسكو,تفارقت وتعارضت الأولى(الليبرالية)مع نزعات الاستقلال عن المركز الاستعماري الغربي,فيما عارضت الثانية(الماركسية)النزعة القومية العربية,وأحياناً سكتت عن المستعمر لما تلاقت موسكو مع الغرب الأوروبي ضد هتلر,ثم دخلت في سياسات مدمرة لذاتها لما تماشت مع قرار موسكو بتشجيع قيام دولة اسرائيل.فيما نجد ,من جهة أخرى,أن فشل الحركة القومية العربية,بفرعيها الناصري والبعثي,لم يكن مقتصراً على موضوع(اسرائيل)وإنما امتد إلى موضوعات(الحداثة)و(التنمية)و(العدالة الاجتماعية).
عنى ذلك ,كله,أن وصول الحركات المذكورة إلى الطريق المسدود والفشل لم يكن ناتجاً عن أخطاء في التطبيق,وإنما يمتد إلى أبعد من ذلك بكثير ليصل إلى عيوب في التكوين(تثاقف مع أفكار خارجية أكثر منه حراك ذاتي اجتماعي أفرز قوة سياسية),ثم يمتد لفشل في تحويل هذا التثاقف الفكري السياسي مع الخارج إلى قوة ذات تمثيل اجتماعي داخلي كبير,وصولاً لعدم قدرة المعنيين على تبيئة الفكرة الوافدة في الثقافة المحلية,بعكس ما حصل لما صيَن ماوتسي تونغ الماركسية.بينما نرى,على صعيد آخر,أن الحركة القومية العربية قد كان صعودها مرتبطاً بعملية رد الفعل العربية على قيام دولة اسرائيل,وبعدم حل المسألة الزراعية,وبموضوع تحديث ورسملة البنى الاقتصادية-الاجتماعية الذي فشلت فيه الحركات الليبرالية لماكانت في السلطة,ليأتي فشل القوميين على خلفية اخفاقهم في تحقيق ماأصعدتهم القوى الاجتماعية للسلطة من أجله.
في هذا الصدد,يلاحظ ارتباط نشوء الحركة الاسلامية بحراك اجتماعي داخلي,واستنادها إلى قاعدة ايديولوجية آتية من النبع الثقافي الذي كوَن الهوية الحضارية-الثقافية للعرب.وهي عرفت مداً وجزراً بين العشرينيات والستينيات,إلاأن صعودها,بعد ذلك,لم يكن مرتكزاً أساساً على فشل الآخرين,أوعلى عدم تحقق برامجهم,بل على طبقات وفئات اجتماعية وسطى كانت متضررة من السياقات الاقتصادية-الاجتماعية-السياسية التي ولدَتها سياسات أنظمة الخمسينيات والستينيات,حيث كان بعض هذه الطبقات والفئات مدينياً في أنظمة استندت إلى قاعدة اجتماعية ريفية,فيما كانت ريفية الأصل قدم الكثير منه إلى الضواحي الفقيرة للمدن الكبرى في مصر وتونس والجزائر.,ويلاحظ الانخراط الكثيف لأغلب المنضوين بالحركات الاسلامية في العلم والتقنية والحياة الاقتصادية,وتأتي معارضة هؤلاء للأنظمة من شعورهم بأن من هو في السلطة لايمثلهم اقتصاديا واجتماعياً,وبالتالي سياسياً.كما يلاحظ ترافق نمو الحركة الاسلامية,منذ السبعينيات, مع موجة عالمية برزت فيها كنيسة روما كلاعب سياسي عالمي,وصعدت فيها الأصولية الهندوسية للسلطة في نيودلهي,وتزامنه مع تديين واسع لعناوين السياسة العالمية,وخاصة بعد(11أيلول),فيما نهض الاسلام إلى الواجهة,كعنوان رئيسي يتصدر المجابهة الفلسطينية,والعربية,مع دولة اسرائيل,بعد مرحلة تصدرتها القومية العربية,ومن ثم . بروز حركة فتح ذات الطابع الوطني الفلسطيني,والحركات اليسارية الماركسية الفلسطينية إثر هزيمة 1967.
هذا يعني بأن المسألة ليست ملئاً للفراغ,أوتعيشاً على فشل الآخرين,وإنما تعبيراً عن حراك اجتماعي جديد ,ترجم نفسه في ثقافة وسياسة,وفي برنامج اقتصادي-اجتماعي,وجد ذاته في موقع المتضرر من سياق السياسات القائمة للأنظمة على الأصعدة المذكورة,ماجعله في موقع المعارض لها,فيما تفرض حركات متمسكة بالهويات المحلية نفسها في المجتمعات التي تشعر بالتهديد من قبل الخارج العالمي المهيمن,وهي-كما عبر هنتنغتون في كتابه"صدام الحضارات"-"ليست رفضاً للحداثة,بل هي رفض للغرب وللثقافة العلمانية النسبية...........وهي اعلان استقلال ثقافي عن الغرب,اعلان كله كبرياء يقول(سنكون حديثين,ولكننا لن نكون أنتم)"(ص168,طبعة شركة سطور,القاهرة1997).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إبراهيم عبد المجيد: يهود الإسكندرية خرجوا مجبرين في الخمسيني


.. سياسي يميني فرنسي: الإخوان ساهموا في نشر الإسلاموفوبيا في أو




.. 163-An-Nisa


.. السياسي اليميني جوردان بارديلا: سأحظر الإخوان في فرنسا إذا و




.. إبراهيم عبد المجيد: لهذا السبب شكر بن غوريون تنظيم الإخوان ف