الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب الغرباء: نحو فلسفة إنسانية-وجودية جديدة [ج2] و[ج3]

إبراهيم جركس

2024 / 1 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


«2»
إنّ إرادة التوافق والاندماج مع القطيع والامتثال لقواعده وأعرافه هي إرادة غريزية وغير واعية، ويتجسّد فخّها المأساوي في أنّنا نُقنعُ أنفسنا بأنّنا أحرار، في الوقت الذي نكون فيه، للأسف، بعيدين كل البُعد عن الحرية والقدرة على الاختيار، لأنّ سلاسل التوافق طويلة جداً بحيث أنّها تمنحنا الوَهم بأنّنا نحيا وفقاً لإرادتنا الخاصّة وباختياراتنا الشخصيّة. وهذا بالضبط ما عَناه زوربا اليوناني عندما قال: "لَستَ حُرّاً، كلّ ما في الأمر أنّ الحَبل المَربوط في عنقك أطولُ قليلاً من حبال الآخرين".
مع أخذ هذه الملاحظة بعين الاعتبار، أحاول هنا أن أبيّن كيف أنّ الإنسان ينزع غريزياً إلى التّوافق والامتثال والإذعان، وأوضّح أيضاً كيف يمكن للفلسفة الإنسانيّة-الوجوديّة الجديدة أن تُحَرّر الإنسان من قيود القطيع أو ما يسمى بالمجتمع.
لماذا الإنسانيّة-الوجوديّة الجديدة؟... وهل هناك واحدة قديمة؟
في الحقيقة هناك مذهب إنساني قديم، ووجودية كلاسيكية أيضاً، وهناك الكثير من الأفكار والنظريات التي تدور في فلك هاتين الفلسفتين ودمجهما معاً، فضلاً عن دمجهما في مجالات إنسانيّة أخرى كعلم النّفس، وعلم الاجتماع، والعلوم البيولوجية والفيزيائية، والأدب.
لا أهدف هنا الخوض في تاريخ نشوء الأفكار والمذاهب لأنّ ذلك من شأنه أن يطول كثيراً، وأكتفي هنا بالقول أنّ الإنسانيّة الوجودية الجديدة تتركّز حول الإنسان ووضعه في الكون والمجتمع، وتسعى للكشف عن شرطه وحالته بالنسبة للوجود والعالم، وإعادة تعريفه في سياق هذا الإطار بعيداً عن أيّ تعريفات أيديولوجية أو اجتماعية أو دينيّة مهما كانت.
إنّها فلسفة هادفة نحو وضع مفهوم جديد للإنسان بعيداً عن أي افتراضات أو أحكام مُسبقة، ولا هي أيضاً بالفلسفة الدينية أو الإلحادية. إنّها ببساطة موقف طبيعي من العالم والكون. إنّها موقف الكينونة في مواجهة الوجود، وما هو موجود-هناك. إنّها منهج فطري وأسلوب حياة يعرّف الإنسان بحالته وشرطه الإنساني، ويكشف له عن مكانته في الكون وموقفه تجاه الموت والعَدَم.
لا أدّعي هنا أنّها فلسفة أصيلة، أو أنّها من بَنات أفكاري بالكامل، بل هي توليفة جدليّة بين أفكار وفلسفات مختلفة اعتَمَلت زَمناً في ذهني، وحاولتُ طويلاً إنضاجها، لكنّه طريقٌ طويلٌ وصعب، ولا يمكن لعمرٍ واحدٍ أن يخرج بفلسفة تحيط بكافة نواحي الوجود الإنساني.
لا يسعني سوى أن أقول أنّني أقف على أكتاف العظماء.
***

«3»
بالبداية هنا أريد أن أقدّم نموذجاً للإنسان المتوافق، الذي يمتثل بشكلٍ لا واعٍ لعادات القطيع وتقاليد المجتمع ويطبّقها بشكلٍ أعمى حتى يلقَ القبول عند أفراد القطيع الآخرين.
الإنسان، كائنٌ لا واعٍ.
الإنسان هو عقله غير الواعي، أمّا قناعه فهو عقله الواعي.
يمتصّ اللاوعي كل شيء يقع ضمن إطار ملاحظته، ويتمثّله. ويتضمّن ذلك كافة المُدخَلات الحسّيّة كالشّمّ والتذوّق واللمس والبصر والسمع. إنّه يتلقّى المعلومات من العالم الخارجي ويقرّر الاستجابة المناسبة، ثمّ يترشّح كل ما توصّل إليه من تصوّرات واستنتاجات إلى الوعي... إنّه يؤثّر على الوعي في عملية صنع القرار.
ذلك هو أسلوب الإعلانات. إنّها تقصف لاوعي الإنسان بوابلٍ من المعلومات لتترشّح لاحقاً إلى الوعي لتحديد خيار أو اتخاذ قرار. ولكن لا يكون الفرد واعياً أو مدركاً لكونه عرضةً لعملية تلاعب عقليّة داخليّة عميقة في اللاوعي.
إنّ القرارات القائمة على أساس الغريزة يُحَدّدها اللاوعي. يمكننا استخدام "الحديث" مثلاً كمقياس هنا، إذ كيف سيستجيب الفرد على سؤال ما إذا لم يكن يملك سوى بضع ثوانٍ للتفكير في إجابة؟
سوف يجيب بشكل غريزي. والغريزة هي اللاوعي.
يتمّ التلاعب بما في السينما مثلاً بشكلٍ غير واعٍ بنفس القدر الذي يتمّ التلاعب بنا بشكلٍ واعٍ. نحن نمتصّ ونتمثّل كل ما نراه ونسمعه على شاشة التلفاز، وهذا من شأنه أن يُطلق مواد كيميائية لجعلنا نستمتع بالفيلم أكثر ممّا يرضى به وعينا. الأفلام تعمل على مستوى الوعي.
ويعتمد الرياضي غالباً على غريزته في أدائه. والملاكم أو لاعب كرة القدم يعتمد على لاوعيه ليقوم باختيار أفضل إجراء له وبأسرع وقتٍ ممكن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ؟؟؟
جوان علي ( 2024 / 1 / 3 - 12:29 )
الغرياء .. نقد الثقافة.. والبيئة الاجتماعية وقيودها خصوصا .. تفيد بأن على الانسان لكي يتحرر عليه العودة الى الطبيعة أو العزلة .. اتجاهات فكرية عرفها التاريخ البشري قبل ظهور الفلسفة الوجودية في القرن الماضي .. مثل جان جاك روسو مؤسس النقد الثقافي وهرمان هسة صاحب لعبة الكرات الزجاجية .. الاول سلم بالعقد الاجتماعي والثاني انقذ كتبه من الحرق .. المهم الان هو الفلسفة الوجودية الجديدة .. الدخول في التفاصيل في الجزء الثالث كشف ضعف المفاهيم وعدم صمودها امام البحث العلمي .. القول بأن الانسان كائن لاواعي هراء .. ومطابقة الغريزة مع اللاوعي هراء ايضا .. الغزيزة هي قدرات سلوكية فطرية متوارثة تهدف الى ضمان أدامة الحياة .. اما اللاوعي فهي قدرات معرفية مكتسبة تنمو مع التجارب الحياتية وتصبح أكثر تعقيدا بمرور الوقت .. وفي كلا الحالتين يثبتان حقيقة مازالت سارية المفعول أن الانسان كائن اجتماعي .. لانها شرط أساسي لظهورهما .. تحياتي

اخر الافلام

.. مصادر مصرية: وفد حركة حماس سيعود للقاهرة الثلاثاء لاستكمال ا


.. جامعة إدنبرة في اسكتلندا تنضم إلى قائمة الجامعات البريطانية




.. نتنياهو: لا يمكن لأي ضغط دولي أن يمنع إسرائيل من الدفاع عن ن


.. مسيرة في إسطنبول للمطالبة بإيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة و




.. أخبار الساعة | حماس تؤكد عدم التنازل عن انسحاب إسرائيل الكام