الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل هناك استبداد ديني؟

محمد علي مقلد
(Mokaled Mohamad Ali)

2024 / 1 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



لا يخترع أحدنا البارود حين يتحدث عن أهمية الدولة. هي موجودة في مصر وفي الحضارات الدينية منذ آلاف السنين. غيابها يعني شريعة الغاب. لكن الدولة التي نكرر الكلام عنها ونطالب بقيامها ليست دولة الفراعنة ولا دولة هارون الرشيد، بل التي نشأت في الغرب الأوروبي بعد الثورة الفرنسية على وجه التحديد، ومعها بدأت عملية الانتقال من أنظمة الاستبداد إلى الديمقراطية.
روجت المركزية الأوروبية إشاعة عن"الاستبداد الشرقي" فصار المصطلح نوعاً من العرف تم التداول به كأنه من البداهات، مقابل اعتقاد مغلوط بأن الديمقراطية صناعة غربية. مع أن الثورة الفرنسية قامت ضد النظام الاستبدادي في أوروبا كلها على اختلاف ألقاب الحاكم، الملك أو القيصر أو الأمبراطور ، أو في البلاد الممتدة من المغرب العربي حتى الصين، كالسلطان والأمير والخليفة والشاه.
"الغرب"مسؤول، من أرسطو حتى هيغل وماركس، عن إطلاق "الإشاعة" والفكر الاستبدادي مسؤول عن ترويج الاعتقاد المغلوط. القارة الأوروبية نفسها قاومت تعميم الديمقراطية في داخلها طيلة قرنين ولم تقتنع بضرورتها إلا بعد حروب بين القوميات داخل القارة وحربين عالميتين. الرأسمالية الأوروبية أساءت إلى الديمقراطية حين أهملتها لتركز على الجانب الاقتصادي بحثاً عن استثمارات ومواد أولية وأسواق جديدة خارج الحدود، فغلب وجهها الاستعماري على وجهها كحضارة.
يقول الكواكبي "المستبد هو الذي ينفرد برأيه وأنّ أصل الدّاء هو الاستبداد السّياسي". الانفراد بالرأي يعني عدم قبول الرأي الآخر. إذن العلاج بسيط نظرياً: الاعتراف بالرأي الآخر والتشاور معه. قبل الكواكبي، قال الإمام الشافعي"رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي سواي خطأ يحتمل الصواب". هذا هو الأساس التي تبنى عليه عمارة الديمقراطية.
الاستبداد مصطلح سياسي، ما يظهر منه في المجتمع والدين والعائلة ليس سوى انعكاس لمنبعه السياسي. والاستبداد له أدوات. مثقف البلاط وفيلسوف القصر وكاتب السلطان ومفتي الديار في أيام السلطنة. من لا يتطابق عقله مع عقل السلطة يلقَ مصير ابن المقفع أو ابن حنبل أو غاليليه، والمعترضون إلى المنافي أو إلى السجون.
كاتب السلطان والعاملون في الحقل الديني، بحسب تعبير خالد زيادة، مهيأون أكثر من سواهم لخدمة المستبد لأنهم يستثمرون في الدين ويستظلون سلطة الحاكم. المستبد هو الإنسان لا الأفكار، رجال الدين وليس الدين. الأفكار وسائل إقناع، ينسب إلى الإمام علي قوله إن القرآن لا ينطق بنفسه بل يحتاج إلى رجال. هناك قرّاء ربّوا أجيالاً على التقوى وقراء صنعوا إرهاباً داعشياً. وقد أثبت التاريخ أن أديان الشرق كانت وما زالت أكثر تسامحاً من الأديان السماوية وأقل مدعاة وتبريراً للعنف.
الدولة الحديثة نجحت جزئياً في أن تضع بالديمقراطية حداً للاستبداد السياسي، لكنها عجزت أمام قوانين اقتصاد السوق. في الماضي حروب الأساطيل والحرير والتوابل والاستعمار، واليوم حروب التحرر وصراعات على مصادر الطاقة. استبداد اليوم مموه: حكام طائفيون وحروب أهلية وميليشيات ومافيات ونهب منظم وانتهاك للدستور. من الآن وإلى أجل غير مسمى لا حل متخيل خارج خيمة الديمقراطية.
المستبد المعاصر كقارئ النصوص الدينية. يستخدم التأويل والاجتهاد. الديمقراطية عنده أكثرية وأقلية وصندوقة اقتراع. والصحيح أن جوهرها ومنطلقها هو مبدأ الاعتراف بالآخر. بغيابه لا تكون انتخابات حرة، خصوصاً في مجتمعات يسودها الجهل وثقافة القطيع.
لا ديمقراطية من غير الحرية. الكواكبي مات مسموماً بسبب أفكاره. قتله الاستبداد السياسي الذي لا يقبل من أصحاب الرأي إلا من كان تابعاً أو أداة. في كتابه"طبائع الاستبداد" يتصدر سؤال الكلب للغزال، لماذا أنت تسبقني دوماً، وجوابه أنا أركض لنفسي وأنت تركض لصاحبك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لكن لاتوجد ديمقراطية دينية
منير كريم ( 2024 / 1 / 3 - 23:27 )
الاستاذ المحترم محمد علي مقلد
افضل عبارة في مقالك هي ان الديمقراطية تتطلب الحرية , فهل الدين يتضمن الحرية ؟ه
نتكلم عن جذور الاستبداد
الاستبداد يستند الى النظرية الجماعية وهي حقوق الجماعة فوق حقوق الافراد
والحرية تستند الى النظرية الفردية وهي البدء بالحقوق الفردية
افضل ماكتب في هذا المضمار
كارل بوبر : المجتمع المفتوح واعداؤه ( افلاطون وهيجل وماركس )ه
كارل بوبر : بؤس التاريخية
تالمون : الديمقراطية الشمولية
حنا ارندت : اصول الشمولية
وفي حاتنا لابد ان تكون الديمقراطية مستنيرة وعلمانية وحرة
شكرا لك


2 - الاخ الاستاذ منير كريم
nasha ( 2024 / 1 / 4 - 01:58 )
بعد اذن الاستاذ المقلد

عنوان تعليقك(لكن لاتوجد ديمقراطية دينية)

سؤال :وهل يوجد ديمقراطية لادينية ؟

هذه مغالطة يا استاذ! الديمقراطية جلبت حماس الى السلطة، والثورة الخمينية المليونية فازت باستفتاء شعبي عارم مثلته الثورة الايرانية ، اكثر تاثيرا من الديمقراطية.
الثورة البلشفية اللادينية الالحادية العارمة كانت بمثابة استفتاء ديمقراطي.
الاخوان المسلمين في مصر فازو بالسلطة بطريقة الانتخابات الديمقراطية.
وهكذا ايضا في العراق عندما حاولت اميركا تطبيق الديمقراطية.
الديمقراطية لا تؤدي الى الحرية هذه مغالطة.
الذي يؤدي الى الحرية هي ثقافة الشعوب، الشعب الذي يملك ثقافة استبدادية لا يمكن ان ينتج .حرية
مغالطة اخرى هي: شيطنة الحكم المطلق وممارسته في نفس الوقت
في الدول الليبرالية السلطة مقسمة الى ثلاثة سلطات مستقلة وهي
السياسية والتشريعية والقضائية وذلك لتفادي السلطة المطلقة وممارستها في نفس الوقت لماذا؟
لان السلطة القضائية = سلطة مطلقة
منبع السلطة المطلقة هو الدستور الذي يمثل ثقافة الشعب.
نفي المطلق هو مطلق
لا يمكن وجود نسبي دون الانتساب الى ثابت مطلق حتى في العلوم والتكنولوجيا

تحياتي




3 - لا ديمقراطية بدون حرية
منير كريم ( 2024 / 1 / 4 - 22:58 )
الاستاذ العزيز ناشا
لقد اخطأت فهمي فقصدي واضح ان الحرية شرط ضروري للديمقراطية
اما موسوليني ولينين وهتلر فهؤلاء انقلبوا على الديمقراطية
ما فعل الخميني ويفعل اردوغان هو تزييف للديمقراطية
المجتمعات في المنطقة العربية عنصرية وطائفية واستبدادية لذلك تحتاج الى مرحلة من التنوير حتى تنضج مقومات الديمقراطية
الطريق طويلة
شكرا لك


4 - الاستاذ منير كريم
nasha ( 2024 / 1 / 5 - 10:15 )
وافر الشكر والتقدير على ردك

اعتذر عن سوء فهمي لتعليقك الاول.

نعم الحرية الفكرية هي الشرط الاساسي لاقامة عدالة اجتماعية يرضى بها الجميع.، وكذلك شرط اساسي لاقامة مجتمع حر ديمقراطي دائم.

الحرية الفكرية هي معرض للافكار بمختلف انواعها واشكالها، المجتمع الحر المتنور هو المجتمع القادر على اختيار احسن الافكار الفلسفية والفنية وحتى العلمية والاكثر عدالة اجتماعية بدون .تدخل السلطات السياسية التنفيذية
شكرا لك عزيزي


5 - الثورة على الإستبداد بين أوربا ومجتمعاتنا
حميد فكري ( 2024 / 1 / 5 - 15:14 )
طرحت سؤالا على السيد الكاتب في مقاله السابق
وكان التالي : هل وجود مثل هذه الدولة (المقصود هو الدولة العلمانية الديموقراطية)، ممكن في بنيات مجتمعاتنا ، كالتي نعيشها اليوم ،أم يستدعي تغييرا جذريا في هذه البنيات؟

لم أتلق ردا منه ، ولا من المعلقين على مقاله.
لكنني وجدت الرد والجواب في هذا المقال .وكان التالي : الثورة الفرنسية قامت ضد النظام الاستبدادي في أوروبا كلها على اختلاف ألقاب الحاكم، الملك أو القيصر أو الأمبراطور ، أو في البلاد الممتدة من المغرب العربي حتى الصين، كالسلطان والأمير والخليفة والشاه.

إذن لوجود مثل هذه الدولة في مجتمعاتنا ،لا بد من ثورة على الإستبداد .وليس مجرد خطب إنشائية عن التنوير كما يزعم بعض ليبراليي آخر الزمان .
لكن الثورة على الإستبداد ،في مجتمعاتنا ، تختلف عن تلك التي عرفتها أوربا بحكم إختلاف السياق التاريخي بين المجتمعين ، فهي تستلزم أيضا ،التحرر من العلاقة الكولونيالية ،لأن هذه شرط ضروري لتلك.

اخر الافلام

.. يهود متطرفون يتجولون حول بقايا صاروخ إيراني في مدينة عراد با


.. كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط




.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-