الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشخصية الإدارية

هاني جرجس عياد

2024 / 1 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن التعرف على خصائص وأنماط وأنواع النفس البشرية أمر غاية في الصعوبة، فنحن كأفراد مختلفون فيما بيننا وهو ما جعل لكل منا شخصيته المستقلة التي تحتوي على خصائص وسمات كثيرة ساعدت بلا شك على تكوين الشخصية الإنسانية، فهناك العديد من الشخصيات المتباينة، حيث نجد الفرد المتوتر والآخر الهادئ، والفرد الطيب والآخر الشرير، والفرد الكسول والآخر النشيط، والفرد الانطوائي والآخر الاجتماعي ... إلخ. هذه الاختلافات في طبيعة الأفراد وأنماط شخصياتهم هي التي تقودنا إلى محاولة فهم طبيعة الشخصية الإنسانية من حيث مفهومها، ومحدداتها، والصفات العامة للشخصية، والنظريات المفسرة لها، وأخيرا عرض لأنماط الشخصيات الإدارية.
إن الشخصية لغة: مشتقة من فعل شخص، يشخص، تشخيصا. نقول شخص الطبيب المرض إذا حدد أوصافه وأعراضه. كما أن كلمة الشخصية في اللغة الأجنبية مشتقة من الكلمة اليونانية (Persona) وتعني القناع الذي يضعه الممثل المسرحي على وجهه ليتقمص الدور الذي يمثله.
أما الشخصية اصطلاحا: فهي مجموع التصرفات والسمات وطريقة العيش والتفكير. وهي تتكون تدريجيا منذ السنوات الأولى من عمر الإنسان بما يمر به من أحداث ونجاحات ومطبات. وألهم ذلك علماء النفس والفلاسفة عدة تفاسير وتعريفات تخص مفهوم الشخصية في علم النفس.
علما بأن الشخصية كانت ومازالت لم تستقر على تعريف موحد، فكل فيلسوف أو عالم نفس له تعريف للشخصية يراه مناسبا من خلال زاوية منظوره. ونذكر هنا نماذج لبعض التعريفات الفلسفية للشخصية:
1) الشخصية هي المجموع الكلي لاستعدادات الفرد العـضوية الـــداخلية ومـيــوله ونـزاعاته وشهواته وغرائزه وميوله المكتسبة.
2) الشخصية هي ذلك النموذج الفريد الذي تتكون منه سماته.
3) الشخصية هي ما يمكننا بالتنبؤ بما سيفعله الشخص عندما يوضع في موقف معين.
4) الشخصية هي ذلك التنظيم الثابت والدائم إلى حد ما لطباع الفرد ومزاجه وعقله وبنية جسمه والذي يحدد توافقه الفريد لبيئته.
5) الشخصية هي مجموع الصفات التي يتصف بها الفرد والناتجة عن عــــــــملية التوافق مع البيئة الاجتماعية وهي تظهر على شكل أساليب سلوكية معينة للتعامل مع العوامـــل المكونة لتلك البيئة.
يلاحظ من خلال التعاريف السابقة للشخصية أن هذا المفهوم يستند إلى أربعة افتراضات أساسية هي:
1) إن الشخصية تختلف من شخص إلى آخر من حيث الدوافع والميول والقيم والعادات والاتجاهات والقدرات ... إلخ.
2) تناسق وتكامل السمات العضوية والنفسية للشخص.
3) إن الشخصية تتطور وتتشكل من خلال عملية التفاعل الاجتماعي والتكيف مع البيئة.
4) إن شخصية الفرد هي المحدد الرئيسي لسلوكه.
والسؤال المطروح هنا ألا وهو: هل الشخصية هي نتاج الوراثة أو البيئة؟ وهل الشخصية تتحدد عند الولادة أم هي نتيجة تفاعل الفرد مع بيئته؟ إن الإجابة على هذه الأسئلة غير محسومة أصلا، لكن يظهر أن هناك اتجاها للأخذ بهاذين العاملين (الوراثة والبيئة) بالإضافة إلى عامل ثالث بدأ يحظى بالاهتمام ألا هو الموقف، ومن هنا فإن الشخصية هي محصلة عوامل ثلاثة هي:
1) الوراثة.
2) البيئة.
3) الموقف.
وتوجد مجموعة من الصفات العامة للشخصية تتمثل بما يلي:
1) إن الشخصية هي الكل المنظم للشخص، وهذه الخاصية تعطي الشخص الأهمية والمعنى.
2) من السهولة تنظيم الشخصية في أنماط يمكن ملاحظتها وقياسها.
3) إن الشخصية لها أسسها البيولوجية، إلا أنها تعتبر نتيجة للبيئة الثقافية والاجتماعية التي يعيش فيها الشخص.
4) يوجد للشخصية جوانب عميقة وجوانب سطحية. ومن أمثلة الجوانب العميقة العواطف المتعلقة بالأمور الدينية والقومية. ومن أمثلة الجوانب السطحية الاتجاهات نحو العمل لدى الفرد العامل.
5) تحتوي الشخصية على صفات مشتركة وأخرى مختلفة. فقد نجد شخصا يختلف عن شخص آخر في بعض الأمور، وفي نفس الوقت يتشابه مع الآخرين في جوانب أخرى.
وقد تعددت الأبحاث والدراسات التي قام بها فريق كبير من علماء النفس انحصرت نتائج دراساتهم في نظريات تفسر وتحلل سلوك الأفراد، ومن أشهر تلك النظريات ما يلي:
1) نظريات التحليل النفسي: هي واحدة من أشهر نظريات الشخصية في علم النفس، التي جمعت تحت ظلها آراء نخبة من المفكرين، والتي شدد من خلالها سيجموند فرويد على أهمية التجارب التي يمر بها الإنسان في مرحلة الطفولة وكذلك أهمية الأفكار التي تملأ العقل اللاواعي في تكوين شخصيته، فيما تنبثق لنظريات عدة مثل:
أ‌- نظرية سيجموند فرويد التي تؤكد دور ذكريات الطفولة المحوري والعقل اللاواعي وكذلك الأفكار الجنسية في تكوين الشخصية.
ب‌- نظرية إريك إريكسون المشددة على أن شخصية الإنسان تتكون عبر الحياة بأكملها، والمشيرة إلى خطورة أزمة الهوية.
ت‌- نظرية ألفريد أدلير المؤمنة بأن الرغبة في التفوق وتجاوز المحن هي ما تشكل الشخصية.
ث‌- نظرية كارين هورني التي تكشف عن أهمية العوامل الثقافية والاجتماعية في تشكيل الشخصية، إضافة لعلاقة الآباء بالأبناء.
ج‌- نظرية كارل يونغ صاحبة الفضل في شرح مصطلحات مثل اللاوعي الجمعي والأنماط البدائية.
2) نظرية علم النفس الإنساني: ركزت تلك النظرية المقسمة لقسمين، ومن بين نظريات الشخصية في الصحة النفسية، على مفاهيم شديدة الخطورة، مثل الإرادة الحرة والوعي الشخصي وكذلك علم النفس التنموي، لتكشف عن كيفية تحقيق كل شخص لأهدافه، عبر نظريتي روجرز وماسلو التاليتين:
أ‌- يرى كارل روجرز أن الإرادة الحرة هي ما تشكل الشخصية، وأن النزعة لتحقيق الذات هي الدافع الأقوى وراء السلوك الإنساني.
ب‌- يشير إبراهام ماسلو إلى أن الإنسان يتحفز بواسطة احتياجاته، التي تبدأ بالطعام والشراب، وتصل للحاجة إلى تحقيق الذات.
3) نظريات السمات: ينصب تركيز علماء النفس وراء تلك النظريات، على تعريف ووصف وقياس السمات، المسؤولة عن تكوين شخصية الإنسان، حيث تتفق آراء الخبراء التالية على أن فهم السمات الشخصية يعني إدراك طبيعة الاختلافات بين البشر.
أ‌- تكشف نظرية هانز آريزنك عن أبعاد الشخصية الثلاثة من وجهة نظره، وهي الانطوائية والانبساطية، الاستقرار العاطفي والعصابية، والذهانية.
ب‌- تبرز نظرية رايموند كاتيل دور 16 سمة شخصية في تحديد الاختلافات بين البشر.
ت‌- قدمت نظرية روبرت آر ماكراي وبول كوستا عناصر الشخصية الخمسة، وهي الانبساطية والعصابية والانفتاح تجاه التجارب والوفاق والضمير الحي.
4) نظرية الإدراك الاجتماعي: يبدو تكوين الشخصية وفقا لتلك النظرية، معتمدا على التعلم بالملاحظة والكفاءة الذاتية علاوة على القدرات الإدراكية، حيث يعتبر ألبرت باندورا هو العالم المؤمن بأسس تلك النظرية، القائمة على التعظيم من شأن التعلم الاجتماعي أو التعلم بالملاحظة، علاوة على التشديد على دور الاعتقادات الخاصة في التأثير على القدرات.
5) النظرية البيولوجية: في تلك النظرية من نظريات الشخصية في الصحة النفسية، يتلخص الاعتقاد السائد لدى الخبراء المؤسسين لها في أن العوامل الوراثية هي المسؤول الأبرز عن صفات الشخصية. ويعد هانز آيزينك صاحب الفضل في إبراز إحدى نظريات السمات؛ ليكشف عن اعتقاده بأن الدور البيولوجي الذي يلعبه هرمون التوتر المعروف بالكورتيزول، يصل إلى حد قيادة الشخصية، في إشارة إلى الشخص الانطوائي يعاني من سيطرة الكورتيزول وتجنب التنبيه، بعكس الشخص الانبساطي الراغب في الإثارة والتحفيز.
6) النظريات السلوكية: يرى بي إف سكينر وكذلك جون بي واتسون أن الشخصية تتكون عبر دمج يحدث بين الإنسان والبيئة المحيطة به، وقد بحثت النظريات عن خبايا السلوكيات التي يمكن قياسها، متجاهلة تماما كل تلك النظريات السابقة التي اهتمت بالأفكار والمشاعر والمزاج، باعتبار أن تلك الأشياء لا يمكن قياسها بصورة محددة.
إن أي عمـل إداري يدار في الغالب عن طـريق ثـلاث شخصيات:
1) الشخصية الساديزمية (السادية): التي تستمتع بتعذيب الآخرين، فإذا كان الرئيس فهو لا يوافق غالبا على حاجات مرؤوسيه، وإن كان مرؤوس فهو لا يرضى بآية حلول يقدمها رئيسه فهو يتمرد على الدوام.
2) الشخصية الماسوشستية: التي تتلذذ في تعذيب ذاتها من أجل الغير مثل شخصية الأم، فإن كان رئيسا فهو دائم البحث عن حلول لمشاكل مرؤوسيه حتى إن لم يطلبوا، وإن كان مرؤوسا فهو لا يعرض مشاكله البته دون تمرد ويبدي دائما مشاعر الرضاء.
3) الشخصية المتزنة: التي تعيد حساباتها مع كل موقف وفقا لتحليل ماذا إذا لكي تتجنب أي صراع محتمل، ففي جعبته دائما حلول معدة مقدما لآية مواقف محتملة.
وأخيرا وعلى ضوء دراسة موضوع الشخصية نجد علماء السلوك التنظيمي يهتمون بمعرفة خصائص وسمات الشخصية ذات العلاقة المباشرة بالأداء في المنظمة مثل الرغبة في الإنجاز والسيطرة وتكوين علاقات اجتماعية وتحمل المخاطر والاستقلالية في العمل وأخذها في الاعتبار عند قرارات التعيين والترقية والنقل والحفز والتدريب ... إلخ.
كذلك تنبع أهمية دراسة الشخصية من التنبؤ بالأنماط السلوكية للأفراد في المنظمة. فالأفراد الذين لديهم رغبة في امتلاك السلطة والسيطرة والتأثير في الآخرين يميلون إلى التصرف مع الغير بأسلوب مغاير عن الأفراد الذين لديهم رغبة في أن يكونوا مرؤوسين. لذلك فإن المدير الفعال هو الذي يحاول معرفة طبيعة شخصية مرؤوسيه لأن ذلك يتيح له التنبؤ بسلوكهم في مواقف عملية محددة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات دفاعية في أوكرانيا تحسبا لهجوم روسي واسع النطاق


.. مدير وكالة المخابرات الأميركية في القاهرة لتحريك ملف محادثات




.. أمريكا.. مظاهرة خارج جامعة The New School في نيويورك لدعم ال


.. إطلاق نار خلال تمشيط قوات الاحتلال محيط المنزل المحاصر في طو




.. الصحفيون في قطاع غزة.. شهود على الحرب وضحايا لها