الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سليمان والعرش ومن عنده علم الكتاب في معادلة الفعل والتشكيك.

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2024 / 1 / 5
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


في الرواية الدينية التي جاءت في الكتب المقدسة التوراة والقرآن وبعيدا عن جغرافية الزمان والمكان نجد أن الحدث فيها يدور على الظاهر من النص محور القدرة والخوارق، فسليمان الذي طلب من الله أن يكون له وبالدعاء (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) ص (35)، فمنحه الله ما أراد، من هذه النقطة التي كانت محور التفكير المسيطر على عقل الملك والنبي سليمان مع عظيم ما منحه الله من قدرة على تسخير الخلق له، بدأت حكاية العرش وبلقيس ومن عنده علم الكتاب، يقول النص الديني في هذا الشأن (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ۖ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ ۖ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ) سبأ (12)، فالطاقات التي يملك مفاتيحها سليمان من الظواهر المذكورة فيه تجعله منفردا في الوجود بما يملكه من فدرة على أستغلالها وإضافتها للمزايا التي لا يمكن لأحدج من بعده أن يوظفها في ملكه.
إذا القضية لم تكن حدث غير عادي في وضع عادي، بل طل الأمر بطليته وتفاصيله أستثنائي وخارج عن المدركات الحسية للفرد، لكنها أيضا غير خارقة لقوانين الوجود ولا تنتهك المعادلات المادية بما يسمى بالمعجزة أو المحال اللكن أو المحال المنطقي المطلق، فالريح لها طاقة وعين القطر التي هي وحسب ما ورد من معاني لغوية هي مناجم النحاس السائلة التي يصنع منها التماثيل والجفان والأدوات التي تحتاجها مجتمعات البشر، وأيضا لها قدرات عملية وعلمية في مجالات علمية ولا يستبعد منها أولى محاولات تصنيع المجال الكهرومغناطيسي والتي نرى في النصوص إشارات لها، والجن كائنات قد لا نراها ولكنها جزء من المادة المظلمة ناقصة الشحنة الكهربائية والتي هي تتحرك بين المادة والطاقة الطبيعية ولها قوانين ومعادلات عمل نستشفها من النصوص والحدث الذي نحن في صدده، فهؤلاء كانوا يعملون له (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ۚ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) سبأ (13)، الملاحظة التي لم ينتبه لها الكثيرون أن العمل الذي يقوم به الجن كان لسليمان وحده تعزيزا لمبدأ لا ينبغي لأحد من بعدي، وليس كقاعدة عامة من عمل الجن مع البشر.
هذا فيما يخص سليمان النبي من جهة والملك الذي منحه الله كل هذه القدرة المادية في تسخير الموجودات عبر تشغيل القوانين الوجودية الخاصة بها لوحده، ومع كل هذا كان الرب رب سليمان أكثر حكمة حين جعل التفويض غير كامل ولا مطلق ولا بلا حدود حيث أن مفاتيح العلم التي ملكها له وليست مفاتيح المعجزة كما يرد في النص موكله لمن لا يشك في أنه يكفر أو يشكر، فسليمان مع عظيم المنزلة بشرا تنطبق عليه كل القوانين التكوينية للإنسان ومنها الظلم والجهل والضعف، والدليل أنهم جميعا قالوا إنما نحن بشر مثلكم ولم يدع أحد الخارقية أو التفرد التكويني أو المعصومية المطلقة أو الخلود، لذا كان معه في الملك " من عنده علم الكتاب".
أي من يملك مفاتيح المعادلات الوجودية وقوانينها والعلم بها دون أن يكون هذا الكائن لم يكن لا منافسا مزاحما ولا موازيا ولا نظيرا لسليمان ولا وزير، ولو كان كذلك لم يبخل النص بالإشارة إليه كما فعل مثلا بمؤمن أل فرعون وغيرها من القصص القرآني، ولكنه الحكمة من ذكره معوما أن النص كان يثبت للناس والوجود أن كل شيء بقدر وبحسبان وأن كل ذلك علم وعلم مفهوم وموجود والدليل وجود من هو عنده هذا العلم بقواعده وقوانينه ومعادلاته وليس كما يشاع أنه القدرة المخزونة في أسم الله الأعظم التي تستجلب ليس فقط المعاجز بل تخرق حتى كل معادلات الوجود دون حساب للقيم التي قام عليها الوجود وهي الوزن والقدر، وأنه لا شيء يخضع للفوضى والخروج عن دائرة الطبيعي الوجودي المحكوم بالعلم وقواعده المادية ومعادلاته المنطقية المحسوبة والمقدرة (وخلق كل شيء فقدره تقديرا).
نعود للقصة الحدث كفعل وحدوث وتفسير وأن النبي سليمان بعد أن منحه الله السلطان وما طلب بدأ يتحرى من خلال القدرة على تسخير الطير في البحث عما عنده من ملك وما عند غيره من الملوك، طبعا هذا كان يحدث كل يوم وبشكل دوري ومكرر وم خلال ما تأت به الأخبار كلا حسب أختصاصه، وبما أن الطير هو أكثر الكائنات حرية في الحركة عبر الفضاء المفتوح، فقد كان الهدهد واحدا من مصادر الأخبار التي كانت تتردد على عرش سليمان، فبما غاب عن الموعد اليومي تفقد سليمان التشكيلة المكلفة بنقل الأخبار، فكان الهدهد من الغائبين، فظن سليمان وهذه إشارة أخرى على عدم المعصومية لأحد من أن الطير هذا قد غاب أما هروبا منه أو لمعصية أقترفها، لذا توعده بالحساب دون أن يكون عالما بسبب غيابه أو ينتظر عودته فهو مسخر له بالقدرة الربانية التي لا فكاك منها.
عندما عاد الهدهد متعجبا ومخبرا سيده النبي الملك سليمان بأن هناك ما هو اعظم مما عنده في سبأ المدينة التي تحكمها امرأة، وقد أوتيت من الملك شيئا عظيم (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) ، حفز ذلك سليمان وتحدى عظمة ملكها (وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) والظاهر أن ما أثار الغيرة عند سليمان موضوع العرش العظيم شكلا وماهية، وعندها أرسل رسالته كعادة الملوك بيد صاحب الخير الهدهد ليعرف منها الطاعة أو العصيان، فحمل الهدهد كأول سفير يعلن عنه في التاريخ بين ملكين إلى بلقيس وألقى الكتاب في حضرتها، هنا كان الحدث المفصلي في حياة بلقيس والذي غير مجرى حياتها من بعد ذلك، المحاورة التي أوردها القرآن كانت بينة واضحة تخبرنا عن ممارسة ملكية معتبرة ومعبرة عما في طلب سليمان من بلقيس أنه يجردها من مصدر قوتها حتى لا ينبغي لها ان تنافسه فيما طلب من الله ﴿قالَتْ يا أيُّها المَلَأُ إنِّي أُلْقِيَ إلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ﴾ ﴿إنَّهُ مِن سُلَيْمانَ وإنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ﴿ألّا تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ ﴿قالَتْ يا أيُّها المَلَأُ أفْتُونِي في أمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أمْرًا حَتّى تَشْهَدُونِ﴾ ﴿قالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ والأمْرُ إلَيْكِ فانْظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ﴾، فما كان الجواب منها إلا كسب الوقت حتى تفهم طريقة التعامل الصحيحة مع ما يحدث (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) النمل (35).
تلقى سليمان الهدية وفسرها أنه ذات جانبين الأولى يتمثل بحكمة بلقيس التي لم تقطع الجواب بجواب حاسم والثانية أنها لا ترغب بصدام ربما حتى تعرف موازين القوة والحكمة من الصدام، هنا رد سليمان بموقف أكثر حكمة وأشد قوة وهو ما سيظهر أيضا حقيقة موقف بلقيس من الدعوة إلى الإسلام (قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ) النمل (36)، فكان الجواب النهائي (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ) النمل (37)، لكن بلقيس كانت من الحكمة والقدرة على التصرف ما ميزها بأنها عرفت أن لغة التهديد هذه ليست من فراغ أو أنه مجرد كلام بالنتيجة سواء واجهت أم لم تواجه فهناك خسارة حتمية بقولها (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ).
الملفت للنظر وعلى خلاف كل المفسرين أن موضع التحدي بين سليمان وبلقيس ليس الملك وليس النعيم الذي كانت تعيشه المملكة، وهذا مؤكد ومكرر في النصوص وهو "العرش"، فقد تكرر الهدف أكثر من مرة ليؤكد القرآن أن ذلك هو المطلب الأساسي ولا غيره، فقد جاء أول مرة في خبر الهدهد (وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ)، وبعدها جاء على لسان سليمان (قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ)، ثم جرى التأكيد مرة أخرى علة لسان عفريت من الجن (قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ)، ورابعة جاء على لسان من عنده علم الكتاب (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)، وبالنتيجة عندما رأه مستقرا عنده هدأت رغباته وأستقر مطلبه بحلول مطلوبه وقال مؤكدا على مسألة العرش تحديدا دون غيره بأعتبار أن سلب العظمة منها وهو العرش، يجعلها في قبول طوعي لأن تكون من المسلمين، هذا ما جاء على لسانه بقوله (قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ)، النتيجة أن حضور بلقيس كان لاحقا لمسألة مهمة لم يدركها الكثير من المفسرين، وهي أن العرش لم يكن كما تركته وعرفته (قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا)، بل نكره بعض حاشية سليمان ليهموها أو ليلفتوا نظرها إلى القدرة اللا محدودة لسليمان (فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَٰكَذَا عَرْشُكِ ۖ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ۚ).
إذا كانت القصة السليمانية تدور على ثلاثة محاور هي العلم والقدرة والعظمة التي تأسست عليها مملكة سليمان، هذا ما يقودنا إلى أن نقول مرة أخرى أن القيم الروحية التي يسردها القرأن كأحكام وقصص وأمثلة ما هي بالحقيقة إلا قيم مادية وجودية طبيعية علمية، لا علاقة لها بالميتافيزيقيا ولا بالمعجزات ولا بالأفتراضات الغيبية التي يسوقها رجال الدين تعبيرا عن عجزهم في غهم المغزى العلمي من النص وأهدافه وحقيقته، من سيرورة الحدث والقصة يمكننا أن نلاحظ النقاط لتالية:.
1. أن القضية بمجملها تدور حول مفهوم أن لكل شيء سببا وعلة ووسائل، ولا يمكن الركون لغير العلم في تحقيق المراد الفعلي على الوجه الذي يؤكد عليه النص، فعفريت الجان كان قادرا على أستغلال طرق الثقوب السوداء التي في وجودنا حيث لا قيمة للزمن فيها وهذا الأمر علمي وليس إعجازي أو غيبي، ولكن طريق من عنده علم الكتاب كان له طريق أخر لا ينبغي لمخلوق أن يسلكه إلا بأذن رب العلم، وهذا ما يؤكد أن هذا الكائن لم يكن وزير لسليمان ولا أي شخص أخر وهو المعني أيضا بقول القرآن في محل أخر "وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا ۚ قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ"، والتأكيد على أن الشاهد مع الله في النص هو من عنده علم الله وعلم كتابه وهو جبريل الذي حمل الكتاب وحمل أسراره (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات .....وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب )، فالروح جبرائيل حاملا الكتاب وعالما به وبتأويله وفهمه، وهو الطريق الوحيد المتاح بين الله والرسول على وجه الخصوص والعموم ولا غيره مطلقا لا بشر ولا كائن أخر، لا بد أن يكون راسخا في العلم كما هو حامله.
2. وما يؤكد هذه النتيجة أن كل الأنبياء والرسل كان جبرائيل هو الناقل لعلم الله وكتبه والحامل أسرار التأويل وحيا (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ) ومنهم سليمان (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) ﴿163 النساء﴾، فلا غرابة أن يكون جبرائيل في مجلس أو في مرأى ومسمع مما يحدث مع سليمان، وحتى لا يكون الجن جزء من منظومة الفعل الرباني مع وجود الروح الأمين حاضرا، فيصار إلى نوع من التداخل في أمر الرسالة المحصورة به وبين الله والرسول، لذا فمن تولى الحدث وصياغته ونقل عرش بلقيس خيالا أو حقيقة هو جبرائيل من عنده علم الكتاب.
3. كلما ما ورد خارج موضوع العرش ونقله غير ثابت ولا صحيح من بناء قصور أو تفاصيل أخرى عجائبية محض خيال بشري، فعند وصول بلقيس قصر سليمان والذي كانت أرضيته من الزجاج الشفاف (صرح ممرد) الذي صنع بالطريقة التي تتماشى مع العظمة التي طلبها سليمان من ربه (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ۖ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ ۗ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ﴿44 النمل﴾، وموضوع الصرح قد تكرر ذكره من قبل في قصة فرعون وهو البناء المتقن العظيم (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ) ﴿38 القصص﴾.
4. الغالب من النص مع تأكيد متكرر أنه من يأتيني به والجواب بالإتيان، لكن من الناحية الجوهرية كان الهدف إثبات قدرة سليمان أمام بلقيس وعلمه وحكمته (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ)، فقد يكون النقل بالحقيقة صوريا وذهنيا كمثل ما حاء به موسى لفرعون بإلقاء العصا لأثبات القدرة أكثر من إثبات الواقع، فالغاية هنا ليست الأستحواذ على العرش بقدر ما كان إثبات أن العظمة في أن تأتي بما هو أعظم من العظيم الموصوف نصا، لذا عندما سأل سليمان بلقيس (أهكذا هو عرش) لم تجزم بأنه هو رغم التنكير الذي حصل، لأن التنكير كان زيادة في عظمة العرش عما كان عليه عندما تركته وكان جوابها (قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ).
5. الهدف من لإيراد القصة والحدث كان يسير بأتجاه واحد فقط هو أن الله عندما يسخر ويعلم الإنسان ما لا يعلم ويجري القوانين الوجودية بحسب ما هو مخطط لها، إنما الغاية الكبرى والنهائية هي دعوة الإنسان للإسلام بمعنى التسليم بقوانين الوجود، وعدم محاولة أنتهاكها أو التجاوز عليها بما يجلب عليه الضرر والفشل الوجودي، وليس الإسلام بمعنى العبادات والطقوس والإيمان بها وإن كانت الأخيرة جزء من ألية التسليم تلك، والدليل (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ۖ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ ۗ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) النمل (44).
6. كل ما عدا ما ورد في القصة من تصورات وأوهام وحكايات لا صحة لها ولا دليل عليها، ومنها مثلا زواج بلقيس من سليمان والكثير من الحشو اللا حاجة لله والناس به، هذا كله من وضع البشر خاصة الكهنة المتأثرين بالإسرائيليات وأهداف الفكر التلمودي، الذي فام على التقليل من شأن الأنبياء وإهانتهم بمختلف الذرائع والعروض والحكايات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمريكا تزود أوكرانيا بسلاح قوي سرًا لمواجهة روسيا.. هل يغير


.. مصادر طبية: مقتل 66 وإصابة 138 آخرين في غزة خلال الساعات الـ




.. السلطات الروسية تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة | #


.. مراسلنا: غارات جوية إسرائيلية على بلدتي مارون الراس وطيرحرفا




.. جهود دولية وإقليمية حثيثة لوقف إطلاق النار في غزة | #رادار