الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انثروبولوجيا النفاق الديني

طلعت خيري

2024 / 1 / 6
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الأنثروبولوجيا علم يهتم بدراسة الإنسان والسلوك البشري على مر التاريخ والعصور وله فروع متعددة ، الم - حروف مقطعة آلية لأرشفة السور المكية المنزلة بشكل كامل ، أدخلنا هذا المصطلح في الموضوع لدراسة تأثير العقيدة على سلوك الفرد ، المستجيب للتهديد الدنيوي ، أو للوعيد والأخروي ، أو الرافض للتغير العقائدي ، وما يرافق الإيمان من صمود أمام القمع والاضطهاد السلطوي ، وما يطرأ عليه من تذبذب تبعا للمصالح الاقتصادية ، كما سندرس سلوك الفرد أما التغيرات الاقتصادية والسلطوية المهددة للأمن المجتمعي ، ودور التنزيل في كشف النفاق ، لمعالجته عقائديا ، بالأمثلة التاريخية والآيات التوعوية ، بعد وضعه على المحك الأخروي ، لتحقيق الاستقامة التي تصب في مصلحة الفرد دنيويا وأخرويا

أثمرة الدعوة القرآنية في مكة عن تشكيل مجموعة من المؤمنين من مختلف الطوائف والديانات ، فالإيمان في تلك المرحلة ، لا يتجاوز الاعتقاد بالله واليوم الآخر ، المفرغ من التشريعات الدينية ، ففي بداية الدعوة كان الإيمان سهلا لا يشكل عبئا مجتمعيا على الفرد ، ولا يتعارض مع مصلحته الاقتصادية والحرفية والمهنية ، إلا ان التصدع في القاعدة الجماهيرية المكية الذي أحدثته الآيات القرآنية ، أرغم الزعماء المكيون على التحرك لصد الدعوة ، قبل الانهيار الكامل ، ونظرا لعدم قدرة الفكر الوثني الشركي لأهل مكة على مجابهة النصوص القرآنية ، اتجه الزعماء الى للمؤمنين للتصدي لهم ، مستخدمين النفوذ والسلطوي لزعزعة إيمانهم ، فالبعض منهم أخفاه ، والبعض الأخر تحمل الاضطهاد ، والبعض الأخر تذبذب بين الكفر والإيمان ، فظهر النفاق الديني كسلوك يحتمي به الفرد من الاضطهاد والقمع السلطوي ، رد الله على ذلك السلوك ، احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ، والفتنة هي القوة السلطوية المجابهة للتغير العقائدي لإرغام المؤمنين على ترك الإيمان تحت القمع والاضطهاد ، فاستغرب بعض المؤمنين من حالة التغير المفاجئ الذي طرا على واقعهم ، رد الله عليهم ، على ان الفتنة أمرا طبيعيا ، ولقد فتنا الذين من قبلهم ، فليعنمن الله الذين صدقوا ، فالحياة الاخروية لن تنالوها اعتباطا حتى يضع الله إيمانكم على محك القمع والاضطهاد، فليعلن الله الذين صدقوا ، وليعلمن الكاذبين

الم{1} أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ{2} وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ{3}

هل يعتقد المنافقون بعملهم ألنفاقي السيئ ، ان يتقدموا علينا بفعلهم المبطن ، بان لا علم لنا بنواياهم ، إلا ساء ما يحكمون ، أم حسب الذين يعملون السيئات ان يسبقونا ساء ما يحكمون ، الإيمان حرية اختيارية فلا يستوجب التذبذب بين الكفر والإيمان ، فالنفاق لن يوصل الى حقيقة لقاء الله ، ومن كان يرجو لقاء الله فان اجل الله لات وهو السميع العليم ، ولن ينال الفرد لقاء الله إلا بالتغير الجذري الشامل للسلوك للوصول الى الحياة الاخروية ، التي لا غنى لله فيها ، إنما غناها لمن جاهد نفسه للقائه ، ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه ، ان الله لغني عن العالمين ، دعوة التنزيل للمنافقين لتصحيح السلوك ، والذين امنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ، ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون

أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ{4} مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{5} وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ{6} وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ{7}

الضغط الأسري ، احد أسباب ظهور النفاق الديني ، كرد فعل على ما يفرضه الأبوين على الأبناء لترك الإيمان ، مما اضطر البعض منهم على التذبذب بين الكفر والإيمان ، والبعض الأخر عق والديه حفاظا على إيمانه ، رفض التنزيل عقوق الوالدين ، للتأكيد على برهما والإحسان لهما ، كجزء من فضلهما في الرعاية والتربية ، مع عدم الانصياع لهما عند دعوتهما للإشراك به ، ووصينا الإنسان بولديه حسنا ، وان جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم ، فلا تطعهما الي مرجعكم فأنباكم بما كنتم تعملون ، والذين امنوا ، من الوالدين والأبناء ، وعملوا صالحا ، لندخلهم في الصالحين

وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{8} وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ{9}

المنافقون فئة دينية متذبذبة بين الكفر والإيمان وفقا للمصالح ولاستقرار المجتمعي ، فأي خلل في احدهما ، يؤدي الى انقلاب عقائدي يعيد الفرد الى ما قبل إيمانه ، وضع الله المؤمنين بالله واليوم الآخر على محك الفتنة ، لاختبار إيمانهم ، والفتنة مصطلح شامل لكل التأثيرات الاقتصادية والسلطوية المزعزعة لإيمان الفرد في المجتمع ، فالمنافق دائما يحابي الإحداث والتغيرات ثم ينحاز الى الجهة التي تحفظ مصلحته وأمنه المجتمعي ، نفاق تحت الاضطهاد السلطوي ، ومن الناس من يقول أمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ، نفاق في ظل الاستقرار المجتمعي ، ولئن جاء نصر من ربك ليقولن أنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين ، أبعاد الفتنة ، وليعلمن الله الذين امنوا وليعلمن المنافقين

وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ{10} وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ{11}

الخطيئة محور الحراك السياسي والنشاط الاقتصادي ، وبدونهما لا دور للشيطان في استقطاب القاعدة الجماهيرية لمصالحه الاقتصادية ، فأفضل طرح فكري عقائدي لضرب المصالح السياسية والاقتصادية ، تهديد أصحاب الخطيئة بالعذاب الدنيوي والأخروي ، لتحجيم دور الشيطان في استقطاب المجتمع المكي لحزبه ، وكرد فعل على تهديد الخطيئة بالعذاب ، طرح المنتفعون منها رأيا على الذين امنوا مفاده ، وقال الذين كفروا للذين امنوا ، اتبعوا سبلنا ولنحمل خطاياكم ، وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء أنهم لكاذبون ، رد التنزيل عليهم ما معناه ، خلصوا أنفسكم من خطاياكم بدلا من ان تحملوا خطايا غيركم ، وبهذا الرد، حَمَلَ منظري الخطيئة خطاياهم ، وخطايا الذين يضلونهم بغير علم ، وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسئلن يوم القيامة عما كانوا يفترون

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ{12} وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ{13}

ان البعد السياسي من حمل المشركين لخطايا الذين امنوا في الحياة الدنيا ، لازالت عنهم تهديد العذاب الدنيوي ، لإعادتهم الى دائرة الشرك من جديد ، مستندين على العامل الزمني في استبعاد وقوع العذاب على المدى القريب ، رد الله عليهم ، بان العذاب أتي لا محال مهما طال الزمن ، فان لم يكن في الدنيا ، ففي الآخرة لا جدال فيه ، فضرب لهم مثلا عن قوم نوح ، كأطول فترة زمنية تاريخية هددت المشركين بالعذاب ، وبالنهاية كان من نصيبهم ، ولقد أرسلنا نوحا الى قومه ، فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ، فأخذهم الطوفان وهم ظالمون ، فانجيناه وأصحاب السفينة ، وجعلناها أية للعالمين

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ{14} فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ{15}








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -