الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سليمان والعرش ومن عنده علم الكتاب في معادلة الفعل والتشكيك. (ملك سليمان) ح3

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2024 / 1 / 7
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


أن حوليات الحضارات القديمة جميعها التى واكبت نفس تاريخ مملكة داود وسليمان المزعومة بالوصف العبراني اليهودي وبالمنطق الذي تتحدث به، كحضارات فينيقيا وآشور وبابل ومصر القديمة وروما لم تشر من قريب أو بعيد لهذه المملكة، وأن الكثير من الخبراء والباحثين وعلماء فى التاريخ، طرحوا سؤالا جوهريا كهذا "مملكة بحجم وعظمة مملكة سليمان، لا يمكن أن تكون بمعزل عن الحراك السياسي والعسكري فى زمنها مع الجيران، أو من احتكاكات واختلافات سلطوية ومصالح أستراتيجية تتعلق بالتزاحم الأقتصادي أو التنافس على مناطق النفوذ، وما ينجم عنها نشوب معارك حربية أو على الأقل إشارات للتنافس، فلماذا لم تذكر الحضارة المصرية شيئا عن هذه المملكة، لا خيرا ولا شرا.."؟! خاصة إذا ما وضعنا فى الاعتبار أن حكم سليمان دام أربعة عقود كاملة، حيث حكم يهوذا وإسرائيل لثلاث وثلاثين عاما، وحكم مدينة الخليل فى فلسطين لمدة سبعة أعوام، وكانت وفاته فى أورشليم القدس عام تسعمائة واثنين وثلاثين قبل الميلاد، وهى تواريخ مهمة ودالة ومؤثرة فى محيطها قبل الداخل.
إن مجرد غياب أثر تاريخي تدويني خارج أدبيات التاريخ العبراني التي تنافضه كل الأدلة الآثارية والحفريات ولم تعزز حتى منطقه يؤكد حقيقتين، هما:.
الأولى _ أن كل هذه التدوينات التأريخية المعبر عنها بنصوص دينية مجرد إخبارات كان يستغلها الكهنوت الديني لأغراض سياسية ومحاولة لإبقاء الحلم الديني معلقا على وهم لا يتحقق، وبالتالي ربط المتدين اليهودي وعموم المجتمع مع فكرة غير موجوده لكن النصوص الدينية تجزم بقوة بوجودها حتى لا ينفرط عقد الفكر التوراتي المبني أساسا على تناقضات في طبيعة الدين ودوره في المجتمع، ومع أيديولوجية إقصائية إنعزالية لا تسمح لأحد أن يدخلها أو يخرج منها، فالقضية ليست تاريخية يجري البحث عنها بقدر ما هي فكرة دينية يبذل رعاتها كل ما أمكن من جهد لتبقى حيه، وبزوالها تزول الفكرة الدينية الأساسية.
في مقال على جريدة الأتحاد الإماراتية بقلم ع ع وبتاريخ 15 أكتوبر 2015 يكشف الكاتب حقيقة المغزى من قضية الهيكل من الناحية الدينية على المجتمع والعقيدة الإسرائيلية التوراتية بقوله ((سعى اليهود فى طريق إعادة بناء الهيكل من جديد؟ باختصار شديد لأنه يرمز إلى وجود علاقة بينهم وبين السماء، هذه العلاقة فى نظرهم قد انقطعت منذ عام 70 ميلادية حينما دمر الهيكل الثالث، ومنذ ذلك الوقت توقف تقديم الذبيحة أو الكفارة على الهيكل، أي أن الصلة بين الله تعالى وشعب إسرائيل قد انقطعت. في هذا الصدد يتذكر المرء ما قاله «بن جوريون» الرئيس الأول لدولة إسرائيل من أنه: «لا قيمة لإسرائيل من دون القدس، ولا فائدة للقدس من دون الهيكل»، وعلى هذا فإن بناء الهيكل يعني استئناف العلاقة اليهودية الربانية، والتي تهيئ الأجواء لعودة «المسيح اليهودي»، حيث إنهم وحتى الساعة لم يؤمنوا بالمسيح عيسى بن مريم)) .
إذا القضية بالجزم ليست تاريخية ولم ولن تكون طالما أنها مرتبطة بالعقيدة الخاصة ولا يمكنن أن نخضع التاريخ وأشتراطاته إلى نص ديني لم يجزم أحد بثبوته على الوجه المعروض بقدر ما يحمل من شكوك وأضطراب وأراء لا تمت للدين بالمفهوم العام من حيث أنه قيم أخلاقية، فالدين التوراتي الإسرائيلي المفترض أنه أتى ليحكي أوامر الرب وحديث السماء كما هو معروف عادة، نجد النص الديني الإسرائيلي ها يحكي قصص شعب وأحداث حصلت أو كما يزعمون بعد نزول التوراة على موسى، فكيف يكون ذلك منطقيا أن الرواية التاريخية تحل محل التعاليم الدينية وتزيحها عن مصدر الأهتمام؟ لتتحول إلى فكر أيديولوجي يهتم بشعب وفئة خاصة من الناس لا تريد لأحد أن يشاركه البشر بمشروع الله في الأرض.
لا بد لنا ونحن في معرض البحث عن حقيقة وجود الهيكل وملك سليمان بالصيغة والشكلية التي ساقها الادب العبري الديني التاريخي ـن نلجأ إلى المختص العلمي صاحب القدرة العملية على التحديد وبيان الرأي، ومن خلال بعض الآراء العلمية التي أدرجها هنا ينكشف جزء من الوهم التوراتي بعين العلم والمعرفة.
1. قول «يسرائيل فنكلشتاين»: «لقد أثبت البحث الأركولوجي في السنوات الأخيرة، أنه لم يكن هناك شريحة من اليهود يعرفون القراءة والكتابة، ومن يقول اليوم بالاعتماد على الوثائق فإنه يخدع نفسه»، وقد اشترك مع المؤرخ «نيل سيلبرمان» في دراسة نشرت لهما عام 2006 بعنوان «داود وسليمان: البحث عن الكتاب المقدس... الملوك وجذور التقاليد الغربية»، ومن خلال هذه الدراسة يؤكد «فنكلشتاين» فيما يتعلق بالهيكل «أنه لا يوجد أي شاهد أثري يدل على أنه كان موجوداً بالفعل»، ويضيف أن علماء الآثار لم يعثروا على أي أثر لخراب معبد، ولا مملكة متألقة لسليمان، ولا أي شيء آخر.
2. عالم آثار آخر وهو العالم «رافاييل غريبنرغ»، والذي يعمل في التدريس والكتابة عن الآثار والمجتمع والسياسة في علم الآثار في القدس القديمة، وقد نقلت صحيفة «جيروساليم بوست» عن «رافاييل غرينبرغ» قوله مؤخراً: «كان من المفترض أن تجد إسرائيل شيئاً هناك، فقد واصلت الحفر لمدة ستة أسابيع، غير أن الإسرائيليين في مدينة داود بحي سلوان بالقدس، يقومون بالحفر دون توقف منذ عدة أعوام ولم يعثروا على شيد».
3. البروفيسور «يوناثان فرارحي» وهو عالم آثار مستقل، عمل سابقاً مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية فذهب إلى القول إن «جمعية إلعاد» اليمينية اليهودية لم تعثر حتى على لافتة مكتوب عليها مرحباً بكم في قصر داوود، برغم أن الموقف كان محسوماً لديهم في ذلك الشأن، كما لو أنهم يعتمدون على نصوص مقدسة لإرشادهم في عملهم».
4. عالم الآثار الإسرائيلي «مائير بن دوف» فقد فجر الأيام الماضية قنبلة دوت صدى في المنطقة حيث كشف النقاب عن أنه لا يوجد آثار لما يسمى بجبل الهيكل تحت المسجد الأقصى.
هذه المواقف من كبار علماء الأثار وهم ممن يحملون نفس العقيدة الدينية التي تزعم بوجود الهيكل، لكن الدليل العلمي التاريخي لا يجيز لأحد أن يجعل من الوهم حقيقة، حتى أن بعض من هؤلاء بدأ يعيد قراءة الإرث التوراتي ذاته لينفي وجود قصة الهيكل لأنها أولا، ذكرت ورويت بعد نزول التوراة، فهي قصة عادية لا أساس ديني لها في نصوص كتاب أو صحف موسى حتى تحمل نفسا وبعدا دينيا، وثانيا أن بناء هيكل من قبل ملك أو حتى نبي بدون أمر رباني سماوي ليس من صلب العقيدة وإن صح وجوده، فهو من أعمال الملوك وليس أثرا دينيا جدير بالتقديس والتعظيم.
القضية الثانية بعد أن بينا في الأولى تهافت مقولة وجود وبناء الهيكل تأريخيا وعمليا، نعود إلى النص الديني الذي يذكر "ملك سليمان"، هذا النص المتواتر بين اليهودية والإسلام يعني حقيقة واحدة، وهي أن "ملك سليمان" ليست تلك الدويلة أو المدينة التي يحكمها ملك وخاصة بشعب بني إسرائيل، فهي أما من الممالك العظمى كالبابلية والأشورية والمصرية الفرعونية أو على طرازها وأعظم منها، وهنا يثار التساؤل مجددا، هل من الممكن أن تكون ملك سليمان قامت في أحدى الدوائر الثلاث؟، أما في أرض بابل أو في أرض مصر، البعض يميل للرأيين يؤكد أن سليمان واحدا من ملوك المصريين (لخبير البريطاني رالف إليس فى كتابه "Solomon Pharaoh of Egypt "سليمان فرعون مصر"، إلى أن المصدر الأسطوري وراء ثروة الملك سليمان لم يكن له وجود قط، مؤكدا أن سليمان لم يكن يوما ملكا لإسرائيل، بل إنه كان فرعونا مصريا "حرفت قصته" على حد وصف الخبير).
مع أن الروايات التاريخية المرتبطة بالفكر التاريخي الديني الإسلامي تنصغ ملك سليمان على أنه واحدة من أربع ممالك كبرى في التاريخ القديم، كلها قامت ونشأة في أرض العراق وإن كنت أتحفظ على الرواية أصلا ومضمونها وما أدرج فيها (روى الطبري في تاريخه عن ابن عباس، وعن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: كانت الملوك الذين ملكوا الأرض كلها أربعة: نمرود، وسليمان بن داود، وذو القرنين، وبخت نصر)،فالنمرود كما يشاع تأريخيا ملك بابل كما وأن ذو القرنين أسس إمبراطورته الكبرى وجعل مركزها بابل ومات في أرض العراق، أما بخت نصر أو نبوخذنصر فهو ملك من ملوك السلالة الثانية من دولة بابل الحديثة، وبالعودة للنص القرآني الذي أورده القرآن هناك إشارة قوية على أن ملم سليمان كان في بابل تحديد ((وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ)) البقرة (102).
فالإشارة إلى بابل بالنص والسحرة وهاروت وماروت ومن عنده علم الكتاب لو جمعت في سلة واحدة تفيد، أن سليمان العالم المسخر له الطير والريح والإنس والجن يمثل عند العامة شكلا من أشكال أستخدام السحر، لذا فمن لا يعرف هذه الحقيقية ينسب لسليمان وعصره البراعة في السحر وأستخدامه، والحقيقة أن البعض ممن كان في ملك سليمان من الذين عرفوا بعض الأسرار وخاصة مما سرق عن هاروت وماروت وهما من قادة جيش سليمان من الجن، جعل فكرة السحر هي الطاغية وهي التي قادت هؤلاء من الجن وأتباعهم من الأنس لأن يكفروا، ولكن سليمان لم يكفر ليس لأنه لم يستخدم السحر بالمفهوم المعرفي له، ولكنه سخر الطاقات وفق قواعد علمية نبلع من علم الكتاب وقدرة الله ليؤسس دين ودولة، لذا جاء النفي أن سليمان لم يكفر كما يشاع في الرواية التوراتية التي قالت أن سليمان في أواخر عمره كفر وعبد الجن بتأثير من زوجاته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات بحث تحت الأنقاض وسط دمار بمربع سكني بمخيم النصيرات في


.. مظاهرات في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وإعادة المحتجز




.. رغم المضايقات والترهيب.. حراك طلابي متصاعد في الجامعات الأمر


.. 10 شهداء في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في حي النصر شمال مدينة




.. حزب الله يعلن قصف مستوطنات إسرائيلية بعشرات صواريخ الكاتيوشا