الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سليمان والعرش ومن عنده علم الكتاب في معادلة الفعل والتشكيك. (ملك سليمان) ح4

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2024 / 1 / 8
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


النص الديني القرآني والذي تحدث كثيرا عن بني إسرائيل والأنبياء وموسى وعن سليمان داود وعن مملكتهما بتفاصيل مهمة وتكاد أحيانا تتطابق مع الرواية التوراتية منها التابوت والتغريبة وقتل الرجال ومعركة داود مع طالوت وغيرها من التفاصيل الكثيرة، إلا أنه ومن غريب أنها لم تذكر الهيكل ولم تذكر مكان إنشائه ولا زمن بناه، وأقتصر النص القرآني على مفهوم "الصرح" ﴿قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ النمل 44، وورد الصرح أيضا في نص أخر لكنه لم ينسب لسليمان ولا حتى لداود وإنما إلى فرعون موسى إن صح التعبير (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ) ﴿٣٨ القصص﴾، وتكرر النص في سورة أخرى (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ ﴿٣٦ غافر﴾، والصرح في اللغة العربية هو كل بناء ضخم وشاهق لأنه يحتاج إلى إظهار فهو صرح لأنه بين وظاهر من بعيد.
من ما ورد في النص القرآني يتضح أن صرح سليمان العظيم أو قصره المبني من زجاج "صرح ممرد من قوارير" وما يحوي من تماثيل ومحاريب جمع محراب دلالة على كثرة المعابد والمساجد التي يتعبد بها الناس، لم ولن يكون هو بيت قدس وعبادة كمل ورد في وصف الهيكل بالمصادر العبرية، أو أنه ذات الهيكل المزعوم كما في الرواية التوراتية الإسرائيلية، بالإضافة إلى أن النص القرآني أيضا جزم بعظمة ملك سليمان وإتساعها بحيث أن الريح تقطعها على أقل تقدير بشهر، فكيف يمكن أن تكون هذه المواصفات هي لملكة بني إسرائيل التي لا تتعدى كما يرون هم مدينة القدس وحتى المملكة الشمالية التي لم تتعدى شمال نهر الأردن وجزء من الجولان، إذا مواصفات "ملك سليمان" نفس مواصفات وأتساع دولة الإسكندر أو سرجون أو الدولة البابلية، كما أن الإشارات التي تتحدث عنه لا تشير إلى مصر ولا إلى اليمن أو بلاد الشام في إشارات إلى عين القطر مثلا، أو إلى صناعة الجفان الطينية التي أشتهر بها العراق منذ وقت مبكر.
ومن الملفت للنظر من دراسة النص القرآني بعمق عما ورد في دعوة سليمان إلى ربه، هو مضمون الدعاء نفسه الذي يحسم أمرا تأريخيا مهما وهو أن لا ملك من بعد سليمان سيكون بعظمته، على أن لا يلحق الأمر هذا ما سبق، فقد ورد في القرآن أيضا ممالك عظيمة لم يخلق مثلها الله وهي "مملكة أرم ذات العماد"، وقد تضمنت دعوته هذه شيئين هما، أن يُعطى ملكا عظيما وألا يُعطى غيره مثله في عظمته وقد أستجاب الله له كما في النص القرآني، وهو سر بينه وبين ربه إشعارا بأنه ألهمه إياه وأنه استجاب له دعوته تعريفا برضاه عنه، وبأنه جعل استجابته مكرمة لتوبته، ومعنى ذلك أنه لا يأتي ملك بعده له من السلطان جمع له ما لسليمان، فإن ملك عم التصرف في الجن وتسخير الريح والطير، ومجموع ذلك لم يحصل لأحد من بعده.
وعلى عكس ما قدمته (التوراة) الموجودة اليوم والتي صورته كأحد السلاطين الجبابرة وباني معابد الأوثان الضخمة التي يعبد فيها الجن دون الله، والمستهتر بالنساء والتعدد اللا محدود التي لا تحده شريعة ولا قانون، فقد جاء في العهد القديم “وكان الملك سليمان ملكا على جميع إسرائيل” سفر الملوك الأول: 4/1، وجاء في مكان آخر “وكان الزمان الذي ملك فيه داود على إسرائيل أربعين سنة في حبرون (الخليل) ملك سبع سنين وفي أورشليم ملك ثلاثا وثلاثين سنة وجلس سليمان على كرسي داود أبيه وتثبت ملكه جداً” سفر الملوك الأول: 2/11، فهم لا يعتبرون سليمان نبيا ولكنه ملك من ملوك بني إسرائيل (وقد خصص كتبة العهد القديم “سفر الجامعة” للكلام عن سليمان الحكيم الذي ييأس من الحكمة ويظهر فيه الكثير من التشاؤم، فقد جاء في أوَّل إصحاحٍ من هذا السِّفر “باطل الأباطيل قال الجامعة باطل الأباطيل الكل باطل* ما الفائدة للإنسان من كل تعبه الذي يتعبه تحت الشمس* دور يمضي ودور يجيء والأرض قائمة إلى الأبد* والشمس تشرق والشمس تغرب وتسرع إلى موضعها حيث تشرق* الريح تذهب إلى الجنوب وتدور إلى الشمال تذهب دائرة دورانا وإلى مداراتها ترجع الريح* كل الأنهار تجري إلى البحر والبحر ليس بملآن إلى المكان الذي جرت منه الأنهار إلى هناك تذهب راجعة*” سفر الجامعة: 1/7)، ثم يصور سفر الجامعة سليمان وهو يلهو ويفرح ويشرب الخمر..
في الوقت الذي نجد أن القرآن الكريم يعد سليمان النبي والملك والرجل الأواب ومن المتقين الأخيار، وأنه من أنبياء الله العظام ونموذج للحكومة والمقدرة المنقطعة النظير، وقد أعطى القرآن الكريم بعرضه للمنزلة العظيمة لسليمان دروساً للبشر هي الأساس من ذكر قصته والمغزى منها إلا أن الإسرائيليات وبجهود معلومة ومقصودة تم التشويش والتأثير على هذه الصورة العظيمة إلى واحد من أهم الشخصيات التاريخية ومحاولة طمس معالما وتزييف وتحريف الوقائع عنها بغية التمجيد ببني إسرائيل الذي ذمهم القرآن كثيرا بمواقفهم وطغيانهم وعصيانهم وقتلهم للرسل.
إن الله تعالى أعطى لهذا الرسول العظيم مواهب عظيمة أوبها العلم والمشورة من حامل علم الكتاب، فمن تسخير الريح كوسيلة النقل السريعة جداً والتي استطاع بواسطتها التنقل في مملكته الواسعة في مدة قصيرة، إلى معرفة أستخراج وتعدين المواد المعدنية المختلفة "عين القطر"، إلى القوى العاملة الفعالة الكافية لتصنيع تلك المعادن والتفنن بصناعات فذه لم تكن متهيأة بسهولة لغيره لأن صناعه ومهرة عمالة من الطاقات اللا محدودة "الجن"، وقد قام سليمان (عليه السلام) بالاستفادة من المواهب المذكورة، ببناء المعابد الضخمة وترغيب الناس بالعبادة، وكذلك فقد نظم برامج واسعة لاستضافة أفراد جيشه وعماله وسائر الناس في مملكته.
علينا أن نعيد قراءة التناقض التوراتي العبري الإسرائيلي من مصادرهم المخصصة والتي لا ينكرونها ولا ينكرون ما ورد فيها، لأنها الإدانة الكبرى لهم عندما تلزم بما يؤمنون به، فقد ورد في سفر الملوك الأوَّل أنَّ العمل انتهى في البيت في عام 763 ق.م، أي بعد 480 سنة من الخروج من مصر، فالخروج تمَّ في حدود سنة 1237ق.م، وذلك يعني أن الهيكل بدأ بناؤه سنة 757ق.م تقريباً، ووفاة سليمان كانت في حدود عام 910ق.م على اختلاف بين المصادر في ذلك، ولكن كل المصادر ذكرت سنة الوفاة بحدود هذا العام، أي أن البيت على فرض وجوده بني بعد وفاة سليمان بأكثر من 150 سنة!!!.
ومن الناحية المعمارية وحسب ما ذكرنا عن مواصفات الهيكل ومساحته الكلية التي لا تتجاوز الثلاثمائة متر مربع بطول 30 متر وعرض بعشرة أمتار، في كل مصادرهم التأريخية، يدعي اليوم أن حائط المبكى أو حائط البراق حسب التسميات الدينية له هو الجدار الشرقي من الهيكل أو على الأقل هو جزء منه، وعلى هذا الأساس تم تقديس المكان برمزيته وبعده التأريخي، لكنه في الحقيقة ليس له علاقة لا بالهيكل ولا حتى بالمواصفات والقياسات التي زعموها، يزعم الصهاينة اليوم أنه جزء من السُّور الخارجي للهيكل حتى جعلوه من أقدس مواقعهم اليهودية في الوقت الحاضر، ولم تكن له تلك الأهميَّة قبل وعد بلفور وإنما كان يحظى ببعض الزيارات المتقطِّعة، ثم عظمت الصهيونيَّة هذا المكان في أعين اليهود، فها الجدار الذي هو جزء أو كل طول الهيكل يبلغ 49 متراً وارتفاعه 12 متراً، في الوقت التي حددت قياساتهم أرتفاع الهيكل إلى 15 متر بما يعني خمسة طوابق، وبالرَّغم من ترسُّخ صورة حائط المبكى في الوجدان اليهودي والصهيوني فإنَّ الحاخام هيرش الذي يعيش في القدس على بعد أمتار من الحائط، يرفض زيارته ويؤكِّد أنَّ تقديس الحائط ما هو إلَّا حيلة من الحيل السِّياسيَّة للصهيونيَّة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات في لندن تطالب بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة


.. كاميرا سكاي نيوز عربية تكشف حجم الدمار في بلدة كفرشوبا جنوب




.. نتنياهو أمام قرار مصيري.. اجتياح رفح أو التطبيع مع السعودية


.. الحوثيون يهددون أميركا: أصبحنا قوة إقليمية!! | #التاسعة




.. روسيا تستشرس وزيلينسكي يستغيث.. الباتريوت مفقودة في واشنطن!!