الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سليمان والعرش ومن عنده علم الكتاب في معادلة الفعل والتشكيك. (ملك سليمان) ح5

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2024 / 1 / 9
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


علينا أن نعيد قراءة التناقض التوراتي العبري الإسرائيلي من مصادرهم المخصصة والتي لا ينكرونها ولا ينكرون ما ورد فيها، لأنها الإدانة الكبرى لهم عندما تلزم بما يؤمنون به، فقد ورد في سفر الملوك الأوَّل أنَّ العمل انتهى في البيت في عام 763 ق.م، أي بعد 480 سنة من الخروج من مصر، فالخروج تمَّ في حدود سنة 1237ق.م، وذلك يعني أن الهيكل بدأ بناؤه سنة 757ق.م تقريباً، ووفاة سليمان كانت في حدود عام 910ق.م على اختلاف بين المصادر في ذلك، ولكن كل المصادر ذكرت سنة الوفاة بحدود هذا العام، أي أن البيت على فرض وجوده بني بعد وفاة سليمان بأكثر من 150 سنة!!!.
ومن الناحية المعمارية وحسب ما ذكرنا عن مواصفات الهيكل ومساحته الكلية التي لا تتجاوز الثلاثمائة متر مربع بطول 30 متر وعرض بعشرة أمتار، في كل مصادرهم التأريخية، يدعي اليوم أن حائط المبكى أو حائط البراق حسب التسميات الدينية له هو الجدار الشرقي من الهيكل أو على الأقل هو جزء منه، وعلى هذا الأساس تم تقديس المكان برمزيته وبعده التأريخي، لكنه في الحقيقة ليس له علاقة لا بالهيكل ولا حتى بالمواصفات والقياسات التي زعموها، يزعم الصهاينة اليوم أنه جزء من السُّور الخارجي للهيكل حتى جعلوه من أقدس مواقعهم اليهودية في الوقت الحاضر، ولم تكن له تلك الأهميَّة قبل وعد بلفور وإنما كان يحظى ببعض الزيارات المتقطِّعة، ثم عظمت الصهيونيَّة هذا المكان في أعين اليهود، فها الجدار الذي هو جزء أو كل طول الهيكل يبلغ 49 متراً وارتفاعه 12 متراً، في الوقت التي حددت قياساتهم أرتفاع الهيكل إلى 15 متر بما يعني خمسة طوابق، وبالرَّغم من ترسُّخ صورة حائط المبكى في الوجدان اليهودي والصهيوني فإنَّ الحاخام هيرش الذي يعيش في القدس على بعد أمتار من الحائط، يرفض زيارته ويؤكِّد أنَّ تقديس الحائط ما هو إلَّا حيلة من الحيل السِّياسيَّة للصهيونيَّة.
إذا ملك سليمان كما هو تأريخيا لا بد أنه عاصر مملكتين على الأقل هما العراقية سواء في هي عهد البابليين أو الأشوريين، والمملكة المصرية في عهد الفراعنة خاصة وأن كلاهما كانا إمبراطورية عظيمة في وقتهما، ولا بد أن يكون ملك سليمان قد نافسهما بالمنطقة أو حتى زاحمهما في الأستحواذ على النفوذ والهيمنة على مقدرات المنطقة، وحسب التواريخ التي يتبناها التقويم التاريخي العبري فإن سليمان كما قلنا تقلد الحكم أربعون عاما قبل وفاته عام 910 ق م، فيكون تاريخ توليه الحكم هو 950 ق م مما يعني أنه عاصر في العراق الفترة المعروفة (بالعصر الاشوري الوسيط 1521-911 ق.م) حيث تعرض هذا العصر الى كثير من ضغوط الدول المجاورة لهم بحيث أمدتهم هذه الضغوط بخبرة عسكرية واسعة) .
فمنذ عام1053 ق م إلى عام 1050 ق م والذي يبدو أنه كان نهاية حكم الملك شمشي أدد الرابع الذي كان يتمتع بفترة حكم هادئ، خلفه آشور الملك ناصر بال الأول (1049-1031 قبل الميلاد)، وخلال فترة حكمه واصل حملته بلا هوادة ضد الآراميين إلى الغرب، وعانت آشور من مجاعة خلال تلك الفترة ويبدو أن الملك شلمنصر الثاني الذي حكم (1030-1019 ق م) قد فقد أراضيه في بلاد الشام أمام الآراميين الذين يبدو أنهم احتلوا كذلك نائيري في جنوب شرق آسيا الصغرى، التي كانت حتى ذلك الوقت مستعمرة آشورية، ليأتي بعده الملك آشور نيراري الرابع العرش في عام 1018 قبل الميلاد، واستولت على مدينة أتليلا البابلية من سمبار شيبك واستمرت في حملات آشورية ضد الآراميين. تم خلعه في نهاية المطاف من قبل عمه آشور رابي الثاني في عام 1013 قبل الميلاد.
خلال حكم آشور رابي الثاني (1013–972 ق.م.) استولت قبائل الآرامية على مدينتي بيترو وموتكينو (اللتان استولى عليهما تيغلت بلاصر الأول واستعمرتهما). أظهر هذا الحدث إلى أي مدى استطاعت آشور تأكيد نفسها عسكريا عندما دعت الحاجة، هاجم الملك الآشوري الآراميين وشق طريقه إلى أقصى البحر المتوسط وبنى شعلة في منطقة جبل أتالور، وصل في هذه الأثناء إلى الحكم الملك آشور ريش إيشي الثاني (971–968 ق.م.) وكان على الأرجح رجلاً مسناً إلى حد ما بسبب طول فترة حكم والده، وكانت فترة حكمه هادئة إلى حد كبير ، فيما يتعلق بالدفاع عن حدود آشور وإجراء مشاريع إعادة بناء متنوعة داخل الإمبراطورية.
خلفه تغلث بلاسر الثاني (967-936 قبل الميلاد) واستمر حكمه لمدة 28 عاماً ، حافظ فيها على سياسات أسلافه ، ولكن يبدو أنه كان له حكم هادئ.
الغريب في ما أكتشفه المؤرخون والأثاريون من أدلة أركيولوجية في عواصم الدولة الأشورية في عهدها الوسيط والذي يربط بينها وبين ما حدث في ملك سليمان من عمارة وفنون وإبداع غير طبيعي من نتاج الجن ما جاء مثلا في الأقتباس الحالي (خلال القرنين الثالث عشر والعاشر ظهرت حكايات الصور كشكل فني جديد وهي سلسلة متواصلة من الصور المنحوتة على ألواح حجرية مربعة، تذكرنا بعض الشيء بالكتاب الهزلي وتصور فيها أحداث مثل الحرب أو الصيد، مرتبة بالترتيب من أعلى اليسار إلى الركن الأيمن السفلي من الشعار مع تعليق يكتب تحتها، تظهر هذه الأختام المنحوتة بصورة الممتازة أن الفن الآشوري بدأ يتخطى البابلي، وشهدت الهندسة المعمارية إدخال نمط جديد من الزقورات مع برجين والبلاطات المصقولة والملونة).
لا أزعم قطعا أن عواصم الأشوريين التي وصفها النص القديم هذا وخاصة في ما ورد من إشارات حقيقية لبعض الرموز التي ترد في قصو مالك سليمان، منها التماثيل العجيبة، كذلك إدخال نمط جديد من الزقورات التي هي التسمية الأخرى للصروح، فالزقورة بأنها واحدة من أهم مميزات العمارة في تاريخ العراق القديم وأكثرها شهرة، بل أصبحت السمة المميزة لتلك العمارة، رغم وجود ما يشابهها من صروح قديمة عند بعض الحضارات القديمة كالأهرامات في بلاد النيل، ومعابد حضارات أميركا اللاتينية وغيرها، وزقورات أشور تتميز عن باقي الزقورات العراقية والصروح الأخرى المشابهة بأحتوائها على برجين وأنها كانت مغلفة ببلاط مصقول ولامع أي يشبه الصرح الممرد من قوارير، بينما الزقورات الأخرى ومن أشهرها زقورة أور و زقورة عكركوف، إلا أن الملاحظ على الزقورات الأشورية أنها بنيت على عكس بقية الزقورات بالحجارة بدل الطين والأجر المشوي.
وبالرغم من أن الأعتقاد السائد عند علماء الأثار والمؤرخين أن وظيفة الزقورة هي وظيفة دينية بالدرجة الأولى، وبأعتبارها أو جزء منها يمثل المعبد أو الهيكل الذي يجب أن يكون معظما وفخما وذا هيبة، فهي كما يقول أحد الباحثين الآثاريين العراقيين "منصور العبيدي رئيس وحدة الدراسات الفلسفية والحضارة وعلم الأديان بالمعهد العالمي للتجديد العربي" أن الزقورة (ترتبط بأغراض وأسس وعقلية معينة وفق معتقد ديني وعلمي بنفس الوقت)، هذا يقودنا إلى الأعتقاد أن الزقورات الأشورية بهذه المواصفات والأعتبار العلمي والديني تتلائم تماما مع هيكل ملك سليمان إن كان بمواصفاته كما ورد، فهو بيت العبادة الممرد الصرح المليء بالتماثيل المنشأ وفق قواعد علمية والمميز بكونه منفردا عن كل الزقورات العراقية أو مثيلاتها في مصر أو البيرو وأعني بها الأهرامات التي تمثل صروحا ذات برج واحد رأسي مبني بالحجارة.
ويبقى هذا الأحتمال قائما خاصة وأن الفترة التي ظهرت بها الزقورات أو الصرح الأشوري وعظمة الدولة وأتساعها مقارب للفترة المفترض أن الملك سليمان عاشها أو عاصرها، وحتى مقاربة لبعض التواريخ التي تثبت أن بناء الهيكل قد تم بحدود عام 957 ق م، وهب الرواية الأضعف لا سيما أن المتفق عليه أن سليمان حكم أربعين عاما وتوفي عام 910 ق م، بمعنى أن بداية حكمة كانت عام 950 ق م فيكون هناك فرق زمني بين الأنتهاء من بناء الهيكل وبين فترة تولي الحكم لسليمان، وأعيد هنا موعد موثق لدى العبرانيين في سفر الملوك الأوَّل أنَّ العمل انتهى في البيت في عام 763 ق.م، أي بعد 480 سنة من الخروج من مصر، فالخروج تمَّ في حدود سنة 1237ق.م، وذلك يعني أن الهيكل بدأ بناؤه سنة 757ق.م تقريباً، وليس عام 957 ق م.
هناك ملاحظة مهم بخصوص تأريخ أنجاز الهيكل كما ورد في سفر الملوك الأول أن تاريخ 757 ق م يعاصر بشكل أساسي قيام الكلديون (أو قبائل كلدو) وهم فرع من الاقوام الآرامية الجزرية التي نزحت من شبه الجزيرة العربية في اوائل الألف الأول قبل الميلاد، وهيمنت على منطقة الخليج العربي وسيطروا على بلاد بابل في أواخر القرن السابع قبل الميلاد، كان نبوبلاصر " نبو ابلا اوصر" (626-605ق.م ) مؤسس الدولة البابلية الحديثة زعيماً لقبيلة كلدو، الذي خلف من بعده الشخصية العراقية الفذة والتي أرتبط أسمها بالسبي البابلي وكما يزعم اليهود عن مسئوليته عن تهديم الهيكل، تولى (نبوخذ نصر الثاني) الحكم وهو في العقد الثالث من عمره، غير إنه كان يملك خبرة ومعرفة واسعة في شؤون الدولة وقيادة الجيش، في السنة الرابعة توجه نحو بلاد الشام ولظروف غير واضحة قرر العودة الى بابل ، وهذه النتيجة شجعت "يهوياكيم" أو "يحيى القيم" حاكم المدينة الموالي للفرعون المصري نيخو الثاني، وإن ينكث العهد بعد فترة بتحريض من ملك مصر على الرغم من نصائح النبي أرميا اليه وأنقطع في دفع الجزية، فأسرع نبوخذ نصر في إرسال جيشاً حاصر به مدينة أورشليم، وبعد حصار أستسلمت المدينة عام ( 597 ق.م) وهلك حاكمها "يهوياكيم " وأخذ معه ثلاثة الاف أسير ونقلهم الى مدينة بابل بعد إن نصب "صدقيا" حاكما على المدينة وهذا ما سمي ( بالأجلاء البابلي الاول).
وبعد أحد عشر عاماً خلع صدقياً ولاءه للملك البابلي وأنحاز الى جانب الفرعون المصري، الذي بدأ يتدخل في شؤون المدن البابلية ونفوذ بابل في الجزء السوري من المملكة من جديد، وانتهى الامر بأرسال حملة عسكرية تأديبية محاصراً أورشليم فأستسلمت له بعد عام ونصف العام انتهت بفتحها عام 586 ق.م، وإنهاء سلطة الحكام العبرانيين من الوجود في أرض السلام "أور شيلام" وأسر ما وجد من اليهود وهم في حدود أربعين الف اجلوا جميعا الى بلاد بابل وهذا ما يعرف بالإجلاء البابلي الثاني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العراق: السجن 15 عاما للمثليين والمتحولين جنسيا بموجب قانون


.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. هل تنهي مفاوضات تل أبيب ما عجزت




.. رئيس إقليم كردستان يصل بغداد لبحث ملفات عدة شائكة مع الحكومة


.. ما أبرز المشكلات التي يعاني منها المواطنون في شمال قطاع غزة؟




.. كيف تحولت الضربات في البحر الأحمر لأزمة وضغط على التجارة بال