الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفكار في نقد الشعارات والخطاب التثويري وعودة إلى ناظم حكمت وآنا اخماتوفا

جاكلين سلام
كاتبة صحفية، شاعرة، مترجمة سورية-كندية

(Jacqueline Salam)

2024 / 1 / 10
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


حين تستمتع بدور الضحية وتجلد الماضي تخسر الحاضر وتعجز عن قبول نفسك بكل ضعفها وشجاعتها الناقصة. الحاضر يحتاج شجاعة الحضور في الآن ونقد العجز قبل البحث عن مبررات اجتماعية ودينية وسياسية لتبرير الأخطاء والتمسك بالآلية القديمة والشعارات التي تبقى مجرد كلام بائت.
*
يؤسفني الاعتقاد أن أجمل أيامنا، هي تلك التي عشناها ولم نكن منتبهين إلى أنها جميلة كما هي. الحق والعتبى على الشاعر التركي ناظم حكمت وعشاق ورعاة الافكار الثورية اليسارية التي ضخت الآمال في المستقبل وقادت الكثيرين الى السجون، ثم الصمت أو الهرب خارج الحدود. تلك الآمال صارت فيما بعد عبارة عن استظهار للخطابات الثورية. ولم يأت المستقبل الأفضل، بل حلت على البلاد جماعات إرهابية ك داعش، وفصائل أخرى كثيرة انتشرت في الشرق. ومازال الحاكم عاجزا عن تصفيتهم بشكل جذري.
*
يا خسارة يا أنا اخماتوفا، هل حلمتِ بأن يغير الشعر العالم ويجعله أجمل؟ هل قتلك الحزن بعد سجن ابنك وأحلامك الشاسعة في العهد الستاليني؟
ماذا سنقول لك يا سيدة لو عدت كمعجزة اليوم إلينا، نحن الذين نقرأ قصائدك كي نبكي أحلامنا وفداحة أيامنا؟! سنقول هناك خيبة كونية لم تستطع أن تقتل محاولات الإصلاح وطرح الأسئلة.
(أنا اخماتوفا، شاعرة روسية بارزة توفيت عام 1966 ولها قصائد مترجمة إلى العربية)
*
أما الشاعر التركي الثائر في زمنه ناظم حكمت، كنت أحب أفكاره وصوره وصور حبيبته وحديثه عن سجنه وعن أحلامه العريضة في ذلك الكتاب الذي حرره الروائي السوري حنا مينا. وما زلت ضمنا أحبّ تلك الأفكار الرومانسية التي صارت كتبا بلا مرجعية واقعية مستقبلية. (ناظم حكمت شاعر تركي شيوعي، بعد السجن في بلاده ذهب للإقامة إلى روسيا في زمن حكم ستالين ، توفي عام 1963 وتركت أشعاره أثراً على شعراء العربية)
ذات يوم، وضعت على الجدار تخطيطا بقلم أسود، تلك المقولة الشهيرة عن عشق المستقبل وذلك الأفضل الذي سيأتي...ولم يتحقق أي شيء سوى نشوة المقولة التي أخذت بعقولنا في العشرينات والثلاثينات من العمر. الآن وقد أصبحنا هنا، سيكون الغد افضل إذا عالجنا أمراض الواقع بواقعية، وليس بالكلام والوعود والتصريحات الباهرة.
*
كان جميلا أن نؤمن يا الله بأن الغد أفضل ولابد أن يكون وهكذا أضعنا على أنفسنا متعة الحاضر الذي أصبح ماض. لم أعد أملك ذلك اليقين المستقبلي. كل قصص وأفلام المستقبل عبارة عن ديستوبيا- الخراب. وهذه المشاعر بعد حين ستصبح من مخلفات الرومانسية الواقعية وستثير ضحك عشاق الذكاء الأصطناعي والخيال العلمي، أفلام الرعب والجريمة.
وكل ما لدي متعة الآن المنبعثة من الموسيقى-الهسيس النابع من احتراق الخشب على مهل في موقد الشتاء. كان صوت النار مؤنسا ورومنسيا أيضا ويذكرني بالماضي ولم نكن نصغي لأعمارنا وهي تحترق أو تتأصل في قلوب الغرباء ودار الغربة.
*
أحيانا أشفق على الذين يصلون ويأملون في شفاء الكون من علله الكثيرة، وأحيانا أحسدهم لأنهم يؤمنون بأن كل شيء من صنع الله وكل مصير هو اختبار من الله الذي اختبر ايوب بالجوع والعراء والفقد. فإذا كان ايمان الانسان مرتبطا بتقبل المصير، إذا، المصير كما يبدو هو المستقبل المعتم للبشرية . هذا المسقبل الذي انتظرناه يا صديقنا الشاعر، كم هو عنيف ويفوق الخيال!
*
وإذا كانت الحياة سلسلة من الاختبارات، فلماذا ننتظر النتائج ما دامت معلومة لدى القوة الإلهية العليا، او لدى قادة الحراك السياسي الدولي؟
لأن الإنسان بحاجة إلى الأمل كما حاجته إلى الكذب الأبيض بين فينة وأخرى. ومع ذلك ورغم ذلك جميلة تلك المعزوفة "أجمل الأيام تلك التي لم نعشها بعد!" كما قال ناظم حكمت.
*
إذا كان دور الفلسفة ان تطرح الأسئلة وتدعونا للتأمل في أحوال العالم، فمن الذي سيجد الحلول لهذا الواقع؟
السياسي المقهور؟ وهو في الغالب شخص متمرد يطالب بحقوق عادلة للجميع او ربما فقط لمن يؤمن بعقيدته وخطه السياسي الايديولوجي وإلى أن يصل إلى كرسي السلطة، فينحرف، ويستخدم أساليب الديكتاتوريات ليضرب معارضيه بحجة إعادة التوازن، والأمثلة كثيرة.
إذا، ما العمل في مثل هذا العام والعالم؟!

يناير 2024








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صاروخ باليستي روسي يستهدف ميناء أوديسا


.. ما فاعلية سلاح الصواريخ والهاون التي تستخدمه القسام في قصف م




.. مراسل الجزيرة يرصد آثار القصف الإسرائيلي على منزل في حي الشي


.. خفر السواحل الصيني يطارد سفينة فلبينية في منطقة بحرية متنازع




.. كيف استغل ترمب الاحتجاجات الجامعية الأميركية؟