الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب -يقين بلا معبد-

محمد لفته محل

2024 / 1 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


منذ ان صدرت منشورات "المركز الاكاديمي للأبحاث" حتى اتحفتنا بسلسلة كتب اجتماعية و انثروبولوجية قيمة، وكان آخر اصداراتها كتاب "يقين بلا معبد، انثروبولوجيا الإلحاد في العراق" 2024، للكاتب محمد باقر ناصر، الذي كان في الأصل رسالة ماجستير ساهمت شخصيا في مساعدة الباحث على التعرف بالملحدين لاجراء المقابلات اثناء فترة للكتابة.
يبين الشق النظري من الكتاب ان هناك ارتباط وثيقا بين كل من الالحاد الايديولوجيا، الجماعة، التواصل، اذ لايمكن لكل مفهوم ان يعمل دون الاستعانة بالمفاهيم الاخرى. القى كل ذلك بظلاله على اختيار منهج وطرائق محددة لجمع البيانات، اذ تقرر اختيار المنهج المعرفي. اما فيما يخص طرائق الجمع البياني فقد كانت طريقة الملاحظة بالمشاركة التي مكنت الباحث في ان يكون جزا لايتجزأ من الجماعة. بينما اسهمت كل من دراسة الحالة، المقابلة، والمخبرون في الوقوف على عناصر الالحاد الباطنية عبر توجه معرفي خالص، برز خلاله اسلوب الوصف المكثف. اما الموقع الالكتروني فقد كشف عن نمطية الملحدين في التواصل بالواقع الافتراضي، واسهم في التعرف على البنية الالحادية فضلا عن الممارسة الايديولوجية.
وعن استخلاص الدراسة لعدد من النتائج والاستنتاجات، فقد كشف ان السياقين الزماني والمكاني يؤديان دورا رئيسا في صنع نمط تواصلي خاص بالملحدين، يسهم في تأسيس جماعة مكونة من افراد يشتركون بتوجه ايديولوجي محدد، يعبرون عنه برسائل لغوية.
ويقسم تواصل الملحدين بالواقع الى قسمين، اول داخلي وآخر خارجي، يؤديان كليهما الى ممارسة معرفية، فيما تأخذ الاخيرة على عاتقها مناصرة الالحاد، وفقا لتقاطب ثقافي معرفي مع الآخر الديني، ترتفع وتنخفض نسبته تبعا للجذرية الدينية المنبعثة من خطاب الاخر.
فضلا عن ذلك فان المعرفة الالحادية مجموعة من الادوات، تسهم في اذكاء الدفاع والمناصرة، يقف على رأسها نقد موجه بصيغ متعددة، تشمل النقد الديني، نقد الاسلام السياسي، نقد رجال الدين، نقد الممارسات الاجتماعية للمتدينين، كما تتداخل ادوات اخرى مع صيغ النقد الخاصة بالملحدين، كالتهكم، العقلانية، العلم، الانسانية، العدالة، المساواة، مناصرة المرأة، النموذج المثالي، الثقافة الشخصية، الفلسفة، التاريخ، المادية القصوى. بينما لايوجه الاخر الديني نقدا مباشرا للتوجه الالحادي، مكتفيا بالدفاع عن توجهه الديني.
ويؤسس تواصل الملحدين مع الاخرين رغبة كبيرة في انجذاب بعضهم لبعضهم الاخر، مسهمين في تكوين جماعة، تعمل بدورها على جذب الافراد، وفقا لنمطية سميت ب الجذب والانجذاب.
كما اكدت الدراسة تحكم السياقين الزماني والمكاني بصنع شكل التواصل من حيث الفئات العمرية والنوع، اذ تتواصل فئة متوسطى وكبار السن في سياق القشلة مع حضور متذبذب للشباب والأناث.
تبين الدراسة ايضا ان سلوك الملحدين يفسره ثلاثة عوامل هي الثقافة الشعبية، الايديولوجيا الالحادية، والثقافة الدينية. فيما تم تعريف الخطابات اللفظية وغير اللفظية اللاشعورية والنمطية الشكلية، اذ يعبر المفهوم عن عناصر ثقافية، لايرغب الملحدون باستعارتها اثناء خطابهم، لكنها حتمية كالقسم بالله.
ويختار الملحدون سياقاتهم المكانية وفقا لصفات محددة، تاخذ طابعا ثقافيا يجبرهم ذلك على تناول موضوعات ثقافية وعلمية اثناء تواصلهم الداخلي والخارجي. في حين يشترك الملحدون مع اللادينين والربوبيين بعلاقات اجتماعية مميزة. كما يشتركون في سياق زمكاني محدد، لكنهم يختلفون بعدم اشتراكهم في بنية وممارسة ايديولوجية موحدة. في نفس الوقت لاتحكم الالحاد كتوجه ايديولوجي نصوص ثابته، بل هو مجموعة مبعثرة من الافكار والآراء.
وعن كيفية اكتساب الافراد الالحاد كتوجه معرفي فانهم يمرون باربع مراحل متعاقبة هي: الصدمة، الشك، اليقين، مابعد اليقين. تمثل الصدفة تقاطبا بين التوقعات والاستجابات، في حين تمثل مرحلة الشك التساؤل والاكتشاف، اما المرحلة الثالثة فهي انخفاض تدريجي في توتر الافراد، جراء انتمائهم لبعضهم، فيما تتحجم النزعة الايديولوجية بالمرحلة الرابعة وتحولها من ممارسة عشوائية الى ممارسة تخصصية، تجري على المقربين داخل الاسرة والاصدقاء.
كما يوجد اختلافا بين التوجه والسلوك، يحاول الملحدون عبر الاول تبيان قيمتي الحرية والمساواة في اختيار توجه الابناء، الا ان السلوك يظهر توريثا ايدولوجيا بطريقتين، اولى ارادية موجهة، واخرى لاارادية.
وتستخدم البنية المعرفية الخاصة بالملحدين كادوات ايديولوجية، فقد ظهرت الدراسة الباطنية ان اهم هذه البنى هي تاريخية الاديان، الفلسفة، المظلومية، العلم، النموذج المثالي، رجال الدين، الشيوعية، العلمانية. ليتم تأويل ذلك وارجاعه الى ثلاث ازمان متعاقبة هي الماضي، الحاضر، المستقبل.
في حين تمثل الاسرة عائقا رئيسا امام الممارسة المعرفية المعرفية الالحادية، لينقسم الملحدون تبعا لذلك الى ثلاث انواع، نوع اول يتجه نحو ممارسة ايديولوجية اسرية، وآخر يأخذ شكل الانسلاخ التام عن الاسرة، في حين يمثل النوع الاخير تقبل الاسرة لالحاد ابنائهم بشكل جزئي.
فالغالبية العظمى من فئة الشباب الذكور والاناث غير المتزوجين يمارسون الالحاد سراَ. بينما يمارس الالحاد فئة متوسطي وكبار السن من المتزوجين على وفق انسلاخ تام عن الاسرة مع الاحتفاظ بعلاقات قرابية شكلية، كما تتخذ فئة الشباب ذكورا واناثا من تقبل الاسرة الجزئي للالحاد سبيلا اكثر تحررا على صعيد الممارسة الايديولوجية.
فضلا عن ذلك فان تعارض الالحاد مع المجتمع وثقافته ادى الى خلق حيل تواصلية تمثل ابتعادا عن السياقات الرئيسة للمجتمع العراقي. مكونة عزلتهم، فضلا عن لحمتهم.
ترتفع نسبة التواصل على الواقع الافتراضي بين الملحدين عند فئة متوسطي وكبار السن من الذكور والاناث، الا انها تنخفض عند الشباب الذكور، نتيجة استخدامهم الواقع الافتراضي لاغراض اخرى.
وبينت الدراسة ان المحتوى الشخصي لصفات الملحدين يختلف تماما عن محتواهم داخل المجموعات الخاصة، كما ان عزوف الملحدين عن استخدامهم صفحاتهم الشخصية في الممارسة الالحادية يقل مع صغر السن.
كما بينت الدراسة وجود شكلين من اشكال الممارسة الايديولوجية بالواقع الافتراضي، شكل اول موجه، واخر غير موجه (لاشعوري)، يعمل الاول وفق خطط منظمة، بينما يعمل الآخر اثناء التفاعل الايجابي مع المنشورات والمدونات.
ملاحظات على الكتاب:
ان قوة الكتاب في تحليله للميدان، وكنت اتمنى لو كان العنوان: ايمان بلا معبد، وذلك لاعتقادي ان الالحاد هو ايمان معكوس خصوصا في العراق، ولكن المؤلف لم يركز على هذه الجزئية، وانما ركز على قضايا مهمة مثل العمر والجنس والمكان والجماعة والهوية الخ، انه تناول الالحاد خارج دائرة الافكار المجردة الى دائرة الانسان كفرد وكجماعة وكأسرة الخ، وانا اختلف مع المؤلف في وصوف نفسه كملاحظ مشارك، في حين ان نصوص الميدان تبين انه كان ملاحظا فقط.
لأهمية الكتاب قمت بتلخيصه لكن لكي يقرأ المهتمين الكتاب كاملا، ولا يكتفون بهذا التلخيص.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. باريس سان جرمان يأمل بتخطي دورتموند ومبابي يحلم بـ-وداع- مثا


.. غزة.. حركة حماس توافق على مقترح مصري قطري لوقف إطلاق النار




.. لوموند: -الأصوات المتضامنة مع غزة مكممة في مصر- • فرانس 24 /


.. الجيش الإسرائيلي يدعو إلى إخلاء -فوري- لأحياء شرق رفح.. ما ر




.. فرنسا - الصين: ما الذي تنتظره باريس من شي جينبينغ؟