الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سليمان والعرش ومن عنده علم الكتاب في معادلة الفعل والتشكيك. (ملك سليمان) ح 11

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2024 / 1 / 15
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الجواب
من تتبع دلالات النصوص والإشارات المعنوية والمقاصد الكلية التي تخص نبوة موسى وعلاقتها لقومه وببني إسرائيل، يتضح لنا أن أصل رسالة موسى وتحديدا كانت موجه لفرعون ومائه أولا كي ينفذ بني إسرائيل مما كانوا عليه من ظلم وأضطهاد، ولم يكن مفصود الرسالة يتعدى هذا القدر من الموضوعية والتحديد، فهو لم يأت بشريعة تفسخ ملة إبراهيم ولا تكون بديلا عنها أبدا، لسبق العهد من بني يعقوب على البقاء على دين أباءه أسحق وإبراهيم، وهذا عهد ملزم وثابت، كما أن ما جاء في ألواح موسى قبل أن يحرف الكلم من مواضعه لم يأت بجديد ولا خارج ملة إبراهيم، والدليل قوله تعالى في سورة يونس (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ* ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ)74/75، فموسى لم يكن بدعا من الرسل (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ) � الشورى﴾، إذا لم يحمل موسى رسالة مختلفة عما سبق من الرسالات التي كذب بها الناس (فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ* قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ) يونس 76/77.
1. قال تعالى: (وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ) الأعراف/104، 105.
2. قال تعالى: (فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى) طه/47 .
3. قال تعالى: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (45) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ) المؤمنون/45، 46 .
4. قال تعالى: (فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) الشعراء/16، 17 .
5. قال تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) يونس 87.
هذه النصوص بما تحمل تؤكد خصوصية رسالة موسى لفرعون ملئه أولا وبالنتيجة لقومه ثانيا (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ)، رسالة موسى إذا ومن خلال خصوصية الهدف فهي لا تخرج بالتأكيد عن ملة إبراهيم ولا يمكن أن تكون تعديلا ولا تبديلا لأحكامها، أما رسالة داوود فهي للناس كما ذكر النص حكمها حكم ملة إبراهيم، ووأما كتاب أيوب فهما رسالة أخرى طالما أنها لقوم أخرين، ولكنهما جميعا لا يختلفان بالهدف والغاية والأحكام عن ملة إبراهيم ولا عن دين نوح، فقد ذكر القرآن الكريم هذه الحقيقة بشكل واضح وصريح في سورة إبراهيم (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (5).
حجتنا الأخرى في أن هؤلاء الأنبياء على ملة واحد هو النص التالي {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ} يونس : 75، السؤال من بعد من؟ الجواب ما سبق موسى وهارون من أنبياء ورسل كل في نطاق دعوته مع وحدة الإسلام كدين لله {الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ... قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} يونس : 63 ـ 70، إذا هنا نحن أمام نفي وأستحالة في تغيير أمر الله الذي قال في نص أخر (إن الدين هند الله الإسلام),
أما ما يثار حول أن المقصود في الذين يصدون عن دين الله فإننا نرجع إلى نفس حوارية سليمان لنظهر أن كثيرا من الأنس والجن والشياطين كانوا ممن وصفتهم الآية يصدون أو يطغرون أو يجحدون بآيتنا والوصف ليس حكرا على فئة أو أمة أو قوم بعينهم (وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا).
من هنا يمكننا الجزم بيقين أن أل داوود من ذرية نوح تحديدا وليس من ذرية ولا من أل إبراهيم وإن تعاصرا الآل في زمن واحد، كما تعاصر إل إسماعيل دهرا مع أل إسحق وإن كانوا كل أمة مختلفة لكنهما جميعا على ملة إبراهيم أفتراضا، أما ما يخص النص "وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُواْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" البقرة 247، فهو يؤكد ما ذهبنا له وما تبلور لدينا من أستنباط للدلالات والمقاصد، فالله أختار طالوت أو داوود لاحقا ذو الأيدي الذي رزقه الله بسطة في الجسم والعقل، لذا قيل له طالوت بمعنى الطويل الشديد الذي كان له القدرة على لي الحديد أو تطويعه سواء كمهنة أو قدرة بقوله (وألنا له الحديد) لبيان مقدرته الجسدية وقوته الجسمانية، ليكون ملكا على العالمين عموما ومنهم بني إسرائيل في واحدة من مهماته وليس المهمة الوحيدة كما يظهر من النص.
هذا تماما كما حصل مع النبي محمد عندما أعترض عليه وعلى نبوته بني إسرائيل الذين كانوا ينتظرون نبيا منهم لأخر الزمان {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } المائدة 19، هنا نفهم النص ودلالاته البلاغية عندما قال ((إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا))، فقد يعث لهم ولم يبعث منهم لو كان داوود أو طالوت إسرائيليا كما ورد في نص بخصوص النبي محمد ص (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) الجمعة (2).

رؤية أخرى
حتى نكون منصفين ولا نتبنى مسارا واحدا للبحث عن الحقيقة اما لعجز أو بطر أو أنحياز لهوى النفس، لذا سنعيد قراءة النص الماضي بعيدا عن الرؤية التي طرحت أنفا، فكما قيل بأن القرآن حمال أوجه وإن كنت لا أميل ولا مؤمنا بهذا الحديث أو المقولة ونسبتها لأن الإقرار بها يوحي لي ولغيري إمكانية التلاعب بمخرجات النص من خلال الإيمان بأنه له عدة وجوه أو حاملا لعدة وجوده، فأنا ممن يؤمن بالقصدية وأسست كل قراءاتي عليها لإيماني أن الله إنما يسر الفهم كما يسر طريقة عرض الأفكار، لهدف أساسي أن الناس يجب أن تدرك ما يريد الله وفقا لطبيعة العلاقة المعرفية التي يحملها النص دون تكليف أو مشقة أو إرهاق في الدين، فالله أراد بكم اليسر ولم يرد لكم العسر حينما شرع وأنزل الكتاب.
نعود للنص وقراءته والعنصر الأساس الذي يحمل الإشكالية والشبهة في كلمة واحدة هي التي عددت القراءات وأثارت أكثر من فكرة، النص يقول "وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ" ﴿٨٤ الأنعام﴾، فمحل الإشكال إذا في كلمة (ۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ) التي تعطي عدة أحتمالات في النتائج وكلها تتناقض فيما بينها بناء على فهم سياق الجملة ودلالات الضمائر فيها، فالهاء في ذريته على من تعود؟ هل أنها تعود على إبراهيم الذي أفتتح الحديث والنص بكره من خلال الإشارة لإسحق ويعقوب، فتكون القراءة هنا أن داوود وسليمان... إلى أخر النص من ذريته، فيكون ذكر نوحا هنا ذكر عارض وجملة خارج السياق إنما حشرت للتمثيل فيما يخص الهبة فقط.
الرأي مقبول وممكن التسليم به لولا أن ذكر نوح عارضا في الجملة بلا داع، فقد هدى الله كثيرا من الناس وخاصة الرسل والأنبياء لأن من مستلزمات التكليف بالنبوة أو الرسالة أن يكون النبي هاديا ومهديا ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ القصص65، فشرط الهداية مفتاح شرط الولاية للمهدي والهادي من الله على الناس (أُولَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ٥ البقرة، فلا نبوة ولا رسالة ولا تكليف بالهداية قبل ان يكون المكلف قد هداه الله مسبقا، إذا الهداية أمر طبيعي مع كل الرسول ولا حاجة لأن يذكر نوحا مع إبراهيم في نص بتكلم عن هبة الهداية له دون بقية الرسل والأنبياء (هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ) ﴿١٣٨ آل عمران﴾.
النقطة الثانية لو كان القصد أن واو العطف التي ربطت (من ذريته) بما قصد النص من كلمة (ووهبنا له) تنصب على تعداد الذرية ما خلقت القائمة من ذكر عيسى خاتم أنبياء وذرية يعقوب، ولا خلت من زكريا ويحيى واليسع والياس ممن ذكرهم الله معل في نصوص عديدة، مثلا هذا النص الذي شمل غير ما ذكروا من أنبياء بعضهم من ذريته أي ذرية إبراهيم، والبعض الأخر من ذرية نوح (وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا ۚ وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ) ﴿٨٦ الأنعام﴾، فالتسليم بهذا التأويل والإخراج المعنوي يقتضي أن إسماعيل (ليس هبة) لإبراهيم، بما يعني تعارضا بين النص السالف وهذا النص وأختلاف كبير (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ) ﴿٣٩ ابراهيم﴾، فإسماعيل قد من الله عليه بالهداية والتكليف وهو هبة الله ومن المهتدين الأخيار (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) ﴿١٦٣ النساء﴾.
النتيجة أن الأعتماد على أن ضمير الهاء في ذريته إنما يعود لإبراهيم تحديدا وتخصيصا، وبالتالي فما ذكر من أسماء من بعد الضمير هم حصرا من ذريته عبى وجه الحصر، يخرج طائفة كبيرة من الأنبياء والرسل من هذه الهبة المؤكدة والمكررة في النصوص العديدة، وهذا خلاف الثابت اليقيني الذي لا ينكر، وبالتالي فإن التخريج السليم لذلك ورفع التعارض لا بد أن نقول بعودة حرف الهاء الضمير الناصب في ذريته إلى إسحق أو يعقوب بأعتبارهما أباء الفرع الثاني من السلالة الإبراهيمية التي تخلوا من إسماعيل وذريته، بغض النظر عمن يقول أن ورود كلمة (من) التي تفيد التبعيض تنصرف لمعالجة حالة الإشكالية والشبهة، فمن ذكروا ليس كلهم ذرية إبراهيم بل هم بعضا منها فقط، وهنا يظهر السؤال مرة أخرى ما دور نوح في هذا النص وما دلالة وجوده في حديث عن ذرية إبراهيم أو بعضا منها كما يزعمون؟.
وجهة النظر الثانية تأخذ مجرى أخر مختلف عن السياقين السابقين، فالضمير الهاء المتصل إنما يعود إلى نوح حصرا تخصيصا وقصدا، إنما أراد واضع النص أن يقول أن إبراهيم وإسحق ويعقوب الذي ذكرهم الله هبة وموهوب هم جميها من ذرية نوح، وحتى من هم بهدهم جميعا من ذرية نوح بأعتبار أن نوحا أخصه الله وذريته بالنبوة التي أسمها الله بالبركة مرة في النص التالي (قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ ۚ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ) ﴿٤٨ هود﴾، ومرة أخرى ذكرها صريحة في النص التالي (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ۖ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) � الحديد﴾، فالتأويل الأخر يقول (إن إبراهيم الذي وهب الله إسحق ويعقوب وهداهم هم من ذرية نوح من قبل هداه الله وأعطاه ذات الهبة والهداية، فيكون محل وجود نوح في النص مجرد مقاربة في موضوع الهبة والهداية ليس إلا، قد يكون القول مقبولا لولا أن الله في نص أخر ذكر أكثر من ذلك فيكون القول هنا تكرار ناقص لقوم أعم وأشمل (أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا ۚ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَـٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) ﴿٥٨ مريم﴾.
الملخص هنا لا يمكن الأحتجاج بحجة ناقصة مع وجود حجة أكبر فالهداية والنعمة (الهبة) بدأت ليس من نوح وبعده إبراهيم، بل مبدأها وأولها من آدم وهي سنة إلهية ثابتة ومستمرة، لا تخصيص فيها لسلالة ولا حصرا لها في شخصية، هنا يكون الأحتجاج بأن ذكر الذرية تعني أنهم جميعا من إبراهيم إلى أخر من ذكروا هم من ذرية نوح، وتطبيقا لقاعدة للإعلام بالمعلوم عبث خاصة وأننا نؤمن جزما وقطعا أن لا عبث ولا لغو ولا أختلاف في نصوص القرآن (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) ﴿٨٢ النساء﴾.
لقد بينا وجهة نظر ووجهة نظر مقابلة وتركنا الحكم فيها للزمن وللمختصين الذي لا يهمهم إن كان داوود من ذرية نوح أم من ذرية إبراهيم بقدر ما يهمهم أن تكون الحقيقة مسنودة بدليل يقيني بعيدا عن رغبات أي شخص يحب أن يرى هذا الأمر أو تلك النتيجة، وبالرغم من أننا قد نكون أول من يخوض في هذا المبحث بأدوات ومناهج منطقية لا نجزم أننا فتحنا روما ولا أخرجنا ما أستعصي على عقول وأفهام من سبقنا، لأننا نؤمن بحقيقة ديناميكية ومنطقية عملية هي أن فوق كل ذي علم عليم، وأن العلم بحر كلما تقدمت خطوة حقيقية غصت أكثر في العمق لتكتشف أن ما تحت الماء كنوز تشكل عالما أخر قد لا يفهمه من بقي على شاطئ البحر ينتظر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تطبيق يتيح خدمة -أبناء بديلون- لكبار السن الوحيدين ! | كليك


.. تزايد الحديث عن النووي الإيراني بعد التصعيد الإسرائيلي-الإير




.. منظمة -فاو-: الحرب تهدد الموسم الزراعي في السودان و توسع رقع


.. أ ف ب: حماس ستسلم الإثنين في القاهرة ردها على مقترح الهدنة ا




.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يلاحقون ضيوف حفل عشاء مراسلي البيت ا