الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سليمان والعرش ومن عنده علم الكتاب في معادلة الفعل والتشكيك. (ملك سليمان) ح 10

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2024 / 1 / 15
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


أل داوود
" وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ" ﴿٨٤ الأنعام﴾.
"يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ۚ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ" ﴿١٣ سبإ﴾.
"يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ" ﴿٢٦ ص﴾.
"وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُواْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" البقرة 247.
"إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا" ﴿١٦٣ النساء﴾

.من قراءة النصوص القرآنية قراءة تدبر وبالمنهج التفكيكي الذي يفكك النص ليقيمه أجزاء ثم يعيد صياغة الفهم وفق ما يترشح من حقائق بلاغية أو قصدية بدلالات أو إشارات جازمة تؤكد معنى محدد وليس على الأجمال كما هو السائد في قراءات المفسرين والرواة، نجد من خلال كل النصوص التي ذكرت داوود وسليمان لا تشير بشكل حاسم ويقيني على أنهما من بني إسرائيل أو حتى من ذرية يعقوب، هذا إذا ما عزلنا الرواية الإسرائلية التوراتية التي ظهر الكثير من زيف تأريخيتها ووضعها الذي لا يمكن الأستناد لمحتوياته أسماء وتواريخ وأحداث، مثلا عندما يصف القرآن الكريم داوود وسليمان على أنهما أنبياء ويوحى لهم نجد أن التوراة وعلى أقل تقدير لا تعترف بنبوة داوود وأنه مجرد ملك فرض على بني إسرائيل بناء على الحاجة له، لذا فهو من أكثر الشخصيات التي تعرضت للتشويه والإهانة والتزييف في روايتها له ولعصره وحياته وتأريخه.
لو عدنا لكل النصوص القرآنية وتابعنا منطقها فيما يخص داوود وسليمان والذي خصهم النص بتسمية مميزة عن غيرهم وهم "أل داوود"، يتضح لنا أن أل داود هؤلاء ليسوا من جملة أل إبراهيم التي تضم فرعين رئيسيين، الأول الإسماعيليون والثاني الأسحاقيون ومنهم فرع يسمى أل عمران لتميزه عن بقية أولا يعقوب وأسحق، كون النبوة حصرت فيهم على وجه التحديد، لذا يكون النص التالي الذي يحتج به علينا هو الحجة الدامغة ضدهم ((وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)).
الحجة المضادة لنا هي أن النص ذكر سليمان وداوود من ذرية أسحق ويعقوب وبدليل أنهم ذكروا مع كل الأنبياء من ذات السلالة، وبذلك لا يمكن الفصل أو تجزئة النص وفق هوى أو رؤية بدون حجة أقوى منها، نعم هذا صحيح ولا خلاف عليه ولكن بعد أن نعيد قراءة النص مرة ثانية، النص يتكون من الجمل التالية:.
• (ووهبنا) نحن الله وهبنا من دون إلتزام أو شرط أو مقابل، والهبة هي تمليك لأخر بدون ثمن من الموهوب له "منة" أو تفضلا، فالله تفضل على من ذكروا بهد الهبة لما وهب.
• ﴿لَهُ﴾: اللام: حرف جرّ مبنيّ على الفتح، والهاء: ضمير متّصل مبنيّ على الضم في محل جرّ بحرف الجرّ، والجارّ والمجرور متعلقان بالفعل "وهبنا".
• (كُلًّا هَدَيْنَا ۚ) كلا مفعول به مقدم للفعل "هدينا" منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظّاهرة على آخره، فالهبة هنا تتعلق بما هداهم الله موضوعا، أي على إسحق ويعقوب وليست الهبة لهم تخصيصا، بل لما نتج عنها إلى الموهوب الحقيقي له وهو "إبراهيم" أبوهما.
• (وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ۖ) الواو حرف عطف حال على حال بالمشاكلة والمشابهة والتماثل، فالله كما وهب لإبراهيم وحب لنوح بنفس الطريقة والمضمون والمثال، بمعنى أن هداية إسحق ويعقوب كهبة من الله لإبراهيم أيضا جرت مع نوح من قبل، والدليل أن كل ما بذكر بعد هذا النص هم من المهتدين أولا ومن ذرية نوح تحديدا، ومع أن المعروف عنهم أنهم من ذرية إبراهيم، ولكن إبراهيم أيضا من ذرية نوح (وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ).
• السؤال هنا وهو مفتاح الإشارة ضمير الإشارة المتصل (الهاء) في ذريته تعود لنوح ألموهوب له الثاني في النص؟ أم للموهوب الأول؟ فـ ﴿ذُرِّيَّتِهِ﴾: اسْمٌ مَجْرُورٌ وَعَلَامَةُ جَرِّهِ الْكَسْرَةُ الظَّاهِرَةُ، وَ" هَاءُ الْغَائِبِ" ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْكَسْرِ فِي مَحَلِّ جَرٍّ مُضَافٌ إِلَيْهِ، وهو مضاف، والجارّ والمجرور متعلقان بمحذوف حال، أي: وهدينا داود وسليمان...، والهاء: ضمير متّصل مبنيّ على الكسر في محل جرّ بالإضافة، وهو مضاف، أي كما هدينا إسحق ويعقوب هدينا داوود وسليمان.
• (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ) متعلقان بمحذوف حال والتقدير وهديناهم حال كونهم من ذريته نوح والمعطوف (داوُدَ وَسُلَيْمانَ) عطف على نوح، ومعنى هبة إسحق ويعقوب كانت لإبراهيم أنّه له كما وُلد لابنه إسحاق في حياة إبراهيم وكبر وتزوّج في حياته فكان قرّة عين لإبراهيم، فيكون المثال المقارن دلالة أكيدة على هبة الله داوود وسليمان لنوح بنفس التفصيل.
• {من ذرّيته} حال من داوود، و { داود } مفعول (هدينا) محذوفاً، وفائدة هذا الحال التّنويه بهؤلاء المعدودين بشرف أصلهم وبأصل فضلهم، والتّنويه بإبراهيم أو بنوح بفضائل ذرّيّته، والضمير المضاف إليه عائد إلى نوح لا إلى إبراهيم لأنّ نوحاً أقرب مذكور، ولأنّ لوطاً من ذرّية نوح وليس من ذرية إبراهيم حسبما جاء في كتاب التّوراة، فيجوز أن يكون لوط عومل معاملة ذرّيّة إبراهيم لشدّة اتّصاله به، كما يجوز أن يجعل ذكر اسمه بعد انتهاء أسماء من هم من ذرّيّة إبراهيم منصوباً على المدح بتقدير فعللٍ لا على العَطف.
• النص ذكر ستة أنبياء ثلاثة متأخرين هم يوسف وموسى وهارون وهم من أبناء يعقوب بلا جدال وقد ذكر لهم القرآن هذا النسب وصلتهم ببني إسرائيل مؤكدة وثابتة فيوسف من أبناء يعقوب المباشرين وله قصة طويلة ومفصلة في القرآن، ولا علاقة لها باليهودية كدين بل على ملة إبراهيم جده كما ورد في سؤال يعقوب عندما حضره الموت، قال ماذا تعبدون بعدي قالوا نعبد إلهك وإله أباءك، أما الثلاثة المتقدمين والذين عطفوا بالمباشر على نوح وهم داوود وسليمان وأيوب، فلم يثبت لهم النص القرآني الصفة والعلاقة السابقة كالذين ذكروا من بعدهم، فداوود أنزل عليه الزبور وحيا من الله وورث سليمان داود، أي لم يكونوا يهودا أو من أتباع موسى، الدليل أن الكتاب والرسالة اللاحقة تحل محل السابقة ويستبدل الإيمان بها، فلو كان الزبور نزل على داوود فيكون الحال أن التوراة لا محل لها كما نزل القرآن محل كل الكتب القديمة، وبما أن زعم العبرانيين من بني إسرائيل أن داوود منهم فيلزمهم هذا الإيمان بالزبور وإسقاط التوراة.
• أما النبي أيوب فالثابت النسبي الذي يمكن الركون له هو أنه ليس من أنبياء بني إسرائيل ولا ممن بعث لهم، فقد ذكرت المصادر التأريخية نسبه وأصله من أنه ابن شقيق إبراهيم وليس من ذريته (يظُنّ بعض المؤرّخين أنّ أيّوب من ذرّيّة (ناحور) أخي إبراهيم، وأنّ أيّوب كان ساكناً بأرض (عُوص) وهي أرض حَوران بالشّام، وهي منازل بني عوص بن إرَم بن سام بن نوح، وهم أصول عاد) وكانت مجاورة لحدود بلاد الكلدان، وقد ورد ذكر الكلدان في "كتاب أيّوب" وبعض المحقّقين يظنّ أنّه من صنف عَربي وأنّه من عُوص، كما يدلّ عليه عدم التّعرض لنسبته في كتابه، والاقتصار على أنّه كان بأرض عوص (الذين هم من العرب العاربة)، وزعموا أنّ كلامه المسطور في كتابه كان بلغة عربيّة، وأنّ موسى عليه السلام نقله إلى العبرانيّة، وبعضهم يظنّ أنّ الكلام المنسوب إليه كان شِعراً ترجمه موسى في كتابه وأنّه أوّل شعر عرف باللّغة العربيّة الأصليّة، وبعضهم يقول هو أوّل شعر عرفه التّاريخ، ذلك لأنّ كلامه وكلام أصحابه الثّلاثة الّذين عَزّوه على مصائبه جَارٍ على طريقة شعريّة لا محالة) .
الخلاصة التي نصل لها ونستنتجها من النص أن المماثلة والمقاربة بين إبراهيم وما وهب مع نوح وما وهب لهم الله لا تتعلق بالذرية، بمعنى أن الرابط الموهوم الذي يدرك سريعا من التسلسل في الأسماء لا يعني بكونهم جميعا من ذرية إسحق ويعقوب، وإنما المماثلة اخص الهداية، فيوسف هدى في عصره قومه وبني إسرائيل وأل فرعون وموسى كذلك، فيكون داود وسليمان وأيوب بنفس الحالية والمقاربة، والدليل أن النص الثاني الذي قدمناه يؤكد ذلك "يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ" ﴿٢٦ ص﴾.
سيحتج علينا البعض بدليل أخر من شقين الأول أن كل الأنبياء بعثوا للناس بالحق، فلا مجال لتخصيصه من دون غيره، والثانية أنه ورد في النص ذكر الذين يضلون عن سبيل ربهم وهم بالعادة كما ذكروا كثيرا في القرآن صفة تطلق على بني إسرائيل بشكل مركز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -