الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقدة الهاجس الأمني لدى الشخصية العراقية

ثامر عباس

2024 / 1 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


عقدة الهاجس الأمني لدى الشخصية العراقية !


يكاد يندر أن تجد إنسان عراقي يمتلك فضيلة (المطابقة) بين ما يقوله ويعلن عنه جهارا"من جهة ، وبين ما يفكر فيه ويعتقد به باطنا"من جهة أخرى ، بحيث يبدو كما لو أنه يعيش بين عالمين منفصلين ومتناقضين ؛ يظهر الجرأة والجسارة في الحالة الأولى ، ويضمر الاستكانة والتقية في الحالة الثانية . ولهذا قلما نصادف في حياتنا اليومية وجود من يعبر عن ومضات عقله بصراحة وخلجات نفسه بوضوح ، وهو ما يعتبر بالنسبة لعلماء النفس والاجتماع حالة متقدمة من حالات (سايكوباثيا) الشخصية بحاجة الى تشخيص الأعراض وعلاج المسببات .
وكما في كل الظواهر الاجتماعية والإنسانية الشاذة والغريبة التي يمكن مصادفتها في حياتنا اليومية ، لا يشكل الفرد العراقي - في هذا الإطار - حالة استثناء كما قد يوحي عنوان المقال لمن يستهويه هذا الأمر ويستمرئه ، وإنما هي ظاهرة من جملة ظواهر عامة وشائعة يمكن رصدها وتشخيصها لدى أفراد وجماعات أخرى في بيئات اجتماعية وثقافية مختلفة . ولكن ما يتميز به الفرد العراقي عن سائر أفراد المجتمعات كونه (يتفوق) بأشواط على أقرانه في استبطان عقدة (الهاجس الأمني) واجتياف تبعاتها الاجتماعية والاقتصادية والنفسية ، لا في إطار وعيه الظاهر (الشعور) وما يتمخض عنه من تصرفات وسلوكيات غالبا"ما تتسم بالفضاضة والخشونة ، الأمر الذي يسبغ عليها طابع التطرف في المواقف والعنف في العلاقات فحسب ، وإنما في مطمور لاوعيه الباطن أو (اللاشعور) وما يتوقع أن يترتب عليه من تمثلات وتصورات غالبا"ما كانت مشحونة بفائض من القلق إزاء المستقبل ، والخوف من المجهول ، والريبة من الغريب ، التوجس من المختلف .
والحقيقة انه إذا ما حاولنا إيجاد تفسير مقنع يميط اللثام عن أسباب تمكن هذه الظاهرة من شخصية الإنسان العراقي المدجنة واستيطانها داخل شعاب سيكولوجيته المترجرجة ، فلعلنا لا نجانب الصواب حين نزعم ان العلة الأساسية التي وسمت تفكيره وبرمجة وعيه بالشكل الذي ينم عن قلة حيلة وانعدام إرادة وفقدان مصير ، إزاء سلاسل متواصلة من سياسات وإجراءات التجويع الاقتصادي والترويع النفسي والتركيع السياسي والتضييع الإنساني ، التي لم تبخل أنظمة الحكم السياسية السابقة واللاحقة في جعلها طقوس متوارثة بين أجيال المجتمع طيلة عقود متقادمة وتواضعات متراكمة ، حتى أضحت جزء حيوي من تكوينه الذهني والسيكولوجي .
ولعله لو بحثنا في سيرورات وديناميات تاريخ المجتمع العراقي ، لوجدنا من الأسباب والدوافع القاهرة ما لا يجعل فقط من شخصية الفرد العراقي عرضة لدوامات الخوف والقلق والتوتر فحسب ، وإنما يحلها الى كتلة مضطربة تتلظى بجحيم لا يطاق من جنون الارتياب والهلع من كل ما له صلة بمؤسسات الدولة الأمنية وعناصر السلطة القمعية التي تحيط به من كل جانب . لاسيما وان هذا الإنسان المقهور في إرادته ، والمهدور في إنسانيته ، والمغدور في حقوقه ، قلما عرف فترة من فترات تاريخه المخضب بدماء الأبرياء والبؤساء ، والمعفر بدخان الحروب والصراعات . استشعر خلالها انه يعيش في ظل (دولة راعية) تحميه من غوائل الخوف والعنف من الآخر ، مثلما يتمتع برعاية (مجتمع حاضن) يجنبه الوقوع بين براثن العزلة والاغتراب . ولهذا غالبا"ما نجد ان مشاعر (الثقة) المتبادلة بين رجل الأمن ونظيره المواطن العادي ، كانت - على الدوام - ليست فقط ضعيفة وهزيلة وإنما ملغية ومعدومة بالكامل ، هذا ان لم تكن ملغومة بالحقد والضغينة والكراهية ، بحيث ان الحديث عن هذا الأمر يبدو أشبه ما يكون بثرثرة سمجة منه بتوصيف حالة واقعية معاشة .
والمشكلة ان التربية البيتية (الأبوية) والتنشئة الاجتماعية (القبلية) ، ساهمتا – كلا"في مجالها الخاص - في تكريس مثل هذه المخاوف وترسيخ مثل هذه الهواجس ، سواء عبر سيرورات (المجايلة) الفاعلة في مثل بيئة المجتمع العراقي ، حيث الروابط الأسرية والصلات القرابية والانتماءات العصبية لها اليد الطولى في تنميط وعي الفرد ونمذجة سلوكه ، أو من خلال الممارسات والإجراءات البيداغوجية والإيديولوجية التي لا تفتأ السلطات السياسية من حمل مكونات المجتمع على الامتثال لتعاليمها والاجتياف لقيمها ، بحيث لا تترك أي مجال أمام من يتجاسر على ردم الهوة بين من يرمز الى الدولة / السلطة ، وبين من هو خارج وصايتها المستمرة ورقابتها المتواصلة ! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سوريا: مقتل 14 شخصا على الأقل في غارات إسرائيلية استهدفت -مو


.. الاتحاد الأوروبي يتحدث عن -معلومات ذات صدقية- بشأن تسلم روسي




.. مراسل الجزيرة: الاحتلال الإسرائيلي استخدم صواريخ ارتجاجية ثق


.. مصمم أزياء أسترالي يرفع العلم الفلسطيني أثناء عرض أزياء في ن




.. 40 شهيدا و60 جريحا في مجزرة إسرائيلية في منطقة المواصي بخان