الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هيبي إلهة خلود الشباب

عضيد جواد الخميسي

2024 / 1 / 20
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


"هيبي Hebe"؛ إلهة جسّدت الشباب الأزلي في الأساطير اليونانية ، واسمها يعني (الشباب) أو (زهرة الشباب) . وهي ابنة الإله زيوس ( ملك الآلهة وإله الرعد) والإلهة هيرا (إلهة الزواج والنساء والسماء)، وزوجة المحارب اليوناني هيركليس (هرقل) . وكانت وظيفة هيبي ؛ سقي النبيذ والرحيق والطعام الشهي لآلهة وإلهات جبل أوليمپوس، مع موهبة تجديد الشباب للبشر .
في التصوير الفنّي لشخصية هيبي ، توصف بأنها شابّة عذراء ذات وجه مستدير بعينين متلألئتين وشعر داكن ، وعلى رأسها تاج من الزهور، أو مرتدية إكليلا ذهبياً وفستاناً بألوان زاهية ، وتحمل كأساّ ذهبياً ، ويرافقها أحياناً نسرٌ (يرمز إلى الإله زيوس) .
الشاعر الغنائي اليوناني المعاصر "پندار" (عام 518 ـ 447 قبل الميلاد)، أشار في قصائده النيمية إلى هيبي على أنها "أجمل الآلهة" ، بينما في الأوديسا ، ذكر هوميروس (حوالي عام 750 قبل الميلاد) أنها اشتهرت بـ "كاحليها المُغريين ". وفي كتاب هسيود اليوناني " ثيوگونيا "ـ أنساب الآلهة ـ (عام 700 قبل الميلاد) ، تم ذكر هيبي على أنها ابنة زيوس وزوجته هيرا، وشقيقة كلاً من آرس (إله الحرب )، و إليثيا (إلهة الولادة) . وكانت أيضاً الأخت غير الشقيقة لكل من : گريسيس ( إلهة النعمة والجمال) ، فيتس ( إلهة الأقدار) ، و هوراي ( إلهة الفصول) . وبعد ولادة هيبي، تقاتلت الآلهة فيما بينها لمنحها الهدايا والتكريم . فقد أهدتها أثينا وپوسيدون الألعاب ، بينما أهداها أپولو موسيقاه . وهناك حكاية عن ولادة هيبي ؛ في أن والدتها هيرا قد حملت بها بعد أن لمست أو تناولت الخس في مأدبة مع أپولو .

على الرغم من أن هيبي كانت ابنة ملكة وملك الآلهة ، إلا أنها مُنحت دور حاملة الكأس للآلهة الأولمپيين، حيث تقدم الرحيق والطعام الشهي ، والذي يتماشى مع التقاليد الذكورية القديمة، حيث الإناث كنّ يساعدن في المنزل لخدمة الضيوف .
لقد خدمت هيبي الآلهة الأولمپيين بالنبيذ وطعام الآلهة في كؤوس و أطباق ذهبية. وفي الإلياذة ، ذكر هوميروس أن هيبي قدمّت النبيذ للآلهة أثناء مشاهدتهم المعركة التي دارت بين مينيلوس و پاريس :
الآن عالياً بجانب زيوس ، جلست الآلهة في مجلس
وتشاوروا وهم على الأرض الذهبية لأوليمپوس
وبينما كانت الكريمة هيبي تسكب لهم جرعات النبيذ
رفعوا الكؤوس الذهبية
وتعاهدوا مع بعضهم بحماس
وحدّقوا إلى طروادة ...
( الإلياذة 4.1-4)
لسوء الحظ ؛ فقدت هيبي حاملة كأس الآلهة وظيفتها في حادث مؤسف ، وذلك عندما تعثرّت وتفكك فستانها، مما أدى إلى كشف ثدييها أمام أولمپيا بأكملها ؛ فقام زيوس بطردها على الفور، واستبدلها بشاب طروادة (گانیمید) الذي يعتبره زيوس من أجمل شباب البشر . إلا أن زوجته هيرا قد غضبت منه لطرد ابنتها، وتقرّبه لگانيميد . كما انزعج زيوس من غضب زوجته ، إلا أنه استمر في إظهار محبته للشباب من خلال وضع صورة گانیمید بين النجوم على أنه برج الدلو حاملاً للماء .
هناك تفسير آخر للأسطورة ؛ إلى أن هيبي قد تخلّت عن وظيفة حاملة كأس الآلهة عندما تزوجت من أخيها غير الشقيق "هيركليس ـ هرقل". إذ أنها وفي وقت مبكر، كانت تُعرف باسم گانیمیدا، مما يشير إلى أن هذه الإلهة قد انشطرت إلى نصفين ،؛ فكان الذكر هو گانیمید الذي شغل وظيفة ساقي الآلهة ، وهيبي زوجة لهيركليس وأمّاً لولديهما .

باعتبارها ابنة هيرا، عملت هيبي أيضاً كخادمة لوالدتها، حيث تقوم بتجهيز عربتها وتسريج ( وضع السرج) طواويسها كلما دعت الحاجة. وفي الجزء الخامس من الإلياذة ، يرد فيه عن مساعدة هيبي لوالدتها في تجهيز عربتها عن طريق دحرجة العجلات وربطها بمكابحها البرونزية ، وايلاج مساميرها في أطراف محورها الحديدي . وفي مصادر وصور مختلفة من الفن اليوناني؛ تظهر هيبي واقفة بجانب والدتها، ومستعدة لتنفيذ أوامرها . كما قامت هيبي أيضاً بسكب ماء الابريق على رأس شقيقها آرس في استحمامه، ومن ثمّ ألبسته ثياباً نظيفة ، والتحقا بجبل أوليمپوس بعد أن خاض آرس معركته ضد ديوميديس ملك أرگوس خلال حرب طروادة .

باعتبارهيبي إلهة الشباب ، كانت لديها القدرة على إعادة الشباب إلى البشر؛ حيث اليونانيين القدماء بتقديرهم كانت هيبي شجاعة وكريمة. وقد جاء عن السفسطائي اليوناني فيلوستراتوس الليميني (عام 190-230 ميلادي) ؛ أن هيبي كانت أصغر الآلهة وأكثرها محبّة. وكانت السبب وراء بقاء الآلهة الأولمپيين شباب وإلى الأبد . كما تم التطرّق إلى قوة هيبي في بعض الأساطير، والتي أُعيد سردها في تحولات الكاتب والشاعر أوڤيد (عام 43 قبل الميلاد ـ 17 ميلادي) خلال فترة الإمبراطورية الرومانية .

لقد ناشد بطل الميثولوجيا اليونانية "جيسون" زوجته الساحرة "ميديا" ​​أن تستقطع من سنوات عمره وتمنحها لوالده المريض والمسّن "أيسون" ، كي يعيش لفترة أطول . غير أن ميديا ​​قد رفضت القيام بذلك ، لأن ليس باستطاعتها مواجهة ضياع سنوات من حياة زوجها . وبدلاً من ذلك، أخبرت جيسون أنها ستطلب المساعدة من الإلهة الساحرة "هيكات" لتسوية الأمر .
جابت ميديا ​​وتنانينها (جمع تنّين) الأرض لمدة تسعة أيام لجمع عشب الشباب. حيث قامت ببناء منصّتين من العشب الأخضر، إحداهما مخصصة لهيكات والأخرى لهيبي . ومن خلال قدرتيهما السحرية تمكنت ميديا من استعادة شباب أيسون .

في أمر آخر؛ طلب هيركليس من زوجته أن تمنح هدية الشباب لصديقه العزيز وابن أخيه إيولاس، حتى يتمكن من الانتقام من الملك يوريسثيوس الذي لديه خلافات مع هيركليس وإيولاس وعائلتيهما. وقد وافقت هيبي وأعادت شباب لإيولاس؛ لكنها أقسمت بعد ذلك أنها لن تُسخّر موهبتها أبداً لأي شخص آخر. إلا أن ثيميس ( إلهة العدل والقانون) منعتها من قطع هذا الوعد ، وذكّرتها بالحرب الثيفية الأسبرطية الدائرة . كما تنبأت ثيميس أن كاليرهو ابنة إله النهر أخيلوس؛ سوف تتوسل إلى الإله زيوس ليضيف السنوات التي فقدها إيولاس لأبنائها الصغار ويتمكنوا من الانتقام لأبيهم . ثمّ وهبت هيبي الشباب لهم بوساطة والدها ؛ غير أنها لم تكن سعيدة بمنح الآخرين هدية الشباب ؛ بسبب سوء فهمهم واستغلالهم لها .

ارتدى هيركليس قميصاً مسموماً بعد أن أرسلته زوجته "ديانيرا" إليه عن طريق الخطأ ، وهو غير مدرك أنه كان مغطى بسّم هيدرا. وبينما كان هيركليس يصلي للآلهة ويريق النبيذ على النار ؛ تسببت الحرارة في انتشار السّم في جسده بسرعة. وبعد أن قُتل خادمه "ليكاس" الذي تسلّم القميص بيديه ؛ بنى هيركليس لنفسه محرقة جنائزية واستلقى عليها .
ارتعبت الآلهة من على جبل أوليمپوس عندما شاهدت هيركليس تشتعل فيه النار. إلا أن زيوس قد طمأنهم ؛ باعتبار أن هيركليس هو ابنه ، ولا يمكن أن يمسّه الموت ، وسيكون مرّحباً به في جبل أوليمپوس بعد منحه الخلود .
بعد اكتمال تأليه هيركليس ، سمح كلاً من زيوس وهيرا له بالزواج من هيبي، مما عزّز منصبه الجديد كإله وانضمّ إلى الأبد مع الشباب الخالدين .
لقد كان زواج هيركليس وهيبي إشارة على أن هيرا قد تغلبت أخيراً على كراهيتها لهيركليس (لأنه كان بمثابة تذكير بخيانة زيوس لها)، أو على الأقل لم تكن حاقدة عليه كما كانت من قبل . وبعد زواجهما أنجبا ولدين توأمان ( أليكسياريس و أنيسيتوس ) .

هيركليس القوي، الابن المتألّق من ذات الكاحلين المُغريين
ألكمين ( والدة هيركليس) ، وفي نهاية
ومع كل جهوده العسيرة، جعل عروسه
هيبي، الطفلة الخجولة لزيوس العظيم
وهيرا ذات الخفّ الذهبي، على أوليمپوس المكسو بالثلج .
الإله سعيد! لأنه أنجز عمله العظيم ، ليعيش بين الآلهة
شاباً إلى الأبد، وخالياً من الأوجاع وإلى الأبد .
(هسيود، ثيوگونيا "ـ أنساب الآلهة ،ص 950-957)

كانت المنطقتان الرئيسيتان لعبادة هيبي في اليونان هما ؛ فيلوس ، و سيسيون، الواقعتان في الپيلوپونيز. وحسب الجغرافي "سترابو" (عام 63 قبل الميلاد ـ 23 ميلادي)، كان الناس قد عبدوا هيبي باسم" ديا" والذي يعني . وكانوا يؤدون صلاتهم إلى هيبي من أجل مغفرة الخطايا ، بحيث كان السجناء المُفرج عنهم يتركون سلاسل قيودهم على الأشجار في البساتين المقدّسة لتبجيلها . وفي فيلوس ، برز رأس الإلهة هيبي وأكاليل اللبلاب على العملات المعدنية.
وفق ما ذكره الرحّالة لپوسانياس (عام 115ـ 180 ميلادي) في وصفه لليونان ؛ كان لدى هيبي في كورنثوس معبداً وتمثالاً ذهبياً وآخر عاجيّاً ؛ صنعهما النحات اليوناني ناوكيديس من أرگوس (القرن الرابع قبل الميلاد) ؛ الذي كان يقف بجانب تمثال هيرا . وبين التمثالين كان هناك طائر الطاووس (طائر هيرا المقدّس) . ويوجد أيضاً مذبحاً فضيّاً مزيّن كان مخصصاً لزفاف هيركليس وهيبي . ولدى هيبي وهيركليس معبدين متجاورين يفصلهما قناة مائية . وكان يُحتفظ بالدجاج في معبد هيبي، والديكة في معبد هيركليس . وفي سينوسارگس(معبد مشهور لهيركليس خارج أسوار أثينا القديمة )، كانت هناك مذابح مخصصة لكل من هيركليس وهيبي .
أُطلق أسم هيبي على نوع من الزهور ( تعبيراً عن مرحلة الشباب ) . ويوجد سبعون صنفاً وأكثر لشجيرات الـ هيبي في جميع أنحاء جنوب المحيط الهادئ ، وخاصة في نيوزيلندا وأمريكا الجنوبية . كما تأتي الزهور بمجموعة متنوعة من الألوان ، بما في ذلك الأحمر والوردي والأبيض والأرجواني والأزرق ، مما يجعلها شجيرة مرغوبة في تزيين الحدائق والمتنزهات لإضفاء البهجة لناظريها.
كما أن "هيبي" هو أيضاً الاسم الذي أُطلق على كويكب كبير يقع بين المشتري والمريخ في حزام الكويكبات المركزية ، غير أنه لا يصنّف بكويكب خطير؛ بسبب مداره البعيد من الأرض .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لوريل بومان ـ آلهة وإلهات اليونان وروما ـ كافنديش سكوير للنشر ـ 2011 .
إم . بيرينز ـ أساطير وخرافات اليونان القديمة وروما ـ فورگوتن بوكس للنشر ـ 2018 .
هسيود & ثيوگنيس ـ الأعمال والأيام والمراثي ـ بينجن كلاسيكس للنشر ـ 1976 .
هوميروس ـ روبرت فاگلز( المُترجم) ـ الأوديسا ـ بينجن كلاسيكس للنشر ـ 1997 .
هوميروس ـ روبرت فاگلز( المُترجم) ـ الإلياذة ـ بينجن كلاسيكس للنشر ـ 1998 .
بيتر بيرنهاردت ـ الآلهة والإلهات في الحدائق ـ مطبعة جامعة روتگرز ـ 2008 .
معلومات الفضاء (Hebe 6 hebe(A847 NA ـ الكويكب هيبي ـ 2023 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل بنود العرض الإسرائيلي المقدم لحماس من أجل وقف إطلاق ا


.. أمريكا وفرنسا تبحثان عن مدخل جديد لإفريقيا عبر ليبيا لطرد ال




.. طالب أمريكي: مستمرون في حراكنا الداعم لفلسطين حتى تحقيق جميع


.. شاهد | روسيا تنظم معرضا لا?ليات غربية استولى عليها الجيش في




.. متظاهرون بجامعة كاليفورنيا يغلقون الطريق أمام عناصر الشرطة