الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قضايا مصيرية في مواجهة الرئيس البارزاني: القضية الثانية - خيار إتحاد الكرد مع العراق أو الاستقلال

خالد يونس خالد

2006 / 11 / 26
القضية الكردية


لايخفى على كل متتبع للقضية الكردية أن الكرد عاشوا شبه مستقلين في المنطقة الآمنة التي أوجدها المجتمع الدولي بدعم مباشر من بريطانيا وفرنسا، وبعد ذلك أمريكا في شمال خط العرض 36 بعد إخماد الانتفاضة الكردستانية والعراقية في مارس/آذار 1991. وقد عزز الموقف الكردي دوليا بقرار مجلس الأمن الدولي المرقم 688 في 5 أبريل/ نيسان عام 1991، فأخذ هذا القرار القضية الكردية في كردستان العراق إلى الساحة الدولية نسبيا، حيث قضى القرار بوقف ملاحقة الكرد ووضع حد لقمعهم، كما دعى القرار بضرورة تسهيل إمداد المعونة الإنسانية للكرد.

التطورات العراقية والأقليمية والدولية قادت كردستان العراق إلى مايشبه الاستقلال نسبيا عن الدولة العراقية التي كانت ترذح تحت نير النظام البعثي الغاشم. وبدأ الكرد لأول مرة في التاريخ الحديث بالدخول في انتخابات برلمانية في 19 أيار/ مايو عام 1992 لانتخاب أول برلمان كردستاني بحكومة كردستانية موحدة وبرلمان كردستاني موحد ولو لمدة سنتين إثنتين، ثم بدأت الحرب الكردية الكردية بين الفصائل الكردستانية أعوام 1994- 1998. ليس هذا بيت القصيد في هذا البحث، ولكن الحقائق تطرح نفسها، بل تلح أن تطرح نفسها، ويجب أن نتعامل معها بواقعية حتى لا يظن البعض من القيادات الكردستانية أن الشعب الكردي غبي لايميز بين النور والظلام. على أي حال نحن لسنا بصدد تحليل سيكولوجية بعض القادة الكرد، فالعالم، ولاسيما الكرد يعرفون الحقيقة. ولكن من أجل أن لانخلط الأوراق، وأن لانخرج من موضوع البحث، نطرح القضية المصيرية الثانية من هذه السلسلة، للحوار في مواجهة السيد رئيس أقليم كردستان، مسعود البارزاني.

خيار إتحاد الكرد مع العراق أو الاستقلال
بيت القصيد هنا هو أن القيادات الكردستانية إختارت بمحض إرادتها الرجوع إلى الحظيرة العراقية، بعد أربعة عشر عاما من مايشبه الاستقلال. أعلن الكرد رسميا أن أقليم كردستان جزء لايتجزء من العراق بشرط أن يكون عراقا ديمقراطيا فيدراليا تعدديا برلمانيا. إذن قبلوا بالإتحاد الاختياري مع العراق، كما كان منذ تأسيس دولة العراق بعد إحتلال القوات البريطانية لولاية الموصل الكردستانية (كردستان الجنوبية اليوم) وضمها إلى العراق، ومن ثم قرار عصبة الأمم بإلحاق أقليم كردستان بالعراق عام 1926.

أقليم كردستان جزء من العراق، هذا ما قالته القيادات الكردستانية، وعليه ينبغي للقيادات الكردستانية أن تحترم خيارها، وقد وافق الشعب على الدستور في استفتاء شعبي على هذا الأساس. وأصبح الهدف لكل العراقيين عربا وكردا وباقي القوميات وجميع الأديان في الفسيفساء العراقي بناء عراق ديمقراطي فيدرالي موحد يعم فيه السلام والأمان، وعدم التفريط بوحدته واستقراره.
هنا نأتي إلى ما نصبو إليه، كقضية مصيرية على طاولة رئيس أقليم كردستان.

الرئيس البارزاني والمسؤولية التاريخية
صرح السيد البارزاني أكثر من مرة أنه يحب العاصمة بغداد أكثر من حبه لأية مدينة أخرى، وصرح أنه من المؤيدين لخيار الإتحاد مع العراق، بل من دعاته، وأنه يعمل بكل جهوده من أجل تحقيق الوحدة العراقية الديمقراطية الفيدرالية التعددية البرلمانية.
جوهر المشكلة أن السيد البارزاني رئيس أقليم كردستان ينسى غالبا مايصرح به اليوم وما أدلى من تصريح البارحة. السيد الرئيس أكثر القيادات الكردستانية تحولا بين خيار الإتحاد والتهديد بالانفصال حين يقول مرة تلو أخرى أن للكرد خيارات أخرى. يتساءل المراقب السياسي، ماذا يريد الرئيس البارزاني حقا؟ هل هو مع خيار الإتحاد كما أتاره بمحض إرادته بعد سقوط صنم ساحة الفردوس في 9 أبريل/ نيسان 1993، وهو في موقف القوة، أو أنه مع استقلال أقليم كردستان بطريقة خاصة تلائمه؟ هل يشعر السيد البارزاني أن الديمقراطية والفيدرالية تهدد المراكز القبلية باعتبار أن الديمقراطية تساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وأن الديمقراطية لاتسمح بأبدية السلطة لفرد أو عشيرة أوحزب معين؟

الشعب مصدر السلطات، والشعب يحكم، والديمقراطية تفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وأن القضاء مستقل لاينجو منه أحد بما فيه الرئيس نفسه، وأن الجميع مسؤول أمام القضاء.

مرة أخرى مع أمريكا والسيد البارزاني
بعد أن تركنا السيدة رايس في القضية الأولى من هذه السلسلة من القضايا، نرجع إليها في القضية الثانية التي بين أيدينا. صرح السيد خليل زادة سفير أمريكا في بغداد عقب تصريحات السيد البارزاني في 31 آب/ أغسطس 2006 ، وهو نفس اليوم الذي دعا السيد البارزاني قوات النظام العراقي بغزو العاصمة أربيل عام 1996، بعدم رفع العلم العراقي في أقليم كردستان لأنه رمز الاضطهاد للشعب الكردي، فكان جواب السفير الأميركي أن هذا القرار من صلاحية البرلمان العراقي، وأن الولايات المتحدة لاتؤيد تقسيم العراق.
أعقبت هذه التصريحات، ما أدلت بها زيرة خارجية أمريكا رايس في زيارتها لأقليم كردستان بتاريخ 6 اكتوبر/تشرين الأول 2006 بما معناه: أن على السيد البارزاني أن يقف في حدود الحكم الذاتي.

ينبغي أن نحلل هذه المواقف، فنقول: يؤلمنا أن لايجيد السيد البارزاني قراءة الدستور العراقي فينبهه السفير الأميركي في بغداد عن صلاحياته. وهنا نتساءل أين مستشارو السيد الرئيس؟
ويؤلمنا أيضا أن لايجيد السيد البارزاني حتى قراءة دستور أقليم كردستان حين يصرح أن ذكرى يوم ميلاد القائد الخالد مصطفى البارزاني في 14 مارس/آذار 1903 عطلة رسمية في اقليم كردستان. وهذا القرار من صلاحيات البرلمان الكردستاني وليس من صلاحيات الرئيس البارزاني. نحن نحب البارزاني ولكننا يجب أن نحترم القوانين والدستور، فالبارزاني يجب أن لايكون فوق الدستور. إنه مؤلم حقا أن يقرر بعض المؤسسات الرسمية في مدينة السليمانية عدم قبول العطلة الرسمية التي أعلنها السيد رئيس الاقليم لأن القرار تجاوزٌ وتعدي على دستور الأقليم.

نأتي إلى تصريحات الرئيس الأمريكي بوش الأبن في أكتوبر/ تشرين الأول 2006، بما معناه، أن الحكم الذاتي لأقليم كردستان قد يضر بمصلحة سوريه وتركيا. والسؤال هنا ماذا رد السيد رئيس اقليم كردستان الذي يهدد أحيانا أن للكرد خيارات أخرى، على تصريحات الرئيس بوش.
رد السيد رئيس أقليم كردستان عليه بالسكوت والصمت.

ومؤخرا، في هذا الشهر، نوفمبر/ تشرين الثاني 2006 زار رئيس المخابرات الأميركية بغداد قبل اصدار قرار الحكم على الطاغية المستبد صدام حسين بالإعدام. وبعد ذلك زار أقليم كردستان واجتمع بالسادة الطالباني والبارزاني والسفير الأمريكي خليل زادة. وبعد الانتهاء من الاجتماع، هدد السيد البارزاني من جديد، أن الكرد ينفصلوا عن العراق إذا لم يحترموا الفيدرالية وشروط الكرد، لأن الخيارات الأخرى للكرد لا يعني غير الانفصال.

كيف نفهم هذه اللعبة؟ هل أن فشل الفيدرالية يأتي من العرب وحدهم أو من الكرد أيضا؟ الرئيس البارزاني يعرف أكثر من غيره، أن العراق بما فيه أقليم كردستان ليس ديمقراطيا ولا فيدراليا بالمعنى الديمقراطي والفيدرالي الصحيح. وهذا ما عالجته في دراستي المنشورة بعنوان "الديمقراطية والفيدرالية والسلم الأهلي في العراق" مؤخرا. الكل يعلم أن مهمة بناء المجتمع المدني العراقي تقع على عاتق البارزاني والكرد أيضا، وليس على عاتق العرب والأقليات القومية والدينية العراقية وحدهم.
السؤال هو: هل يصرح السيد البارزاني كما يملي عليه، أو أنه يصرح كما يحلو له، أو أنه يصرح طبقا لخطة أو لدعاية إعلامية لتقوية مركزه الشخصي وهو يعلم أن مركزه غير مستقر في ظل الفساد المالي والإداري في الأقليم؟
القرارات الصعبة تحتم على الرئيس أن يلجأ إلى البرلمان حين تكون هذه القرارات المصيرية أكبر من منصب الرئيس.

هنا نتساءل: ماهي الخيارات الكردية في مواجهة تصريحات المسؤولين الأميركيين؟ إنهم لايؤيدون استقلال أقليم كردستان في الوقت الحاضر، لأن الاستقلال يعني تقسيم العراق، وهم ليسوا مع تقسيم العراق الآن. وينبغي أن لايخرج السيد البارزاني من الأطر الدبلوماسية بهذه العجالة. أما إذا أرادت أمريكا أن تقسم العراق، فستجبر البارزاني والكرد في أقليم كردستان مستقل، حيث يصبح الأقليم مايشبه ولاية أمريكية، كما عبر عن ذلك القائد الراحل مصطفى البارزاني في رسالة له إلى القيادة الأمريكية في السبعينات، ونحن نأجل هذا الموضوع لدراسة أخرى عن "الكرد وأمريكا".
على أي حال فإن احتمال استقلال كردستان ضمن الخطط الأمريكية لن يكون من منجزات السيد البارزاني والقيادة الكردية ككل، لأنه توجد أدلة كثيرة أن القيادة الكردستانية لن تفكر بالاستقلال. فاحتمال استقلال كردستان ستكون خطوة أمريكية لأمريكا لتصبح قاعدة أمريكة. وقد وافقت القيادة الكردستانية هذا الشهر (نوفمبر 2006) بضرورة وجود قاعدة أمريكية في أقليم كردستان، ولكن ليس من أجل الاستقلال، إنما من أجل شيء آخر يأتي بحثه في حينه، فعلينا أن لانستبق الأحداث.

ماذا يريد السيد رئيس أقليم كردستان حقا؟
يتساءل كل مهتم بالقضية العراقية، بالعراق الذي يحترق. بالعراق الذي هو مسؤولية كل مواطن عراقي. العراق الذي يتمناه كل مواطن عراقي أن يكون ديمقراطيا حقا، فيدراليا تعدديا برلمانيا موحدا، يتعاون الجميع، الجميع، الجميع لمكافحة الإرهاب والفساد المالي والإداري، من أجل السلام والأمن والاستقرار. العراق الذي يريده الشعب كله عربا وكردا وقوميات أخرى، عراق الجميع، ضمان لحقوق الكرد وغير الكرد، وضمان لكرامة الجميع، وطن حر للشعب كله.
الاشكالية هي مايعانيه الباحث العراقي من حرج، ولاسيما عندما يكون كرديا، وهو يلتقي بالباحثين الأجانب، والعرب والمسلمين والكرد في مؤتمرات دولية. وهنا أود أن أتحدث باقتضاب عن حالة بائسة للكرد ولرئيس الكرد.
كنت في مؤتمر دولي بإيطاليا قبل بضعة سنين، فإذا بمسؤول إيطالي يسألني عن مايفكر به الكرد في المنطقة الآمنة التي أسسها المجتمع الدولي. قلت ليس للشعب خيار، فالخيار خيار القيادات الكردستانية. فقال: هذه هي الكارثة.

وفي ألمانيا إلتقيت بباحث عربي عجوز من شمال أفريقيا، باحث محايد ومثقف من رأسه حتى أخمص قدميه، دخل معي في حوار عن مايريده الكرد، الإتحاد مع العراق والتضامن مع العرب في قضاياهم المصيرية أو الانفصال والاستقلال والتعامل مع إسرائيل.
قلتُ: لقد اختار الكرد الإتحاد مع العراق. فجاوبني، ولكن إنه خيار يفتقد للمصداقية لأن الكرد لايتعاملون مع خيار الإتحاد من أنهم يريدون الإتحاد. ثم سكت برهة وقال كلمته المأثورة التي آلمتني كثيرا: سترينا الأيام جهل بعض رؤسائكم لنظام العلاقات الدولية. تنهد الرجل العجوز وكأن كآبة تحرق روحه، وتعذب جوارحه، ثم نظر إليَّ بأسى، ودمعة تسيل من عينه اليسرى، وقال بهدوء وألم: ياأخي!! أتمنى أن يتخذ رئيس الكرد موقفا مع هذا أو موقفا مع ذاك، يتوازن في مواقفه أو يعلن الإستقلال ويرَيح نفسه ويريِّحنا. كفى هذه التهديدات!!!
نظرتُ إلى الرجل العجوز، وسألته: لماذا أنت متأثر إلى هذه الدرجة يا عماه؟ فكان الجواب تعبيرا عن حقيقة الإنسان المثقف الذي لايعرف الحدود القومية، وقال باحترام: صدقني أنني أحب الشعب الكردي، وأريد له الخير، لكني مقتنع أن نصف هذا الشعب لايفهم رئيسه، ولا يعرف ماذا يريد، وأن الرئيس لايفهم شعبه، ولا هو يعرف ماذا يريد؟
سكتَ العجوز وكأنه يريد جوابا، فقلتُ: هل تعني أن الرئيس في واد والشعب في واد آخر؟ ابتسم وهو يمسح دمعته التي سقطت، ثم مد يده اليمنى إليَ بحرارة وقال: نعم، الكرد أكثر الشعوب خوفا من قياداتهم لأنهم يعتبرون النقد سلاحا يبيدهم، فيعادون كل مَن ينقدهم.
صافحني وهو يقول، الله معكم لما فيه الخير .

هنا أسأل وأتساءل: ماذا يقول الرئيس البارزاني وهو قابع في قصره الذهبي في صلاح الدين؟ يلتقي بمستشاريه الذين يوجهونه بالشكل الذي يحفظون أموالهم وقصورهم ومناصبهم. نرجو من السيد رئيس الأقليم أن يكون أمينا في خياره بالإتحاد مع العراق، دون أن يطلق التهديدات يوما بعد يوم أن للكرد خيارات أخرى.
أما إذا اراد أن يعلن الاستقلال، فليعلن وليخَلص الكرد والعراقيين جميعا من هذه المعاناة. معاناة يفهمها السيد الرئيس أكثر من أي عراقي آخر. فلماذا لايقول مايريد فعلا أو يقول مالايريد عملا؟ ولكن يعلم السيد الرئيس أن دولة كردية، إذا أصبحت مستعمرة أجنبية أو مقاطعة اقطاعية لعشيرة أو قبيلة معينة لن تنال رضى الشعب.

كل ما يقوله رئيس أقليم كردستان يسجل عليه في السجل التاريخي للعراق ككل، فهل يراجع السيد البارزاني هذا السجل يوما؟
نحن نحترمه حين يكون صريحا مع الشعب، حاميا لمصالحه، ضامنا لمستقبله، ومحبتنا له مرهونة بما يقوم به من خير. فالشعب أولا والشعب أخيرا، ولاإرادة فوق إرادة الشعب.
والسلام

فإلى القضية الثالثة: الكرد الفيليون والقوى الوطنية والديمقراطية العراقية- هل أنصفناهم؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هغاري: الجيش الإسرائيلي سيواصل العمل من أجل خلق الظروف لاستع


.. الأمم المتحدة ترحب بالهدنة التكتيكية جنوبي غزة| #غرفة_الأخبا




.. الجيش الإسرائيلي يعلن -هدنة تكتيكية- في جنوب قطاع غزة والأمم


.. بكين تفرض قواعد جديدة في -بحر الصين الجنوبي-.. واعتقال كل من




.. المتحدث باسم اليونيسيف يروي تفاصيل استهداف الاحتلال أطفال غز