الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللاهوت المسيحي والفلسفة

ألفى كامل شند

2024 / 1 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بعد اعتراف الإمبراطورية الرومانية بالمسيحية كديانة رسمية، وانتشار الكنائس في الريف والمدن، ونشوء المؤسسات الكنسية في شكل أبرشيات. وجد آباء الكنيسة الاوائل أنفسهم في حاجة الى بلورة منظومة لاهوتية بجانب قانون الايمان، لما جاء في الوحى لشرح العقيدة، ودمج المسيحية في نسيج الثقافة السائدة التي يغلب عليها الفلسفة عند الاغريق والرومان، لتكون التعاليم المسيحية على قدم المساواة مع الفلسفة، والدفاع عن العقيدة في وجه خصومها وللبرهنة على صدق ما جاء به الكتاب المقدس في مقابل ما جاء في كتب الفلسفة، والتسلح بالحكمة العالمية.
ومما شجع الاباء الاوائل على ذلك أنهم رأوا في فلسفة أرسطو عن "الجوهر والشكل تصلح لشرح تجسد المسيح في سرّ القربان المقدس.
انقسم آباء الكنيسة إلى فريقين ازاء استخدام المفاهيم الفلسفية فى شرح العقيدة المسيحية . فريق رأى أن العلوم القديمة، من فلسفة وآداب قديمة تفيد المسيحية، وأن أغلب تلك العلوم يؤيد تعاليم الكتاب المقدس، وأن الفلسفة ما هي إلا البحث عن الحقيقة التي استقرت في العقيدة المسيحيّة، وان تحذير القديس بولس الرسول في رسالة كولوسى 8:2 : "انظروا أن لا يكون أحد يسبيكم بالفلسفة وبغرور باطل حسب تقليد الناس حسب أركان العالم وليس حسب المسيح “قد تبدو للوهلة الأولى أن المسيحية ضد الفلسفة، وضد طلب المعرفة،. لكن من يركز في كلام بولس الرسول يفهم أنه ليس ضد الفلسفة ولا حب المعرفة، ولكنه هنا يتكلم عن التعاليم الباطلة؛ فالفلسفة هي حب الحكمة والله هو الحكمة الحقيقية.
أغلب أنصار هذا الفريق كان من فلاسفة مدرسة الإسكندرية ، وقد كان من الطبيعي بعدما أمنوا بالمسيحية ان يستغلوا علمهم في خدمة دينهم الجديد، خاصة أنهم كانوا يمارسون التدريس، ومن هؤلاء جوستين الذي كان أستاذاً للفلسفة، وبعد أن دخل المسيحية ظلّ يبشّر بتعاليم أفلاطون، ويدَّعي أن أفلاطون وسقراط وهيراقليط كانوا مسيحيين قبل أن يظهر المسيح، وأن الفلسفة كانت تسعى إلى أن تصل إلى ما وصلت إليه المسيحية ، داعمين رأيهم بمقولة للقديس اوريجين التي تقول :" بان الله خلق الانسان على صورته ومثاله ( سفر التكوين - الكتاب المقدس)، فالعقل الانساني هو صورة الله في الانسان . اذن العقل وانتاجه الفلسفي اعلى من اي سلطة في تحديد المعرفة والحقيقة".
وفريق ثان من أباء الكنيسة رأى أن التوفيق بين الحقيقة المسيحية وبين التعاليم الدنيوية أمر مستحيل، وأن الفلسفة إذا اقترنت بالمسيحية أدت إلى الضلال والإلحاد. وأنّ الأدب والثقافة على العموم لا يمثلان إلا مباهج الحياة الدنيا ومغرياتها، وأن الفلسفة كانت وراء ما دخل المسيحية من ضلالات وبدع غنوصية.
انتصر الفريق الاول، لوجود إرتباط وثيق بين علم اللاهوت والفلسفة. فالفلسفة تعنى لغويا محبة الحكمة، الفلسفة تبحث عن الله العلة الأولى وقد تبحث عنه فى الكون والطبيعة لتصل بين النسبي إلى المطلق أو من الوجود إلى الجوهر وهي يطلق عليها الفلسفة الفيزيقية (أو الفلسفة الطبيعية) أيضاً ما يبحث في النفس والموت والحياة الأخرى وتسمى الفلسفة المتيافزيقية (أو ماوراء الطبيعة).
وهناك من رأى ان الفلسفة، كانت تمهيدا للإنجيل، وأن بعض الفلسفات هي «لاهوتٌ حق»، فقد رأى اقليمنضس الاسكندرى ان "الفلسفة أُعطِيت مباشرة من الله لليونانيين إلي أن يتجسد الر، وان الفلسفة كانت لليونانيين مثل الناموس الذي قاد العبرانيين إلي المسيح".
وتعمق التوافق بين الفلسفة واللاهوت بواسطة مدرسة الإسكندرية وعلماءها من أمثال اقليمنضس الإسكندري والقديس جوستين الشهيد وأوريجانوس ومن أبرز أباء الكنيسة الذين مزجوا اللاهوت بالفلسفة القديس توما الاكويني ( 1224-1274 ).وقد انتقد اللاهوتى الفرنسيسكانى "بونافنتورا" يعيب عليه أنه يخلط ماء العقل بخمرة الحكمة الإلهيّة، ممّا حمل الأكوينيّ على الردّ بأنّ الماء لا يلبث أن يتحوّل إلى خمر، على نحو ما جرى على أيدى يسوع فى عرس قانا الجليل. وانه لا أحد يمكنه ان يصل إلى الحقيقة ، مالم يتفلسف فى ضوء الإيمان . ومن هنا تعقدت كثيراً لغة اللاهوت المسيحي، وصارت لغة فلسفية أكثر تعقيداً عن لغة العهد الجديد. ومن هنا تعقدت كثيراً لغة اللاهوت المسيحي، وصارت لغة فلسفية أكثر تعقيداً عن لغة العهد الجديد.
وقد سلك معظم آباء الكنيسة الشرقية نهج لاهوتي لا يستند هلى بالفلسفة، أمثال القديس اثناسيوس الرسولي، والقديس كيرلس الأول عمود الدين، والقديس ايريناؤس أسقف ليون في فرنسا ، وفي العصر الحديث الاب متى المسكين .
وبمكن القزل ان مزج الاهوت بالفلسفة ساعد على تطويع العقل للايمان، فكلاهما يحاول التعرف إلى الحقيقة (الله) وأبجاد البرهان على وجوده. بحجج وأدلة عقلية . وقد وصف أرسطو (384 - 322 ق. م) الفلسفة بإنها «العلم الإلهي» . ولم تكن هذه الخطوة ابتعاد عن التعليم الرسولي القديم. فقد استخدمت الفلسفة فى خدمة شرح العقيدة المسيحية من الرسل أنفسهم ، وأول أولئك القديس بولس. فقد ورد فى سفر أعمال الرسل ، ان بولس حاور الفلاسفة في أريوس باغوس بسبب معرفته لكتابات اليونانيين (أعمال الرسل 17: 28)، أيضا ذكر انه اقتبس كلمات فيلسوف كريتي لشرح ما يقوله في رسالة تيطس (تيطس1: 12) .
وإذا كان مزج الفلسفة تبالاهوت سبب في ظهور بعض البدع والهرطقات في بداية المسيحية ، وأدت إلى خلافات لاهوتية ، وانقسام الجماعة المسيحية،
، إلا أنها طوعت العقل لقبول الايمان وفقا لصياغة جديدة للقديس توما الاكويني، تقول " أعقل حتى تؤمن" محل قاعدة القديسأغسطينوس " أومن كى تعقل" من منطلق ان العقل سبق الايمان .
والفلسفة بمقدورها تجديد الاهوت ليواكب علامات الازمنة و التطور، بينما يقف الركو على التفسير الحرفي للنص الكتابي في بعض الأحيان عائق أمام الحداثة والتطور .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 93- Al-Baqarah


.. 94- Al-Baqarah




.. 95-Al-Baqarah


.. 98-Al-Baqarah




.. -من غزة| -أبيع غذاء الروح