الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب ووحدة العالم الإنساني

راندا شوقى الحمامصى

2024 / 1 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يجب السيطرة على كل مركبة منتجة للحرب ، ويجب تقديم الأسباب التي تمنع تشكيل الحرب حتى يصبح الصراع المادي أمرًا مستحيلًا. من ناحية أخرى ، يجب تقييد كل دولة بشكل صحيح ، تعليم حدودها الدقيقة ، حماية السلامة الوطنية ، والحفاظ على الإستقلال الدائم لها. ويجب أن تتم هذه الخدمات من قِبل وكالة دولية محايدة. سيؤدي هذا إلى إزالة كل الإحتكاك والخلافات بينهم ، وستنشأ بعض الخلافات بينهم وسيكون ممثلوهم قادرين على التحكيم في البرلمان البشري ، الذي سيتم إختياره من أكثر الرجال حكمة وأذكاهم من جميع دول العالم.

" ان قوى كارثة عالمية لوحدها لكفيلة بتعجّيل مرحلة جديدة من فكر البشرية، بشكل ملحوظ بتزايد و للأسف. فلا شيء سيكون أقل من نار محنة شديدة، لا مثيل لها في حدّتها، ستدمج وتلحم العناصر المتنافرة لحضارة اليوم. لتصل المكونات الى مرحلة الكومنولث العالمي في المستقبل، وهي حقيقة ستظهر جليّة وبتزايد في أحداث المستقبل.
فلا شيء سوى محنة نارية ستُخرج الإنسانية، وقد عوقبت وتهيأت، ليُزرَع فيها ذلك الإحساس بالمسؤولية والذي سيأخذ قادة المستقبل على عاتقهم تأدية ذلك."
لكى يأخذ سكان العالم على عاتقهم تولى المسئولية من أجل مصيرهم المشترك، لابد أن يكون أساس استراتيجيتهم هو الإحساس والإيمان والاعتقاد الراسخ بوحدة العالم الإنسانى. رغم أن مفهوم أن الجنس البشرى " شعب واحد " يبدو بسيطاً عندما تجرى حوله المناقشات العامة إلا أنه خادع ويشكل تحدياً أساسياً للطريقة التى تدير بها معظم مؤسسات المجتمع المعاصر شئونها. هنالك عوامل جعلت من الصراع أمراً مقبولاً كباعث للتفاعل الإنسانى، من ضمن هذه العوامل التركيبة المتنافرة للحكومات المدنية، والقواعد التى توضع على أساسها القوانين المدنية، وإزكاء روح النزاع بين طبقات المجتمع، وروح المنافسة المسيطرة على الكثير من نواحى الحياة المعاصرة. ويمثل الصراع أيضاً تعبيراً آخر عن المفهوم المادى للنظام الاجتماعى والذى قويت شوكته خلال القرنين الماضيين.

من الواضح أن تقدم الجنس البشرى لم يأتى على حساب الفرد إذ أنه مع كل تقدم فى النظام الاجتماعى يتسع الأفق والمجال لتدفق الطاقات والإمكانات الكامنة فى كل فرد. والعلاقة بين الفرد والمجتمع علاقة تبادلية تكاملية لهذا لابد من أن يحدث التحول والتطور المطلوب فى وعى وإدراك البشر متزامناً مع بناء المؤسسات الاجتماعية الملائمة ومن ثم تتحقق استراتيجية التنمية العالمية بما تتيحه هذه العملية المزدوجة المتزامنة من فرص وتفتحه من آفاق. ومن الضرورى فى هذه المرحلة الحرجة من تاريخ البشرية أن يكون الهدف هو بناء مؤسسات متينة تدوم طويلاً لتنمو وتترعرع فى كنفها المدنية العالمية. فوضع حجر الأساس لمدنية عالمية يتطلب وضع القوانين والمؤسسات ذات الطابع العالمى شكلاً ومضموناً نفوذاً وسلطاناً، ولا يتحقق ذلك إلا إذا ما آمن كل من بيده مقاليد الأمور واتخاذ القرار إيماناً صادقاً بمبدأ وحدة الجنس البشرى وإذا ما انتشرت المبادئ والأسس ذات الصلة بها من خلال الأنظمة التعليمية ووسائل الإعلام. ثم بعد ذلك وبمجرد تخطى هذه العقبة تبدأ مسرعة الخطى عمليةٌ يجتمع من خلالها الناس والشعوب حول بلورة أهداف مشتركة ويبدءوا معاً فى تحقيقها. وهذه الصياغة الجديدة هى وحدها القادرة على إيقاء البشرية شر النزاعات العرقية والصراعات الدينية المزمنة. عند بزوغ الوعى والإدراك لدى البشر بأنهم جنس وشعب واحد سيكون بإمكانهم البعد عن أنماط الصراعات التى سيطرت على النظم الاجتماعية فى الماضى ويبدءوا فى تعلم واستيعاب سبل التعاون والتآلف والمودة.
يتفضل حضرة بهاء الله بقوله الكريم ما معناه :
" لا يمكن الوصول إلى راحة البشر وسلامه واطمئنانه إلا بتأسيس وحدته تأسيساً متيناً. ". بما أن جسم الإنسان وحدة واحدة لا تتجزأ فإن كل فرد أمانة فى عنق المجتمع.

أن وضع استراتيجية عالمية لتنمية يكون من شأنها الإسراع ببلوغ البشرية سن رشدها يخلق تحدياً بأن يجعل من الضرورى إعادة صياغة وهيكلة المؤسسات الاجتماعية بصورة جوهرية. والذين يعنيهم هذا التحدى هم سكان الكرة الأرضية قاطبة. بمن فيهم عامة الناس وأعضاء مؤسسات الحكم على كل المستويات والشخصيات التى تعمل فى وكالات التنسيق الدولية والعلماء والمفكرين الاجتماعيين وكل من حباه الله مواهب فنية والقائمين على وسائل الإعلام والاتصالات وقادة المنظمات الحكومية. والتعامل مع هذا التحدى يجب أن ينبنى على الاعتراف والإقرار بوحدة العالم الإنسانى والالتزام بإقامة العدل كأساس ومبدأ للتنظيم الاجتماعى، والتصميم على الاستغلال الأمثل لما يتيحه الحوار المنظم بين نوابغ العلم والدين المعاصرين من إمكانات لبناء الطاقات والقدرات البشرية. هذا المسعى يتطلب إعادة النظر بصورة جذرية فى معظم المفاهيم والأسس التى تسير دفة الحياة الاجتماعية والاقتصادية حالياً. وأن يكون هذا المسعى مقروناً بقناعة تامة ويقين لا يلين بأنه مهما كانت العملية ومهما كانت الانتكاسات التى ستُوَاجَه، فإن تصريف شئون البشرية يمكن أن تُجْرى عبر قنوات تخدم بحق الاحتياجات الفعلية للجنس البشرى. بالرغم من أن تعدى البشرية لمرحلة طفولتها وطلوع فجر بلوغها سن الرشد قد يجعل من مثل هذه النظرة إلى الأمور حلماً جميلاً لكنه صعب المنال وبالرغم من صعوبة استيعاب وتنفيذ الشعوب اليائسة المعاندة المتنازعة ما يتطلبه الشأن هنا من مجهود ضخم إلا أنه إذا ما تأملنا الوضع كما أكده حضرة بهاء الله بأن مسار التطور والتدرج الاجتماعى قد وصل إلى إحدى نقاط التحول الحاسمة والمصيرية التى تكون فيها كل ظواهر الوجود وبدائع الشهود قد دفعت على السير قدماً إلى مراحل جديدة من تطورها وتقدمها، يمكننا أن نفهم ونطمئن إلى أن الحلم سيصبح حقيقة وأن السراب ماء سائغ عذب فرات. إن القناعة الراسخة واليقين المتين بأن تحولاً عظيماً فى كيان ووجدان البشرية آت قريب لا محال.
إن الاضطراب الذى يهز البشرية الآن لم يسبق له مثيل، وكثيراً ما ينتج عنه دمار كبير. والمخاطر التى لم يعرف لها التاريخ شبيهاً تحدق ببشرية تائهة غافلة حيرى من كل صوب. إن أكبر خطأ يمكن أن يرتكبه قادة العالم فى هذا المنعطف هو أن يسمحوا للأزمات بأن تلقى بظلال الشك على النتائج الحتمية لما يجرى الآن. عالم يمضى وآخر جديد يناضل من أجل أن يولد. إن المؤسسات و العادات والأفكار التى تراكمت عبر القرون تمر الآن باختبارات ضرورية بل ولا مفر منها لتقدم البشرية. والمطلوب الآن من شعوب العالم هو قدر من الإيمان والعزيمة تتلاءم مع الطاقات الهائلة التى وهبها خالق كل الأشياء للجنس البشرى .

لم ينل بعد مفعول القوة التى ستنتج من تحقيق وحدة العالم الإنسانى حق قدره ولاشك فى أنه سيكون مفعول ذو تأثير قوى بحيث أن بإمكانه إضاءة الأرض كلها ".
ستنجح المؤسسات الاجتماعية فى استخراج وتوجيه القدرات الكامنة فى وجدان شعوب العالم بدرجة تكون معها ممارسة السلطة محكومة بمبادئ منسجمة مع الاهتمامات التى ستنشأ وتستجد لجنس بشرى يسير حثيثاً نحو النضج والكمال , وهذه المبادئ تتضمن إلزام الممسكين بزمام السلطة بكسب ثقة واحترام وتأييد محكوميهم، والتشاور صراحة وعلناً بأكبر قدر ممكن مع كل من سيتأثر بقرارات تتخذ ويُقَيِّمُونَ بشكل موضوعى الاحتياجات الحقيقية وطموحات المجتمعات التى يقومون على خدمتها ويستعينوا بالإنجازات العلمية والفضائل الأخلاقية لكى يستخدموا موارد المجتمع وإمكانياته بما فيها طاقات وقدرات أعضائه استخداماً امثلا.
لابد لأى سلطة فعالة ومؤثرة من أن يكون على رأس أولوياتها بناء وتأسيس الوحدة والحفاظ عليها بين أعضاء المجتمع وأعضاء مؤسساته الإدارية بالإضافة إلى توخى العدل والإنصاف فى كل الأمور. ومن الواضح أن مثل هذه المبادئ لا يمكن أن تُنَفَذ إلا فى بيئة ديموقراطية قلباً وقالباً. وكلمة ديمقراطية هنا لا تعنى بالضرورة تبنى الأيدلوجية التحزبية (الأحزاب ) التى اتخذت فى كل مكان من الديموقراطية اسماً ورسماً لها والتى بالرغم من إسهامها المؤثر فى تقدم البشرية فى الماضى لكنها اليوم تجد نفسها تخوض فى وحل من الإخفاقات ومن اللامبالاة والفساد الذى كانت هى نفسها سبباً له. لا يحتاج المجتمع فى سعيه لاختيار من يقع على عاتقهم اتخاذ قرارات جماعية نيابةً عنه، ولا تخدمه فى شىء الممارسات السياسية من اختيار وترشيح وحملات انتخابية واستجداء للأصوات.
عندما تتاح للناس - كل الناس - فرص الحصول على التعليم والتدرج فيه ويقتنعون بأن اهتماماتهم التنموية الفعلية تباشر وفق برامج مقترحة تقدم لهم، سيكون باستطاعتهم تبنى أساليب انتخابية يكون من شأنها إصلاح وتنقية الشوائب تدريجياً من عملية اختيار هيئاتهم المنوط بها اتخاذ القرار.
كلما اكتسبت عملية توحيد الجنس البشرى قوة دفع إلى الأمام، سيجد من يتم اختيارهم بهذه الطريقة السليمة الخالية من الشوائب أن لابد من أخذ الأمور فى الاعتبار والقيام بالمجهودات من منظور عالمى. على ولاة أمور البشر المختارين ليس فقط على المستوى القومى بل والمحلى أيضاً و أن يعتبروا أنفسهم مسئولين عن تحسين أحوال وصلاح البشرية جمعاء."

أن ظروف الزمان تقتضي إيجاد حكومة عالمية عليا تتخلى في ظلها جميع الشعوب -عن طيب خاطر وبمحض إرادتها- عن كل الحقوق والصلاحيات كحق إعلان الحرب وحق فرض الضرائب إلى جانب جميع الحقوق المتعلقة بالتسلح. وحكومة عالمية كهذه ستكون ذات قوة تنفيذية دولية تمكنها من تمرير إرادتها رغماً عن أنف كل دولة طاغية متمردة في ذلك الإتحاد. كما سيكون لديها برلمان عالمي تناط عملية إنتخاب أفراده إلى كل دولة على حده وتحت إشرافها المباشر. كما ستبتدع محكمة عالمية عليا تكون ذات حكم ملزم لا يقبل الجدال وسيشمل نفوذها العالم كله. بل أنه حتى الدول التي لن ترغب في أن تعرض قضاياها على تلك المحكمة ستجد نفسها مضطرة لتنفيذ أحكامها الصادرة. وفي ظل جامعة عالمية كهذه ستزول كل المشاكل الإقتصادية وستنشأ علاقة منفعة متبادلة بين العمل ورأس المال، ستنطفيء نار النزاعات والتعصبات المذهبية وستخمد شعلة العداوات العرقية إلى الأبد. ستدون مجموعة قوانين دولية هي حصيلة مشاورات مندوبي البرلمان العالمي وما سيضمن إنفاذها هو قوى الإتحاد العالمي. سيتبدل التعصب الوطني الأهوج المؤجج للحروب إلى محبة خالصة وأخوة صادقة للجنس البشري. هذه هي الخطوط العريضة وأهم نقاط النظم الذي تنبأ به حضرة بهاءالله وهي أسمى وأسنى ثمرة عصرٍ يتدرج نحو البلوغ. يتفضل حضرة بهاءالله مخاطباً أهل البهاء بما معناه:
"قد ارتفعت خيمة الوحدة. لا ينظر بعضكم إلى بعض كنظرة غريبٍ إلى غريب"
"كلكم أثمار شجرةٍ واحدة وأوراق غصنٍ واحد ..."
"العالم وطنٌ واحد وأهل الأرض سكانه..."
"ليس الفخر لمن يحب الوطن بل لمن يحب العالم..."
أن وحدة الجنس البشري هي نموذج وعلامة لتحقق التكامل الإنساني في عالمنا حيث أن هذا التكامل قد بدأ أولاً من الأسرة ليمتد بعد ذلك إلى إتحاد القبيلة ومن ثم إلى إتحاد الحكومة في مدينة واحدة وأخيراً إلى نظام الدول المستقلة.
بالإضافة إلى هذا كله فإن مبدأ الوحدة البشرية ، يحمل في طياته الدعوة القائلة بأن الوصول إلى هذا الهدف العظيم -المتمثل في تكامل الجامعة البشرية- ليس فقط أمراً ضرورياً ولازماً بل إنه حتمي الوقوع ووشيك الحصول. كما أنه ليس بوسع أية قوة في العالم -عدا القوة الإلهية- تحقيق مثل ذلك الهدف العظيم.

وحدة العالم الإنساني
قبل قيام الولايات المتحدة ما أكثر النفوس التي كانت تعتقد إعتقاداً جازماً بأن العقبات الحائلة دون تكوين دولة فيدرالية هي من الكثرة والتنوع بحيث يبدو التغلب عليها وكأنه ضرب من المستحيل. فهل نسينا يا ترى الكلام الذي كان يردده أولئك الناس بكل ثقة في جميع المناسبات بأن إنعدام الثقة المتبادلة وعادات وتقاليد كل ولاية هي من التباعد والتباين على نحوٍ لا يجعل في مقدور أية قوة -دينية كانت أم عرقية- أن تجمعهم على مائدة واحدة وتوحدهم أو أن تجعلهم يتغلبون على تلك المصاعب؟ كما يجب أن لا ننسى أيضاً أن احتياجات ذلك العصر -أي قبل حوالي 180 سنة- كانت تختلف اختلافاً جذرياً عن مقتضيات اليوم. لم يكن متوافراً في ذلك الوقت كل هذا الكم الهائل من الوسائط والوسائل التي جاءت ثمرة تطور العلوم مما يثبت لنا بأن توحيد الولايات الأمريكية وضمها في كيان فيدرالي موحد في ذلك الوقت كان أصعب بكثير من توحيد كل العالم في يومنا هذا. أي أن توحيد العالم -المنقسم إلى دول وشعوب مختلفة- تحت مظلة إتحاد كونفدرالي عالمي يبدو هدفاً أسهل منالاً نسبياً.
من يدري؟ فربما أن تحقيق هدف عظيم سامٍ كهذا -أي تشكيل الإتحاد العالمي- ليتطلب أن يبتلي العالم بمصائب وكوارث لم يسبق أن ذاق مثلها من قبل. حيث أنه لم يكن بإستطاعة أي شيء غير شعلة الحرب الممتدة اللهيب وطغيان الحرب الداخلية -التي كادت أن تأتي على الولايات المتحدة- أن تصهر دول أمريكا في أتونها لتربط بينها بعد ذلك بلحمة لا تجعلهم ينقلبون فحسب إلى دول مستقلة ضمن إطار فيدرالي بل وإنما يبرزون للعيان -رغم كل إختلافاتهم العرقية- على هيئة أمة واحدة في ظل وطن واحد. ولقد كان أمراً مستبعداً أن تقع مثل تلك التحولات الجوهرية العظيمة والتغييرات الهيكلية في مجتمع كالمجتمع الأمريكي بدون ظهور تلك الإضطرابات والبلايا والإكتفاء فقط بإنتظار تحققها بالطرق الدبلوماسية والتعليم وتنمية الأفكار. ولإثبات ذلك يكفي أن نلقي نظرة على تاريخ البشرية الدموي لنكتشف أن عاملاً آخر غير الآلام والمصائب المادية والمعنوية الشديدة لم ينجح في إحداث التغيرات التي تعتبر بداية حقيقية لحقبة جديدة من التحولات التي هي بمثابة أعظم حدث في تاريخ الحضارة البشرية.

جامعة عالمية ومحكمة عالمية لوحدة العالم الإنساني
إن إتحاد العالم الذي يتجه الناس نحوه لهو من أكثر المراحل تلألؤاً وتوهجاً. إن وحدة الأسرة، الوطن، المدينة، القومية إنما هي مراحل خلفتها البشرية وراءها بنجاح نسبي وإن إتحاد عالم اليوم هو الآن هدف هذه الإنسانية الحائرة. لقد طوى عصر بناء القومية وبلغ الهرج والمرج -الناتجان عن تكون الدول القومية المختلفة- أوجهما، لهذا فيجب على العالم الذي سيصل إلى البلوغ أن يخلص نفسه من شرور هذا الوثن وأن يقبل بترابط وتآلف وإنسجام جميع العلاقات الإنسانية ويوجد دفعة واحدة آلية يتجسد فيها هذا المبدأ الوحدوي الأصيل.
إن وحدة العالم الإنساني يستلزم تشكيل جامعة عالمية متحدة تضم جميع الأمم والأعراق والطبقات والأديان في وحدة متكاملة، إلا أنها وحدة تحفظ -في الوقت نفسه- إستقلالية كل فرد وحريته وإبداعاته الشخصية. وإلى القدر الذي يمكن لخيالنا أن يشطح فإن هذه الجامعة العالمية المتحدة يجب أن تكون ذا هيئة قانونية مشرعة يملك أعضاؤها تحت أيديهم -بصفتهم أمناء البشرية جمعاء- موارد كل دول الجامعة العالمية لسن قوانين ضرورية لازمة من أجل تنظيم الحياة وسد الحاجات وترميم روابط جميع الأقوام والشعوب. وفي مثل جامعةٍ كهذه تقوم هيئة تنفيذية -مسنودة بقوة الشرطة الدولية- بتنفيذ كافة قرارات وقوانين الهيئة المشرعة وحفظ وحدة الجامعة العالمية. ويجب أيضاً أن تشكل محكمة عالمية تفصل في الدعاوي المرفوعة من أعضاء ذلك النظام العالمي وتكون أحكامها نهائية وملزمة، إلى جانب أن يتم خلق شبكة إتصالات ومخابرات دولية تقوم بعملها في سرعة مدهشة ونظام كامل مرتب، وتغطي هذه الشبكة -والتي ستكون محررة من كل القيود القومية- كافة أرجاء العالم ويتم تحديد عاصمة دولية لتكون بمثابة نواة أعصاب المدنية العالمية للوحدة والتحكم وتوجيه القوى الموحدة لينفذ من خلالها أنوار باعثة للقوة ومنعشة للروح إلى جميع الجهات. كما يبتكر لسان دولي أو تنتخب أحد الألسنة الموجودة لتدرس في دول العالم الفيدرالي جنباً إلى جنب مع لغة الأم. يعين خط واحد وآداب واحدة ونظام مشترك للعملة والأوزان والمكاييل مما يسهل بالتالي من عملية الترابط والتفاهم بين الأعراق المختلفة وشعوب العالم، وفي ظل جامعة كهذه يتاح للمطبوعات مجال واسع لإظهار الأفكار والعقائد وستأبى أن تكون أداة طيعة للإستخدام السيء من قبل المغرضين سواء بصفة شخصية أو عمومية كما لن تكون تحت نفوذ أية دول متخاصمة أو سيطرة شعب معين. تنظم الموارد الإقتصادية العالمية للإستفادة القصوى منها، كما تتوسع سوق العرض للمنتجات والسلع وتلاقي الإنسجام وتتوزع بشكل منصف حسب الأولويات.

تنتهي كل العداوات العرقية بالمحبة وحسن التفاهم والتعاون. ترفع كل أسباب الخصومات الدينية وتلغى كل القيود الإقتصادية ويتلاشى الإختلاف الطبقي الفاحش. ينقضي الفقر والعوز المدقع كما تزول الثروات والأملاك الباذخة وتخصص من بعد ذلك الجهود الجبارة المصروفة في الحروب الإقتصادية والسياسية على نحوٍ لائق في أهداف بنّاءة من قبيل: توسعة الإختراعات والتطورات الحرفية والتقنية، رفع معدلات الإنتاج البشري، إزالة الأمراض وتكثيف الأبحاث العلمية ورفع مستوى الصحة وشحذ العقول البشرية، إستغلال المنابع المجهولة في الأراضي البكر، إطالة الأعمار والقيام بترويج أي وسيلة من شأنها تقوية أساس الحياة الفكرية والأخلاقية والدينية لبني الإنسان.

وفي مثل جامعةٍ كهذه سوف يستقر نظام فدرالي عالمي يحكم جميع البلدان ويكون القائد الأول بلا منازع لكل موارده الضخمة ويأخذ تحت ظله الأيديولوجيات السامية في الشرق والغرب ويحطم تعويذة الحرب والتعاسة ويكون راغباً كذلك في الإستفادة من جميع المنابع والموارد الموجودة في الأرض. وفي ظل نظامٍ كهذا ستكون القوة خادمه للعدل والقضاء، وسيستند بقاؤها على معرفة الله الواحد وإتباع دين عمومي. هذا هو الهدف الذي تساق البشرية نحوه مدفوعة بقوى الوحدة المحيية بشكل لا مفر لها منه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب