الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب ( ماهية الدولة الاسلامية ). الباب الخامس : كيف نقيم دولة اسلامية علمانية

أحمد صبحى منصور

2024 / 1 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كتاب ( ماهية الدولة الاسلامية ). الباب الخامس : كيف نقيم دولة اسلامية علمانية
الفصل الثالث : الثقافة الاسلامية للتغيير الاصلاحى : إقتلاع الخوف فى تجربة شخصية : ( 1 من 2 )
مقدمة
1 ـ هناك إتّهام جاهز لمن يعارض السيسى خارج مصر . إنكم فى مأمن وفى رفاهية وتعارضون من بُرج عاجى تسترزقون من هذه المعارضة . لا يمكن توجيه هذا الاتهام لى ، ولذا أضطر للتوضيح لتسجيل تجربة شخصية فى إقتلاع الخوف . هى تجربة ممكنة وناجحة ، وأتمنى لو تمسك بها المصريون ليتخلصوا من ذُلّ حكم العسكر الخائن الذى يحتل مصر من عام 1952 ، وهبط بها الى أسفل السافلين .
2 ـ أستعرض حياتى بإيجاز قدر الإمكان .
أولا :
موجز المعاناة
1 ـ عشتّ مراهقة بائسة . والدى الشيخ ( منصور محمد على ) شقيقه الذى يكبره ب 19 عاما أخرجه من الأزهر ، وأرغمه أن يكون فلاحا . مرض والدى ولم يستطع الاستمرار، فعمل ماذونا شرعيا ، ومعلما للقرآن الكريم ، وتزوج وأنجب ، وكنت أكبر أبنائه . وأنا فى الرابعة عشر من العمر مات والدى ، وأحسّ شقيقه ببعض المسئولية فتعهّد بأن ينفق علىّ ، وعشت سنوات من الذُّل ، ومع ذلك كان ترتيبى الثانى على الجمهورية فى الاعدادية الأزهرية ، وقبض عمى المكافأة ، ثم مات عمى قبيل إمتحان الثانوية الأزهرية بشهرين ، عشتهما فى قلق ، ومع ذلك حصلت على المركز الرابع على مستوى الجمهورية ، وكانت لى مكافأة شهرية ، ممكن أن تستمر لو حافظت على ( جيد جدا ). بهذا تحقق لى إستقلال مالى ، وإلتفتّ الى رعاية إخوتى ، وعملت وأنا طالب مدرسا فى مدرسة خاصة ثم ناظرا فى أول معهد إبتدائى فى بلدنا وقمت بإعطاء دروس خصوصية لعشرات التلاميذ .
2 ـ وتخرجت فى قسم التاريخ بمرتبة الشرف ، وتم تعيينى معيدا ، فانتقلت للعيش فى القاهرة ، لا أعرف أحدا من الأساتذة ولا يعرفوننى . وبدأت المشاكل عند تقديم رسالتى للدكتوراه عن أثر التصوف، إستمر منعها ثلاث سنوات من المناقشة . كنت أتمنى مناقشتها قبل الزواج ، فلما طال الأمر تزوجت وأنجبت محمدا ثم الشريف عام 1979 ، وحضرا مناقشة الرسالة فى اكتوبر عام 1980 . وأنا مدرس فى قسم التاريخ أصدرت مؤلفات أقلقت الشيوخ ، ثم كانت القاصمة عام 1985 بإحالتى الى مجلس التأديب بسبب خمسة كتب أهمها ( الأنبياء فى القرآن الكريم ) . تم وقفى عن العمل ومصادرة حقوقى المالية ومنعى من الترقية ومن السفر إلا إذا تراجعت عمّا كتبت . رفضت ، واستمر هذا العقاب عامين الى أن أدخلونى السجن فى أواخر عام 1987 . خرجت من السجن لأجد حملة صحفية تستهدف حياتى .
3 ـ كان رشاد خليفة الأمريكى يزورنى ، وعندما علم بما حدث دعانى للقدوم اليه . سافرت اليه فى توسان ولاية أريزونا . وعشت فى مسجده ، وفوجئت به يعلن نفسه رسولا من رب العالمين . رفضت هذا . كان يحتفظ بجواز سفرى وأوراقى ومؤلفاتى ، وكان قد أرسل باسمى خطابات يلعن فيها الأزهر ، ليقطع علىّ خط الرجوع لمصر. عن طريق بعض أعوانه الطيبين نجحت فى الحصول على حقيبتى وأوراقى وتسللت من المسجد وسكنت فى مكان بعيد . وإنقطع الاتصال الاسبوعى بينى وبين زوجتى ، ولم يعرف أحد مكانى ، إذ عشت معزولا خوفا من رشاد خليفة وعصابته . فرغت أموالى القليلة وجاءنى إنذار من البنك بأنى صرفت أكثر من الرصيد . كالعادة صليت وتضرعت وبكيت فى محنتى وعزلتى . وجاءت مفاجأة لم أحتسبها . فى مصر كان يتردد على بيتى الأستاذ محمد صادق المقيم فى كندا . وكان فى مصر عندما كنت فى السجن . ثم عرف إننى هربت الى رشاد خليفة . وكان محمد صادق ومجموعة فى كندا وأمريكا ممّن يعرف رشاد خليفة ثم إختلفوا معه . أخبر محمد صادق صديقه محمد أحمد ، ثم عرفا إن رشاد خليفة سيعقد مؤتمرا فى توسان لتكريس زعمه بأنه الرسول . هو كان يجهز لهذا المؤتمر قبل وصولى اليه ، وكان وجودى معه يدعّم زعمه . سأل محمد أحمد عنّى ، هل سأحضر هذا المؤتمر ، وعرف أننى هربت من مسجده . تساءل عن مكانى وظروفى ، وتوصّل الى مكانى وأرسل لى بأموال ، وصلتنى وأنا فى حالة كرب هائل . طلبت المجموعة التى فى سان فرانسيسكو أن أنتقل لأكون معهم ، رفضت حتى أكتب بالانجليزية بحثا أفضح فيه زعم رشاد خليفة ، وتحريفاته فى ترجمته للقرآن الكريم . وصل البحث الى المشاركين فى المؤتمر وفشل المؤتمر ، وانتقلت الى سان فرانسيسكو ، عشت فيها شهورا من الضياع ، لا أجد عملا ، وتأتى أخبار مقلقة عن أولادى ، وكانوا وقتها خمسة .
4 ـ قررت العودة لمصر ، عالما بأن السجن ينتظرنى ، وفعلا وأمام زوجتى وأولادى إعتقلونى ونقلونى الى حجرة مظلمة تمتلى بالجثث الآدمية الحية فى مبنى أمن الدولة ، قضيت ليلتها واقفا على قدم واحدة أسمع تأوّهات الجرحى والمعذّبين . كانت أقسى ليلة فى حياتى ، فى منتصف الليلة التالية أفرجوا عنى . طلب منى ضابط أمن الدولة أن لا أنكر السنة ولا أهاجم الأزهر فقلت إن هاجمونى سأهاجمهم . بعد عودتى عشت أعواما على حافة الجوع كنت أتمنى فيها لو رجعت للسجن بسبب الفقر. هذا مع أننى كنت أنشر المقالات ، وكنت نشطا حقوقيا فى المؤتمرات . معظم ذلك كان تطوعا . إنتهت هذه الفترة بعملى فى جريدة العالم اليوم ، ثم بعملى مع د سعد الدين ابراهيم فى مركز ابن خلدون ، ومديرا للندوة الاسبوعية فيه ( رواق ابن خلدون ). ضاق مبارك بنا فأغلق مركز ابن خلدون وإعتقل د سعد الدين وآخرين ، وتأجل إعتقالى نحو العام ، كانت ترابط وقتها قوة من الأمن أمام باب العمارة تنتظر أمر القبض علىّ . كان معى تأشيرة لأمريكا غافلتهم وسافرت، فى اكتوبر 2001 . لم أرجع لمصر ، ولا أظن أننى سأراها .!
ثانيا :
التغلب على الخوف بالصبر والصلاة
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) البقرة )
الصلاة :
1 ـ لا بد أن تقهر الخوف فى داخلك إذا قررت أن تقف ضد أكابر المجرمين ( العسكر والاخوان والأزهر ). هم خائفون على مكانتهم فإذا خفت أنت فلن تأخذهم بك شفقة، فهم لا يرقبون فى مؤمن إلّا ولا ذمّة .
2 ـ يبدو أن والدى ( الشيخ منصور ) ـ الذى عاش أواخر حياته يعانى من سرطان المثانة ـ كان قد قرّر أن يعدنى لرعاية أشقائى بعده . علّمنى الصلاة منذ الطفولة ، وكان يلزمنى بها ، وإقتنعت وحافظت عليها مذ كنت دون السابعة . وقام بتحفيظى القرآن فأتممت حفظه وأنا فى الثامنة . ولكن لم أقترب بقلبى من القرآن ولم أعرف أهيمة الصلاة إلا عند المحن . اليتيم البائس فى مثل حالتى يلجأ الى ربه جل وعلا شاكيا متضرعا ، لا معين له غيره جل وعلا ، خصوصا عندما يأتيه الظلم من أقرب الناس اليه .
3 ـ عندما تجمعوا ضدى فى موضوع رسالة الدكتوراة رجعت للقرآن الكريم أتدبره علميا لأول مرة فتأكّدت إنى على الحق . قلت إن ربى لن يضعينى . وسأصبر كما قالت الرسل لأقوامهم الكفرة: ( وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) ابراهيم ).
4 ـ كانت ـ ولا تزال ـ الصلاة هى الحصن الأكبر . عند إشتداد الأزمات أتحصّن بها ، أتضرع فى السجود لربى جل وعلا . جربت هذا ولا زلت . فى بعض الأحيان كان التضرع فى السجود يكون بكاءا مسموعا لا أستطيع منعه . بعده أشعر بالراحة والسكينة ، ويطمئن القلب . قال جل وعلا : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29) الرعد ).
5 ـ هل جرّبت عند الشّدّة أن تدعو ربك جل وعلا متضرعا باكيا تقول :
( رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( 5 ) ، ( رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنْ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86))
، ( رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )، ( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ )، ( أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ )، ( أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ).
6 ـ حتى الآن أفقد التركيز فى الصلاة ، ولا تكون صلاتى خشوعا مستمرا ، وأعترف بهذا التقصير ، ولكن لا يفارقنى الخشوع والتركيز عندما أصلى متضرعا فى وقت محنة أو أزمة .
7 ـ معظم الناس فى الأزمات يدعو ربه جل وعلا إذا مسّه الضُّرُّ ، فإذا كشف الله جل وعلا عنه الضُّرّ عاد لعصيانه ( الزمر 8 ، 49 ). ولكن الذى يحتاج الى رحمة ربه فى كل وقت يعلم أن الأمر ليس ( تأدية الصلوات ) الخمس ، ولكنها إقامة هذه الصلوات تقوى وإبتعادا عما يُغضب ربه جل وعلا . إذ كيف يستغيث بربه وهو عاص لربه ؟ :كيف يدعو ربه قائلا : ( إهدنا الصراط المستقيم ) ثم يقع بعدها فى معصية ؟ بهذا عرفت مبكرا الفارق بين تأدية الصلاة وإقامة الصلاة والمحافظة عليها بالتقوى فيما بين أوقات الصلاة .
8 ـ هنا يكون خوفك من الله جل وعلا أكبر من خوفك من البشر . طالما أنت فى طاعة الله جل وعلا وتقواه فأنت أقوى شخص فى العالم ، ليس فقط لأنك صابر والله جل وعلا مع الصابرين ، ولكن أيضا لأنك تجاهد مخلصا فى سبيله جل وعلا ، وهو جل وعلا وعد بنصرة من يجاهدون فى سبيله محتسبين صابرين . قال جل وعلا :( وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الحج )، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) محمد )، ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) غافر ).
الصبر
1 ـ كم أثقل الصبر ، خصوصا مع معايشة للإضطهاد من أكابر المجرمين . النبى محمد عليه السلام أمره ربه جل وعلا بالصبر مرات عديدة . فماذا عن شخص عادى مثلى ؟
2 ـ ومن الصبر ما يكون مُرّا ، إذ كيف تتحمّل الاتهامات الظالمة دون أن تدافع عن نفسك ؟ قيل لى لماذا تسكت على هذه الاتهامات ؟ من حقك أن ترفع قضية وستكسبها . قلت له : أخشى أن أذهب اليهم فأجد نفسى فى السجن . !
3 ـ أسهل طريقة هى أن تتجاهل الظلم الذى تتعرض له ، وتنشغل عنه بشىء نافع . وقد وجدته فى التركيز فى التدبر القرآنى وفى البحث التاريخى وفى التراث ، قضيت سنوات فى كتابة مؤلفات من مقالات وأبحاث وكتب ، تم نشر معظمها بعد . وفى كتابة السيناريوهات وجدت مجالا لأن أعايش الأبطال الذين أخترعهم ، ومنها مشروع تحويل التراث الى دراما ، على هامش البحث التاريخى . والنتيجة أنه بهذا الانكباب على التأليف كنت أنظر الى أزماتى فأجدها مثل من ينظر من ناطحة سحاب الى السيارات فى الشارع .
4 ـ حين كنت أتوقع القبض على فيما بين عامى 2000 : 2001 ، وكان أمن الدولة يتصل بى ليتأكد أننى لم أفارق بيتى ، تغلبت على القلق والخوف بأن ألزمت نفسى بكتابة بحث ضخم عن ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين ). وهو الآن منشور مقالاته هنا .
4 ـ بهذا تهزم الخوف ، وبهذا يتحول الصبر الى نصر .
المقال القادم : تجربتى الشخصية مع الحتميات ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا