الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقض القوانين الهرمسية الكونية السبعة

هيبت بافي حلبجة

2024 / 1 / 30
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لاشك إن أعظم وأعمق وأرقى تصور بشري ، كمحنة بشرية ، كتجربة بشرية ، في تحديد العلاقة المحمودة مابين الإنسان ومابين الكون والوجود والعالم ، ومابين الإنسان وكافة الأشياء قاطبة ، ومابين الأشياء كلها فيما بينها ، ومابين الكون والكون ، يكمن ، أي إن هذا التصور يكمن ، في تلك القوانين الهرمسية السبعة .
ولكي ندرك حقيقة وأساس هذه القوانين السبعة وقبل البدء بطرحها ، من الضروري ضرورة أن نذكر هذه النقاط السبعة ، وقبل البدء بهذه أيضاٌ نود أن نشير إلى هاتين الملاحظتين :
الملاحظة الأولى ، لأجل إعادة بناء تاريخ الشرق الأوسط المشوه والمزور والكاذب ، يبني الباحثون في منطقة الشرق الأوسط آرائهم على آركيولوجيا وعلى المصادر التاريخية المدونة مع عملية المقارنة ، لكن هذا لايكفي إذ لابد من الإعتماد على موضوع الإشتقاق اللغوي ، وإعتماد أصل المفردات ، مع إدراك إنتمائها الفعلي .
الملاحظة الثانية ، ثمة من ينسب جهلاٌ وقصداٌ ، كالعادة ، هذه القوانين السبعة إلى النبي أدريس أو إلى التاريخ المصري الفرعوني ، وهذا لايستقيم مطلقاٌ ، لإن كلمة ، هرمس ، هي مفردة كوردية بالكلي ، وهي مكونة من ، هر زائد مزد ، وهذا ما يتطابق بالأصل مع كلمة ، أهورمزدا ، إله الخير لدى زرادشت ، حيث ، أهورمزد ، هي ، هور زائد مزد . وللبحث شجون في مسألة حرق المصادر الكوردية والتعتيم عليها وسرقتها ثم نسبتها إلى حضارات أخرى ، ولذلك نود أن نذكر جانبين :
الجانب الأول ، لاوجود أصلاٌ لنبي أسمه أدريس ، كما لاوجود لأي إله ، وحتى لو وجد إله ، وهذا فرض كاذب ، فإنه ليس بتلك الحماقة والغباءة لكي يرسل أنبياءاٌ ، لإنه ليس بحاجة إليهم ، ويكفيه أن يتصل بمخلوقاته مباشرة .
الجانب الثاني ، معروف عن الفراعنة سرقة حضارة غيرهم ونسبتها إليهم ، بل وسرقة بعضهم لتراث الآخر ، والدليل يكمن في قصة بناء الإهرامات ، لإن الأولواح السومرية تؤكد إن من بنى تلك الإهرامات هم السومريون أنفسهم ، بل حتى إن مفردة هرم هي مشتقة أصلاٌ من هرمس ، من هرمزد ، الأعظم ، الأتم ، الأكمل . فإلى تلك النقاط :
النقطة الأولى ، إن الأصل الكلي لهذه القوانين السبعة ، يكمن في قانون واحد ، يحكم الكون ، يدير العالم ، يجعل للوجود معنى ، قانون واحد له سبعة أفرع ، سبعة ملامح ، سبعة مجالات ، لإن الكون نفسه لايقبل أن تحكمه سبعة قوانين متباعدة ، إنما هو قانون أصيل يمتد في مجالات سبعة .
النقطة الثانية ، لاينبغي أن ندرك وكإن هذه القوانين السبعة هي قوانين في الكون ، قوانين في العالم ، بمعنى أنها موجودة لإن الكون موجود ، ولإنها تعمل من خلال الوجود نفسه ، وإنها ماوجدت إلا لإن الكون قد وجد ، بينما الأصل ، إن الكون موجود لإنها موجودة ، وماكان من الممكن أن يوجد الكون بهذا الشكل أو بأي شكل آخر إلا لإن هذه القوانين قد كانت . والمعنى الفعلي لما نرمي إليه هو ، ومن حيث التقريب الإنطولوجي ، إن هذه القوانين قد تجلت هكذا فكانت على صورة هذا العالم ، أي إن كوننا هذا لم يكن إلا التجلي الأصيل والأصلي لتلك القوانين .
النقطة الثالثة ، على الرغم من إنحدار هذه القوانين السبعة من أصل مشترك ، وعلى الرغم من كل واحد منها يتحاكى عضوياٌ وبنيوياٌ مع الأخريات ، وعلى الرغم من إن الحديث عن الواحد يفضي مباشرة وطوعاٌ إلى الحديث عن الثاني ، إلا إن كل قانون يستقل في حد خاص عن الأخريات ولايسمح لها أن تشاركه فيه ، فكل قانون يتطابق مع القانون الأصل وفقاٌ لما يتماهى مع طبيعته وبنيته .
النقطة الرابعة ، على الرغم من إننا نتحدث عن مفهوم القانون ، وموضوعه ، إلا إن كل قانون هو جزء أصيل من هندسة فراغية ، بحيث من المستحيل الحديث عنه وكأنه ثابت ومحدد ، أي إن كل قانون هو متحرك في المبنى وفي المعنى وفي فضاء الدائرة الهندسية الفراغية المشتركة .
النقطة الخامسة ، وهذه هي النقطة الجوهرية في موضوع هذه القوانين السبعة ، وهي التي تتعلق بالمفردة الكوردية ، خو مياندن ، خو مه يين ، خو ميا ، والتي تعني التخمر الذاتي ، والتي أقتبسها جابر بن حيان تحت مسمى ، الخيمياء ، فالخو ميا تمثل في أصالتها قمة التطور الذهني البشري في فهم وإدراك مايسمى اليوم بفيزياء الكوانتوم ضمن مفهوم أعمق وأشمل وهو الكون الفيزيائي . فالخو مه يين يتفادى كافة إشكاليات الخلق ، الخلق الذاتي ، وفرضية الفيض الإلهي .
النقطة السادسة ، وهي التي تؤكد على حيادية هذه القوانين السبعة حين تأصيلها ، وعلى إيجابيتها حين إدراكها وتوظيفها ، وهذا أمر يتعارض بالمطلق مع مفهوم الخير والشر ، أو مفهوم من ينتصر على من ، أو مفهوم الثواب والعقاب . وهكذا يتجلى مدى إنسانية هذا التصور ، ومدى أهمية الإنسان على إطلاقه ، كائناٌ من كان ، وماذا تكون ديانته أو معتقده ، على خلاف المعتقد الإسلامي الذي ينمو على الدم والحرب والقتل وكافة الأفكار الهمجية البربرية ، إن الدين عند الله هو الإسلام .
النقطة السابعة ، وهي التي تؤكد في خلفية هذا التصور كما هو على فكرة إن الإنسان ، كما هو ، في حقيقته ، في موقعه ، هو الجوهر الوحيد الذي ينبغي أن يكون في الوجود وجوداٌ يمتلك تلك الخصائص التي لابد منها في إدراك معنى الكون ، وإدراك معنى تلك القوانين السبعة ، أي بتعبير أرهف ، الإنسان هو الذي يمنح الوجود معناه ، بعيداٌ عن ذلك المضمون السخيف لواجب الوجود وممكن الوجود . وهنا نذهب إلى رؤية تلك القوانين السبعة :
القانون الأول : وهو قانون العقل ، وليس العاقل ، ولا العقلاني ، ولا العقلي ، هو قانون مرتبط بالكون من حيث إنه كون واحد ، هو هذا الكون . فالكون الذي هو هذا ، والعقل الذي هو هذا ، هما متطابقان تطابق دائرتين هندسيتين فراغيتين في التماهي ، في التحاكي ، في التناظر ، في التماثل ، إلى درجة إن لاشيء في الكون هو خارج هذا العقل ، كما لاشيء من العقل هو خارج هذا الكون . لكن هذا العقل الكوني لدى هرمس ليس هو إلا عقل في شمولية الكون ، عقل في بنية الكون ، الأمر الذي يفضي إلى إن كل شيء في الكون ، كافة الأشياء ، جميع الكائنات ، تملك عقلاٌ يناسب ويوائم طبيعتها ، يخصها دون سائر الأشياء الأخرى ، تحت شرط وظائفي وبنيوي وهو ألا يحدث تعارض وتنافر مابين العقل الكوني وهذه العقول الفردية ، و ألا يحدث تنافر مابين هذه العقول الفردية ، وهذا لايعني بالضرورة ، وهذا شرط دقيق وعضوي ، أن يكون الإنسجام مابين هذه العقول الفردية تاماٌ ، أو أن يكون الإنسجام مابين العقل الكوني وهذه العقول الفردية تاماٌ ، مع أخذ الإعتبار ، إن حكم الممكن والإمكان هو الذي يحدد لمن تكون الغلبة النسبية ، وهذه الغلبة ليست معياراٌ إنما هي العلاقة المحمودة مابين الكون والعقل وحدود الممكن والإمكان .
القانون الثاني : وهو قانون التطابق ، وليس المتطابقة ، ولا أن يتطابق ، إنما هو التطابق نفسه ، بمعنى إن الكون تحت شروط القوانين الأخرى ، لايمكن إلا أن يلتزم بحدود التطابق ، إلا أن يحقق التطابق ، لإن التطابق هو حد في حدود تلك القوانين كلها . ولذلك حينما فسر الباحثون موضوع التطابق على النحو التالي ، إن الأعلى يتطابق مع الأسفل ، وإن الأسفل يتطابق مع الأعلى ، إن الأيمن يتطابق مع الأيسر ، وإن الأيسر يتطابق مع الأيمن ، لم يدركوا حقيقة هذا المبدأ ، رغم إن هذا الحديث صادق بصورة جزئية ، لكن التطابق هو في الفعل تطابق الأعلى مع الأعلى ، وتطابق الأعلى مع الأسفل ، وتطابق الأعلى مع الأيمن ، وكذلك مع الأيسر ، لإن التطابق هو تطابق العقل مع نفسه ، وتطابقه مع تلك العقول الفردية ، وكذلك تطابق هذه العقول الفردية مع بعضها ، ومع العقل الكوني : مع ملاحظة في غاية الأهمية والدقة : إن التطابق ليس هدفاٌ بذاته إنما خاصية في طبيعة الكون ، وخاصية متحركة ، خاصية لا تقتضي تحقيق الأصل .
القانون الثالث : وهو قانون الإهتزاز ، وليس الحركة أو التحرك ، فالإهتزاز هو قانون من العقل ومن التطابق ، ويتنافى بالمطلق مع موضوع السكون أو اللاحركة ، في حين إن الحركة لاتلغي موضوع السكون ، وترضخ للعامل الخارجي ، أو أي عامل يخص الكون ، في حين إن الإهتزاز هو هو ، وإذا فرضنا خلل في موضوع الإهتزاز فهذا يعني إن التطابق في مأزق ، وإن العقل في مأزق ، فالثلاثة هي حقيقة نفسها ، هي حقيقة الكون ، دون أن ننسى ، ولا للحظة واحدة ، موضوع الممكن والإمكان .
القانون الرابع : وهو قانون التقاطب ، الذي حسبه إن الكون هو في البناء الأصيل مؤتلف من السالب والموجب ، من الذكر والإنثى ، من الشيء ومتممه ، من الواحد ومكمله ، ضمن شرط أن يكون الذكر والإنثى ، أو السالب والموجب ، في إئتلاف فعلي ، دون أية خلفية للتعارض أو للتنافر ، إنما في وحدة إنسجامية تامة . وهذا التصور يفضي مع القوانين الثلاثة السابقة ، قانون العقل ، قانون التطابق ، قانون الإهتزاز ، إلى هذه الأمور الثلاثة :
الأمر الأول ، إن الكون ليس حيادياٌ ، هو يتصرف وكإن لديه مخطط مسبق ضمن حدود الممكن والإمكان . الأمر الثاني ، إن الكون يدرك نسبياٌ حقيقة هذا التقاطب لكي يحافظ على ديمومته ، أي ديمومة السالب والموجب ، ومن ثم ديمومته هو . الأمر الثالث ، إن الكون يدرك ، من حيث إنه إدراك خاص به ، هذا البعد الوجودي ، ويسعى ، ويعمل مايمكن ، لكي يتطور هذا البعد الوجودي إلى ماهو أرقى ، وأكمل وأتم . مع إدراكنا التام إنه يفشل في موضوعات عديدة .
القانون الخامس : وهو قانون الإيقاع ، الإيقاع الباطني الداخلي البنيوي ، وليس الإيقاع الخارجي أو الإيقاع بمفهوم التناغم كما يعتقد الكثير من الباحثين ، لإنه ذلك الإيقاع الذي يتحاكى مع بقية القوانين الستة ، ويجعل منها قوانين أصلية أصيلة ، فهو الذي يضفي إلى الإهتزاز ومن جانب خاص نوعية الإهتزاز ، وكذلك بالنسبة لحقيقة التطابق ، وكذلك بالنسبة للمبدأ السابع الذي هو الجنس ، والبقية . وفي الأصل هو يشارك الجميع في تأصيل مضمون الممكن والإمكان .
القانون السادس : وهو قانون السبب ، هو قانون السبب ثم الأثر ، ومن يدرك حقيقة هذا القانون سوف يدرك حقيقة تصور هرمس ، هرمزد ، عن الكون ، ومن لايدرك حقيقة هذا القانون لايمكنه بالقطع أن يدرك مضمون القوانين الستة الأخرى :
من جهة ، إن مضمون السبب ليس له علاقة بمفهوم النتيجة ، فالسبب هنا لايبحث عن النتيجة ، ولاعن نتيجة معينة ، ولايمكن القول إن هذا السبب يؤدي إلى هذه النتيجة ، ولايمكن الربط مابين مضمون السبب ومابين مضمون العلة ، كما لايمكن الربط مابين سبب معين ومابين نتيجة معينة ، كما لايمكن الربط مابين سلوك السبب وحقيقة الأثر .
ومن جهة ثانية ، إن مضمون السبب هنا ، أو في تصور هرمس ، لايعني السبب المباشر ، ولايمكن الفصل مابين الأسباب ، لإن السبب والأسباب هي تفضي من حيث هي هي إلى هذا الأثر ، أو قد أفضت إلى هذا الأثر ، أو ماكان من الممكن والإمكان أن تفضي إلى أثر مغاير .
ومن جهة ثالثة ، إن مضمون السبب هنا لاعلاقة له بمحتوى الإرادة ، ولا القصد ، ولا الإرادة المتعمدة ، لإن طبيعة السبب متعلقة ، جملة وتفصيلاٌ ، بمحتوى الممكن والإمكان .
ومن جهة رابعة ، إن مضمون السبب هو جزء بنيوي من القوانين الستة الأخرى ، كما إنه ، وبنفس الدرجة ، فاعل فعلي في منح تلك القوانين خواصها الخاصة .
القانون السابع : وهو قانون النوع ، والفكرة الجوهرية تتعلق بمضمون هذه النقاط الأربعة : النقطة الأولى ، إن الكون كله ، إن الأشياء جميعها ، مؤتلفة في حد النوع ، فلاشيء ، على الإطلاق ، يمكنه أن يكون خارج حدود النوع . النقطة الثانية ، إن الكون كله ، إن الأشياء جميعها ، مؤتلفة من الذكر والأنثى ، ولاشيء ، على الإطلاق ، يمكنه أن يكون خارج حدود الذكر والأنثى . النقطة الثالثة ، إن الأشياء كلها تمتلك بالضرورة إما طاقة ذكورية ، وإما طاقة إنثوية ، ولاشيء ، على الإطلاق ، يمكنه أن يكون خارج حدود هاتين الطاقتين ، الذكورية والأنثوية ، وفي الحقيقة إن هرمس لايكترث كثيراٌ بعضوية الذكر وعضوية الأنثى ، إنما الأساس والجوهر لديه هو محتوى هاتين الطاقتين . النقطة الرابعة ، إن أي ذكر أو إنثى ، يحتوي بالضرورة إلى جانب طاقته الأساسية ، الطاقة الأخرى ، أي إن الذكر ، وهو يحتوي على الطاقة الذكورية لإنه ذكر ، يحتوي على طاقة إنثوية ، والأنثى ، وهي تحتوي على الطاقة الأنثوية لإنها أنثى ، تحتوي على طاقة ذكورية .
نكتفي بهذا القدر ، ونعترض بالتالي :
أولاٌ ، في موضوع العقل ، يكمن السؤال الجوهري ، وحسب التصور الهرمسي ، هل للكون عقل أم إن له وعي ، هل من الأساس القول ، العقل الكوني ، أم الوعي الكوني ، مع إدراكنا إن العقل لايشترط بالضرورة الوعي ، كما إن البنكرياس لايشنرط بالضرورة وجود أنسولين ، كما إن العقل لايشترط أبداٌ الحركة في الداخل وفي ما مابين ، في حين إن الوعي يشترط نفسه ، كما إنه يشترط الحركة في الداخل وفي مابين ، سيما وإن التصور الهرمسي مبني على التطابق وعلى الإهتزاز ، فالعقل لايفضي بالضرورة إلى التطابق ولا إلى الإهتزاز ، في حين إن الوعي يناسب تماماٌ محتوى التطابق وجوهر الإهتزاز ، إضافة إلى قضيتين أساسيتين :
القضية الأولى : إن هرمزد يؤكد على قاعدة بنيوية وهي إن الإنسان الفرد يمكنه أن يشارك ويشارك في محتوى الإهتزاز ، سيما على صعيد مايسميه العاطفة ، والإبتسامة المتبادلة ، والشعور والإحساس والحركة الإئتلافية ، وهذه القاعدة ، أي قاعدة العاطفة والإهتزاز ، تتناسب طردياٌ مع الوعي الكوني وليس مع العقل الكوني .
القضية الثانية : في مضمون العلاقة الإيجابية والمحمودة مابين الإنسان والكون ، ثمة أمر في غاية الدقة والأهمية والخطورة ، وهو هل أنت بلغت مرحلة الإنتماء الأصيل إلى الكون أم إنك مجرد شخص تعيش ، ففي الحالة الثانية إنك تعيش ضمن القوانين الفيزيائية النيوتونية الساذجة وتجعل من إطروحات التطابق والإهتزاز مجرد مقدمة بسيطة ، وهذا لايتناسب مع حقيقة ما كان يصبو إليه هرمس في تصوره ، في حين لن كنت تنتمي إلى الكون فإنك تشارك في التطابق والإهتزاز ، وتنتمي إلى تلك القوانين الفيزيائية التي تأتي فيما بعد مرحلة أينشتاين ، أي إنك تنتمي إلى ذلك الكون الفضائي مابعد أينشتاين . مع إدراكنا المطلق : إن القوانين الفيزيائية مابعد أينشتاين ومن ثم نيلز بور لازالت هلامية ومن ثم قوانين بسيطة وسوف نحتاج ، إن إستطعنا ، إلى قوانين أكثر دقة وتطوراٌ ، وهذا يعني مشاركتك للتطابق والإهتزاز لكن ضمن معطيات أخرى وتحت شروط خارجة حدود فهم هرمس للكون .
ثانياٌ : كما إن الإشكالية الكبرى تكمن في موضوع العقل ، حيث إن هذا الأخير لايمكن أن يكون قانوناٌ من قوانين الكون ، فهو ، ومن زاوية التأصيل ، من المحددات وليس من الخاصيات ، والمحددات مثل العقل والنفس والروح ، حتى لو وجدت ، لايمكن أن تكون من قوانين الكون ، بعكس ماينتمي إلى الخاصيات ، مثل الوعي والتطابق والإهتزاز ، فهي إذا وجدت يمكن أن تكون من قوانين الكون .
ثالثاٌ : ماذا لو تجاوزنا هرمس وتصوره ، وتخطينا تلك القوانين الكونية السبعة وطرحنا السؤال الذي لابد منه ، هل يمكن لنا نحن البشر ، كبشر ونحن لسنا إلا بشراٌ ، أن ندرك الكون وطبيعته وبنيته ، وخواصه وخاصياته ، ، ومن ثم قوانينه ، ومن ثم قواعده ، ومن ثم كيف يتصرف ، وهل هو مضطر أن يتصرف ، وهل من المستحسن أن نتحدث عن الكون كمفردة أم عن الوجود كمفردة أم عن العالم كمفردة ، أم عن الطبيعة كمفردة ، وهل نحن من إنتاج الكون كضرورة في بنيانه ، وهل أنتج الكون تلك الكائنات المجهرية التي تبدو وكأنها تسيطر على الكون ، وعلى مخلوقاته ، أمثالنا وغيرنا :
من زاوية ، إن الأرض والمجموعة الشمسية والمجرة ، والمجرات ، كلها ، من حيث واقعنا البشري ، هي تنتمي حصراٌ إلى هذا الكون ، إلى الكون كمفردة ، ولايحق لنا أن نتحدث عن الوجود ، ولا عن العالم ، ولا عن الطبيعة ، إلا ضمن حد التجاوز المعقول والمنطقي لدى الإنسان ، لدى فهمنا ، وسعينا إلى فهم الأشياء ، وبل محاولتنا لإدراك ما يحيط بنا ، ماعدا عدا الإستثناء ، من الفهم العلمي ، ومن الإدراك الحيادي ، أن نتحدث عن هذا الكون ، عن هذا الكون الذي نحن فيه ، عن هذا الكون الذي يمكن ، ويمكن فقط ، أن ندركه حسب شروطنا الخاصة جداٌ ، وشديدة الخصوصية .
ومن زاوية ثانية ، إذا كان الكون هو كذلك من طرفنا كبشر ، فنحن لسنا في النهاية إلا أرضيون ، إلا مكانيون ، إلا نيوتونيون ، إلا قواعديون واحد زائد واحد ، إلا حواسيون ، وعقليون في حدود الحواس ، ومنطقيون في حدود الممكن والإمكان ، ولاشيئون في حدود اللاشيء ، ولا ، ولا في حدود هذه الحدود ، لإننا ، ومن زاوية أخرى ، مثل الكلاب ، والقطط ، والذئاب ، والورود ، والأشجار ، والفهود ، والشالول والبلابل ( مفردات كوردية ) من إنتاج هذه الأرض ، من إنتاج هذا الكون .
ومن زاوية ثالثة ، وفي الفعل ، إن كافة القضايا التي تدخل تحت مستوى الفلسفة والفكر والدين ، ليست إلا مغالطات بشعة وشنيعة ، أنتجها هذا الإنسان البسيط الساذج ، وأنتجها وكان لابد أن ينتجها ، أي إن كل ماذهبت إليه الأديان ، برمتها ، وكل ما أنتجته الفلسفة والفلاسفة ، من أرسطو وأفلاطون ، وهيجل وديكارت ، وكانط وشيلنج ، وسارتر وهربرت ماركيون ، ووليم جيمس وجون ديوي ، والغزالي والفارابي ، إن كل ذلك ليست إلا سخافات تافهة ، بإستثناء التجارب العلمية ، الفيزيائية الحديثة ، ومعرفتنا الخاصة عن محتوى السلوك البشري والحيواني ، وطبيعة الأشياء ، وكل مايشبه هذه الزاوية الخاصة .
ومن زاوية رابعة ، هل نحن ضرورة في الكون ، هل وجودنا ضرورة في الكون ، إذا كان الجواب بنعم ، فنحن بمثابة آلهات ، بمثابة إله يملك الكون ، ولايمكن إطلاقاٌ إن يوجد إله للكون ، الإله لايستطيع أن يوجد بطبيعته ، وإذا كان الجواب بكلا ، فلاقيمة لأفكارنا حينما نتجاوز حدود حدنا ، ولاقيمة لما قد نسميه بالمنطقي أو العقلي أو تلك التي كانت تسمى بالمسلمات الأولية ، أو تلك القاعدة الأساسية في الفلسفة ، والتي هي مصخرة حقيقية ، أيهما سبق الآخر ، الوعي أم المادة ، الروح أم الطبيعة ، أو تلك الأفكار المقرفة التي ذهبت إليه الأديان ، سيما الإسلامية والمسيحية واليهودية .
ومن زاوية خامسة ، هل ندرك حقيقة قانون الجاذبية ، وهل قانون الجاذبية ، والقوانين الثلاثة الأخرى ، هي كذلك بالنسبة لحقيقتها ، حقيقتها من حيث هي كذلك ، أم بالنسبة لنا كطرف مكاني ، أم بالنسبة لشروطنا البسيطة السخيفة ، من الأرجح ، أقول جيداٌ من الأرجح ، إن هذه القوانين ، في حال وجودها في بنيان الكون نفسه ، فإنها حتماٌ تتصرف بشكل آخر ، وحتماٌ لها شروط خاصة بها مستقلة تماماٌ عن شروطنا الخاصة ، ولقد وضحنا ذلك حينما تحدثنا عن تصرف الفوتون ، كموجة أو كجسيم ، وقلنا إن الفوتون لايتصرف لا حسب هذه ولاحسب ذاك ، إنما هو يتصرف حسب شروط بنيته ، ومانراه نحن في تجاربنا عن الفوتون ليس إلا شرطنا الإنساني التافه .
ومن زاوية سادسة ، إن البشر، مثل كافة إنتاجات الكون ، لابد أن ينقرضوا كما إنقرضت الديناصورات ، كما إنقرضت كائنات ونباتات ، أي لقد كان دهر لم نكن ، وسوف يكون دهر لن نكون ، والمعنى ، كوننا من إنتاج الكون ، يمكننا أن نشارك في قوانينه ، لا أن نحدد قوانينه ، لا أن نضفي على قوانينه من خواصنا أو من تصوراتنا ، فماذا يعني هذا مع تلك الزوايا السابقة :
إن قوانين هرمس ، حتى لو صدقت ، فهي لايمكن أن تكون كما تصورها هرمس ، بل يمكن أن تتماثل في سلوكها ، لإن لو تماهت تماماٌ مع تصور هرمس لدل ذلك إن هرمس أدرك حقيقة بنيان الكون ، لأدرك العمق الخفي لسلوكه ، وهذا أمر فيه مجازفة كبيرة .
رابعاٌ : وفي الأصل أبدع هرمس في المزج البنيوي مابين الكون والإنسان وتلك القوانين السبعة ، بحيث غدت هذه الجهات الثلاثة جهة واحدة ، فلايمكن أن يستغني الإنسان عن الكون ولا عن تلك القوانين ، كما لايمكن أن يستغني الكون عن الجهتين الأخريتين ، وكذلك الأمر بالنسبة لتلك القوانين السبعة ، وهذا التصور الهرمسي لايمكن أن يصدق إلا إذا شكلت هذه الجهات الثلاثة ضرورة تامة ، والضرورة هنا لايمكن إلا أن تكون ضرورة ثابتة ، ضرورة ثابتة في ثلاثيتها ، وضرورة ثابتة في كل من عناصرها ، أي إن الكون ثابت ، إن الإنسان ثابت ، إن تلك القوانين السبعة ثابتة ، وهذا يتناقض في المبنى وفي المعنى لدى تصور هرمس ، سيما قضية قانون الإهتزاز، وقانون العقل ـ الوعي ، وقانون التطابق ، وحتى بقية القوانين ، لسبب بسيط هو إن هذه القوانين تستند في تأصيلها إلى محتوى ماهو الممكن والإمكان ، فالكون بقوانينه لايستطيع أن يتخطى حدود هذا الممكن والإمكان ، وإلا لأصبحت تلك القوانين السبعة ليست إلا تصور مزاجي مثل تصور القدرة الخارقة لإله لايوجد ، بل لأصبحت هذه القوانين السبعة هي الآلهة نفسها .
خامساٌ : والآن لابد من الحديث عن إشكالية الممكن والإمكان ، تلك الإشكالية الكبرى والأساسية في التصور الهرمسي ، ولكي تتضح هذه الإشكالية من الضرورة ضرورة البحث في موضوع الآن ، الآن في الدهر ، الآن لإدراك حقيقة كيفية تصرف الكون وعلاقة هذا التصرف بموضوع تلك القوانين السبعة وبموضوع الوعي ، الوعي الكوني والوعي الفردي وحتى المشترك :
وفي الآن ، يرى الكون نفسه بقوانينه ووعيه إزاء محتوى إنطولوجي خاص ، محتوى إنطولوجي تكويني ومن ثم إئتلافي ، قد لايكون ذلك المحتوى ثابتاٌ ، بل متغيراٌ على كافة الأصعد ، لكن الكون نفسه يحدده بمحدودات ضمن نطاق أسميه ، الممكن والإمكان ، والممكن هو شرط المتوفر من طبيعة المواد الأولية في تصنيع وتكوين الأشياء والكائنات ، والإمكان هو شرط المتوفر من الوعي في القيام بتصنيع أوتكوين تلك الأشياء والكائنات :
نضرب امثلة توضيحية ، مثال الخباز ، ومثال الجلد ، جلد الإنسان ، ففي المثال الأول قد يتوفر لدى الخباز نوع من الدقيق ، وبعض البهارات ، وشكل من أشكال النار فيقوم بصنع معجنات ليس فقط حسب مايتوفر لديه من تلك الأمور التي أشرنا إليها ، إنما حسب وعيه الخاص في هذه المسألة ، فقد لايكون إلا شخصاٌ بسيطاٌ في موضوع المعجنات .
والمثال الثاني ، إن جلد الإنسان يتصرف ويرمم ويصلح من أمر الجروح والندبات وحتى في تحسين مستوى صحة الجلد ليس فقط حسب وعيه الخاص في هذه المسألة ، إنما حسب مالديه من الأملاح المعدنية والفيتامينات والعناصر الأخرى ، فالجلد لايستطيع أن يرمم الجلد مثل السابق إذا كان صاحبه مصاباٌ بمرض السكري على سبيل المثال .
وهكذا فإن الممكن والإمكان يفسر تماماٌ محتوى تلك القوانين السبعة لكن على طريقة متباينة ، وعلى شكل مختلف مما ذهب إليه هرمس : فالممكن والإمكان :
من زاوية ، لاتكترث بالضرورة كما تكترث بها تلك القوانين السبعة . ومن زاوية ، هي لاتكترث بنتيجة محددة أو بما تصبو إليه كما تكترث بها تلك القوانين . ومن زاوية ثالثة ، الممكن والإمكان هي التي أنتجت الديناصورات لكنها إنقرضت ، وهي التي أنتجت الإنسان وسوف ينقرض ، أي إنها تنحاز إلى مجال الفشل ، وهذا لايناسب محتوى تلك القوانن السبعة . ومن زاوية رابعة ، حتى لو صدق وجود تلك القوانين السبعة فهي لاتستطيع إلا تطبيق ذاتها من خلال أساس الممكن والإمكان . ومن زاوية خامسة ، من الواضح وحسب كل ما قلناه إن هذه القوانين السبعة ، حتى لو كانت صادقة في وجودها ، لاتستطيع أن تتخطى حدود ما هو نسبي ، نسبي جداٌ ، وخاص جداٌ ، وهذا يعني تماماٌ مثلما تكون قوانين نيوتون الفيزيائية بسيطة أمام ماذهب إليه أينشتاين ، وهذه كم هي بسيطة إزاء ما ذهب إليه نيلز بور ومابعد نيلز بور ، فإن هذه القوانين السبعة هي بسيطة في حدود العقل الإنساني ، في حدود ماذهب إليه هرمس : إن الإنسان هو جوهر الكون . دون أن ننسى أبداٌ إن ماذهب إليه هرمس ومن ثم زرادشت ، يعتبر من أرقى وأسمى وأعمق التصورات البشرية قاطبة . أي :
من زاوية ، مثلما إن قوانين نيوتون بسيطة وعادية لفهم الكون فإن هذه القوانين السبعة ليست إلا درجة أولية وأولى لفهمنا عن ما يمكن أن نزعم : فهمنا للكون .
ومن زاوية ثانية ، لايمكن للإنسان ، لإنه من نتاج الكون ، لإنه أتى في حين من الدهر ، وسوف يزول في حين من الدهر ، ولإنه إنسان ، ووعيه جزء من وعي الكون ، أن يفهم الكون إلا حسب منطوقه في فهم المكان والأبعاد ، وهذا لايناسب أبداٌ موضوع هذا الكون .
من زاوية ثالثة ، الكون هو حتماٌ شيء آخر غير ماهو في حدود تصور الإنسان ، الكون هو حتماٌ شيء آخر . وإلى اللقاء في الحلقة التاسعة والخمسين مابعد المائة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا


.. أوضاع إنسانية صعبة في قطاع غزة وسط استمرار عمليات النزوح




.. انتقادات من الجمهوريين في الكونغرس لإدانة ترامب في قضية - أم


.. كتائب القسام تنشر صورة جندي إسرائيلي قتل في كمين جباليا




.. دريد محاسنة: قناة السويس تمثل الخط الرئيسي للامتداد والتزويد