الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التأثير الرأسمالي على الهجرة النبوية

طلعت خيري

2024 / 1 / 31
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


واجهت الدعوة القرآنية في مكة ثلاثة خصوم ، أولا - الوثنيون العرب ، ثانيا - المكيون من بني إسرائيل ، ثالثا - الدين السياسي لأهل الكتاب ، ولقد تصدى التنزيل لما طرح من أفكار مضادة على الساحة الفكري، والتي تهدف الى تحجيم التأثير العقائدي القرآني على القاعدة الجماهيرية المكية ، كما ساند التنزيل المؤمنين بالآيات ، التي تحث على مواجهة التحديات بالصبر ، والإعراض عن الجاهلين ، والابتعاد عن الجدال المثير للنزعة العقائدية ، استمر جدال الخصوم لسنوات أنتج عنه تصدع في القاعدة الجماهيرية المكية ، وبات مصالح الأسياد من الرأسماليين والكهنة والزعماء على حافة الانهيار، وبعد فشل الخصوم في السيطرة على الأمور بشكل عام ، أخذت الدعوة منحى جديد حيث خرجت عن الإطار الفكري الى العمل الميداني ، مستعينين بالقوة والنفوذ السلطوي والقبلي في تشكيل حلفا سمي بحلف مكة ، ففي سنة سبعة للبعثة فرض المتحالفون على المؤمنين مقاطعة اقتصادية واجتماعية علقوا بنودها على جدار الكعبة ، وتشمل عدم بيع المواد الغذائية وقطع الصلة المجتمعية وطرد محمد وأتباعه خارج مكة ، ولكن تدخل بني هاشم وبني عبد المطلب شكل ثقلا قبليا توازنيا تصدى للحلف رافضا بنود المقاطعة ، وفي سنة عشرة للبعثة خرج الأمر عن السيطرة تماما ، فلم يبقى أمام المتحالفون إلا القضاء على الدعوة بالكامل ، فبدؤوا باضطهاد وقمع الضعفاء من المؤمنين الذين ليس لهم ثقلا قبليا ولا نفوذا سلطويا ، فأمر الله بالهجرة غير محددة الجغرافية ، هذا التحول الجديد وضع المؤمنين أمام تحديات جديدة ، منها اقتصادية كفقدان مصادر الرزق وعقائدية ربما يواجهون مضايقات جديدة في مجتمعات أخرى يختلفون معهم عقائديا ، فاخذ التنزيل بمعالجة المعوقات بالتوصيات ، أهمها الثبات على عبادة الله ، يا عبادي الذين امنوا ان ارضي واسعة فإياي فاعبدون ، وهنا إشارة الى ان عبادة الله غير محصور بجغرافيه محددة ، كما ان الرجعة الاخروية الى الله غير محصورة في مقابر مكة ، كل نفس ذائقة الموت والينا ترجعون، مع الاستمرار على الأعمال الصالحة المرافقة للإيمان ، والذين امنوا وعملوا الصالحات ، لنبؤئنهم من الجنة غرفا ، تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم اجر العاملين ، والذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون

يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ{56} كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ{57} وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ{58} الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ{59}

اخذ التنزيل بمعالجة مخاوف المؤمنين من عواقب الهجرة ، كفقدان الأمن المعيشي ومصادر الرزق في مكة ، مغبة الحصول على مصادر بديلة في المهجر، طمئن الله المؤمنين في مثل واقعي على الدواب ، قائلا ، وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم ، فلا تعتقد أيها المؤمن ان الرزق بيد الكهنة والرأسماليين والزعماء ، ربما مرتبط بنشاطهم الاقتصادي والتجاري الواسع ، ولكن هم مجرد سبب من أسباب الرزق ، ولكي يثبت الله للمؤمنين بان الرزق بيده ، أسئل يا محمد ، الرأسماليين والزعماء والكهنة ، ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى تؤفكون ، تؤفكون ، هنا للاوعي المجتمعي ألذي جعل الناس يعتقدون بان الرزق بيد القائمين على إدارة الأوثان الملائكة بنات الله ، من الرأسماليين والزعماء ، صحح الله الاعتقاد ، قائلا ، الله يبسط الرزق لمن يشاء من عبادة ويقدر له ان الله بكل شيء عليم

وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{60} وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ{61} اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{62}

ان الهيمنة الرأسمالية والسلطوية ، واحتكار مصادر الزرق بالشراكة الرأسمالية والواسعة والسيطرة على السوق ، أوهم المؤمنون على ان الرزق بيد الرأسماليين والكهنة والأسياد ، مما جعل ذلك عائق كبير أمام المهاجرين بالحصول أجور مماثلة في مكان أخر ، كما ان تدني دخل الفرد بسبب الاستغلال الرأسمالي للطبقات الفقيرة والكادحة جعل المؤمنون غير قادرين على تحمل أعباء الهجرة ، ولكي يقنع الله المؤمنين بان الرزق بيده ، قال ، ولئن سألتهم أي الاحتكاريين والرأسماليين والزعماء ، من انزل من السماء ماء فاحيا به الأرض من بعد موتها ، ليقولن الله ، قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون ، لا يعقلون هنا اللاوعي العقلي ، حول نزول الماء من السماء بتسخير من الله ، وليس بتسخير من الملائكة بنات الله

وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ{63}

الرأسمالي منهك عقليا وفكريا ، بالتفكير والبحث عن شراكة مالية واقتصادية واسعة مع أصحاب الحرف والنشاطات المختلفة ، ومستعدا لمنافسة صباغ أحذية في الشارع ، أو بائع ملابس مستعملة على الرصيف ، تفكير مستمر في تقليل المصروفات لزيادات الإيرادات والأرباح لا يعرف غير المال فقط ، من الآيات التوعوية التي دعت الإنسان الى تقيل حدة التكالب على المال الدنيوي قال الله ، وما هذه الحياة الدنيا إلا لهوا ولعب ، لا فائدة منها سوى ما يبقيه على قيد الحياة الى نهاية الأجل ، وان الدار الآخرة لهي الحيوان ، الحيوان بالمفهوم العام ، الحيوان الأليف والمفترس ، فلم يطلق القران اسم حيوان على الدواب أو على الأنعام ، فالحيوان هنا مفهوم جديد يدل على الحياة الأبدية ، التي توفر كل شيء بدون عناء ، فلا تكالب فيها على المال والعمل ، لو كانوا يعلمون -

وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ{64}

المنهك دنيويا بالمال والملذات ، يتعامل مع مجريات الأحداث الدنيوية بازدواجية عقلية ، ففي حالة الأمن والاستقرار المجتمعي يمارس حياته بشكل طبيعي مع شركائه وشركاء الله ، كالملائكة بنات الله ، ولكن في حالة مصادفته للعوارض المهلكة ، نسي ما كان يدعو إليه من قبل ، متوجها الى الله مخلصا له الدين ، وهذا الإقرار الدنيوي سوف يقر به يوم القيامة ، ولكن بعد فوات الأوان ، فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما أنجاهم الى البر إذا هم يشركون ، ازدواجية المعاير العقلية واضحة في التعامل مع الله ، يؤمن به على الماء ، ويكفر به على اليابسة ، ليكفروا بما أتيناهم ، القران ، وليتمتعوا فسوف يعلمون

فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ{65} لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ{66}

لما كان الخوف والاطمئنان عاملان مؤثران على الاعتقاد، كما هو في المثل أعلاه ، فالأجدر بأهل مكة ، ان يؤمنوا بالله لأنهم أكثر أمنا واستقرارا ، بفضل الإستراتيجية الأمنية التي توفرها الجغرافية المكانية للحرم المكي ، سواء كان ذلك بتوصيات من الله ، أو باتفاق سياسي بين القبائل والأديان، لماذا هذه الازدواجية في المعاير العقلية ، تؤمنون بالباطل الملائكة بنات الله ، وتكفرون بنعمة الأمن والاستقرار المكي ، الم يروا أنا جعلنا حرما أمنا ويتخطف الناس من حولهم ، يتعرضون للاغتيال ، أفبالباطل الملائكة بنات الله يؤمنون ، وبنعمة الله الأمن والاستقرار يكفرون ، ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا ، مدعيا الملائكة بنات الله ، وكذب بالحق لما جاءه ، الحق لا شريك مع الله ، أليس في جهنم مثوى للكافرين ، والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ{67} وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ{68} وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ{69








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يُصدر أوامرَ إجلاءٍ من رفح ويقصف شمال القطا


.. قصف متبادل بين مليشيات موالية لإيران وقوات سوريا الديمقراطية




.. إسرائيل و-حزب الله- يستعدان للحرب| #الظهيرة


.. فلسطين وعضوية أممية كاملة!.. ماذا يعني ذلك؟| #الظهيرة




.. بعد الهجوم الروسي.. المئات يفرّون من القتال في منطقة خاركيف|