الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا تركت العراق؟ الحلقة الثانية

عزيز الخزرجي

2024 / 1 / 31
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في الحقيقة تركت كل الدول العربية و الأسلامية لا العراق فقط لأنها المنفى .. لأنها غياب الوطن, لأنها غياب الكرامة, لأنها مرتع للنهب و السلب و تعميق الفوارق الطبقية بعناوين مختلفة كخدمة الوطن و الناس ووووو و أنها هي المنفى !

و المنفى هو غياب الوطن، و هذا لا يعني إن هذا الغياب مشروط بحدود المكان و الجغرافيا، فقد يكون الغياب داخل جغرافيا الوطن نفسه خصوصاً في بلادنا، و المفارقة تكمن هنا، وهي أن العقائد التي تهيمن على واقعنا و تاريخنا، لا تجد وطنا في قاموسها، هناك دِين قوميّة أو اشتراكية او بعثية علمانية أو ما شابه، أيّ أنها تناضل لتحقيق و بناء فكرة، و ليس وطن!

الوطن ربما هو مفهوم حديث، لكنه ليس فكرة فقط؛ إنه بحاجة لجغرافيا لكي يتحقق فيها إلى جانب مواطنين يعرفون حقّ المواطنة, و كذلك نظام يؤمن بـ (الحقوق الطبيعية للجميع) على الأقل, و أولى تلك الحقوق هي الأمن و الحرية و العيش الكريم.

ولو القينا نظرة على خطاب معظم حركاتنا الفكرية و السياسية التي تعتمد أساساً فلسفياً لوجدناها عابرة للجغرافيا، بل (الفلسفة الكونية العزيزية) عابرة للواقع و الجغرافيا باتجاه السماء السابعة!

إنّ الطغيان الحزبي و العشائري و الدّيني والسياسي و التحاصصي في حياتنا ألعراقية وىالعربية و الإسلامية و حتى الغربية, قد دمر معايير المواطنيّة و الحرية و العلاقة مع الآخر، و التي كانت أصلا هشّة و في طور النمو، و الغريب أن هذا التدمير جرى و يجري متوازياً مع تغير مضمون فكرة الوطن نفسها عالمياً، فلم يعد الوطن حيث الولادة و العائلة .. بل حيث الحرية و العمل.

أصبح المنفى مكاناً يبعث الطمأنينة و يتيح فرصاً لا نهائية لممارسة ما نشاء بحرية و إبداعيّة في كثير من الجوانب لا كلها.

خلاصة الكالم : المشكلة تكمن في العقل العراقيّ و العربيّ و الأسلاميّ الذي يؤكد على أصالة الفرد بشكل لا محدود دون النظر إلى إصالة المجتمع, و حلّ هذه الجدلية أيهما أولى؛ إصالة الفرد أم المجتمع ما زالت غامضة بسبب التفسيرات المتباينة بين الأنظمة في العالم .. على الأكثر بين الأنظمة العلمانية الرأسمالية و النظام الإسلامي الذي لم يحكم الأرض سوى فترة محدودة جداً و غاب و لم يعد بعد بسبب إنتشار الجهل بشكل مرعب بين أحزابنا بكل عناوينها و بين الناس نتيجة لثلاثة أسباب هي :
ألأولى : التربية و التعليم بكل مراحلها حتى بعد الجامعية.
ألثانية : الدّين السائد الذي يسعى لحفظ نفسه دون المتدين.
الثالثة : ألأعلام المؤدلج و المتجه لحفظ الحاكم و الحزب لا لنشر الحقيقة التي هي الأخرى مجهولة لديها, أو عدم وضوحها .
الرابعة : محاربة المفكريين الحقيقيين و الفلاسفة, لأنهم منبع التنوير و بيان الحقائق لمعرفتهم بإسرار الوجود و الهدف من الخلق, لذلك يتمّ خنقهم و محاصرتهم مع عوائلهم حتى على لقمة العيش و عدم دعمهم و فسح المجال أمامهم لبيان الحقيقة للعالم و إيصالها للناس الذي سينتفضون حتماً ضد مصالح الحكومات و الأحزاب الحاكمة و المتحاصصة للتسلط و سرقة أموال الناس, لهذا لا أمان ولا حرية و لا إختيار سوى الفساد و العنف و الفوارق الطبقية ..

نحن شعوباً محتلة دينياً ؛ و محتلة عسكرياً ؛ و محتلة سياسياً ؛ و محتلة عقائدياً ؛ و محتلة مذهبياً ؛ و محتلة حزبياً ؛ ولا مفرّ من التحرر منها إلا بإطاعة القانون الذي وضعوه و حددوه لتحقيق مصالحهم بآلدرجة الأولى ولا وجود فيها - في تلك القوانين - لشيئ إسمه المساواة و العدالة و الحرية و ألأختيار ولا الحقوق حتى الطبيعية منها - إلا بإرادة المحتليين الذين أشرنا لهم!!؟؟


المفكر الحقيقي وجوده يغيض المحتليين بجميع أتجاهاتهم .. لذلك لو أردت إغاضة محتل متعصب منهم؟ إدعوه للنقاش و بيان موضوع معرفي أو سبب صلاته و هدف معتقده أو إي سؤآل من هذا القبيل و التي أوردنا (أربعون سؤآلا) منها في موضوع مشهور .. مثل هذه العقول التي لا تتحمل حتى مجرد سؤآل لأنقاذه من الوحل الذي غطس فيه بإرادته لا يمكنه أن يقود حتى عائلة سليمة ولا حتى نفسه .. بل سيكون مدمراً للمحيط الذي يحكمه بكل وسيلة و طريق!؟
لأنه لا يؤمن بقيم العدالة الكونية, و الوطن عنده بقعة أرض إحتلها بآلجهاد أو الحصص أو المذهب أو السياسة, بينما هو (الوطن) أساساً مفهوم علماني بالضرورة، و هو أخطر على الدين وايّ عقيدة من الإلحاد والعلمانية نفسها.

والمفارقة لا تنتهي هنا فقط .. كل مؤمن بتلك الأفكار الضيقة يعيش المنفى مضاعفا .. يعيش منفيين كبيرين المنفى ؛ المنفى الداخلي لغرابة الأفكار التي يحملها و التي لا تناسب طبيعة ليس الأنسان فقط .. بل و حتى البشر و المنفى الخارجي لعدم قبوله للآخر ضمن حدود الوطن و الأنسانية و العدالة.

و المحنة و القضية المتشكلة ؛ إنما هو في الداخل. و لم يؤثّر في منفاي أو بتغيير الأمكنة. وبما أنّ المنفى ليس مسألة جغرافيّة، و إنما هو مسألة ثقافية - فكرية؛ فإنّ العلاج، إذاً لا يأتي من خارج، بل من الداخل. والسؤال هو نفسه: ماذا أفعل داخل ثقافةٍ أشعر بأنني منفيّ فيها ومنها؟

إذاً نحن بحاجة إلى تغيير أنفسنا (دواخلنا) و (أفكارنا) تجاه الخلق و الخالق و الطبيعة .. و من هنا تنطلق الحقيقة المشوهة - المظلومة بسبب الطغاة و الساسة المغرضين في الأحزاب و الحكومات التي تتشكل هنا و هناك لتعبيد البشر و تسخيرهم كقطعان من البقر و الحمير .. أفضلهم لا يعرف إلى أين يسير و لماذا وجد أساساً في هذا الوجود, و من هو و من ربه و هل للوجود بداية و نهاية ووووو!

ألتعصب الحزبي و المذهبي و العلماني و الإشتراكي و الحزبي بكل ألوانه هو الذي يمنع الإنسان من التطلع حوله حيث يعيش و يمارس نشاطه ضمن أطر محدودة و مجردة من القيم الكونية، التي يعتبرها لا حاجة لها لأن الأنسان عدو ما جهل، و لأن وظيفة المؤمن، أن يكون عبداً صالحاً و ليس إنساناً صالحاً، وليس من واجبات العبد الكشف عن حقائق جديدة، إنما شرح الحقائق التي أُوحِيت الى خاتم الأنبياء، وبُلّغت في رسالة سماوية هي خاتمة النبوّات. الادعاء بوجود حقائق أخرى، كفر بواح وباطل شرعا وحكماً.

من هذا المنطلق الخطير ؛ تعددت المصائب في بلادنا و العالم للأسف الشديد!!!

أي أننا لا نحتاج التأمل في المستقبل حتى لو اكتشف الإنسان علوما ومعارف جديدة، نحتاج فقط مراجعة الماضي .. الذي قال كل شيء على لسان الوحي.

لا توجد ثقافة ولا علوم عدا علوم الدّين و المذهب بشكل خاص!!
أما العقل فيكتفي بالنقل وإبراز الكامن في النصوص، والمبالغة في إطرائها وتحسين طرق نشرها وترسيخها في النفوس والعقول، العقل قاصر ومحدود وعليه أن يكتفي بدور الخادم.

المستقبل طريق لن يؤدي بنا إلى الكمال، يجب التوجه نحو الماضي حيث لحظة الوحي ففيه مستقبلنا و آخرتنا و مصيرنا!!؟

و بآلنتيجة مع هذا الجهل العميق .. لا يبقى أمام المفكر و الفيلسوف سوى التغرب للحفاظ على حياته على الأقل من كيد المنغلقين الحزبيين و المتعصبين الذين يتم تغذيتهم من قبل المستغليين للدين ليأكلوا به الدّنيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس: ما مبرّرات تكوين ائتلاف لمناهضة التعذيب؟


.. ليبيا: ما سبب إجلاء 119 طالب لجوء إلى إيطاليا؟ • فرانس 24




.. بريطانيا: ما حقيقة احتمال ترحيل مهاجرين جزائريين إلى رواندا؟


.. تونس: ما سبب توقيف شريفة الرياحي رئيسة جمعية -تونس أرض اللجو




.. هل استخدمت الشرطة الرصاص المطاطي لفض اعتصامات الطلاب الداعمة