الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأميم العقل

صليبا جبرا طويل

2024 / 2 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تأميم العقل لا يخضع لنواميس إلهية ولا لقوانين طبيعية بل لسلطة منتفع. في غياب المفكرين النهضوين يسلب العقل مِن مَن لا يقدره الى مَن يستعبده.

أفتتح مقالي بسرد اسطوري كي ابين أهمية العقل والفكر الحر في التداول على إتخاذ قرار منطقي مفيد للإنسان – للمواطن – بالإجماع من قبل أصحاب سلطة بعيدا عن الفرض والإجبار والتفرد في معالجة الشؤون العامة والخاصة... اجتمعت الألهة الإغريقية يوماً بقيادة زيوس ( رب الألهة والبشر) للتباحث حول إطلاق اسم أحدها على المدينة المعروفة اليوم باسم أثينا. رسى الاختيار على بوسيدون ( إله البحار والمياه) وعلى أثينا – منيرفا - (آلهة العقل والحكمة)، كان الشرط على أن يأتي الإله الفائز بشيء فيه أكثر فائدة للإنسان، فضرب بوسييدون برمحه ذي الشعب الثلاث بالأرض فولد على الفور حصان جميل أبهر الجميع، أما أثينا فضربت بعصاها الأرض فنبت على الفور شجرة زيتون، ففازت بذلك أثينا على بوسييدون وسميت مدينة أثينا باسمها.
العبرة التي نستنتجها من هذه الأسطورة ما زالت حية باقية الى يومنا هذا وهي "أن العقل هو سيد الموقف بلا منازع" قديما وحديثاً اليوم وغداً . للمؤمن بالله أقول زرع الله - ولغير المؤمن أيضا - العقل فينا كى نستعمله لمعرفة الكون سننه وقوانيه وإدارة شؤونه وبناءه وارتياده بكل ما نطور فيه من معارف دون قيود أو حدود.
من يوئمم العقل لا يسعى الى بناء جسور بين الماضي والحاضر بل هدم كل المحاولات التي تحقق هذا البناء. إنجازات الماضي كانت لزمانها تقدم رائع مميز تليق به لكنها في زمننا الحاضر تحتاج الى إعادة نظر وصياغة جديدة تليق بعصرنا التقني.
العالم الثالث فيه وطني العربي الكبير الذي أعشق كل ذرة من ترابه ونسيم هواءه وارتوى من ماءه أقول لقد طال الانتظار في محطة الزمن العاجز عن التغيير وبات القهر والصمت والذل والفقر والجهل والتخلف والغربة متحكمة فينا، برغم كل هذه الالآم التي تعصف ما زلنا صامدون . لكني حائر أنا كملايين غيري أتسائل في كل لحظة متى ستعتق بناتك/ وابنائك من قبضة كل وصى وظالم وحاكم يؤمم عقولهم ويعتقل أفكارهم ويستعبدهم ؟
السؤال المحير الذي يحتاج الى فهم وايضاح هل الزعماء اختارهم الله ؟ ألإجابة بنعم، تعني ان الله (جل جلاله) قد إختارهم وعينهم ونصبهم واعطاهم الرئاسات وإدارة شؤون الناس في كل مفاصل حياتهم. وإن كان لا، فذلك يعني أن الشعب قد إختارهم. انا لا اتدخل في إختيار الله ( جل جلاله) ولكن في من إختاره الشعب. فمن إختاره الشعب بحرية نابعة عن تفكير عقلي حر سليم هو منهم ولهم يحافظ على حريتهم وكرامتهم ويدير شؤونهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بالقانون ويحرسهم بعنايته، ولا يتستر بدين ولا يحتمي به فذاك عار وخروج عن فهمنا للقصد الإلهي من خلقه للإنسان كي يكون حراً وصاحب إرادة حرة مستقلة.
الله لا يوزع العقول كما يظن ويروج له بعض من متعهدين ومقاولين وعمال مهرة من كافة الملل والطوائف وأصحاب الأيديولوجيات والفلسفات والأفكار الخ... لكنه ترك لنا حرية ملؤها بما ويناسب ميولنا وتطلعاتنا واهدافنا البناءة الشريفة في الحياة. من يركز على توزيعها يشكل خطراً جسيما على البشرية لأنه على استعداد ومتحفز الى ملئها بالقوة وإلغاء حرية الفرد في التفكير وقبول أي راي يخالف توجهاته، لأن كل ما يخالفه مدنس ، وما تحجب القدسية عنه وجب محاربته وهدمه.
العقل الذي نملك - الذي بناه الله – كيف يجرؤ أن يؤممه مؤمن أو ملحد أو لا ديني لإن محور وظيفة الدماغ تنبع من بعث روح الاندهاش فينا والشك والتحليل للوصول الى اليقين والصواب في الحياة دون تشنج أو تعصب أو إكراه أو إرهاب كي نعمل من أجل خير وسعادة البشرية جمعاء. من لا يدرك هذه الحقيقة – القصد الإلهي - بعمق يتعدى بقصد وإصرار أولاً: على القصد الإلهي ، وثانياً: على حياة البشر وحرياتهم.
من يوئمم العقل يقصد أن يبقى أوهامنا متداخلة ومتراكمة عبر الزمن ومتشنجة أمام كل من يحاول نقضها أو نقدها ونقتص منه بالترهيب ، الاكثار الزيادة والمبالغة تبني احقاد وكراهية......همه ان يطمس الوعي بالماضي حتي لا نفهم حاضرنا إلا بظله ويبقى بذلك مستقبلنا متخلفاً مجهولاً. وبلا حاضر منفتح على العالم وثقافته المتنوعة سنبقى نجر ذيول الجهل والمعرفة ستزداد إتساعاً في كافة مجالات العلم والمعرفة والحياة بيننا وبين الشعوب الأخرى ونبقى مستهلكين للإنتاج الحضاري وبعيدين عن الإنتاج المعرفي تقنياً ومعرفياً وثقافياً.
اليوم في غياب الإجماع وضبابية القرارات في كثير من زوايا الكون ما احوج البشرالى التجمع والتشاور والتحقق – كما طالب كبير الالهة زيوس في مجلس الالهة اليونانية - من فائدة كل عمل وقرار يأخذه مسؤول في كافة مؤسسات الدولة العامة والخاصة. من أجل نهضة العقل وارتقاء الإنسان والمجتمع ، من خلال إخضاعه للتباحث بعد التحليل والحكم على ما فيه من فائدة أو مضرة لتكريم صاحبه أو صرفه. عصر الاساطير مضى وولى منذ زمن بعيد ، لكن العبرة التي نستنتجها من هذه الأسطورة ما زالت حية باقية الى يومنا هذا وهي "أن العقل هو سيد الموقف" قديما وحديثاً اليوم وغداً أيضاً. للمؤمن بالله أقول زرع الله - ولغير المؤمن أيضا - العقل فينا كى نستعمله لمعرفة الكون سننه وقوانيه وإدارة شؤونه.
تأميم العقول ومصادرة حرية الفرد الفكرية التي تحترمها وتكرمها وتؤكدها كل الشرائع الإلهية والوضعية، المحلية والعالمية وتحويلها الى أداة طاعة لخدمة الأحزاب والقوى الحاكمة تستحق التدقيق والبحث عن مصادرها وفي مصادرها واستخدامها لوسائل عقائدية أو أيديولوجية عن طريق المال والجمال والضعط والتملق والترهيب والمناصب والاستمالة بالوعود. كما أن دغدغة العواطف لإستمالة الافراد لا تأتي بمنافع لانها لا تخاطب العقل، تعمل على احتباس الأفكار في عقل المفكر وتجمعها والضغط عليه وبالتالي انفجارها.
من لا يعترف بأهمية وضرورة حرية التفكير يحتقرالعقل ويهندسه كما يريد. في الحياة عقلنا (فكرنا) هو بوصلتنا بالرغم ان المجتمع الذي يعيش فيه الفرد يسعى لبرمجته، من يبرمج العقل ويحتجزه في اطار من صنعه ليحتكره لا ليجعله أداة تقدم معرفي ونهضة علمية لهم أقوال: حذار حذار حذار ... التأميم العقلي لن يردع الإصلاح، لأن إحتباس الأفكار يؤدي الى ضغوط اجتماعية عقائدية وفكريه تقود صاحبها للنضال ضد كل من حجبها ومنعها وكفرها لتؤدي الى خروج عن الإجماع ينتهي بعواقب وخيمة تؤدي الى الضغط على حاملها وانفجارها.
كثيرا ما نتحدث عن الاخلاق والقيم ومحاربة الفساد، بين الحديث والعمل الجاد يختبيء الشيطان أب الشرور في العالم . أن صدق عزيمتنا على العمل يكمن في صدق حسن نوايانا واقوالنا. الخروج من قبضة من يسعى لتأميم عقولنا يحتاج الى حرية لا تستقر إلا بالكلمة الجريئة الشجاعة الصادقة نابعة من إيمان بالتغير من أجل الاجيال القادمة دونها ندخل في نفق العبودية دون وعى دون ان ندرك ما ينتظرنا من مآسي وذل وتخلف وأهوال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حرية العقل اساس الحضارة والتحضر
د. لبيب سلطان ( 2024 / 2 / 3 - 00:34 )
شكرا لكم استاذ صليبا على هذه المقالة واعجبني مصطلح تأميم العقل وحبسه في مقولات مقدسات وهي في عالمنا العربي صفة لليمين واليسار على حد سواء وللاسف..التيار اليميني الاسلاموي واضح بسلفيته حول النص القراني ..واليساري يضاهيه في السلفية النصية والتي اكتسبها منذ نشأته بنصوص ستالينية باعتبارها انها هي الماركسية ..ومنه اغلق على عالمنا العربي بين سلفيتين يمينا ويسارا
ليس غريبا ربط الحضارة الحالية بمفهوم العلمانية وهي في اصلها تحرير العقل من تقديس النص ووقتها منذ 300 عام كان النص دينيا ولكن تحريره من اية نصوص ايديولوجية برزت فيما بعد قومية او ستالينية ..ومنه فالعلمانية الحقيقية هي تحرير العقل من سيطرة النص اي نص( تأميمه وفق تعبيركم ) واطلاق سراحه ليقوم بالبحث والتحليل ، وتقدم العلم والحضارة مدينا لدعوة العلمانية هذه ..اعطاءه الحرية ليستكشف ويبحث في الواقع بمنطق العلم وليس في النصوص والمقولات السلفية (تسمى الدوغماتية) ..ان سيطرة السلفيات اليمينية في عالمنا العربي اليوم تعود لسلفية يسارنا الذي استعدى حضارة الغرب وفق مقولات ستالينية ومنه انعزلنا عن العالم وحضارته ووقعنا ضحية السلفيتين
شكرا لكم

اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah