الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنتخابات مجالس المحافظات وأزمة أحزاب المعارضة في العراق

فراس ناجي
باحث و ناشط مدني

(Firas Naji)

2024 / 2 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


في ظل الفوز اللافت للقوى الضامنة لنظام المحاصصة الطائفية في الانتخابات الأخيرة لمجالس المحافظات في العراق، هناك عزوف كبير عن التصويت للمعارضة العراقية وخاصة للأحزاب المدنية والناشئة، فما هي عواقب هذا العزوف على المشهد السياسي العراقي خاصة مع التطورات الاقليمية المتصاعدة والمتسارعة؟

لقد كشفت الانتخابات الفشل الكبير للقوى الساعية للتغيير السياسي في استقطاب أصوات الجماهير، فقد حصلت مجموع هذه القوى – 12 تحالف من ضمنهم تحالفات قيم، القوى المدنية، الفاو زاخو، اشراقة كانون، الرئاسة، الأساس، والجيل الجديد – على 10% فقط من مجموع الأصوات المشاركة في الانتخابات. كما كانت هناك شبه مقاطعة جماهيرية نحو الأحزاب السياسية في تحالفات القوى المعارضة هذه، ففي حين فاز 6 مرشحين من المستقلين في تحالف قيم المدني بمقاعد في مجالس المحافظات الجديدة، فشل 69 مرشح من أهم أربعة أحزاب في هذا التحالف (الشيوعي العراقي والتيار الاجتماعي الديمقراطي والبيت الوطني ونازل آخذ حقي) في الفوز بأي مقعد، وحصلوا بمجموعهم على ما يقارب 30 ألف صوت في 15 محافظة، أو اقل من 0,5% من مجموع الأصوات المشاركة في الانتخابات وهو مستوى هزيل جداً وغير مؤثر على الاطلاق.

في المقابل حققت القوى السياسية الطائفية الحاكمة أو الراعية للنظام السياسي منذ 2003 (شيعية أو سنية أو كردية) نجاحاً كبيراً في معظم المحافظات. فحصلوا على 97% من الأصوات في الانبار وصلاح الدين، 87% و85% من الأصوات في ديالى وميسان، و83% من الأصوات في بغداد، بالإضافة الى نسب عالية فوق 70% في كركوك والمثنى ونينوى والنجف. لقد انعكس الأداء الضعيف لقوى التغيير على المستوى الوطني في المحافظات التي قادت الحراك الشبابي في 2019 ما أدّى الى فقدانها الأرجحية في ميزان القوة الانتخابي التي كسبتها في انتخابات 2021. ففي محافظة ذي قار انخفض عدد المصوتين لقوى التغيير من 210 ألف في 2021 الى 77 ألف، بينما ارتفع عدد المصوتين لقوى الإطار التنسيقي فيها من 81 ألف في 2021 الى 171 ألف في الانتخابات الاخيرة.

لكن لابد أيضاً من قراءة نتائج هذه الانتخابات ضمن سياق أوسع وهو ازدياد المقاطعة الجماهيرية للعملية السياسية برمتها. لقد أدّى الجدل حول مدى شرعية الطبقة الحاكمة مع تناقص نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات الى عدم توافر الأرقام الرسمية الدقيقة حول عدد الذين يحق لهم التصويت والذي يتراوح حسب المصادر الغير رسمية من 22 – 28 مليون ناخب، وعليه تكون نسبة المقاطعة تتراوح بين 72% و78% على اعتبار ان المجموع الكلي للأصوات الصحيحة المشاركة في الانتخابات الأخيرة هو 6 ملايين و252 ألف صوت حسب المصادر الرسمية. لكن هناك مليون و775 ألف ناخب في انتخابات 2021 قد قاطع الانتخابات الأخيرة أو ما يمثّل 22% من عدد المشاركين حينها، إذا أخذنا في الاعتبار إن مجموع المصوتين في 15 محافظة حينها كان 8 ملايين و27 ألف شخص (وفق النتائج النهائية حسب الدوائر الانتخابية). لقد تركزت هذه المقاطعة في المحافظات الوسطى والجنوبية (ماعدا المثنى)، فسجلت بغداد وميسان وذي قار نسبة المقاطعة 48%-41% مقارنة بعدد الأصوات في انتخابات 2021، والنجف 36%، وواسط وبابل وكربلاء والقادسية 29%-26%، فيما كانت أقل نسبة للمقاطعة في البصرة 13%. في المقابل سجلت كركوك أعلى نسبة للزيادة في المشاركين في الانتخابات نسبة الى انتخابات 2021 (28%)، بينما لم يكن هناك تغير كبير في نسبة المشاركة في بقية المحافظات.

ان تصاعد حركات الاحتجاج منذ 2015 مع تفاقم معضلة مقاطعة الانتخابات تؤدي الى تزايد الاغتراب السياسي للجماهير الذي يعبر عن التشكيك بنزاهة الانتخابات وقدرتها على تغيير الطبقة السياسية، وبالتالي عن اليأس من قدرة العملية السياسية الحالية على معالجة الأزمات المتفاقمة التي يعاني منها معظم العراقيين، أو يمكن أن يؤدي ذلك الى التغيير السياسي غير الدستوري بما يتضمنه من تحديات عالية المخاطر على الوضع العراقي. إلا ان الخطوة الأهم في معالجة هذه المعضلة الخطيرة هي في الاعتراف بواقع افتقار قوى المعارضة وخاصة أحزابها السياسية الى الجماهير المساندة التي يمكن أن تعول عليها في عملية التغيير من خلال الانتخابات، وإن السبب الرئيسي للوصول لهذا الحال هو عدم تشكيل رؤية نقدية تهدف الى تصحيح القصور الكبير في تجربة الحكم بعد 2003 يمكن أن يقتنع بها الناخب العراقي المشكك أصلاً بصلاحية هذه التجربة. بل على العكس من ذلك، اتكلت هذه المعارضة على إقناع الناخب العراقي بأن التغيير المطلوب هو وصولهم إلى الحكم بدون برنامج أو رؤية للتغيير يمكن أن تكون مقنعة للناخبين.

وانطلاقاً من واقع أفول دور الأحزاب في الحياة السياسية محلياً وعالمياً، مع نفور ناشطي الحركات الاحتجاجية في تشرين 2019 من فكرة تشكيل الأحزاب السياسية – على اعتبار إن سياسيي الأحزاب هم عرضة للفساد ولاستغلال مناصبهم عند وصولهم للسلطة – لابد أن نعيد النظر بالدور التقليدي للأحزاب في المشهد السياسي العراقي إذا كنا جديين في السعي الى التغيير السياسي بدلا من السباحة عكس التيار وطرح حلول غير واقعية.

هنا يمكن طرح أنموذج الحركة السياسية كنمط جديد للعمل السياسي يمكن أن يتكامل مع النمط التقليدي للحزب السياسي من جهة، ويعالج محدداته وقصوره من جهة أخرى. فالهيكلية الهرمية للحزب السياسي وانضباطه التنظيمي وارتباطه بأيديولوجيا معينة توجه سياساته والتفاعل المجتمعي المحدود في تشكيل برنامجه وخطابه السياسي، كل هذه تعمل على تقييد تفاعل الحزب السياسي مع الواقع الشبكي والمشكك بالأحزاب، مع صعوبة بناء الثقة بين الحزب والجمهور المساند خاصة في ظل كثرة حالات الانشقاق للنواب المعارضين ومن ثم التحاقهم بالطبقة الحاكمة.

في المقابل، يمكن للحركة الوطنية العراقية للتغيير أن توفر هيكلية أفقية شبكية تستطيع أن تستوعب الأحزاب السياسية والسياسيين المستقلين بالإضافة الى مجاميع اجتماعية من مختلف الفئات والطبقات تتضمن أيضاً النشطاء المجتمعيين والمثقفين والفنانين والمهتمين بالشأن العام ومنظمات المجتمع المدني التي تعمل بشكل مشترك لاستبدال نظام المحاصصة الطائفية الحالي بآخر وطني يمثل قيم ومبادئ جمهور الحركة الوطنية. إن هذه الحركة المجتمعية الواسعة هي غير أيديولوجية بمعنى إنه لا توجد أفكار سياسية أو معتقدات بنسق معين وتعريفات يتم تبنيها مسبقاً، بل هي تسعى لإيجاد مسارات أو رؤى تقدم حلولاً واقعية وتفاعلية للمشكلات والمعضلات المسببة للأزمات في العراق من خلال ورش أفكار ولقاءات ومؤتمرات تكون منفتحة على جماهير واسعة. فتكون القيادة لهذه الحركة الوطنية هي حالة الاجماع ضمن جمهور الحركة لرؤية التغيير السياسي، بينما تعمل القوى السياسية ضمن هذه الحركة لتطوير برامج عملية لتحقيق هذه الرؤية. وبهذا لا يوجد تحالف سياسي يمكن أن يحتكر تمثيل هذه الحركة الوطنية، بل يكون المجال مفتوحاً للجماهير أن تختار ممثليها السياسيين الذين تتوفر فيهم الثقة مع القدرة على تنفيذ البرنامج المطروح لتحقيق الرؤية السياسية للتغيير. وعلى خلاف الحزب أو التحالف السياسي الذي يعمل على تمكين نفسه أو أفراده من خلال العملية السياسية، تعمل هذه الحركة الوطنية على تمكين المجتمع العراقي بأجمعه من خلال الرؤية التي تتبناها للتغيير السياسي. إن هذه الآلية يمكن أن توفر إطاراً سياسياً أكثر تجاوباً مع الجماهير وروح العصر وأكثر فاعلية في بناء معارضة فاعلة ذات قاعدة جماهيرية واسعة يمكن أن تحقق تغييراً سياسياً جذرياً كالذي يحتاجه العراق للخروج من أزماته المتفاقمة.

إن الرؤية السياسية للتغيير لابد أن تتناول المحركات الرئيسية للأزمة البنيوية التي يمر بها النظام السياسي العراقي منذ تأسيسه في 2003 والتي يتصدرها الضعف المزمن للسلطة التنفيذية الذي نتج كرد فعل من قوى المعارضة حينها ضد بطش السلطة المركزية لنظام صدام حسين، ما أدى الى تغوّل سلطة البرلمان – ومن خلاله سلطة الأحزاب السياسية - على السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية للدولة العراقية. وما زاد من ضعف الحكومة والجهاز التنفيذي للدولة هو انقسام البرلمان الى أحزاب تتخذ التوافقية والمحاصصة أساساً لتقاسم النفوذ على الحكومة ذات الصلاحيات المشتتة والمقيدة ما يجعل معالجة آفتي الفساد والسلاح المنفلت أقرب الى المستحيل في ظل النظام السياسي الحالي. كذلك يمثل الخلل في الهيكلية السياسية في إقليم كردستان وبقية المحافظات غير المنتظمة في إقليم، وعدم التوازن في العلاقة بينهم وما بين الحكومة المركزية أسباباً مهمة للأزمات المتفاقمة في النظام السياسي الحالي والتي لابد من معالجتها من أجل تعزيز الاستقرار المحلي في المحافظات وإقليم كردستان من جهة والاستقرار الوطني العراقي من جهة أخرى.

ان التصدي لهذه المعضلات وإيجاد استراتيجيات الحلول لها سيعمل على معالجة قضية تعزيز بنية الدولة العراقية وتحقيق أساس قوي للعلاقة السليمة بينها وبين المجتمع العراقي، والتي سيكون لها تأثير مصيري على العراق خاصة عند الأخذ بالاعتبار الطور الانتقالي الحالي للنظام العالمي من الأحادي القطبية الى القطبية المتعددة بكل ما يعنيه ذلك من انحسار للهيمنة الأمريكية على العالم وبروز مناطق نفوذ لأقطاب عالمية جديدة مع تأثير أكبر لتوازن القوة في تشكيل النظام العالمي والمنظومات الإقليمية.

هنا سيكون للمشهد الداخلي العراقي دور حاسم فيما اذا يبقى العراق – كما هو الآن - ساحة من ساحات الصراعات الإقليمية والدولية ينخر فيه الفساد وتُختطف فيه إرادة الدولة من قبل مجموعات مسلحة، فتزداد فيه نسبة الفقر، وتتوسع الفجوة بين الطبقة المُحتكرة للسلطة والثروة وما بين معظم الشعب؛ أو أن تنجح حركة المعارضة الوطنية في تشكيل رؤية واقعية للخروج من عنق الزجاجة الذي يمر العراق فيها منذ 2003، تعمل على تحقيقها القوى السياسية الساعية للتغيير، وبالتالي تفرض على اللاعبين الإقليميين والعالميين عراقاً آخر يكون فيه جسراً للتلاقي المجتمعي والتكامل الاقتصادي والتعاون السياسي-الأمني بين أطراف الشرق الأوسط نحو إعادة تشكيل مشرق عربي-إسلامي يمكن أن يكون قطباً عالمياً يسهم بفاعلية في تأسيس النظام العالمي الجديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا