الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل كان العرب قبل الإسلام في جاهلية ؟!

عبدالله عطوي الطوالبة
كاتب وباحث

2024 / 2 / 5
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


هل كان العرب قبل
الإسلام في جاهلية ؟!

نجيب، من دون مقدمات، على السؤال العنوان بلاء النافية الحاسمة. قبل أن نبسط أدلتنا، نثبت الحقيقة التاريخية بأن لا شئ يبدأ من فراغ. فكل تحول تاريخي في الواقع مرتبط بما سبقه، على صُعُد التأثر والتأثير والجدل والأخذ والتغيير والتبديل. هذا يعني باختصار، استحالة القطيعة التاريخية، والإسلام ليس استثناءً. فقد أخذ الإسلام الكثير من المراحل الموسومة ب"الجاهلية" في أركانه، وظل معظم هذا الكثير كما هو مع بعض التشذيب هنا وهناك. الحج على سبيل المثال، كان متبعًا عند العرب قبل الإسلام، بالشعائر ذاتها تقريبًا، ولم يُضِف الاسلام إليها الكثير. حتى التلبية، أخذها الاسلام من "تلبيات" القبائل العربية قبل الدعوة المحمدية، وجعلها واحدة بعد أن كانت لكل قبيلة تلبيتها. لنستحضر تاليًا ثلاثة من هذه التلبيات، ونترك الحكم للقارئ. تلبية قريش: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، تَملكهُ وما ملك". تلبية بني تميم: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لبيك عن تميم قد تراها أخلفت أثوابها وأثواب من وراءها، وأخلصت لربها دعاءها". وكانت تلبية ثقيف: "لبيك اللهم لبيك، إن ثقيفًا قد أتوك وأخلفوا المال وقد رجوك". وكان العرب يصومون ويصلون، قبل الإسلام. وكان اهم أيام الأسبوع عندهم يوم العروبة، وقد تحول بعد الاسلام إلى الجمعة. ويتطلع كاتب هذه السطور، بقدر ما يتمنى، العودة إلى التسمية التاريخية لهذا اليوم "العروبة".
والآن لنفتح صفحات الشعر العربي في الزمن المدموغ بوصمة "الجاهلية"، حيث كان العربي يقدم معارفه وثقافته شِعرًا، أليس الشعر ديوان العرب، يروي أحوالهم وظروفهم ويسجل معارفهم ومستواهم الثقافي؟
لنترك ديوان العرب يتكلم، لينفي عن العرب وصمة الجاهلية قبل الإسلام وليكسب لاءنا النافية المبدوءة بها سطورنا هذه المشروعية وأقطع الأدلة. على المستوى المعرفي المتعلق بالكون، بمعايير تلك الأزمنة، كانت تصوراتهم تضاهي نظيراتها في الحضارات حولهم. فهذا زيد بن عمرو بن نفيل يحدثنا في شعره عن التصور الكوني آنذاك:
دحاها فلما رآها استوت........على الماء أرسى عليها الجبالا.
فقد كانت لديهم إحاطة كاملة بتصورات الحضارات حولهم بالإضافة إلى معارفهم الخاصة بهذا الخصوص. فالأرض مُدحَّاة، والسماء سقف محفوظ تزينه مصابيح، أي النجوم. وهناك كواكب سيَّارة أسموها "الخُنَّس والجواري الكُنَّس". وفي شعر أُمية بن عبدالله الثقفي نجد تصورًا للسماء بلا عمد، كما دَرَجَ على ذلك العالم القديم، وأنها سبع طبقات، وفيها الشُّهُب المتلألئة:
بناها وابتنى سبعًا شدادًا.......بلا عَمَدٍ يُرَيْن ولا حبال.
وسوَّاها وزيَّنها بنورٍ......من الشمس المضيئة والهلال.
ومن شُهبٍ تلألأ في دجاها......مراميها أشد من النصال.
أما المعارف الدينية، وكانت سمة تلك الأزمنة، فنجد لها مكانة كبيرة في الشعر العربي قبل الإسلام. ولن يجد الباحث الطُّلعة النابه صعوبة في التأكد من أن تلك المعارف منحولة من العقائد القديمة في بلاد الرافدين ومصر وبلاد الشام، ووردت تفاصيلها مجملة في التوراة. في السياق، يقدم الشاعر أمية بن أبي الصلت حوارًا شعريًّا بين موسى وشقيقه هارون من جهة، وفرعون من جهة ثانية، يقول فيه:
وأنت الذي من فضل مَنٍّ ورحمة.......بعثت إلى موسى رسولا مناديًا.
فقلت له: اذهب وهارون فادعوا........إلى الله فرعون الذي كان طاغيًا.
وقولا له: أأنت سويت هذه........بلا وتدٍ حتى اطمأنت كما هي.
وقولا له: أأنت رفعت هذه.......بلا عمدٍ، أرفق بك إذن بانيًا.
وبخصوص البعث والنشور والحساب، بعد الموت، نقرأ في شعر قس بن ساعدة الإيادي:
يا ناعي الموت والأموات في جَدَثٍ......عليهم من بقايا برعم خَرِقُ.
دعهم فإن لهم يومًا يُصاح بهم.......فهم إذا انتبهوا من نومهم فرِقوا.
حتى يعود الحال غير حالهم.......خلقًا جديدًا كما من قبله خُلِقوا.
فيهم عُراة ومنهم في ثيابهم.......منها الجديد ومنها المبهج الخَلَقُ.
الأمر ذاته، يتناوله زيد بن نفيل في شعره، إذ يقول:
ترى الأبرار دارُهُم جنان.....وللكفار حامية سعيرُ.
وخزيٌ في الحياة وإن يموتوا....يلاقوا ما تضيق به الصدور.
ويقول الشاعر علاَّف بن شهاب التميمي:
وعلمت أن الله يجزي عبده.......يوم الحساب بأحسن الأعمال.
أما نثرهم، فيبهر القارئ برفعة الذوق ورهافة الحس وسلاسة الأسلوب والجرس الموسيقي. يصور قس بن ساعدة الإيادي معارف عصره المتعلقة بالكون، في نثرٍ مسجوع، فيقول:
"ليلٌ داجٍ، ونهار ساج، وسماءٌ ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، وأرض مدحاة، وأنهار مجراة، إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعِبَرَا".
من جهته، يقدم ربيعة بن ربيعة سجعًا دينيًّا يصف فيه يوم البعث والنشور، بقوله:
" يومٌ يُجمع فيه الأولون والآخرون، يَسعد فيه المحسنون، ويشقى فيه المسيؤون". وفي سجع آخر يُقسم القائل ذاته، أنه صادق فيما يقول:"والشفق والغسق، والفلق إذا اتسق، إن ما انبأتك به لَحَقّْ".
وأنت عزيزنا القارئ، أما زلت تعتقد بأن العرب كانوا قبل الإسلام في جاهلية؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - دليل الآيات
طاهر مرزوق ( 2024 / 2 / 7 - 20:00 )
الأستاذ/ عبدالله عطوى
تحية وسلام,
مقال جيد تحدث عن بعض الأمثلة من الجاهلية وهى حقائق يعرفها البعض ، لكن ما ينقص المقال أنه لم يأخذ فى أعتباره أن غالبية القراء وإن كانوا مسلمين، إلا أنهم لا يتذكرون الآيات أو النصوص المشابهة لتلك النصوص الشعرية والتى يكفى أن تاتى بالأبيات الشعربة وما يقابلها من النصوص الإسلامية حتى يتأكد القارئ أو يرفضها، لكنه حسب المنطق للقارئ حق مقارنة النصوص ببعضها البعض سواء كانت جاهلية او إسلامية حتى يخرج فى نهاية المقال بصواب الحكم أو نتيجة المقارنة حسب معارف القارئ نفسه، وخاصة أن القارئ العربى متخلف فكرياً عن العالم الذى يعيش فيه إلى جانب أن الفقهاء أضافوا العصبية الدينية لهم حتى لا يقبلوا بكلام الآخرين إلا ما ورد فى نصوص القرآن كتاب الإسلام.
شكراً لك

اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -