الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى متى السكوت على هذا الإختراق الثقافي؟!

عبدالله عطوي الطوالبة
كاتب وباحث

2024 / 2 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إلى متى السكوت
على هذا الإختراق الثقافي؟!

تُخبرنا التوراة في مقطع تختتم به أسطورة الطوفان المعروفة، أن "نوحًا التوراتي"
هبط من سفينته ومعه أولاده الثلاثة، سام وحام ويافث. وابتدأ نوح، على عهدة التوراة،
"يكون فلاحًا، وغرس كرمة وشرب من الخمر فَسكر وتعرَّى داخل خبائه، فأبصر
حام أبو كنعان عورة أبيه وأخبر أخويه خارجًا. فأخذ سام ويافث الرداء، ووضعاه
على أكتافهما ومشيا إلى الوراء، وسترا عورة أبيهما ووجهاهما إلى الوراء، فلم
يُبصرا عورة أبيهما، فلما استيقظ نوح من خمره علم بما فعله ابنه الصغير، فقال
ملعون كنعان، عبد العبيد يكون لاخوته، وقال: مبارك الرب إله سام، وليكن
كنعان عبدًا لهم"(التكوين 9 :20-26).
هذه الحادثة بالتفاصيل التي أوردناها، تلتقي مع سياسات الكيان الصهيوني اللقيط،
وبشكل خاص لجهة العنصرية، أولًا، واختراع التُّهم وتوجيهها بلا مبرر منطقي، ثانيًا، فقط
من منطلق ثالوث الاستعلاء والابتزاز والعدوانية. اللعنة حطَّت على المسكين كنعان ابن حام، من دون ذنب قارفه
أو فعل مشين ارتكبه. ب"قرار سماوي"، يتقرر مصير كنعان بأن يكون عبدًا لذرية سام،
أي العبريين، مع أنه لم يرَ عورة جده، ولم تذكر التوراة أنه شاهد سكره وأبصر تعريه.
لكن المصيبة ليست هنا فحسب، بل بتسرب هذه الرواية التوراتية واستقرارها في تراثنا بثقة، منذ
مئات السنين، ولم يجرؤ أحد من مفكرينا السابقين واللاحقين وكذلك المعاصرين
على أن يفتح فاه بكلمة بخصوص هذا الاختراق الثقافي الرهيب. هنا نستحضر
القولة التاريخية الشهيرة لابن خلدون:"لا يأتيهم -يقصد العرب- المُلك إلا بصبغة دينية"، بمعنى أن
العرب يدينون لأي سلطة تصطبغ بالدين، ويتطامنون لأي رياسة تختلط بالشريعة، وتتوفر فيهم قابلية
الخضوع للأحكام المقدسة حتى لو كانت "اسرائيليات" مصدرها التوراة. وتتكرس إشكالية النقل عن الإسرائيليات
بأحاديث نجد مثالها الأبرز في صحيح البخاري:"بلغوا عني ولو بآية، وحدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج".
إذا بحثنا في كتبنا التراثية، فلن نجد واحدًا منها يخلو من أصداء القصة التوراتية الملغومة المومأ إليها فوق،
مع مجاملات وحتى ملاطفات لبني اسرائيل، وإعلاء شأن سام ابن نوح التوراتي على شقيقه حام. تريدون
أدلة واثباتات، فليكن. هذا هو النيسابوري الثعلبي ينهال على حام بالتشويه ولا يخفي غضبه
عليه، فيقول راويًا عن قتادة منسوبًا إلى النبي: فأصاب حامٌ امرأته في السفينة، فدعا نوحٌ ربه، قال: فتغيرت
نطفته فجاء بالسودان...ودعا نوح على حام أن لا يعدو شعر ولده آذانهم، وحيثما كان ولده يكونوا عبيدًا لولد
سام. ولما حضرته الوفاة (نوح)، أوصى إلى ابنه سام وجعله ولي عهده"(الثعلبي النيسابوري: عرائس المجالس،
المكتبة الثقافية، بيروت، ص75). عندما طالعنا هذا الكلام للمرة الأولى، كان أول ما خطر في البال مشاهدتنا بالصدفة
فيديو بالصوت والصورة لتلاميذ في الكيان اللقيط زار مدرستهم "وفد تربوي"، فسأل أحد أعضائه:
ما رأيكم بالعرب؟! فأجاب التلاميد بصوت واحد: عبيد لنا !!!
أما زعيم كتاب السِّيَر، ابن كثير، وهو من فلسطين بالمناسبة، فيكرر رواية الثعلبي مضيفًا
إليها ما لم تقله التوراة ذاتها، إمعانًا منه في تشويه حام بن نوح التوراتي. يقول ابن كثير:"إن
حامًا واقع امرأته في السفينة، فدعا نوح عليه السلام أن تُشوه خلقة نطفته، فولد له ولد أسود
هو كنعان...وقيل، بل رأى أباه نائمًا وقد بدت عورته، فلم يسترها وسترها أخواه، فلهذا دعا
عليه أن تغير نطفته وأن يكون أولاده عبيدًا لاخوته"(ابن كثير: البداية والنهاية، دار الكتب العلمية،
لبنان، ط4، 1988م، ج1، ص 105). بالطبع، التركيز على سواد البشرة، ينم عن عقلية عنصرية
تمايز بين البشر على أساس اللون، حيث الأسود أدنى من الأبيض بمنظورها.
ونقف مشدوهين أمام كَرَمِ نعمة الله الجزائري في الإعلاء من شأن سام، إذ يقول في قصص الأنبياء:
"عن أبي عبدالله أن جبريل أتى فقال له: يا نوح إنه قد انقضت نبوتك واستكملت أيامك، فانظر الاسم
الأكبر وميراث العلم، فادفعها إلى ابنك سام...فدفع عليه السلام آثار النبوة إلى ابنه سام، فأما حام ويافث
فلم يكن عندهما علم"(نعمة الله الجزائري: النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين، منشورات مؤسسة
الأعلمي، بيروت 1978م، ص80-81).
تأسيسًا على ما تقدم، نحن على ثقة أن ما بسطنا في سطورنا غيض من فيض تمددهم في رؤوسنا من بوابة المقدس،
الذي ما يزال يحتل مركز الدائرة في ثقافتنا. ولا أظننا نجازف بالقول: لولا هذا التمدد، ما كان بمقدورهم
احتلال أراضينا.
وأنت عزيزنا القارئ، ما رأيك؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محل نقاش | دعوات التنوير الفكرية.. تحديث أم تحريف؟


.. شرطة الاحتلال تعتدي على فلسطينيين وتمنعهم من الصلاة في المسج




.. سعيد شيمي: الإخوان وراء حريق القاهرة ووعي السياسي كان عال لأ


.. الكاتب والباحث حسن المصطفى يكشف سبب ظهور ما يسمى المرجعية ال




.. ما تاريخ المرجعيات الشيعية في دول الخليج العربي، وكيف هي علا