الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دراسه نقديه لقصه قارون وسحره الفرعون فى القرآن

اسامه شوقي البيومي
(Osama Shawky E. Bayoumy)

2024 / 2 / 14
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


فى هذه المقاله نقدم دراسه نقديه ,من خلال تطبيق نظام قياسى ذو تغذيه عكسيه منطقيه-مبهمه , لقصه قارون وسحره الفرعون مع موسى كما وردت فى القران. بحيث نصل بالقارئ الى رؤيه منطقيه حديثه يحتملها النص القرانى المقدس ولا تتعارض بطريقه مباشره لازمه مع القراءه التمجيديه لمعجزات النبى موسى...
وتختلف قصه موسى وفرعون كما وردت فى القرآن الكريم عن غيره من الكتب الدينيه الأخرى بورود قصه لشخص يدعى قارون بها.. وكما هو معروف فى التراث الأسلامى فأن قارون كان من بنى اسرائيل وانتقل من الفقر المدقع الى الغنى الفاحش نتيجه الأستغلال البشع لبنى جلدته البؤساء..الى هنا وقارون لا يمثل خطوره أكثر من شخص أنتهازى متسلق يريد الثراء والمال بغض النظر عن الوسيله والمصدر... وما أكثر مثل هؤلاء فى كل زمان ومكان..فما هى تلك الخطوره العظمى التى مثلها قارون حتى ينفرد القرآن بقص قصته , بل ويجعله الله سببا فى نكبه بنى اسرائيل قبل الفرعون الفاشى وهامان الجاهل ويذكره قبلهم (وَقَٰرُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَٰمَٰنَ ۖ وَلَقَدْ جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ وَمَا كَانُواْ سَٰبِقِينَ)[العنكبوت:39]....
ومن هذا التسائل النقدى , نحاول تطبيق نظريه تغذيه عكسيه مناسبه على هذا النص المقدس أعتمادا على واقعنا الدولى االمعاش و عصر هيمنه القوى الأمريكيه العظمى على مقدرات ملايين العرب..
ولمثل هذا التطبيق , لابد من ايجاد نقطه أو أكثر للقياس بالمفهوم العلمى تكون صحيحه بقدر الأمكان لدوله عظمى مثل الدوله الفرعونيه ونظيرتها فى عصرنا الحالى امريكا .. وبالطبع مثل هذا القياس ليس مسلما به فى حالتنا , بدليل ان رئيس مخابراتى مثل فلاديمير بوتن يصرح قائلا : ان دائره صنع القرار فى امريكا غير مفهومه له ولمعظم الناس حتى الآن...وفى العالم العربى تعودنا ان نكرر مقوله ان دائره صنع القرار الأمريكى فى يد اللوبى الصهيونى..هذا التكرار والأنتشار الذى تحول الى احدى البديهيات فى المحيط العربى..لكن بوتن يقول ان هذا شئ غير مفهوم , كما ان الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل صرح ذات مره ان أدراه أمريكا أكبر بكثير من كل يهود العالم وثرواتهم لكنهم أذكياء فى ان يتمرغوا تحت اقدامها..لكن أيضا ما أكثر الحكام والأئرياء الذين تمرغوا تحت اقدام الغول الأمريكى ولم يحظوا بما حظت به اسرائيل!!
ولا اجد اكثر عقلانيه لمثل هذه اللغز مما قاله الرئيس الأمريكى السابق ريتشارد نيكسون ردا على سؤال حول علاقه اللوبى الصهيونى والأمبرياليه فى أداره أمريكا قائلا : لا يوجد لوبى صهيونى وأمبرياليه فى أداره أمريكا (لأن بها دستور وكونجرس) لكن الأمبرياليه والصهيونيه فى "الأعلام" وهو لا يمتلك أمريكا وحدها بل و دول الغرب الحليف أيضا..
أذن نقطه القياس التى نستطيع القول -بدرجه لا بأس بها من الأحتمال والتأكيد -أنها تهيمن على قرار هذا الغول الأمريكى هى السياسه الأمبرياليه للأعلام ورأسماليته المتوحشه...
وعوده الى قصه قارون وسحره الفرعون فنجده يورد على لسان قارون عندما طالبه عقلاء قومه بأن يحسن بماله كما احسن الله اليه قائلا " أنما اوتيته على علم منى "...لقد أدعى قارون انه اكتسب ماله على علم منه (وليس بعلم منه) لأٍٍَيضاح انه تحصل عليه بطريق الزيف والخداع ولا فضل لأحد فى ذلك..

كما يورد فى سوره الأعراف صفه السحره التى رأى الفرعون انهم الأٌقدر على هزيمه موسى ( قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم)...
ولأننا نفترض التحالف بين قارون وفرعون وهامان كما ورد , فمن المنطقى ان يكون السحره التى دعاهم الفرعون لهزيمه موسى هم اتباع قارون وعماله حيث نلاحظ تكرار نفس فريه قارون "ساحر عليم" أو أعلام مزيف ومطوع لأغراض الأمبراليه المستغله والممثله فى شخص قارون ..
أنها امبرياليه الأعلام ورأسماليه البروبجندا كما ذكر ريتشارد نيكسون..والتى تجعل من الشر خيرا ومن القاتل المحترف ضحيه..
فهكذا يكون سحر الأعلام عليما عند مثل قارون وفرعون وغيرهم من الطغاه..
وكما نرى يكون تحالف اصحاب منصات التواصل الأجتماعى ومحطات الأعلام مع سحره الأعلام والفن...
هذا التحالف الجهنمى الذى أطاح برئيس أمريكى قوى مثل دونالد ترامب ويمنعه بالأرهاب الأعلامى الآن من الترشح مره أخرى , لا لشئ ألا لأنه يرفع شعار مختلف عما أرادوه ويضع مصلحه بلاده قبل استثمارتهم ومصالحهم ..
وهذا التحالف الذى يحاول أن يصور لنا فى مصر ان ما يعانيه المصريون الآن من أزمات أقتصاديه على انه المخاض المؤلم للميلاد الجديد وليس الأنتكاسه نتيجه السياسات الأقتصاديه الخاطئه وفشل التحول الى مشروع الدراجه الهوائيه فى المدن الكبرى للحد من استهلاك الطاقه وزياده اسعارها...وهل تريد حكومه فاشله فى تمرد 30 أو 40 مليون من مستخدمى السيارات ضدها كما يحدث الآن مع آلان هيدلغر عمده باريس؟؟ لكن الأسهل ان تتحالف الأمبرياليه المتوحشه مع الأعلام المزيف والموجه ليقنعنا ان طوفان الغلاء والفقر هو بسبب الأشتراكيون والعسكر الذين يحاولون السيطره على السوق الحره , وليس بسبب سياساتهم الأقتصاديه الفاشله أولا وخططهم الغير مدروسه أخرا..

(2)
الأمبرياليه الأعلاميه أذن هى الخطوره الوظيفيه التى مثلها قارون فى قصه موسى كما وردت فى القرآن الكريم , ولهذا كان وباله على بؤساء بنى اسرائيل عظيما ولا يمكن اغفاله فى أى سرد أمين للأحداث..
- وكمثال لما يمكن ان تفعله مثل تلك الأمبرياليه الأعلاميه "على علم منها" كما قال قارون ..نستطيع ان نشير الى "زله لسان او سهو" الرئيس الأمريكى جو بايدن وهو يتحدث منذ ابام قليله عن الأوضاع فى قطاع غزه..لنرى كيف يكون الكذب وقلب الحقائق سحرا مدروسا لتلك الأمبرياليه.. فنجد بايدن يذكر انه تحدث الى الرئيس "المكسيكى السيسى" كى يسمح بفتح المعابر ودخول المساعدات الأنسانيه الى الفلسطنيين.ثم يطوى أوراقه ويهم خارجا من المؤتمر الصحفى , وتصحح احدى الصحفيات معلومه ان السيسى رئيس دوله مصر وليس المكسيك كى يهز رأسه "باندهاش" دون ان ينطق بكلمه وينصرف...وبهكذ خدعه لا تستطيع الخارجيه المصريه على الأعتراض- على تكرار نفس اكاذيب السفاح الأسرائيلى بنيامين نتنياهو الأعلاميه -لأنها زله لسان وجل من لا يسهو.. وبالتزامن مع ذلك تنطلق ابواق ومحطات دعائيه "خاصه بهم" من مصر لتطالب الرئيس المصرى بعدم التدخل وتحويل المساعدات الأنسانيه لغزه الى الأسواق المصريه لحل ازمه السكر عند الأعلامى !! و"على علم" منهم كما ذكر قارون وليس زله أو سهو غير مقصود يهدفون فى امانيهم الى حدوث انشقاق فى الصف المصرى أوالعربى والدولى المصتف ضد الممارسات الأسرائيليه اللانسانيه فى غزه...

وقد سرد القرآن الكريم قصه قارون كما أشرنا فى مسار موازى لقصه موسى والسحره..فجاء قى سوره القصص :( إِنَّ قَٰرُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَءَاتَيْنَٰهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُۥ لَتَنُوٓأُ بِٱلْعُصْبَةِ أُو۟لِى ٱلْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُۥ قَوْمُهُۥ لَا تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ(76) وَٱبْتَغِ فِيمَآ ءَاتَىٰكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلْءَاخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِى ٱلْأَرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِىٓ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِۦ مِنَ ٱلْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْـَٔلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ (78) فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِۦ فِى زِينَتِهِۦ قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا يَٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِىَ قَٰرُونُ إِنَّهُۥ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحًا وَلَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلصَّٰبِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِۦ وَبِدَارِهِ ٱلْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُۥ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُنتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوْا۟ مَكَانَهُۥ بِٱلْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِۦ وَيَقْدِرُ لَوْلَآ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُۥ لَا يُفْلِحُ ٱلْكَٰفِرُونَ (82))

وعقاب الله لقارون كما ورد فى الأيات هو الخسف وفقدان الأموال والأنصار..وكما قلنا فى المقاله السابقه انه يغلب على التحليل المنطقى للقصه ان السحره الذين حشدهم فرعون لمواجهه موسى كانوا من انصار وعمال قارون سيدهم..
وكلمه الخسف فى العربيه تحتمل معنى هبوط أمبراطوريه قارون الأعلاميه من عليائها الطاغى الى حضيض الأرض والأفلاس..وقد أبهم القرآن كيفيه حدوث ذلك اعتمادا على حقيقه " أن أمثال قارون يستطيعون دائما خداع بعض الناس بعض الوقت , لكن ابدا لن يستطيعوا خداع كل الناس كل الوقت"...

(3)
فى التراث الأسلامى نجد ان هناك أختلاف كبير فى عدد السحره الذين تم حشدهم لمواجهه موسى فى يوم الزينه , فعن ابن جرير عن ابن عباس انهم كانوا سبعه وأورد ابن كثير انهم كانوا ثمانين ألف ساحرا.. وبالنظر الى دوله عظمى كما كانت الدوله الفرعونيه (أو نظيرتها الأمريكيه فى حاضرنا المعاصر) فلا نستبعد وجود ثمانين ألف من السحره ومهره الأعلام فى أمبراطوريه قارون -الرأسماليه الأمبرياليه - يتم استغلالهم لصنع الأحداث وأداره القرار على مستوى أمريكا وحلفائها..
لكن اذا كانت هناك مواجهه علنيه بين شخص ما ومثل هؤلاء, فالأقرب انهم سيختارون منهم سبعه أو سبعين من رؤسائهم على الأكثر لمثل هذا اللقاء...

و يروى القرآن كيف ان هؤلاء السحره -على منوال زعيمهم قارون- لايكترثون ألا بجنى الأموال فيقولون لفرعون {إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ} [الأعراف: من الآية113 ] فيجيبهم الفرعون ليحفزهم أكثر على هزيمه موسى بأن لهم أيضا القربى والحظوه م السلطان {قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}[الأعراف:114]...

- وقد تعددت صياغة قصه موسى مع السحرة وذكرت في أكثر من موضع في القرآن مما يدل على أهمية موقف التحدي وإظهارا الحق...لكن رغم تلك الصياغات المختلفه سيثور فى عقولنا تسائل عن التتابع الزمنى ما بين انهيار امبراطوريه قارون ولقاء موسى بالسحره ؟؟ هل انهارت امبراطوريه قارون أولا؟ ام ان لقاء يوم الزينه وما تبعه من ايمان لسحره بموسى قد حدث أولا؟؟ وهل هذا الأبهام كان فى خدمه السرد القصصى أم فى خدمه الهدف الأسمى للقرآن؟؟
ربما كان الأحتمال الأول هو الأكثر قربا لتتابع الأحداث..
يعضد من ذلك عرض فرعون عليهم بالقربى منه مما يدل على انهم يفتقدون زعيمهم قارون بعد زوال سلطانه..ويزيد من قوه هذا الأحتمال ما نراه من نصح موسى وارشاده للسحره وقد أحضروا كل شيء للغلبة , قبل المواجهه امام الناس , حيث قال: ﴿ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى ﴾ [طه: 61]، وأغلب الظن انه كان يشير فى تلك الأيه الى قارون وما حاق به كدليل موضوعى لا يفوت على من كان مثلهم...

- ومع هذا الفرض فنحن امام احتمالات متساويه بين اغراءات الفرعون ونصح موسى لمن كان تلميذا ذكيا لداهيه كقارون...أنها نقطه التفاعل النفسى والأزمه الحقيقيه لسحره الأعلام والمشاهير الذين عاشوا طيله حياتهم لا يهتمون ألا بجنى المال مهما كانت الوسيله والطريق ...هل سيتبعون موسى ويخاطرون بشهرتهم الكاذبه ورغد عيشهم الحرام..أن احتمال ان ينجحوا فيما فشل فيه أستاذهم قارون لابد وان يكون لا زال قائما فى عقولهم حتى لو اصبح 50 %...
وأذا ابتعدنا عن رغبتنا الملحه فى تمجيد ايمان السحره , فأنه يغلب على ظنى انه كانت هناك مكاشفه غير علنيه بين موسى والسحره لما يمتلكه كل طرف من اسلحه وحقائق وان ما تلى ذلك من ايات فى سوره طه كانت تلك المكاشفه قبل لقائهم الجماهيرى بقليل: ( قَالُواْ يَٰمُوسَىٰٓ إِمَّآ أَن تُلۡقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنۡ أَلۡقَىٰ (65) قَالَ بَلۡ أَلۡقُواْۖ فَإِذَا حِبَالُهُمۡ وَعِصِيُّهُمۡ يُخَيَّلُ إِلَيۡهِ مِن سِحۡرِهِمۡ أَنَّهَا تَسۡعَىٰ (66) فَأَوۡجَسَ فِي نَفۡسِهِۦ خِيفَةٗ مُّوسَىٰ (67) قُلۡنَا لَا تَخَفۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡأَعۡلَىٰ (68) وَأَلۡقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلۡقَفۡ مَا صَنَعُوٓاْۖ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيۡدُ سَٰحِرٖۖ وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيۡثُ أَتَىٰ )(طه,65-69)

أنها مكاشفه قبل اللقاء الجماهيرى بقليل-يعرفها أهل الأعلام- يظهر فيها كل طرف ما يمتلكه من حقائق ومنطق...يدل على ذلك قوله تعالى "يخيل اليه" أى موسى وحده وليس هناك جماهير معه ... وعلى هذا يكون تحديهم للفرعون واتباع ما جاء به موسى من بينات واعلان ايمانهم بالله امام جماهير الناس , فرصه كى يتحولوا فى نظر معجبينهم الى مشاهير قديسين بعد ان أيقنوا ان ما حاق بأستاذهم قارون من خسف وخيبه سيلحق بهم أيضا ان هم ظلوا على افترائهم على الحقيقه ومع الأخذ فى الأعتبار ان المواجهه الجماهيريه كانت قد اصبحت أمرا محتوما.. فالخيارات المطروحه أمامهم تكون أما ان ينهاروا كما انهار قارون استاذهم ويفترسهم الناس وأما النجاه بطوق الأيمان..
ثم يعاد المشهد جماهيريا فى سوره الأعراف ويسحروا "اعين الناس ويسترهبوهم" وتكون الطامه على فرعون مع أعلان السحره ايمانهم بما جاء به موسى من بينات .
( قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ * قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ * وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ * قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ * قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ * وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ) [الأعراف, 112 - 126].

(4)
- أن الهدف الأسمى فى القرآن الكريم هو الأيمان بالله الواحد الأحد.. تعددت سور القرآن واختلفت موضوعاتها بل وقد تتباين موضوعات السوره الواحده بونا شاسعا وتختلف اختلافا كبيرا (مثل سوره البقره ) , لكن يظل هذا الأطار العام ثابت ويستمر الهدف الأسمى غير متغير..وفى سبيل ذلك استخدم القرآن عده اساليب التى منها اسلوب السرد القصصى "المميز جدا" ..وتأتى قصه موسى وفرعون الخروج فى صداره تلك القصص , حتى ان احدهم أشار الى ذلك قائلا "أنها كادت ان تبلع القرآن ".. ولعل أهميه تلك القصه وتميزها تأتى من كونها تتناول التأثيرات الأجتماعيه والسياسيه على فئه البروليتاريا المستضعفه أو الطبقه الكادحه (المشار أليهم ببنى أسرائيل) فى فتره أنيهار الحضاره الفرعونيه وظهور الحضاره الأغريقيه التى تم الأشاره أليها فى القرآن بقصه القائد الصالح "ذو القرنين" أو الأسكندر الأكبر كما هو مشاع فى الوسط الأسلامى.. لعلنا نستشف ذلك التحول الحضارى فيما هدد به الفرعون بعد ايمان السحره بموسى حيث وجه لهم ما نطلق عليه فى عصرنا الحالى تهمه الخيانه العظمى والمكر لمحاوله أخراج أهل البلاد منها..
( قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ )
- وفى مقوله فرعون تلك نلمح ان بنى اسرائيل -الذين طالب موسى بخروجهم- كانوا يمثلون أهل البلاد الفرعونيه آنذاك من فئات البروليتاريا المستضعفه وفقراء المصريين , ولم يكونوا غرباء عن البلاد أو أجانب يعملون كصف خامس للأغريق.. وكذلك نلمح من انفعاله وعدم رجوعه لمشوره "ملئه أو أنصاره" ثقل الضغط السياسى والعسكرى الذى مثله الأغريق عليه آنذاك من الخارج...
وأذا اعتمدنا رأى الفيلسوف ارنولد توينبى القائل بأن الحضارات تنهار وتضمحل تحت ضغوط داخليه وخارجيه تظهر نتيجه عدم قدرتها على تلبيته متطلبات ملحه فى عصرها...سنجد ان ايمان السحره بموسى امام الناس فى يوم الزينه مثل ضغطا جماهيريا خطيرا وتهديدا داخليا كبيرا على "الفرعون وملئه" - بالأضافه الى الضغط الخارجى الذى نفترض كونه ممثلا فى الأغريق- ليكون بحق بدايه النهايه لتلك الحضاره التى شهدت قبل ذلك أزدهارا عظيما منذ أوزوريس (أو أدريس فى القرآن) ..
لكن القرآن -وأن حث على النظر فى آثار الأولين لمعرفه اسباب زوالهم- لا يستخدم عبارات مرسله مثلما ذكر توينبى..بل انه قاطع فى ان اسباب أختفاء الأمم والحضارات هو عدم أيمانها بالله الواحد الأحد وما يستتبعه ذلك من تفشى الظلم والجور والفساد بين الناس لتأتى سنه الله أليهم -التى هى زوالهم نتيجه عدم قدرتهم على التناغم مع كون الله المتناغم فلا تبكى عليهم أرض أو سماء- ان القرآن محدد جدا فى هدفه الأسمى الذى تطوع له الأشياء أذا ما قورن بتعريف توينبى وعباره (المتطلبات الملحه) التى تهكم عليها احد المؤرخين قائلا أن الحضاره التركيه قد أنهارت بسبب عدم توصلهم مبكرا الى اختراع "التواليت الفرنسى" والراحه التى وفرها مع ظهور شبكه الصرف الصحى!!!

وأى كان من أمر- فأخطر عوامل زوال الأمم والحضارات- هو تحالف امبراليه اعلاميه فاسده مع فاشيه عسكريه ظالمه, فتلبس على الناس والبؤساء أمورهم بالكذب والخداع أو (السحر السيئ) فتجعل من الشر خيرا وتحول الظلم عدلا وترى الديكتاتوريه شورى وديمقراطيه والأستعباد حريه والفوضى ليبراليه. فلم يكن لقارون واتباعه سلطه على الناس غير سلطه أبليس وهى الخداع والمكر السيئ. أنه مثل الطبيب الذى يقنع مصابا بأن بقاء السكين فى جسده واستنزاف دماءه شرط لعلاجه وبدايه شفائه..وحتى يصدق المريض مثل هذا الكذب لابد ان يكون الدجال من بنى جلدته وطبقته. لذا فأى سرد امين لقصه موسى وفرعون لا يمكن ان يهمل دور قارون أو "المسيخ الدجال" وأمبراطوريته الأعلاميه الفاسده فى السياسات التى اتخذتها دوله الفرعون وما أصاب بنى اسرائيل...

وعلى هذا نرى منطقيا ان السرد القرآنى قياسا الى الكتب الدينيه الأخرى هو الأدق والأكثر أمانه لورود قصه قارون به وأن غيابها عن الأحداث يضع علامه استفهام كبيره حول مصداقيه تلك الكتب والمراجع التى تم تبنتها أمبراطوريات أمبرياليه بلغات مختلفه عن لغه اصحابها ...

-ومما سبق نستطيع القول أن ورود قصه قارون فى مسار مستقل كان فى خدمه الهدف الأسمى للقرآن وأن أبهام زوال سلطانه الكاذب لم يضر بالسرد القصصى فى مسار قصه موسى مع السحره حيث تم الأشاره أليها على لسان الفرعون ضمنيا بما يتناسب مع شخصيه الفرعون والسحره وغموض الموقف بالنسبه لهم...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي